القرويين: قصة أقدم جامعة في التاريخ (2من16) بقلم: أحمد الظرافي
تاريخ النشر : 2008-06-21
2- أسبقية جامعة القرويين تاريخيا
-------------------------------
يعتبر مسجد القرويين كمؤسسة تعليمية، هو الأقدم والأعرق بروزا من الناحية التاريخية مقارنة بكلٍ من مسجد وجامع الزيتونة في تونس ، ومسجد وجامع الأزهر في القاهرة .

كما تعتبر جامعة القرويين – وفقا لآراء عددٍ من الباحثين الغربيين والعرب - أقدم جامعة في العالم الإسلامي، على الإطلاق، إن لم يكن في تاريخ العالم.

ويتحدث عن ذلك الكتاب المرجعي الذي أصدره حديثاً د. أحمد الحفناوي بعنوان «جامعة القرويين في المغرب: تاريخها التعليمي وعطاؤها الفكري والسياسي 245-1393هـ/ 859-1973م» (القاهرة، 2000)[1]."

وتمثل القرويين - جامعا وجامعة - أبرز وأعرق الجامعات الإسلامية، فهي رمز من رموز الهوية الإسلامية وصرح من صروح الفكر والثقافة في العالم، جمعت بين الأصالة والمعاصرة والتجديد وانتشرت منها أنوار المعرفة والحكمة والشريعة في كل أرجاء المغرب والعالم الإسلامي، كما اقتبست منها الحضارة الإنسانية روح المعرفة الدينية المتفتحة وأسس الانتعاش الحضاري[2].

وإن كان: لا يعرف بالتحديد تاريخ بدء الدارسة المنتظمة – في القرويين- لكن المعروف أنها بدأت حينما اتسعت الأروقة والأعمدة الني كان يلتف الطلبة حولها على شكل درس أو مجلس[3] وكان هناك: ثلاثمائة وستة وستون عموداً يرتكز عليها سقف المسجد بقبابه الجميلة وزخارفه البديعة، فيما هناك أربعة عشر باباً، كل بابٍ يؤدي إلى واحد من الأسواق المختلفة، ذلك لأن فأس القديمة كانت تخرِّج الحرفيين والتجار والعلماء على حدٍ سواء[4].

وكانت العلوم التي تُلقن في رحابها تضاهي أو تفوق مستوى العلوم المدروسة في كبريات الجامعات ومعاقل العلم شرقاً وغربا[5]

وحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية فإن هذه الجامعة هي أقدم واحدة في العالم، والتي لازالت تُدرس حتى اليوم[6].

ونقل الدكتور "عبد الهادي التازي" عن" كريستوفيتش" في مقالته – أو بالأصح كتابه عن جامعة القرويين - أن جامعة القرويين "أقدم مدرسة كلية علمية في العالم" وأن من جملة من تلقى علومه في هذه الكلية (أي القرويين) من الأوروبيين "جيربرتGerbert" أو البابا "سلفستر" وهو أول من أدخل إلى أوروبا الأعداد العربية [7] .

ويـُذكر أن هذا البابا :" تولى البابـوية في روما لأربع سنوات من عام 999م حتى وفاته عام 1003م، وهو أول فرنسي يتولى البابوية، وكان من قبل قد درس في جامعة قرطبة العلمية[8].

كما: أن " ديلفان في كتابه فاس وجامعتها يقول: "مدينة فاس دار العلم بالمغرب التي لها جامعة القرويين تعد أول مدرسة في الدنيا" (...) وكتب المستشرق الروسي جوزيه كريستوفيتش عن جامعة القرويين فقال: "إن أقدم كلية في العالم ليست في أوروبا كما كان يظن بل في إفريقية في مدينة فاس، فقد تحقق بالشواهد التاريخية أن جامعة القرويين كان يتوارد إليها الطلبة من أنحاء أوروبا، فضلاً عن بلاد العرب الواسعة" وذكر الكاتب البريطاني روم لاند "شيد في فاس في أيامها الأولى :جامع القرويين الذي هو أهم جامعة وأقدمها، وهنا كان العلماء منذ ألف سنة يعكفون على المناظرات الفلسفية والأبحاث الدينية، وكان المثقفون يدرسون التاريخ والعلوم والطب والرياضيات". ويؤكد عددٌ من المستشرقين أن الدولة الإسلامية عرفت نظام الجامعات قبل الدول الغربية، وأن جامع القرويين وجامع الأزهر وجامع الزيتونة أسبق من جامعات السوربون وكمبردج وأوكسفورد[9]."

وعلى الرغم من أن المصادر تكاد تجمع على أسبقية القرويين، في الظهور كمنارة علمية شامخة في العالم الإسلامي - فإن عماد عجوة الباحث في الآثار الإسلامية يشير إلى ما يخالف هذا الرأي، وهو أسبقية جامعة الزيتونة في الظهور على جامعة القرويين حيث قال: " ولقد سبق جامع الزيتونة كلاًّ من الجامع الأزهر في القاهرة وجامع القرويين في فاس في كونه أقدم جامعة إسلامية يعود إليها الفضل في أداء دورها كمساجد ومعاهد للتعليم ساهمت في بناء النسيج الثقافي لأجيال الأمة[10]."

ومن الباحثين من يجعل السبق لجامعة قرطبة في الأندلس، ومن هؤلاء الباحث رجاء علي في مقال له بمجلة " البيان " حيث يقول " وللمسلمين السبق في تأسيس الجامعات وأولها «جامعة قرطبة» بالأندلس ثم «جامعة القرويين» بفاس ثم «جامعة الأزهر» بمصر[11]"

وهذا الرأي هو الأقرب للصحة من وجهة نظري، إذ أن جامعة القرويين إنما ازدهرت في العهـد المريني – كما سيأتي – أي بعد سقوط قرطبة، واستفادت القرويين الكثير من خبرة ومؤلفات العلماء الذين نزحوا إليها من الأندلس بشكل عام، ومن قرطبة بشكل خاص، هربا من بطش النصارى المتعصبين. مثلما استفادت من العلماء الذين نزحوا إليها من مدينة القيروان، هربا من عسف الفاطميين الذين حاولوا فرض مذهبهم الإسماعيلي الشيعي بالقوة على علماء أهل السنة، وقتلوا الكثيرين منهم بعد قيام دولتهم في أواخر القرن الثالث الهجري واتخاذهم مدينة المهدية عاصمة لدولتهم – قبل أن يتم نقلها إلى القاهرة في وقت لا حق.

ويأتي عدم التطرق لجامعة قرطبة في معرض الحديث عن الجامعات الإسلامية التقليدية مثل القرويين والزيتونة والأزهر ، نظرا لكون جامعة قرطبة، زالت من الوجود بسبب الحقد الكاثوليكي الصليبي بعد سقوط قرطبة ، والتي نجم عنه تدمير واستئصال كل منجزات المسلمين وحضارتهم ومن ذلك المساجد والجامعات والتي تم تحويلها إلى كنائس أوإلى ثكنات عسكرية.

ومن هنا فإن الحديث عن الجامعات الإسلامية التقليدية عادةً ما يكون حول تلك الجامعات التي ظهرت قبل ألف عام أو يزيد ، ولا تزال قائمة حتى اليوم ، - وإن كان قد تم تهميشها وتجميد دورها في العقود الأخيرة - ومن أهمها – بطبيعة الحال - الجامعات الإسلامية التقليدية الثلاث ( القرويين والزيتونة والأزهر ).

ومن حيث التأسيس أيضا أشار المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي إلى أسبقية الزيتونة للقرويين تأسيسا، ففي إجابته عن سؤال حول جامعة القرويين- خلال احتفاء اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة به - أوضح أنها أسست قبل الأزهر الشريف وبعد الزيتونة[12].

ولا خلاف حول هذه النقطة فالزيتونة – وفقا لأحدى الروايات - يرجع إنشاؤه إلى نهاية القرن الأول الهجري ، بينما القرويين في منتصف القرن الثالث الهجري ، ثم بعد ذلك أنشأ الفاطميون الأزهر في القرن الرابع الهجري.وحديثنا هنا إنما يدور حول الأسبقية في الظهور – كمنشأة تعليمية – وقد فصلنا القول في ذلك أعلاه.

الهوامش:

[1] - محمد م. الأرناؤوط ، إعادة الاعتبار الى وقف المرأة في التراث... فاطمة أم البنين التي بنت جامع القرويين في فاس( مقال) ، جريدة الحياة 16/02/08، http://www.daralhayat.com/classics/02-2008/Item-20080215-1e7daf4a-c0a8-10ed-01dd-6f8266d23212/story.html
[2]http://216.239.59.104/search?q=cache:SzEKP67V5 -QJ:www.isesco.org.ma/arabic/Culture/Karawiyine/nidam.htm
[3] - مدينة فاس العربية المغربيةhttp://www.elmorshed.net/febbraio%202003,pagina%205.html
[4] - اسعد طه، نقطة ساخنة، ملف الحركات الإسلامية في المغرب، الجزيرة نت http://www.aljazeera.net/NR/exeres/20589211-8460-40E7-9A5A-68BC9F2F002A.htm
[5] - مجلة الوعي الإسلامي، http://alwaei.com/topics/current/article.php?sdd=936&issue=493
[6]- انظر: ويكبيديا، الموسوعة الحرة ،http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A7
[7] - مجلة الوعي الإسلامي ، مقال على الرابط http://alwaei.com/topics/current/article.php?sdd=936&issue=493
[8] - نضير الخزرجي ،حواضر شيّدها العلم وأخرى هدّها العنف الطائفي ، http://www.watan.com/index.php?name=News&file=article&sid=2678
[9] - عماد عجوة، مساجد الإسلام جامعات للعلوم والمعارف، إخوان أونلاين، 12/4/2007، http://66.102.9.104/search?q=cache:L3E06KFO2JcJ:www.ikhwanonline.net/Article.asp%3FArtID%
[10]- عماد عجوة ، المرجع السابق
-[11] رجاء علي ، الحث على طلب العلم ، البيان 16/6/2006 http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1148142380753&pagename=Alb ayan%2FArticle%2FFullDetail
[12] - صالح الخزمري، جامعة القرويين ودورها في سلامة اللسان، صحيفة الجزيرة، لثلاثاء 4ربيع الثاني 1427،العدد12269، http://search.suhuf.net.sa/2006jaz/may/2/cu3.htm