لم تكن مصادفة للمناطق الجنوبية في معظم بلدان العالم والمنتشرة على مساحة القارات الخمس، أن تكتسب طابعها المميز عن غيرها من مناطق الوسط والشمال، لقد أخذت صفاتها نتيجة حتمية لعدة عوامل أساسية لعبت دورا هاما في إصباغ تلك الخواص التى ميزتها ،حتى أصبحت تدرس كجغرافيا سياسية التصقت بالأقاليم المختلفة ، لوضعها محل التشريح في معظم الكليات المختصة للوصول إلى نوع من الحلول لن تكون جذرية في المناطق التى تفاقمت فيها، ولكنها تحد وتخفف من هول الفوارق، ولوضع حلول تكون ناجعة وناجحة للمناطق التى هي في طور التحول وهو لب أهداف المقال هذا.
إنها مناطق تدار اسميا من مركزية الدولة ، ولكنها عمليا وفعليا تحت تأثير مجموعات من مافيا اقتصادية تهيمن على مؤسسات الدولة الرسمية بامتداداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يشكل ما يسمى بالنفوذ إلى مراكز القرار في الدولة بارتباطات لا تكون واضحة ولا يمكن إثباتها بالدليل القانوني طبعا..
إنها مناطق تقع تحت تأثير مجموعات قوية اقتصاديا وسياسيا وتفرض هيمنتها اجتماعيا بالترغيب والترهيب لمعظم الشركات، ومراكز الإنتاج بشكل تكميلي للدولة ولا تستقل عنها أبدا فتكون واجهتها شخوص مرتبطة بمركزية الدولة ، وهم أنفسهم يشكلون ساترا قانونيا لما بعدهم في التسلسل الهرمي فهي عوالم أخرى على الأرض والواقع ، فنظرة سريعة إلى أوروبا ولنأخذ مثالا دولة ايطاليا نجد جنوبها كله تسيطر عليه تلك الجماعات التى قد تتحد وتتفق في الخطوط العريضة حتى لا تتضارب مصالحها على الأرض، فيكون نوع من التنسيق فيما بينها وفيما بينها وبين مركزية الدولة للحفاظ على شرعيتها القانونية فلا تكون خارجا عنه بحكم الدستور ..!! انه إخطبوط بأذرع متشابكة قوية وعقل مدبر يدير مصالحها، ونجد تلك المناطق فعليا تختلف من حيث التراجع في التنمية البشرية والتقدم الإنتاجي ، وبالتالي تنعكس على مجمل العادات الاجتماعية التى يطغى عليه التطرف على مستويات التعامل الإنساني أو على مستويات المعتقدات الدينية المتعصبة بشكل تجهيلي يعود إلى القرون الوسطى من سيطرة الكنيسة ، حيث البيئة تفرض اللجوء إليها من حيث ارتباطات أبسيكولوجية للنفس البشرية. فإذا انتقل فرد إلى مناطق الوسط أو الشمال فانه يفاجأ بهول الفوارق فيعتقد بأنه في إقليم مختلف فيشعر بغربة داخل البلد الواحد وهذا دليل واضح على ما نطرحه. ومثال آخر فرنسا فان جنوبها يزخر بنفس الدلالات والمؤشرات بفارق تواجد معظم المتجنسين من العرب القادمين من بلاد المغرب العربي في تلك المناطق فتكون الفوارق قد تعقدت أيضا على كل المستويات وهنا يبرز تساؤل لماذا تم توجيههم إلى مناطق الجنوب ولم يسمح لهم بالبقاء في الشمال أو الوسط بكثافات عالية مقارنة بالجنوب ونستثنى بعض الحالات طبعا في كل الأمثلة المطروحة.
ولو انتقلنا إلى آسيا حيث الاتحاد السوفييتي سابقا وتفحصنا جمهورياته الجنوبية كمناطق جنوبية فإننا نصدم من هول الفوارق التى ضربت كل المجالات ومثال آخر دولة لبنان حيث جنوبها واختلافاته التنموية المتراجعة في سلم المقارنات للمناطق الشمالية والوسط للإقليم ولو تفحصنا الجوانب الاجتماعية والسياسية لتطابقت مع العامل الاقتصادي بشكل يمثل فعلا مناطق جنوبية واضحة المعالم .
ونظرة إلى دول الأمريكيتين ففي الولايات المتحدة مثالا وهى التى تعتبر رائدة التطور العلمي والتقدم التكنولوجي فان هناك من الولايات الجنوبية التى ما تزال تعيش تاريخ الحروب الأهلية هناك و ما تزال تحيى ما قبل مأتى عام على كل المستويات . ولو انتقلنا إلى أمريكا الجنوبية وأخذنا البرازيل مثالا ذلك الإقليم الغنى بالثروات والتصنيع نجد جنوبه وقد تحول إلى ما أشبه بخرابات يباع فيه البشر ويكثر التخلف وتنتعش فيه تجارة اللحم الأبيض بأنواعها المختلفة . وبانتقالنا إلى إفريقيا وأخذنا مثالا مصر العربية فانا نستطيع تمييز أهل الجنوب ومناطقهم عن الوسط والشمال بكل سهولة ولو نظرنا إلى تلك المناطق من منظور طبوغرافى لتأكد صحة ما نقوله وكذلك الحال في السودان والمغرب العربي فان المناطق الجنوبية تزخر بفقر وتراجع في التنمية والإنتاج والإهمال وسيطرة مافيات ذات صفات سياسية (انفصالية ) واقتصادية.
وعودة إلى آسيا ولنتفحص معا فلسطين على اعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة هي الوحدة الجغرافية السياسية لدولة فلسطين المستقبلية ( أراضى أل 67 ) فإننا نلاحظ:
التوجه السريع لقطاع غزة لأن يكون من ضمن المناطق الجغرافية السياسية الجنوبية كباقي أقاليم العالم وأمثلتها المتعددة ، فالمؤشرات كلها تقود إلى اعتبارها قريبا وحتى بعد الاستقلال لتأخذ هذا الطابع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بلا مبالغة أو مجاملة ، بمعنى توجهها السريع لأن تكون اسميا لا فعليا تحت مظلة مركزية الدولة وستكون مؤشرات تراجعية للتنمية البشرية والاقتصادية وستسيطر عليها جماعات متعددة تكون تجسيدا لما أشرنا له سابقا لتثبيت طابعها الجغرافي للمناطق الجنوبية أسوة ببقية العالم للأسف الشديد .
هذه مقدمة سريعة جدا ، لموضوع بحاجة إلى تعمق أكثر وتفاصيل أعمق ، والى سلسلة من مقالات حتى نجلى أوجه الربط والعلاقة والى طرح حلول معينة قابلة للتنفيذ إن أمكن للحد من انحدار مناطق غزة لتصبح مناطق جنوبية مهملة كما ونوعا بسبب تأقلمها وانحدارها السريع لطبيعة ومميزات المناطق الجنوبية المتأخرة عن ركب الشمال المتطور في دول العالم.
فهل يمكن لمن يهم الأمر ، الحيلولة دون انجرافها وانزلاقها حتى لا تصبح إحدى مناطق الجنوب في إقليم فلسطين المستقبل ؟؟.
والله من وراء القصد.
إلى اللقاء.
جنوب الأقاليم في سفر التقييم بقلم:م. زياد صيدم
تاريخ النشر : 2008-06-23
