التمَّت الـْ(مَتْعُوْسَة) على (خَائِبِي) الرَّجَاء بقلم:أيمن الدقر
تاريخ النشر : 2008-06-20
أيمن الدقر: سوريا
للأمثال المصريَّة نكهة خاصة، لكنها لا تخرج عن إطار الأمثال العربية عامّة، على الرغم من تميزها، وذلك من حيث ظروف نشأتها، تلك الظروف التي غالباً ما تولِّد المثل المعبر عن الإحباط والخيبة والتعاسة، فنادراً ما نسمع (مثلاً) في العصر الحديث نتج عن سعادة أو فرح، ويعود ذلك إلى الخيبات العربية التي تلاحقت منذ مطلع القرن الماضي، ولعل الظروف الحالية، التي بدا واضحاً بأنها تنفض غبار الخيبات الماضية، التي مرَّت على العرب وبدأت تعكس الآية للمرة الأولى، منذ انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية في تموز 2006، فأسقطت الخيبات على مصنِّعيها، كونه آن الأوان ليفهم أعداء الحق العربي أن لا مكان لغير الحق، وأن الضَّعف العربي مرحلة عابرة قد انتهت، رغم التشرذم والعمالة والولاء والانبطاح، والهرولة من قبل البعض إلى الاحتماء بمظلة الولايات المتحدة وإسرائيل التي ثقبتها المقاومة الوطنية في لبنان وغزة، وجعلت منها كالمصفاة تدلف فشلاً، وخيبات متلاحقة، تصيب إسرائيل وواشنطن، ومعهم المهرولين من العرب، فلا إِسرائيل دخلت محادثات سلام حباً بالسوريين، ولا رغبت بالتهدئة مع حماس عشقاً للفلسطينيين، ولاتتبادل الأسرى مع حزب الله رحمة بسمير قنطار ورفاقه.. مما (لمَّ المتعوس على خائب الرجاء) حسب المثل المصري المتداول.
فالمتعوسة (رايس) التي وصلت فجأة إلى لبنان، وهي محاطة بالفشل من كل جانب، لم تتحدث هذه المرة عن شرق أوسط جديد، أو عن ديمقراطية تعمل الولايات المتحدة كي تسود في المنطقة، أو عن حكومات شرعية تدعمها أو ديكتاتوريات تمقتها الولايات المتحدة الأمريكية بل تحدثت عن ضرورة إطالة مدة تشكيل الحكومة اللبنانية خمسة أسابيع قادمة، واعدة الموالاة بأن شيئاً سوف يحدث في هذه الأسابيع الخمس، لم تفصح عنه، ولم تصارح الموالاة بأن ما سيحدث هو (حسب تصورات البيت الأبيض) توقيع الاتفاقية الأمريكية العراقية التي تريد تمريرها بهدوء و تحت ظل الاحتلال الأمريكي دون حدوث منغصات تثير الشعب العراقي (سواء في لبنان أم في غزة)، وتحدثت عن القرار 1701 وضرورة العمل على إقناع إسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وتسليمها للقوات الدولية، واعتبرت أن هذا إن حدث فهو إنجاز أمريكي عظيم وكمكافأة للموالاة على موالاتها لواشنطن..! وبالمقابل أوحت لحكومتها في بأن هذا كفيل بسحب سلاح المقاومة الذي ترى (رايس) أنه لن يبقى مبرراً لوجوده فيما لو تم الانسحاب، ولم تقدم (رايس) ضمانات للموالاة بعدم عودة إسرائيل إلى الأراضي التي تأمل أن تنسحب منها فور سحب أسلحة المقاومة (حسب وجهة نظرها) رغم سقوط جميع ضمانات واشنطن (حسب التجربة) ولأن (رايس) والإدارة الأمريكية لا يؤمنون إلا بالشراكة مع إسرائيل، فقد طالبت بالمماطلة في تشكيل الحكومة، لكسب الوقت باستمرار التهدئة على حدود لبنان وغزة ضماناً لأمن إسرائيل في المرحلة المشلولة التي تمر بها الإدارة الأمريكية الآن، مستعملة الموالاة اللبنانية المتمثلة بقوى 14 شباط كحصان السبق الذي تُطلق عليه رصاصة الرحمة فور انكساره، مجيرة عدم استقرار لبنان و المماطلة في تشكيل حكومته لتحقيق أمن إسرائيل في هذه المرحلة من الشلل.
ورغم أن المتعوسة (رايس) أقرَّت بعجز (البيت الأبيض) في هذا الوقت بقولها إن اتفاق الدوحة واقع جديد مفروض على لبنان، ودعت للتعايش معه، وأقرَّت بضرورة التنازلات التي يعلم الجميع بأنها (تنازلات عن مواقف أمريكية) كونها إملاءات سبق أن أملتها للموالاة، ونفذتها الأخيرة بكل إذعان وتخاذل، رغم كل ذلك، وعندما شعر (خائبو الرَّجاء) بأن المتعوسة التمَّت عليهم للإيحاء باستمرارها بدعمهم الذي لم يلمسوا شيئاً منه، إذ لا هم استفردوا بحكم لبنان، ولم تنجح كل المحاولات لمحاصرة سوريا وإسقاطها، ولا إسرائيل استطاعت إنهاء المقاومة الوطنية اللبنانية وتدمير حماس، الأمر الذي جعلهم يسارعون وفور مغادرتها للبنان للحديث عن مظلة مصرية – سعودية علهم ينقذون ماء وجوهم التي تيبست من شدة القحط.