العنف:انواعه..اسبابه..وحلوله...!بقلم:د. صلاح عودة الله
تاريخ النشر : 2008-05-23
العنف:انواعه..اسبابه..وحلوله...!بقلم:د. صلاح عودة الله


العنف:انواعه..اسبابه..وحلوله...!

تطالعنا وسائل الاعلام وعلى اختلاف أنواعها,ألمقروءة والمسموعة وألمرئية, وبشكل شبه يومي بحدوث جريمة,بغض ألنظر عن كونها جريمة قتل أو طعن! وقد ازدادت هذه ألظاهرة وللأسف وبشكل ملحوظ في ألاونة ألأخيرة.
هناك أسباب كثيرة للموت يصعب حصرها, أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر, ألأمراض بانواعها, حوادث ألطرق ألمؤسفة, والتي ازدادت هي أيضا ازديادا رهيبا, وتؤدي بحياة الكثير من ألأبرياء, وكما قال ألشاعر:
من لم يمت بألسيف مات بغيره** تعددت ألأسباب وألموت واحد!!
لقد كتبت وقلت الكثير عن ظاهرة الفلتان بأنواعه المختلفة,وخاصة" الامني" منها في الضفة الغربية وقطاع غزة.وقلت كفى ,الا يكفينا ما نعاني منه ...بل يجب ان يقتل بعضنا البعض الاخر؟ وانظروا لما وصل حالنا اليوم:" حكومتان بدون سلطة".."لشعب واحد بدون دولة"...!
وما يحدث بين ابناء شعبنا الفلسطيني في الداخل,هو ظاهرة فلتان (اجرامي)...ولقد ازدادت المشاجرات وحالات العنف والقتل والجريمة بشكل مخيف في الفترة الاخيرة ! انني اقولها وبصراحة ان جهاز الامن الاسرائيلي لا يهمه ما يحصل في الوسط العربي في الداخل وكذلك في مدينة القدس, ويتدخل فقط اذا استعمل السلاح في احدى "الطوش", وعدا عن ذلك يقف مكتوف الأيدي ,لان هدفه ان نقتل بعضنا البعض الاخر, وبجب علينا ان نفوت عليه هذه الفرصة!
بداية لا بد لنا من القول أنه حدث تآكل كبير في منظومة القيم والمعايير ونسيج الوحدة السياسية والمجتمعية الفلسطينية"الضفة والقطاع والقدس والداخل"، وإذا كان الإحتلال هو الجذر والأساس لكل ذلك ، إلا أنه من الخطأ وعدم الصوابية أن نعلق كل أخطاءنا وممارساتنا السلبية والضارة على مشجب الإحتلال ، فهناك الكثير من هذه الممارسات والمسلكيات ، هي نتاج للتخلف والجهل والعصبوية والجهوية والقبلية والعشائرية وظاهرة" الفزعات" ، والتي وجدت لها حاضنة في"السلطة القائمة" سواء الفلسطينية او الاسرئيلية ، حيث أن ممارسة وسياسةهاتين السلطتين، هي التي قادت إلى مثل هذا الوضع ، وغدى الفلتان بكل أشكاله وأنواعه سيد الموقف في المجتمع الفلسطيني عامة، والمعني بسيادة وتمظهر كل أشكال وأنواع الآفات والأمراض الإجتماعية في أوساطه ، وقتل روح الإنتماء الوطني عند أبناءه ، وإنهاكه على كل الصعد من خلال استهدافه بالإنتهاكات الصارخة لحقوقه الإقتصادية والإجتماعية ،وفي ظل سيادة ثقافة الميلشيات و"المافيات"، وغياب المؤسسات الحاضنة والراعية للشباب ، من أجل توعيتهم وتثقيفهم ، واحتضان طاقاتهم وإبداعاتهم ، ووضع الخطط والبرامج لهم في كل المجالات والميادين، وغياب المساءلة والمحاسبة ، كل ذلك لعب دوراً سلبيا في واقع مجتمعنا ، وتحديداً عند الفئة الشابة ، والمعول عليها أن تكون معول البناء و التطوير والتغير ، إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة خطيرة ، هي تنامي الشلليات الشبابية العابثه والمستهترة ، والتي تأتلف وتتوافق على أسس جهوية وعشائرية ، ولا يكاد يمر يوم واحد ، إلا ونسمع عن إشكالات "وطوش" جماعية ، تبدأ في الإطار الفردي أو الشخصي ، وتتحول إلى حروب "داحس والغبراء" ، وكأننا ليس أبناء شعب واحد ، ويخيل لك في هذه"الطوش" أنه لا روابط وطنية ولا قومية ولا ودينية بيننا ، ولا احترام لأية معايير أو مبادىء أو قيم ، والمصيبة هنا تشوه الوعي والتربية بدءاً من البيت ومروراً بالمدرسة أو الجامعة وغيرها ، ناهيك أن العديد بل أغلب الرموز والقيادات الوطنية ، تغلب حزبيتها وجهويتها على الإنتماء الوطني ، وهذا بحد ذاته يعكس نفسه سلباً على القواعد الإجتماعية أفراداً وجماعات ، وبالتالي فإن الحبل مفلوت على غاربه ، والكل يغني على ليلاه ، حيث يقوم الشخص ، أو الجماعة بأعمالهم المسيئة والخارجة عن كل الأعراف والتقاليد ، وهم يعرفون أنه لا يوجد هناك أي حسيب أو رقيب ، بل وربما يجدون حواضن لهم فيما يقومون به من أعمال وتصرفات ومسلكيات ، وزعرنات وبلطجات ، وفي النهاية تجد أن هناك أحيانا من يركب الموجة ، ويلقي عصبة عصماء عن الكرم العربي الأصيل والتسامح والوطن والشهداء والجرحى والأنبياء والصديقين ، وتذهب القضية "بوس لحى"' وفنجان قهوة صاحب الحلول السحرية ، لكل أشكال وأنواع المشاكل والجرائم مهما كبرت أو عظمت ، وكأن وضع أسس وضوابط ومعايير للمساءلة والمحاسبة وللردع والتجريم ، مسألة سلبية وغريبة عن عادتنا وتقاليدنا ، وكأن ما يسمى بالكرم العربي الأصيل لا يتحقق ، إلا بالتنازل عن الحقوق ، وترك الذين قاموا بأعمالهم المسيئة ، يسرحون ويمرحون ، بل ويخططون للقيام بأعمال وممارسات مسيئة بشكل أكبر وأوسع ، والمصيبة الكبرى هنا أن الحركة الوطنية(فهذه نرى ممثليها في الدعايات الانتخابية فقط...وعدا عن ذلك.."عداك العيب") ، لم تولي هذا الجانب الإهتمام الكافي ، وأصبح الصالح والطالح يدلي بدلوه في هذا المجال ، ولماذا لا تكون هناك وقفة جادة على هذا الصعيد الهام والحيوي ، ويجري إتفاق وطني مدعوم ومسند مجتمعياً ، حول الأشخاص الذين لديهم قدرات وطاقات وكفاءات في هذا الجانب والمشهود لهم بالوطنية والإنتماء وطهارة اليد . أن يشكل إضاءة للجميع ، حيث أن ترك الأمور بدون عناوين ومرجعيات ، وكذلك غياب التثقيف والتوعية الوطنية ، والمؤسسات الحاضنه والرعاية للشباب ، يجعلها عرضة وفريسة للإنحراف ، وخصوصا في ظل واقع فيه الكثير من المغريات لمثل هذه الممارسات ، فمن الضروري القيام بحملة واسعة يشارك فيها كل الناس المتنورين من أبناء شعبنا الفلسطيني( وخاصة الطبقة المتعلمة والمثقفة وكذلك "الوجوه" المعروفة بنزاهتها وحيادها") ، تدعو إلى التعددية والتسامح وإعادة اللحمة إلى النسيج المجتمعي الفلسطيني ، الذي أصابه تهتك واسع ، طال الكثير من قيمه الإيجابية ، وهذا غير ممكن بدون حوامل وآليات عملية ، ونحن نرى أن فقدان أي فرد في هذه الصراعات غير المبررة ، خسارة جسيمة لا تعوض ولكن من غير الجائز أو المقبول أن نمر مرور الكرام على مثل هذه الأحداث ، فعدا عن الشجب والأدانة والإستنكار ، يجب أن نحول ذلك إلى ممارسه قانونية وقضائية صارمة ورادعة ، دون أن يأخذ أحد القانون بيده ، أو يستهتر بكل الأعراف والتقاليد والقيم ، ولا يجد من يقول له لماذا قمت بهذه الممارسة أو هذا المسلك, أو لماذا خرقت ولم تحترم ما تم الإتفاق عليه ؟ ويجب أن نرتقي في التعامل والتخاطب والتفاهم مع بعضنا البعض ، بطرق ووسائل حضارية ، لأن السكين والعصا والجنزير والرصاص ، ليس لغة للتخاطب والتفاهم بين أبناء الشعب الواحد ، فكلنا مازالنا تحت"سلطة البسطار الإسرائيلي" ، وكم دفعنا وما زلنا ندفع ثمن الفلتان بكل أشكاله وتجلياته ، دم ومال وممتلكات وجهد ووقت ، وتدمير يطال حتى النسيج المجتمعي بأكمله ، ويحولنا إلى قبائل وعشائر ، ومجموعات ومليشيات ، لا يجمعها هدف ولا مصير ، فهذه"' الصوملة"' مدمره ، وتهدد وحدة الشعب وأهدافه وتطلعاته ، ولذا علينا جميعا أن نرتقى إلى مستوى المسؤولية والتحدي ، وعلينا أن نعلق الجرس ، وأن نسمي الأشياء بأسمائها ، ولا حصانة لأحد ، أو توفير الدعم والإسناد والحاضنة العشائرية والحزبية ، لمن يرتكب أو يمارس ممارسات من شأنها إثارة النعرات العشائرية والحزبية والطائفية ، أو القيام بأعمال الزعرنة والبلطجة والتعدي على أعراض الناس وأموالهم وممتلكاتهم ، والتسبب في إزهاق الأرواح البريئة ولتبادر القوى الوطنية لاستعادة دورها وهيبتها ، وتضع الأسس والضوابط واللوائح والقوانين التي تنظم وتسير الهم الأقتصادي والإجتماعي لمجتمعنا ، من خلال العلاقة المباشرة مع رموزها الاعتبارية.وكما قال الشاعر الحكيم:
الناس بالناس مادام الحياءُ بهمُ **والسعد لاشك تارات وهباتُ/وأفضل الناس ما بين الورى رجلُ ** تُقضى على يدهِ للناس حاجاتُ/لا تمنعن يد المعروف عن أحد**ما دمت مقتدراً فالسعد تارات/واشكر فضائل صنع الله إذا جعلت**إليك لا لك عند الناس حاجات/قد مات قوم وما ماتت مكارمهم **وعاش قوم وهم في الناس أموات...! نعم في العفو حياة لقيم أصيلة قد اندثرت وحياة لنفوس تعطشت لمثل هذه القيم لتستعيد شعورها بأن الدنيا لا تزال بألف خير ما دام فيها من الأخوة من ينصرك ويأخذ بيدك وإن أخطأت في حقه..ونعلم أن الكثيرين من أبناء هذه الأرض المعطاء هم من الحريصين على رمي بذور الخير في مساحة الود والمحبة..فلهم كل الشكر والعرفان..!
وفي الختام فان المسؤولية الكبرى تقع على عاتقنا نحن, فظاهرة ألاقتتال وألجرائم وألنزاعات والتي تؤدي بحياة الكثيرين من ألأبرياء,هي" كالسرطان", الذي يجب استئصاله من جذوره قبل ان يستفحل... والا سيغادر ألقطار ونبقى في ألمحطة, بانتظار قطار اخر, بل "جريمة " اخرى, وعندها سنندم حيث لا ينفع ألندم؟!
وعلى قول الشاعر: انما الامم الاخلاق ما بقيت**فان همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا..؟!
د. صلاح عودة الله- القدس المحتلة