حديث ما بعد التهدئة ...حذار فـ "إسرائيل " ليست بالغبية ولا بالهينة !!! بقلم:سماك برهان الدين العبوشي
تاريخ النشر : 2008-06-26
حديث ما بعد التهدئة ...حذار فـ


لقد خَبـَرْنا مكر عدونا الصهيوني وتلمسنا خبثه وجربنا دهاءه السياسي على مر السنين المنصرمة ، والشواهد على ذلك كثيرة ولا تحتاج من أجل تقديم الدليل والبرهان على ما نقول لعناء تفكير وتدبر أمر، فاتفاقيات كامب ديفيد وما نتج عنها من انسحاب "إسرائيل" من سيناء كانت من معطياتها وبركاتها خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني ومحاولات حثيثة ومستمرة تقوم بها "إسرائيل" من أجل تطبيع العلاقات مع شعبها العربي والتي باءت جميعها بالفشل الذريع بحمد الله وشكره ، ثم اتفاقيات أوسلو وما نتج عنها من تجميد لدور منظمة التحرير الفلسطينية وإلغاء بعض بنود ميثاقها وتبني قيادة فتح للنهج السلمي في ( اجتهاد منها ) لانتزاع ما يمكن انتزاعه من "إسرائيل" في ظل يأس مرير من دعم أنظمة عربية لإعادة حقوق الشعب الفلسطيني عن طريق المواجهة العسكرية مع العدو طيلة نصف قرن مضى ، ثم تبع ذلك مؤتمر أنابوليس وما تلاه من مفاوضات عقيمة كانت من أبرز معطياتها إزدياد وتائر إقامة مستوطناتهم في الضفة واستمرار حمى تهويد القدس ومزيد من التشرذم والانقسام في المشهد الفلسطيني الداخلي ، ولقد ترتب عن كل ما ذكر آنفاً أننا بتنا على قناعة تامة من أن قاموس "إسرائيل" لا يتضمن التنازل عما في يديها ، وهي إن تنازلت عن شيء ما فهي ولاريب قد وقعت عيناها على ما هو أكثر نفعاً لها وأكبر شأناً مما تنازلت عنه ، أو أنها تكون قد درست الأمر ملياً وخططت لتتفادى نتائج خطب بات يتهددها ، وفي هذه الحالة تحديداً فإنها تقوم بتغيير تكتيكها من أجل احتواء ما يتهددها أو تحجيم تأثيراته انتظاراً لتغيير يطرأ فيبعد عنها ذاك الخطر لتتنصل عما اتفقت عليه من أجل الاستحواذ على جائزة كبرى كانت تعلق عليها آمالها ، ولعل موافقة "إسرائيل " على التهدئة الأخيرة يندرج ضمن هذا التصور والفعل التكتيكي لها دون أي مساس أو تغيير في استراتيجيتها المعلنة وغير المعلنة!!!.

لقد تزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن اتفاقية التهدئة التي تم التوصل اليها بين فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية مجتمعة وبين الكيان الصهيوني والتي تمت بجهود مصرية ... ولسنا هنا بصدد إعادة واستعراض ما تحدث عنه الزملاء الكتاب الأكارم والمحللون السياسيون الأفاضل عن بنود هذه الاتفاقية ونتائجها الإيجابية والسلبية ... ولكننا آثرنا أن نسترعي الإنتباه لأمر على قدر كبير من الأهمية والتي لربما فات على بعضهم ذكره أو أنهم كانوا قد مرّوا عليه مرور الكرام تنويهاً ، ذلكم هو ما قد تكون "إسرائيل" قد خططت له لما بعد التهدئة التي أجبرت عليها مرغمة بفعل صمود أبنائنا في غزة أولاً وبفعل الضربات الموجعة التي أرعبت سكان اسديروت وعسقلان ثانياً ، فراحت تفكر في كيفية توظيف واستثمار تلك التهدئة لصالحها من خلال إحداث متغيرات جوهرية في المشهد السياسي في غزة والضفة لتكون من نتائجه فقدان حماس لأسباب قوتها وصمودها بغية تحجيم دورها وإزالة أسباب خطرها عن المدن الصهيونية ، وهذا لعمري أخطر ما في الأمر!!!.

وكما نوهنا في مقدمة مقالنا هذا من أن "إسرائيل" من المكر والدهاء ما يجعلنا نفكر ملياً ونتحسب لما تتوخاه من قبولها بالتهدئة لاسيما وأن موافقتها على التهدئة قد جاءت بعد سلسلة من اجتماعات عاصفة للحكومة الصهيونية تخللتها سجالات وتضارب آراء لقادة الاحزاب الصهيونية المشاركة فيها لتصل في ختامها إلى الموافقة التكتيكية والعمل على استثمار معطيات مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاقية في سبيل تغيير المشهد برمته لصالحها وذلك من خلال المراهنة على إحداث ما يلي :

أولاً ... زعزعة حركة حماس من الداخل:
يعتبر الإعلام الموجه لأي عدو حلقة هامة ومكملة تقف في مؤازرة الجهد العسكري للعدو من خلال نشرها أخباراً عارية عن الصحة تماماً ( فبركة إعلامية ) أو أخباراً تحتوي على جزء من الحقيقة لتبني عليها وتؤسس من أجل زعزعة الأوضاع الداخلية للطرف المقابل ، وهذا ما مارسه غوبلز وزير إعلام هتلر وهو صاحب المقولة الشهيرة ( إكذب إكذب إكذب حتى يصدقك الناس ) ، ولقد استفاد العدو الصهيوني مما آمن به غوبلز ومارسه إبان استيزاره فراح يمارسه إعلامه من خلال تلك الأخبار التي تنشرها صحفه والتي كان آخرها ما قامت صحيفة هاآرتس العبرية بنشر تقرير أعده الصحفي آفي يسخروف والمنشور في ( موقع فلسطين الانتفاضة ) عن أزمة كبيرة تعصف بالجناح العسكري التابع لحركة حماس بسبب توترات مستمرة بين الجناح العسكري الذي يقوده السيد احمد الجعبري وبين القيادة السياسية لحماس في غزة والتي أصدرت قراراً باستبداله وتنصيب " عماد عقل " بدلا منه وهو أحد قادة الجناح العسكري أيضا!!.
لقد أحسنت قيادة حركة حماس صنعاً حين سارعت إلى نفي هذا الخبر جملة وتفصيلاً وبالصور من خلال موقع ( مركز البيان للإعلام ) مؤخراً، غير أننا لا نستبعد قيام العدو الصهيوني بتكرار هذا النهج الإعلامي المدسوس والرامي إلى زعزعة الشأن الحمساوي الداخلي وصولاً لتحقيق أهدافه المرسومة من أجل شق وحدة الصف الحمساوي بغية إضعاف قدراتها التنظيمية وتفاهماتها مع باقي الحركات والفصائل الأخرى!!.

ثانياً ... فك الارتباط والتنسيق المشترك بين حماس وبعض فصائل المقاومة التي تساندها :
لا يختلف اثنان بأن إتفاق التهدئة يحمل في طياته دلالة باتت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، تلك الدلالة التي تشير إلى تسليم إسرائيل بحقيقة أن مقدرتها على تحقيق الأمن لمستوطنيها لا يتوقف على جاهزية جيشها فحسب بل يتوقف بالدرجة الأساس على إرادة المقاومة الفلسطينية ووحدة كلمتها وحسن تنظيمها وتكاتفها ، وبالتالي فإن "إسرائيل" باتت تدرك تماماً ما عليها أن تفعله في قادم الأيام من أجل إضعاف إرادة الفصائل المقاومة والمناهضة لها وتشتيت اصطفافها مع بعض من خلال إحداث ما يعكر هذه الإرادة ويضعفها ليصبح لجيشها وفعلها الدور الأهم والوحيد الذي يحافظ على أمن قطعانها ، ومن هذا المنطلق جاء إصرار العدو الصهيوني على رفض شمول الضفة ببنود الاتفاق في بداية تنفيذها وذلك كي يتمكن من توجيه اعتداءاته المتكررة على مدن الضفة غير المشمولة ببنود الاتفاق على أمل قيام بعض الفصائل الوطنية الفلسطينية على أساس وحدة المصير الفلسطيني ومن داخل غزة تحديداً بالرد عليها مما سيضع حركة حماس في موقف صعب باعتبارها أنها قد وافقت على بنود الاتفاق وأنها ستعمل جاهدة على تثبيته مما قد يجبرها لأن تقف بوجه هذه الفصائل التي ردت وسترد مستقبلاً على اعتداءات الكيان الصهيوني ، وقد يتطور الأمر كما تحلم وتتمنى "إسرائيل" إلى حدوث قطيعة بين حماس وهذه الفصائل مما يفقد حماس تأييد هذه الفصائل المساندة لها وبالتالي إلى إضعافها داخل الشارع الغزاوي تحديداً!!.

ثالثاً ... ممارسة الضغط على السلطة من أجل تقديم مزيد من التنازلات لـ "إسرائيل" :
لقد بات واضحا للعيان وباعتراف الصحافة العبرية ذاتها أن حماس قد حققت جزءاً من مطالبها وأهدافها المتمثلة باستراحة المقاتل استعداداً وتهيؤاً لجولات قادمة من المواجهات والتصعيد الصهيوني ، هذا إلى جانب فتح المعابر أمام انسيابية دخول البضائع إلى غزة بعد طول حصار وتجويع لأبنائها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر وكنتيجة منطقية لهذه التهدئة فإن حماس قد حصلت على اعتراف العدو الضمني بقوة وفاعلية وحضور صواريخ ومقاومة حماس والفصائل المساندة لها كحركة الجهاد الاسلامي رغم كونها من وجهة النظر الصهيونية ( منظمات إرهابية !!) وبالتالي فلا يجوز لها التعامل معها حتى وإن كان عبر وسيط دولي ، مما كان له أكبر الأثر في الشارع الفلسطيني وإرتفاع قناعته بصمود وإصرار حركة حماس رغم تهديدات العدو الصهيوني على اجتياح غزة ومقارنة هذه المعطيات بنتائج تلك السنوات من المفاوضات والمؤتمرات التي قضتها السلطة والتي كان تحصيل حاصلها توسع الاستيطان أفقياً في الضفة ومصادرة المزيد من الأراضي وتهويد مستمر ومتزايد لمدينة القدس ، مما سيدفع المقربين من السيد الرئيس ممن يؤمنون بنهج التسوية وارتبطوا بجولات من المفاوضات الثنائية مع العدو إلى ممارسة الضغط عليه كي يوافق على منح العدو فرصة أخرى لجولات ثنائية ( علنية وسرية ) من جانب وتقديم مزيد من التنازلات للعدو كي يقوم الأخير بإظهار السلطة وكأنها قد حققت بعض المكاسب على الأرض كما يحاول هذه الأيام تسريب بعض الأخبار بعد زيارة أي مسؤول أمريكي أو أوربي للمنطقة!!!. .

وإزاء كل ما تقدم ... فإننا نؤكد على جميع فصائلنا الوطنية ضرورة إتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر مما تبيته "إسرائيل" لهذه التهدئة والتي أجبرت عليها، وأن تضع هذه الفصائل في حساباتها تلك الحقيقة القائلة بأن ليس من عادة العدو التنازل عن شيء إن لم يكن في حساباته أنه سيجني شيئاً أكبر شأناً وما يغطي ثمن تنازله ذاك ، وتذكر بأن العدو من ( تجار السوق ) الفطنين والماهرين في تجارته وحساباته ، فقد يبيع بثمن بخس بضاعة ثمينة فإنه حينذاك يكون قد وضع في حسبانه أنه سيجني ثروة طائلة من صفقة لاحقة لها ارتباط بهذه الصفقة التي ربما اعتبرها أنها طعم لجذب الزبائن له ، وفي هذا السياق فإن عدونا قد وضع في حساباته ما نوهنا عنه بفقرتينا ( 1 ، 2 ) آنفاً لتحقيق شرخ داخل حركة حماس أولاً ولتجريدها من مساندة حركات المقاومة الوطنية التي تماثله نهجاً وتوافقه طرحاً من خلال خلق حالة من الإرباك والاحتراب بينها جميعاً ، من هنا فقد كان لزاماً على حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الإنتباه لذلك ومنع حدوثه من خلال إنشاء ( خلية أزمة ) مشتركة تضم ممثلين عن هذه الفصائل جميعاً لمعالجة الأزمات الطارئة التي قد تنشأ ولتفويت الفرصة على العدو وإحباط مساعيه التي ذكرناها آنفاً ، هذا من جانب ومن جانب آخر لا يقل شأناً وخطورة عما سبق ذكره آنفاً وهو ضرورة استثمار هذه الحركات والفصائل الوطنية لحالة التهدئة الراهنة هذه من أجل تطوير قدراتها وأساليبها القتالية والاستعداد والتحفز الدائم لرد العدو في أي وقت وزمان كان لاسيما وأن الأخير لا يؤتمن جانبه فلقد عودنا على نكث تعهداته ولحس اتفاقاته وتفاهماته حتى مع أصدقائه وحلفائه الأمريكان ، فهو لا يفهم غير لغة القوة ولا ينصاع لغيرها أبداً.
ختاماً نقول ونذكر ... بإن ضمانات استمرار التهدئة ونجاحها تكمن في تلك المعطيات التي أدت إلى قبول العدو الصهيوني وهي ... قوة الشعب الفلسطيني وتلاحمه واستمرار مقاومته وصموده.
سماك برهان الدين العبوشي
عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب
[email protected]