الصومال : شعب ينتظر الفرج من الأشقاء بقلم:زياد ابوشاويش
تاريخ النشر : 2008-06-27
الصومال : شعب ينتظر الفرج من الأشقاء بقلم:زياد ابوشاويش


الصومال : شعب ينتظر الفرج من الأشقاء
بقلم : زياد ابوشاويش
يخامرني الشك أحياناً في انتماء الصومال العربي ولا أعرف لماذا وكيف أصبحت الصومال عضو في جامعة الدول العربية ، وقد يلومني بعض القراء على ذلك ، وقد يتساءل آخرون لماذا يتشكك كاتب يعرف أن الصومال قطر عربي شقيق وعضو في الجامعة العربية ، غير أن الأمر سيبدو شديد الوضوح عندما يمر المرء بذاكرته على مجريات الأحداث والتطورات في الصومال منذ ثمانية عشر عاماً وحتى اليوم فلا يجد أي دور حقيقي أو حتى شكلي لجامعة الدول العربية أو الأشقاء العرب في تقديم يد العون لهذا البلد المنكوب بمجموعاته المسلحة الأقرب لعصابات قطاع الطرق إلا من قلة تريد لوطنها الوحدة والاستقلال والرفعة فلا تجد أسلوباً سلمياً لذلك فتلجأ كالآخرين للسلاح .
منذ سقوط الحكومة المركزية في الصومال بزعامة الرئيس الاشتراكي زياد بري انقسم البلد إلى عدة دويلات يحكمها زعماء الجماعات المسلحة أو ما أطلق عليه أمراء الحرب ، وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يزيد عن عشر سنوات وبغطاء أممي معالجة الأمور في الصومال عبر تدخل عسكري سعت من خلاله للسيطرة على أهم ثغور إفريقيا ومداخلها لكنها ما لبثت أن غادرت البلد على عجل بعد أن تم سحل بعض جنودها في شوارع العاصمة الصومالية في حينه ، ومنذ ذلك التاريخ تحاذر الأمم المتحدة ومجلس الأمن في اتخاذ أي قرار بالتدخل المباشر في الصومال باستثناء الشهرين الماضيين حيث كان هناك توجه بأخذ قرار ينص على نشر قوات من الأمم المتحدة حال الاتفاق على مصالحة تنهي الوجود الإثيوبي في الصومال .
إن مشكلة الصومال تشبه المعضلة اللبنانية مع اختلاف يتعلق بالطوائف التي تتمثل في الصومال بالقبائل وميليشياتها المسلحة وأمراء حربها الكثر، ومن تابع تطورات الوضع في الصومال على امتداد السنوات العشرين الماضية سيعرف كم ظلم شعب هذا البلد وكم تعذب سواء على يد قادته أو على يد بعض جيرانه وفي مقدمهم إثيوبيا التي تحتل الآن القسم الأكبر من الصومال بعد احتلال إقليم أغادين المعروف بانتمائه التاريخي للصومال .
إن أزمات الاقتصاد وشظف العيش يرافقها أزمة اجتماعية حادة يعيشها أهل العاصمة كما معظم المدن والقرى المأهولة في هذا البلد العربي الكبير، حيث لا مجال لتطبيق أي برنامج تعليمي أو اجتماعي أو صحي أو اقتصادي أو أي عنوان من عناوين التنمية في ظل حالة الاحتراب الداخلية الدائمة في هذا البلد المنكوب ، وزاد الطين بلة أن قسماً من قادة البلد لجأوا للاستعانة بالقوات الإثيوبية بغطاء أمريكي من أجل التدخل في الصومال لإسقاط نظام المحاكم الإسلامية المتشدد باعتباره حسب الرواية الأمريكية نظاماً طالبانياً جديداً ومرتبطاً بهذا الشكل أو ذاك بتنظيم القاعدة المعروف . إن هذا التدخل الإثيوبي قد فاقم ليس أزمات البلد المعيشية بل كل مشاكل الصومال وعلاقات الافرقاء الصوماليين المأزومة أصلاً ، وقد نظر الشعب الصومالي لهذا التدخل باعتباره احتلالاً يجب أن يقاوم ويطرد من البلد ، وعلى هذه الخلفية شاهدنا معارك ضارية تقع في شوارع العاصمة وهجمات متكررة على مواقع الجيش الإثيوبي المحتل وحلفائه المحليين من أنصار الحكومة المؤقتة والرئيس المؤقت عبد الله يوسف .
من المعروف تاريخياً أن هناك أطماع لإثيوبيا في الصومال تتعلق ببسط نفوذها عليه وتسخير امكاناته وإطلالته على المحيط ليشكل معبراً لإثيوبيا تحتاجه استراتيجياً خصوصاً بعد استقلال ارتيريا وفقدها ميناء أسمرة الهام ، ولعل هذا الأمر هو ما جعل التدخل الإثيوبي وحتى بطلب من حكومة صومالية أمر غير مقبول في الصومال، ولا زالت تجربة إقليم أوغادين ماثلة في الأذهان . إن الاتفاق الأخير والذي تم توقيعه بين الحكومة المؤقتة وتحالف إعادة تحرير الصومال بإشراف وفد من الأمم المتحدة بجيبوتي هو الأشمل حتى الآن ويعول عليه الكثيرون لبدء الخروج من الأزمة الراهنة ، لكن هذا الاتفاق يواجه معارضة جدية من أطراف عديدة في هذا التحالف وفي مقدمتها "حركة شباب المجاهدين" التي قاطعت المفاوضات واتهمت الموقعين بأنهم إنما فعلوا ذلك خوفاً من وضعهم على قائمة الإرهاب الأمريكية ، وكان شيخ شريف شيخ أحمد رئيس التحالف قد وقع مع رئيس الحكومة المؤقتة الاتفاق قبل بضعة أيام ، وأعلنت الأمم المتحدة نيتها في إرسال قوات أممية لحفظ الأمن والسهر على تطبيق الاتفاق حال خروج القوات الإثيوبية من الصومال . ومعروف أن اعتراض بعض قوى التحالف على الاتفاق كان بسبب النظرة للقوات الإثيوبية وطريقة التعاطي معها لإنجاز الحل باعتبارها قوات غازية وضرورة أن ينص الاتفاق على هذا المعنى ويطلب صراحة خروج هذه القوات على الفور .
في اعتقادي أن سعياً جدياً من قبل الموقعين على الاتفاق لإشراك باقي القوى وطمأنتها على مستقبل الترتيبات الداخلية سيمكن الصومال من الحل خصوصاً وأن الأمم المتحدة ضالعة هذه المرة بقوة في الحل ، والأمر الذي ربما يمثل نقطة إجماع تساعد في هذا المجال هي إنهاء الوجود الإثيوبي مع ضمانا بمشاركة كل الأطراف المتنازعة في الحكم عبر انتخابات حرة في البلد تشرف عليها الأمم المتحدة، أو تساعد فيها إن لم نقل تشرف جامعة الدول العربية التي اتهمها كثير من زعماء الصومال بالتقصير في مساعدة الصومال وأعتقد أن هناك جانب كبير من الدقة والمنطق في هذا الاتهام .
لا شك أن الصومال اليوم على مفترق طرق ،فإما يعود البلد إلى شكله ومضمونه كوطن موحد للشعب الصومالي ويبدأ مرحلة النمو والتطور الطبيعية كأي بلد حر ومستقل ، وإما يغوص عميقاً في متاهات الحرب الأهلية التي لن تنتهي لألف عام . إن كل حريص على مصلحة الصومال من أبنائه وقادته وكذلك من أشقائه المفترضين في أمة العرب والإسلام معني بتقديم يد العون والمساعدة للصومال عبر العمل على توحيد حركاته وقواه حول برنامج أو وثيقة أو اتفاق شامل يعالج عناوين الأزمة بكل تجلياتها وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويؤسس لمرحلة جديدة في عمر الشعب الصومالي الشقيق الذي نتمنى له السلامة والسؤدد .
زياد ابوشاويش
[email protected]