مدراء وموظَّفون! بقلم:جواد البشيتي
تاريخ النشر : 2008-06-25
مدراء وموظَّفون! بقلم:جواد البشيتي


مدراء وموظَّفون!

جواد البشيتي

ولـ "الإدارة"، في مؤسَّساتنا العامة والخاصة، نصيبها من "الفساد"، فالفساد، بأوجهه كافة، ينتشر كالغاز في كل نواحي وجوانب حياتنا؛ وقد جاءت كل تجارب مكافحته بما يقيم الدليل على أنَّه كلَّما "كوفِح" نما، واستفحل، واشتد ساعده، وكأنَّ لنا مصلحة في مكافحته بما يُقوِّيه!

من قبل، كان الفساد مرضاً (من أمراضٍ عدة) في إداراتنا، وجزءاً، ليس إلاَّ، من وجودها وعملها؛ أمَّا اليوم فهو "نمط الإدارة"، وناموسها، فالفساد في "الإدارة" نما واستفحل حتى أصبحت "الإدارة"، في واقعها وحقيقتها، "إدارة للفساد". وقد حان لنا أن نفهم "الإدارة الفاسدة" على أنَّها نمط من أنماط الإدارة، فكل "إدارة فاسدة"، "إدارة"؛ ولكن ليس كل "إدارة"، "إدارة فاسدة".

من أنماط الإدارة كافة اخْتَرْنا، أي اختارت لنا مصالحنا، "الإدارة الفاسدة"، التي فيها نرى: كثرة في المدراء، وقلَّة في الإدارة؛ كثرة في الوظائف، وقلَّة في الأعمال؛ وظيفة بلا عمل، وعمل بلا وظيفة؛ مَنْ يعمل لا يُكافأ، ومَنْ لا يعمل يُكافأ، حتى غدت "العدالة"، في معناها الذي أفسده الفساد، طلباً لـ "مساواة" مَنْ يعمل بمَنْ لا يعمل!

المرء لا يُوْلَد مُوظَّفاً؛ بل يصبح مُوظَّفاً؛ والموظَّف لا يُوْلَد فاسداً؛ بل يصبح فاسداً، فالموظَّف الفاسد يُنْتَج إنتاجاً، يُصْنَع صناعة؛ أمَّ مُنْتِجه وصانعه فهو "سياسة التوظيف"، التي لم تهبط من السماء؛ بل فُصِّلَت مبادئها بما يلبِّي احتياجات أصحابها، ويخدم مصالحهم.

و"سياسة التوظيف" المعمول بها في مؤسَّساتنا، ليست هي ذاتها المنصوص عليها في "القانون"، الذي هو نصٌّ (قانوني) يُقَرُّ من أجل "عدم العمل" به. تلك السياسة نراها بشحمها ولحمها لدى من يملك سلطة إخراجها من حيِّز النص إلى حيِّز الواقع، أي لدى من يملك سلطة التوظيف والتشغيل، فموازينه، ومعاييره، ومقاييسه، ليست بموضوعية، إذا ما فهمنا الموضوعية، في هذا الأمر، على أنَّها تَوافُق قرار التوظيف مع شروط وأحكام وقوانين التوظيف المنصوص عليها في سياسة التوظيف، التي ينبغي لها، إذا ما أُريد لـ "المؤسَّسة"، أكانت عامة أم خاصة، أن تستوفي شروط ومعنى "المؤسَّسة"، أن تكون سياسة للتوظيف الذي يلبِّي حاجة المؤسَّسة إلى تحسين وتطوير عملها وأدائها وإنتاجيتها.

ونحن حتى الآن، وعلى وجه العموم، لا نملك من سياسة التوظيف والتشغيل، في جانبها العملي، إلاَّ ما يجعل المؤسَّسة مؤسَّسة لـ "البطالة"، الجزئية، أو المُقنَّعة؛ فـ "جيش العاطلين عن العمل" مِمَّن "يعملون" في مؤسَّساتنا لا يقل، إنْ لم يَزِدْ، عن "جيش العاطلين عن العمل" في خارجها، وفي مجتمعنا.

ولولا سياسة التوظيف المعمول بها (بما يخالِف ويناقِض أحكامها وقوانينها) لانْتَفَت ظاهرة "وظائف بلا أعمال"، أو ظاهرة "الموظَّف الذي يتقاضى راتباً على عدم العمل"، والذي كلَّما قلَّ عمله والتزامه وكفاءته، زاد راتبه، وعلت مرتبته!

ومن تلك الظاهرة تتفرَّع ظاهرة أخرى هي ظاهرة الوظيفة التي يؤدِّي صاحبها عملاً، ظاهره غير باطنه، وباطنه غير ظاهره، والتي بفضلها يَظْهَر "بوَّاب العمارة" على أنَّه "مالك العمارة"!

لقد حان لمؤسَّساتنا أن تُطلِّق ثلاثاً هذا النمط من الإدارة، أي نمط الإدارة التي تدير الفساد ولا تحاربه، وأن تُنهي تلك الظواهر، التي أتينا على ذكر غيض من فيضها، فالإدارة التي إليها نحتاج إنَّما هي التي تكثر فيها الإدارة ويقل المدراء، ولا يبقى فيها من مكان لمدراء يديرون مؤسَّساتهم بما لا يملكون من العقل والكفاءة والخبرة، فَيُنْفَذُ أمرهم، فيقال "مدراء"!