المنصوبات المتشابهة بقلم:جورج أبو الدنين
تاريخ النشر : 2008-05-23
المنصوبات المتشابهة
جورج أبو الدنين – بيت لحم – [email protected]
الفصل الأول: مفهوم المنصوبات وأقسامها

النصب لغة مصدر نصب الشيء أي رفعه وأقامه واصطلاحا: نصب الكلمة أي ألحقها علامة النصب .

- مواضع النصب:
1. في الاسم:
يكون الاسم منصوبا إذا كان مفعولا من المفاعيل الخمسة، مثل قوله تعالى: ﴿وأتب في هذه الدنيا حسنةً﴾ ، وكقوله تعالى: ﴿فإني أعذبه عذاباً﴾ ، ويكون الاسم منصوبا إذا كان اسم "إن" وأخواتها، كقوله تعالى: ﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾ ، أو خبر "كان" وأخواتها كقوله تعالى: ﴿وما كان ربّك نسيّاً﴾ أو منصوبا على نزع الخافض مثل: سكنتُ بيروتَ، والتقدير سكنت في بيروت.
2. في الفعل المضارع:
يكون المضارع منصوبا إذا تقدمته إحدى أدوات النصب، سواء منها التي تنصب الفعل مباشرة أو التي تنصبه بأن المضمرة.

- أقسام الأسماء المنصوبة:

وتنقسم إلى ستة أقسام هي: المفعول به، المفعول المطلق (المصدر)، والمفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه، وشبه المفعول.

واما شبه المفعول فغنه ينقسم إلى خمسة أقسام: حال وتمييز واستثناء، وأسماء إن وأخواتها، وأخبار كان وأخواتها.

قال ابن هشام في شذور الذهب: "باب المنصوبات خمسة عشر نوعا، بدأتها بالمفاعيل لأنها الأصل، وغيرها محمول عليها ومشبه بها" ، وقد بدأها بالمفعول به لأنه الأحوج إلى الإعراب؛ لأنه الذي يقع بينه وبين الفاعل الالتباس، ثم ذكر باقي المفاعيل وهي: المفعول المطلق، والمفعول له، والمفعول فيه وهو الظرف، والمفعول معه، والمشبه بالمفعول به وهو المنصوب بالصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد، نحو قولك: زيد حسن وجهه، والمنصوب السابع هو الحال ثم التمييز فالمستثنى فخبر كان وأخواتها ثم خبر ما حمل على ليس، وهي أربعة: لات، وما، وإن النافية، والمنصوب الثالث عشر اسم إن وأخواتها، والرابع عشر اسم لا النافية للجنس، وأخيرا المكمل للمنصوبات وهو الفعل المضارع المسبوق بحرف نصب.

وقسم آخرون المنصوبات إلى قسمين :
1. نوع يؤدي وظيفة إعرابية في أثناء الجملة كالمفعولات والحال وغيرها من متعلقات الجملة.
2. نوع لا يؤدي وظيفة إعرابية ولكنه مفتوح الآخر لأنه لا سبيل إلى تحريكه بغير الفتحة، ولان الفتحة هي الحركة الخفيفة التي يستريح إليها العرب حيث يريدون تحريك اخرر كلمة لا تدخل في نطاق إسناد ولا إضافة ولا تحمل أي معني إعرابي، وذلك كالمناديات المنصوبة، فليس في المنادى إسناد ولا إضافة، وليس المنادى من متعلقات الجملة، مثل: يا عبد الله أقبل ويا راغبا في النجاح اجتهد؛ فـ "عبد الله" و"راغبا" ليس مفعولان أو شبيهان بالمفعول، وحين نريد تحريكهما في وصل الكلام، فإننا نحركهما نصبا، لان لا سبيل إلى تحريكهما بغير الفتحة .

فالفتحة ليست علما لشيء خاص، ولكنها علم كون الجملة خارجة عن نطاق الإسناد أو الإضافة ويندرج في هذا موضوعات كثيرة، كالحال والتمييز والمفاعيل وغيرها.

وهذا رأي مخالف لما ذهب إليه البصريون والنحاة، فقد رأوا ان الفتحة هي اثر للعامل كالحركتين الأخريين، فهي منسوبة إليه أبدا، ولذلك عزوا فتحة المنادى المنصوب إلى عامل تكلفوا تقديره فقالوا: هو (أدعو) قامت (يا) مقامه ونابت عنه، ولذلك عزوا فتحة المنصوب على الاختصاص إلى فعل واجب الحذف، هو: (اخص) نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء لا نورث"، ولذلك عزوا فتحة المفعول معه والظرف المنصوب الواقع خبرا، وفتحة المفاعيل كلها، وفي المستثنى بألا ما عزوه إلى عوامل لفظية من فعل وغيره .

وتدخل الفتحة على الأسماء التي لها علامة بالفعل أو بأشباهه والتي تبين سبب وقوع الفعل، كالمفعول لأجله، أو توكيده، أو التعبير عن نوعه وعدده كالمفعول المطلق، أو تعليل زمان وقوعه أو مكانه كالمفعول فيه، وهذا النوع من المنصوبات يتضمن معمولات تقع في نفوذ الفعل ويتصرف بها تصرف العلة بالمعلول، وقد شاءت اللغة العربية ان يتم التصرف بواسطة الفتحة .

أولا: المفعول به:

هو كل اسم تعدى الفعل إليه، وجعل إعرابه النصب ليفصل بينه وبين الفاعل ، والفعل في التعدي إلى المفعول به ضربين: فعل متعد بنفسه، وفعل متعد بحرف جر مثل مررت بزيد أو نظرت إلى عمرو، وعجبت من بكر، والجار والمجرور في موضع نصب بالفعل قبلهما، أو بالهمزة خرج أخرجته أو بتضعيف عين الفعل فَرِح فرَّحته.

* والمتعدي بنفسه على ثلاثة أضرب:
1. متعدي إلى مفعول واحد نحو: ضربت زيداً وكلمت عمراً.
2. متعدي إلى مفعولين وهو على ضربين:
أ‌. متعد إلى مفعولين يجوز الاقتصار على احدهما مثل أعطيت زيدا درهما، وكسوت محمدا ثوبا، ويجوز القول: أعطيت محمدا وكسوت زيدا، وقد يقع المفعول الثاني في هذا القسم جارا ومجرورا مثل قولنا جعلت المتاع في الوعاء .
ب‌. معد إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على احدهما، ومنها أفعال الشك واليقين، مما كان داخلا على المبتدأ والخبر، وتلك الأفعال: ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت، ووجدت بمعنى علمت، وعلمت ورأيت (بمعنى علمت)، مثل: ظننت زيدا قائما، وحسبت محمدا جالسا، وكذلك ما تصرف من هذه الأفعال نحو: أظن، ويحسب، وتخال، وتعلم. وإذا تقدمت هذه الأفعال وجب إعمالها مثل: ظننت زيدا كريما، وإذا توسطت فيجوز الأعمال وعدمه مثل: زيد أظن كريما، وفي الإلغاء: زيد أظن قائم. قال الشاعر:
أبا الأراجيز يا ابن اللؤم توعدني وفي الأراجيز خلت اللؤم والخورَ
وان تأخرت كثيرا اختير إلغاؤها وجاز إعمالها فتقول: زيد قائم ظننت، وان قلت: زيدا قائما ظننت جاز ذلك .
3. المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وهي ثمانية: أعلم، وعلم، وأنبأ، ونبّأ، وجدت، وأخبر، وأرى، كقولك: اعلم الله الناسَ محمدا خاتم النبيين، فلفظ الجلالة الله هو الفاعل، الناس مفعول به أول، ومحمدا مفعول به ثان، وخاتم النبيين مفعول به ثالث.

* مرتبة المفعول به:
للمفعول به ثلاثة مراتب:
1. ان يرد بعد الفعل والفاعل نحو: ركب الأمير الفرسَ.
2. ان يتوسط بين الفعل والفاعل كقوله تعالى: ﴿وتخشى وجوههم النار﴾.
3. ان يتقدم على الفعل كقوله تعالى: ﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾، ولا يجوز ان تدخل هذه اللام عليه عند تأخيره .

ويجوز تقديم المفعول على الفاعل إذا ائتمن اللبس، وإلا فيجب تقديم الفاعل نحو: ضرب موسى عيسى، فموسى هو الضارب وعيسى هو من وقع عليه الفعل، وجواز التقديم إذا امن اللبس نحو: أرضعت الصغرى الكبرى. وكذلك ان وصفت احد الاسمين المقصورين نحو: ضرب موسى الطويل عيسى، لأنك بنصب الصفة نبهت على ان موسى المفعول به.


ثانيا: المفعول المطلق:
1- حقيقته:
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولـي الفعل كـأمـن من أمن

يدل الفعل على الحدث والزمان، فقام يدل على قيام في الزمن الماضي، ويقول يدل على قيام في الحال والاستقبال، وقم يدل على قيام في الاستقبال، والقيام هو الحدث وهو احد مدلولي الفعل، وهو المصدر، والمفعول المطلق هو المصدر المنتصب توكيدا لعامله، أو بيانا لنوعه أو عدده، نحو: ضربت ضربا، وسرت سير زيد، وضربت ضربتين.

وسمي مفعولا مطلق لصدق المفعول عليه غير مقيد بحرف جر بخلاف غيره من المفعولات، فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا كالمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول معه.

ينتصب المصدر بمثله أي بالمصدر، نحو: عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا، وبالفعل أو بالوصف، نحو: ضربت زيدا ضربا.

والمصدر، في رأي البصريين، هو الأصل، والفعل والوصف مشتقان منه، اما الكوفيون فيرون ان الفعل أصل والمصدر مشتق منه.

2- أنواع المفعول المطلق:

يقع المفعول المطلق على ثلاثة أحوال:
أ‌. ان يكون مؤكدا، نحو: ضربت ضربا، نحو قوله تعالى: ﴿يصدون عنك صدودا﴾
ب‌. ان يكون مبنيا للنوع، نحو: سرت سير ذي رشد، وسرت سيرا حسنا، ونحو قوله تعالى: ﴿فقولا قولا لينا﴾ .
ت‌. ان يكون مبينا للعدد نحو: ضربت ضربة وضربتين وضربات، ونحو قوله تعالى: ﴿فاجلدوا ثمانين جلدة﴾ ، فانتصاب ثمانين على المصدر وجلده على التمييز.

3- ما ينوب عن المصدر:

قد ينوب عن المصدر ما يدل عليه ككل وبعض مضافين إلى المصدر، نحو: جد كل الجد، وكقوله تعالى: ﴿فلا تميلوا كل الميل﴾، وضربته بعض الضرب.

وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور، نحو: قعدت جلوسا، فالجلوس نائب مناب القعود لمرادفته له.

وينوب مناب المصدر اسم الإشارة نحو: ضربته ذلك الضرب، وإذا ناب اسم الإشارة وناب المصدر فلا بد من وصفه بالمصدر كما في المثال، ومن أمثلة سيبويه "ظننت ذاك الظن"، فذاك إشارة إلى الظن لم يوصف به.

وينوب عن المصدر ضميره نحو: ضربته زيدا، أي ضربت الضرب، ومنه قوله تعالى: ﴿لا أعذبه أحدا من العالمين﴾، أي أعذب العذاب.

وينوب عن المصدر عدده نحو: ضربته عشرين ضربة، ومنه قوله تعالى: ﴿فاجلدوهم ثمانين جلدة﴾.

وينوب عن المصدر الآلة نحو: ضربته سوطا، والأصل ضربته ضرب سوط، فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه.



4- أحكام المصدر من حيث الإفراد والتثنية والجمع:

لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله، ولا جمعه، بل يجب الأفراد فتقول: ضربت ضربا، وذلك لأنه بمثابة تكرار الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع.

واما غير المؤكد وهو المبين للعدد والنوع فيجوز تثنيته وجمعه، والمبين للعدد: ضربت ضربتين وضربات، والمبين للنوع نحو: سرت سيرَيْ زيد الحسن والقبيح.


5- حذف العامل:

المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله لأنه مسوق لتقرير عامله وتقويته، والحذف منافٍ لذلك، واما غير المؤكد فيحذف عاملة للدلالة عليه:
- جوازا، كقولك: سير زيد لمن قال: أي سير سرت؟ وضربتين لمن قال: كم ضربت زيدا؟ والتقدير: سرت سير زيد، وضربته ضربتين.
- والحذف وجوبا يكون في مواضع منها:
1. إذا وقع لمصدر بدلا من فعله وهو مقيس في الأمر والنهي، نحو: قياما لا قعودا، أي قم قياما زلا تقعد قعودا، والدعاء: سقيا لك، أي سقاك الله.
2. إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود مقامه في الفعل المقصود به الخبر، نحو: افعل وكرامة، أي: أتتواني وقد علاك.
3. يقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به الخبر، نحو: افعل وكرامة، أي وإكرامك. فالمصدر في هذه الأمثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه.
4. إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه، كقوله تعالى: ﴿حتى إذا اتخذتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء﴾، فمنا وفداء مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا والتقدير: فغما تمنون منا، وإما تفدون فداء، فيحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل.

وقد جاء في كلام العرب مصادر نصبت بأفعال محذوفة مقدرة كقولهم: سمعا وطاعة، والتقدير: اسمع لك سمعا، وأطيع لك طاعة، وقولهم: كرامة ومسرة، والتقدير: إكرامك كرامة، وأشرك مسرة، ومنه قولهم في الدعاء للإنسان: سقيا له ورعيا وفي الدعاء عليه: جذعا له وعقرا . ومنه قولهم أيضا: ويل زيد، وويح عمرو، فتنصبهما عند الإضافة على المصدر، كما قال تعالى: ﴿ويلكم ثواب الله خير﴾. ومثله:
جاء الأمير ركضـا واشتمل الصماء إذ توضأ

أقبل الأمير ركضا، وجاء زيد مشيا، فقال الأكثرون: إن الوجه نصبهما ونظائرهما على الحال، على ان يكون تقدير الكلام: أقبل الأمير راكضا، وجاء زيد ماشيا، وعليه حمل قوله تعالى: ﴿قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا﴾، أي غائرا، وقال بعضهم: ينتصب انتصاب المصدر المحذوف فعله، وتقدير الكلام: أقبل الأمير راكضا، وجاء زيد يمشي مشيا .

اما قولهم للقاعد المحتبي بيديه: قعد القرفصاء، فإنها نصبت على المصدر الذي يدل على هيئة الفاعل، والتقدير: قعد القعدة المعروفة بالقرفصاء.

ثالثا: المفعول فيه:

وهو الظرف، وهو ما انتصب من وقت أو مكان على تقدير (في) باطراد لواقع فيه مذكور أو مقدر، بقوله: باطراد من قولهم: مطرنا السهل والجبل، ولا مطرنا القيعان والتلول ، ومثال المذكور: قمت يوم الجمعة، فاليوم واقع فيه القيام. وكذلك قمت أمامك، فالأمام واقع فيه القيام، ومثال المقدر: زيد أمامك، والقتال يوم الجمعة.

وظرف الزمان نحو: سرت اليوم، أو عدده نحو: شرت عشرين يوما، وما أضيف إليه بشرط ان يكون إياه، نحو: سرت جميع اليوم، أو بعضه، نحو: بعض اليوم، أو كان صفة له، نحو: يسير عليه طويلا من الدهر، أي زمنا طويلا، وإذا لم تكن الصفة خاصة، ولا مستعملة استعمال الأسماء أو مصدرا أضيف إليه اسم الزمان وحذف نحو: سرت مقدم الحاج، وخفوق النجم، أي وقت مقدم الحاج، ووقف خفوق النجم .

وأسماء الزمان كلها صالحة للنصب على الظرفية سواء في ذلك المبهم والمحدد مثل صحيت حينا، أو شهرا، أو يوم الخميس، أو سهرت ليلة الجمعة، نصبها كلها على الظرفية على تقدير (في) أي في حين. فإذا وجدت (في) جر الظرف بها، تقول صحيت في يوم الاثنين، وسافرت إلى الإسكندرية في الصيف، اما إذا لم يكن متضمن معنى (في) فإنه يعامل معاملة الاسم العادي حسب موقعه من الإعراب، كقولك: يوم العيد طيب، ويم الاستقلال خالد، وشهر رمضان شهر الصدقات.

اما ظرف المكان فلا يصلح فيه النصب على الظرفية إلا المبهم، وهو يشمل ثلاثة أشياء:
1. الجهات الست وما أشبهها: تقول جلست فوق الأريكة، ووضعت الحقيبة وراء السائق.
2. أسماء المقادير: كـ: مشيت إليه ميلا.
3. اسم المكان الذي اتحدت مادته ومادة عامله، تقول: جلست مجلس أخي. ووقفت موقف الخطيب. فاسم المكان مجلس متحد مع عامله وهو جلس، ووقف مع وقف، ومنه قوله تعالى: ﴿وإنا كنا نقعد منها مقاعد السمع﴾، فإذا لم يكن العامل من لفظ اسم المكان وجب جره بحرف الجر، فتقول: وقفت في مجلس علي، أو جلست في موقف السيارات، لاختلاف مادة اسم المكان وعامله.
اما إذا كان اسم المكان محددا فإنه يجر بفي الظاهرة، فتقول: همت على وجهي في الأرض، وصليت في المسجد. وقد استثنى النحاة منها لفظتان هما: سكن ودخل وما في معناهما، فنصبوا معها الظرف المحدد، وقالوا: دخلت الكلية، أي دخلت في الكلية، وسكنت شبرا، أي سكنت في شبر، وتنصبهما على إسقاط حرف الجر تخفيفا، أو على التشبيه بالمفعول به .


والظرف نوعان:
أ‌- متصرف: وهو ما فارق الظرفية إلى غيره، كيوم وشهر وساعة وأمثالها، فإنها تكون ظرفا وتكون غير ظرف، فتصبح اسما عاديا، ومن الأول: سافرت يوما، ومن الثاني: شهر رمضان يصومه المسلمون، فكلمة شهر مبتدأ، ومنها أعطيتك عشرين دقيقة لتفكر في السؤال، فـ "دقيقة" تمييز، وتقول: إذا جاءت ساعة الإجابة، أو إذا حل موعد الامتحان اضطرب من لم كن يذاكر، فإن ساعة وموعد فاعل.
ب‌- غير متصرف: من هذه الظروف عوض، وقط، مثل: لا افعله عوض، وما فعلته قط، ولا ستعملان إلا بعد النفي، وقط لاستغراق الزمن الماضي وعوض لاستغراق الزمن المستقبل، ومثلها الظروف المركبة صباح مساء، وبين بين، ومثلهما بين أو بينما.
ومن غير المتصرف ما لا يفارق الظرفية إلا بدخول حرف الجر، كعند ولدن ولدى وحيث وإذا، فهي ظروف غير متصرفة، ولا تستعمل إلا ظرفا، وتنصب على الظرفية أو تجر بحرف جر، وكذلك (قبل) و(بعد)، وعند لا تجر إلا بـ (مِن): من عند الأستاذ.
وبعض هذه الظروف لا ينون، كغدوة وبكرة، وسحر، فإنها تمنع من الصرف إذا كانت لأوقات معينة، ولم تضف. وقد منع صرفهما للعلمية الجنسية كأسامة، فإذا قصدت بهما التعيين تقول: لأسيرن الليلة إلى غدو. وإذا قصدت التعميم تقول: غدوة وقت نشاط .

* المبني والمعرب من الظروف:

الظروف التي تبنى وتعرب هي: قبل وبعد وغير وأول وحسب وعل ودون، والجهات الست، وهذه لها أحوال أربعة تبنى في واحد منها، وتعرب في باقيها . فهي تبنى إذا أضيفت وحذف ما تضاف إليه لفظا ونوى معناه، تقول: جئت قبل، أو من قبل، وجلست فوق، ومنه قوله تعالى: ﴿لله الأمر من قبل ومن بعد﴾، والأصل من قبل الغلب ومن بعده، فحذف المضاف ونوى معناه، ومن ذلك شعرا:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل علـى أيّنـا تأتـي المنيةُ أولُ
ومنه قول الشاعر:
إذا أنا أومن عـليك ولـم يـمـكـن لـقـاؤك إلا مــن وراء وراء
اما المواضع التي تعرب فيها الظروف فهي ثلاثة:
1. ان تقطع عن الإضافة لفظا ومعنى، فتقول: جئت قبلا أو بعدا، وتلكم هو أخيرا، ومنه قول الشاعر:
فـسـاغَ لـي الشراب وكنت قبلا أكـاد أغـصّ بالمـاء الفرات
2. إذا أضيفتا وحذف المضاف إليهما، ونوى لفظة، تقول: جئت من قبل حضر خالد أو من قبل حضور خالد.

ومن الظروف التي تبنى وتعرب: حين، ويوم، ونحوهما فإنها إذا أضيفت إلى جملة مصدرة بفعل ماض تبنى، تقول: سافرت حين جاء سامح، ورجعت حين رجع، وتعرب إذا أضيفت إلى جملة مصدرة بمضارع و اسم معرب، تقول: إنني مشتاق حين اكتب إليك.

* العامل في المفعول فيه:
لعامل النصب فيه وجوه ثلاثة :
أ‌. الذكر وهو الأصل، تقول: إبراهيم يدرس الانجليزي هناك سنتين.
ب‌. الحذف جوازا، تقول: يوم الخميس، وثلاثة أميال، جوازا لمن سألك متى صمت وكم ميلا قطعت.
ت‌. الحذف وجوبا إذا وقع الظرف خبرا أو صفة أو حالا أو موصولا أو مشغولا عنه أو مسموعا. ففي الخبر تقول: الخير عندك، أي مستقر أو يستقر، وفي الوصف: عجبت بوردة بين الأزهار، وفي الحال: هزأ السامعون الأستاذ فوق المنصة. وفي الصلة: جاء الذي قبلك، والمشغول عنه: يوم الأحد تحدثت إليه فيه. والمسموع: كان حينئذ واسمع الآن.



رابعا: المفعول له:

ويسمى المفعول لأجله، ومن اجله ، وهو العلة في إيقاع الفعل والغرض في إيجاده، ولا يكون إلا مصدرا، ويكون العامل فيه فعلا من غير لفظه ، تقول: زرتك طمعا في برك، وقصدتك ابتغاء لمرضاتك، أي زرتك للطبع وقصدتك للابتغاء ، وقال: مفعول له، وهو مصدر، والناصب له (يجعلون) وهو من غير لفظه.

وان من شروطه ان يكون جوابا لـِ (لمَ فعلت؟) فلو سأل سائل: لم يجعلون أصابعهم في آذانهم؟ لكان الجواب: حذر الموت . ويجوز ان يكون المفعول له نكرة ومعرفة، وقد جمعها حاتم الطائي في قوله:

وأسترُ عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

فنصب ادخاره وهو معرفة، وتكرما وهو نكرة، على أنهما مفعولان لهما، فحذف اللام ونصبه بالفعل الذي قبله، وهذا رأي البصريين، وهو الرأي الصحيح ، وفي ذلك يقول سيبويه: "فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له، كأنه قيل: ما فعلت كذا وكذا؟ فقال: لكذا وكذا، ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله .

وخالف في ذلك الزجاج من البصريين، والكوفيون وزعموا انه مفعول مطلق، ثم اختلفوا في ناصبه، فقال الزجاج، فعلى مصدر من لفظه والتقدير: جئتك أكرمك إكراما، وقال الكوفيون: ناصبه الفعل المتقدم عليه لأنه ملاقٍ له في المعنى وان خالفه في الاشتقاق، ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصب لهن كقولك: مخافة الشر جئتك، وكان الأصل في المفعول له إدخال اللام عليه، فنقول: جئتك لمخافة الشر، وبهذا سمي مفعولا له، غير ان العرب حين حذفت اللام نصبت .

وقد تدخل هذه اللام على الفعل المضارع فتكون بمعنى العلة، كقولك: جئتك لتعطيني، وتقول: جئتك لأن تعطيني، ويجوز حذف اللام من (أن) فتقول: جئتك ان تعطيني، لأن (أن) والفعل الذي يليها تقعان موقع المصدر فيكون تقدير الكلام: جئتك للإعطاء .


خامسا: المفعول معه:

المفعول معه هو كل ما فعلت معه فعلا، وجاز ان يكون معطوفا، أي انه الفعل الذي يقع لفعل الفاعل ، نحو: قمت وزيدا، أي قمت مع زيد واستوى الماء والخشبة، أي مع الخشبة، وجاء البرد والطيالسة، أي مع الطيالسة، وما زلت أسير والنيل، أي مع النيل، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها: أي مع فصيلها، ولو خليتَ والأسد لأكلك، أي مع الأسد، وكيف تكون وقصعة من شرير: أي مع قصعة.

ويصفه الحريري في ملحة الإعراب بأنه من جملة المفاعيل الفضلات، وينصبه الفعل الذي قبله بوساطة الواو التي بمعنى مع، وليس من المفاعيل ما ينتصب بواسطة، إلا المفعول معه والمفعول دونه 0الاستثناء)، ولا يجوز حذف الواو من المفعول معه، كما جاز حذف اللازم من المفعول له، ولا أن تقدمه على الفعل كما جاز تقديم المفعول له على ناصبه .

والفرق بين واو المفعول معه وواو العطف، ان واو المفعول معه تؤذن بمعنى المصاحبة فقط، والواو التي بمعنى العطف توجب الشراكة في المعنى، فغن ما الأول على معنى الفاعل، فالثاني على معنى الفاعل، وإن ما الأول على معنى المفعول، فالثاني مثله ، فلو رفعت فقلت: جاء البرد والطيالسة، لجاز أن تكون الطيالسة جاءت في الحر لا في البرد، ولو قلت استوى الماء والخشبة، بالرفع، لكان المعنى استوى الماء في الجريان، واستوت الخشبة في الانتصاب، وليس للخشبة إذا نصبتها فعل في الاستواء، ولو قلت تركت الناقة وفصيلها لرضعها، لاقتضى الكلام ان يكون كلا منهما قد حبس عن الآخر .

وقد ذهب ابن جني في كتابه اللمع والخصائص، إلى ان المفعول معه لا يكون إلا إذا كان الكلام ناقصا بحيث يصح عطفه على ما قبله من جهة المعنى، ورأى جمهور النحاة ان كل اسم وقع بعد واو المعية وسبقته جملة ذات فعل أو شبيه فهو مفعول معه صح عطفه أو لم يصح، والصحيح رأي الجمهور، إلا ان تمثيل ابن جني في كتاب اللمع بقوله: "ما زلت أسير والنيل" ، يدل على قوله بما قال به الجمهور .

وعبارته في سر الصناعة: اما الواو مع المفعول معه في نحو قمت وزيدا فجارية هنا مجرى حروف العطف، والدلالة على ذلك ان العرب لم تستعملها قط بمعنى مع إلا في الوضع الذي لو استعملت فيه عاطفة لصلحت .

وعبارته في الخصائص: ولهذا لم يجز أبو الحسن سعيد ن مسعدة الأخف الأوسط، جئتك وطلوع الشمس، لأنك لو أردت ان تعطف بها هنا فتقول: أتيتك وطلوع الشمس، لم يجز، لان طلوع الشمس لا يصح إيتائه لك، فما ساوقت حرف العطف فلح، والطيالسة جاء البرد .

وفي اللمع أورد ابن جني بيتا من الشعر استشهد به سيبويه شاهدا على نصب بني أبيك بالفعل الذي قبله، وهو فكونوا بواسطة الواو، والبيت:
فـكونـوا أنتـم وبنـي أبيكـم مكـان الكليتيـن مـن الطحـال

وقد آثر ابن جني في اللمع على التمثيل لحالات نصب الاسم على انه مفعول معه، ولم يذكر شروط النصب وحالات الإعراب، وخلاصة هذه الحالات :
1. وجوب نصب ما بعد الواو مفعولا معه، وذلك إذا امتنع مشاركة الاسم الذي بعد الواو ما قبلها في المعنى، ومن أمثلة ابن جني لذلك: ما زلت أسير والنيل، يجب فيها نصب النيل.
2. جواز نصب ما بعد الواو مفعولا معه، وعطف ما قبلها على السواء، تقول: قام المعلم والطالب، فتنصب الطالب وترفعه.
3. رحجان نصب ما بعد الواو مفعولا معه، وذلك إذا أدى العطف إلى معنى يحتاج إلى تأويل وتقدير ومن أمثلة ابن جني لذلك: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، يجوز فيها نصب الفصيل راجحا ورفعه مرجوحا، والبيت: فكونوا انتم وبني أبيكم.
4. وجوب عطف ما بعد الواو على ما قبلها، وذلك ان مكان العامل فعلا أو شبه فعل دالا على المشاركة، نقول: تسابق عمرو وهشام، فترتفع هشام لا غير لان تسابق يستلزم العطف.


سادسا: الحال:

الحال لغة: الوقت الذي أنت فيه، ويطلق على ما عليه الإنسان من خير أو شر، وهو يذكّر ويؤنث، لفظه وضميره ووصفه، والأرجح في لفظه التذكير، فيقال: هذا حال، وفي غير لفظه التأنيث .
والاسم المنصوب على الحال ما جمع ست شروط وهي :
1. ان يكون نكرة.
2. ان يكون مشتقا من فعل.
3. ان يأتي بعد تمام الكلام.
4. ان يكون صاحب الحال معرفة.
5. ان يكون العامل فيه فعلا صريحا أو معنى فعل.
6. ان يرى جواب "كيف".
* مثال: جاء الأمير راكبا.
نصب راكبا على الحال، وقد استوفت شروطه الستة:
فراكبا نكرة مشتقة من فعل، جاء بعدها تمام الكلام، والعامل فيه (جاء) فعل صريح وصاحب الحال معرفة وهو الأمير، ويصلح ان يكون جوابا لمن قال: كيف جاء الأمير؟

قد يكون الحال للمفعول به، نحو: ضربت عمرا مشدوداً، والتقدير "ضربته في حال شده"، وقد يكون مضافا إضافة غير محضة، نحو: جاء زيد ضاحك السن، ولا يجوز ان يكون مضافا إضافة محضة، لأنه يصير حينئذ صفة لصاحب الحال.

ولا يجوز ان يكون صاحب الحال نكرة نحو: جاء زيد ضاحك السن، ولا يجوز ان يكون مضافا إضافة محضة، لأنه يصير صفة لصاحب الحال، كما لا يجوز ان يكون صاحب الحال نكرة، لئلا يصير الاسم الفضلة صفة له، نحو: جاء رجل ضاحك، إلا انه ان قدمت الصفة على الموصوف فانتصب على الحال كقول الشاعر:

لِميـة موحـشا طلـل يـلـوح كـأنـّهُ حـلـلُ
ولو قال: لمية طلل موحش لوجب رفع موحشا على انه الصفة لطلل.

يجوز تقديم الحال على صاحبها وعلى الفعل العامل فيها، فيجوز ان تقول: جاء زيد راكبا، وجاء راكبا زيد، وراكبا جاء زيد. وقد يقع الفعل موقع الحال، فإن كان ماضيا وقع بعد "قد" نحو: جاء زيد قد غنم، ويجوز إدخال الواو على "قد"، وتسمى هذه الواو واو الحال، ويكون معناها معنى "إذا" فإن قلت جاء زيد وقد غنم، مكان تقدير الكلام: جاء زيد إذا قد غنم.

وقد يقع الفعل المضارع موقع الحال كقوله تعالى: "تمنن تستكثر"، أي مستكثرا، ولا يجوز إدخال واو الحال المقدم ذكرها على الفعل المضارع، وقد يقع الجار والمجرور موقع الحال، كقوله تعالى: "فخرج على قومه في زينته"، أي متزيناً.

العامل في الحال يون فعلا صريحا، مثل: جاء وأقبل، ويقوم، ويقعد، ويكون في معنى فعل، كالظرف، وحرف التنبيه واسم الإشارة والجار والمجرور، ومن الظرف مثل زيد عندك جالسا، وتقدير الكلام: زيد استقر عندك جالسا، والتنبيه كقوله تعالى: "وهذا بعلي شيخا" أي أنبه عليه عند شيخوخته، واسم الإشارة مثل: ذا زيد واقفا، والجار والمجرور كقولك: مررت بزيد راكبا، وينصب على الحال قولهم: بعته بدرهم فصاعدا، أي فزاد الدرهم صاعدا، وادخلوا أولا، وهلموا واحدا واحدا، وبعته يدا بيد، أي بين له حسابه مفصلا، وجاء القوم مترافقين، وادخلوا مرتبين، ففي هذه الأسماء المنصوبة على الحال معنى الأسماء المشتقة من الأفعال.

وفي اللمع يعرف الحال على انه "وصف هيئة الفاعل أو المفعول به" ، ويقول ان العامل في الحال على ضربين ؛ متصرف وغير متصرف، والتصرف هو التنقل في الأزمنة تقول جاء يجيء مجيئا فهو جاء، فإذا كان العامل متصرفا جاز تقديم الحال عليه وتأخيرها، نحو: جاء زيد راكباً، وجاء راكبا زيد، وراكبا جاء زيد، كل ذلك جائز، لأن جاء متصرف. وكذلك: أقبل محمد مسرعا، وأقبل مسرعا محمد، ومسرعا أقبل محمد، لأن أقبل متصرف.

وإذا لم يكن العامل متصرفا، لم يجز تقديم الحال عليه، فتقول في غير المتصرف: هذا زيد قائما، فتنصب قائما على الحال بما في هذا من معنى الفعل، لأن "ها" للتنبيه و"ذا" للإشارة، فكأنك قلت: أنبه عليه قائما، وأشير إليه قائما، ولو قلت قائما هذا زيد، لم يجز، لأن هذا لا يتصرف، قال جرير:
هذا ابن عمي في دمشق خليفةً لـو شئت ساقـكم إليّ قطيعا
فتنصب خليفة بهذا أو بالظرف .

وزيد في الدار قائما، فتنصب قائما على الحال بالظرف، ولا زيد قائما في الدار، لأن الظرف لا يتصرف.






سابعا: التمييز:

التمييز: هو كل اسم نكرة منصوب مفسر لما أُبهِم من الذوات ، وهو ما اجتمع فيه خمسة أمور، وهي:
1. ان يكون اسما.
2. ان يكون فضلة.
3. ان يكون نكرة.
4. ان يكون جامدا.
5. ان يكون مفسرا لما أُبهِم من الذوات.

فهو موافق للحال في الأمور الثلاثة الأولى، ومخالف في الأمرين الآخرين، لأن الحال مشتق مبين للهيئات، والتمييز جامد مبين للذوات ، فهو اسم جنس ولهذا سمي تمييزا لأنه يميز الجنس الذي تريده، ويفرده من الأجناس التي يحتملها الكلام .

* التمييز ضربان؛ مفسر لمفرد، ومفسر لنسبة، اما مفسر المفرد فيقع بعد:
أ. المقادير: وهي عبارة عن ثلاثة أمور:
1. المساحات: كـ "جريتُ ميلا".
2. الكيل: كـ "صاعٌ تمراً".
3. الوزن: كـ "منوين عسلا".
ب. العدد: كأحد عشر درهما، ومنه قوله تعالى:﴿إني رأيت احد عشر كوكبا﴾، وهكذا حكم الأعداد من احد عشر إلى التسعة والتسعين، وقال تعالى: ﴿إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة﴾، وفي الحديث: "إن لله تسعة وتسعين اسماً".

ومن تمييز العدد، تمييز "كم" الاستفهامية بمعنى أي عدد، ويستعملها من يسال عن كمية الشيء، وخبرية بمعنى كثير، ويستعملها من يريد الافتخار والتكثير، وتمييز الاستفهامية منصوب مفرد، فتقول: كم عبدا ملكت؟ وكم دارا بنيت؟ وتمييز الخبرية مخفوض دائما، ثم تارة يكون كتمييز العشرة مما دونها، فتقول: كم عبيدٍ ملكت؟ كما تقول: عشرة أعبد ملكت، وتارة يكون مفردا كتمييز المائة.

ثامنا: الاستثناء:

هو من المنصوبات في بعض أقسامه، ومعناه إخراج الشيء مما دخل فيه غيره، أو إدخاله في ما خرج منه غيره، فالاسم المستثنى أبدا ضد المستثنى منه.

* أركان الاستثناء:
- المستثنى منه.
- الأداة (إلا وما يقوم مقامها من أفعال وحروف).
- المستثنى.
- الحكم الذي يتم به الاستثناء.

ويقع الاستثناء بحروف مثل إلا وعدا وخلا، ويقع كذلك بأفعال مذل ما عدا وما خلا، وليس، ولا يكون. وأخيرا يقع الاستثناء بالأسماء كغير وسوى وبيد.

إذا كان الاستثناء بإلا، وكانت مسبوقة بكلام تام، موجب، وجب بمجموع هذه الشروط الثلاثة نصب المستثنى، سواء كان المستثنى متصلا كـ "قام القوم إلا زيد"، وقوله تعالى ﴿فشربوا منه إلا قليلا منهم﴾، أو كان منقطعا، نحو: قام القوم إلا حمارا، ونحو قوله تعالى: ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس﴾.

فالاستثناء إما متصل أو منقطع، وإن كان متصلا جاز في المستثنى وجهان:
1. ان يجعل تابعا للمستثنى منه على انه بدل منه (بدل بعض من كل)، وذلك ما أجمع عليه البصريون، أو يكون عطف نسق، وهذا ما اجمع عليه الكوفيون.
2. ان ينصب على أصل الباب.

والمستثنى غير الموجوب أو جائز النصب والاتباع، فهو ما وقع جملة مشتملة على المستثنى منه ولكنها منفية، فقوله تعالى:﴿ما فعلوه إلا قليل منهم﴾، لفظة "قليل" مرفوعة على أنها بدل من الواو التي هي الفاعل في الجملة "ما فعلوه"، واقروا على النصب على الاستثناء (إلا قليلا).

ومثال النهي في قوله تعالى: ﴿ولا يلتفت منكم احد إلا امرأتك﴾، وقرأ بالنصب على الاستثناء، وكذلك مثال الاستفهام، كقوله تعالى: ﴿ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون﴾، ويجوز ان تقرأ بالنصب (إلا الضالين) على الاستثناء.

وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، وجب نصبه مطلقا، سواء كان منقطعا أو متصلا، نحو قول الكميت:
ومـالي إلا آل أحـمـد شيـعـة ومالـي إلا مـذهب الحـق مذهـب
نصب المستثنى في الموضعين (إلا آل أحمد) و (إلا مذهب الحق)؛ لأنه تقدم على المستثنى منه، واصل البيت: مالي شيعة إلا آل أحمد ومالي مذهب إلا مذهب الحق.

وإذا كان الكلام السابق على إلا غير تام، أي ألا يكون المستثنى منه مذكورا فإن الاسم المذكور الواقع بعد إلا يعطي ما يستحقه لو لم توجد "إلا"، فيقال: ما قام إلا زيد، بالرفع، كما يقال: ما مررت إلا بزيد. ويسمى ذلك استثناءً مفرغاً، لأن ما قبل "إلا" قد تفرغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل فيما يقتضيه، والاستثناء في ذلك كله من اسم عام محذوف، فتقدر "ما قام إلا زيد": ما قام احد إلا زيد.

* الاستثناء بباقي أدوات الاستثناء:
- الاستثناء بـ "غير" و"سوى":

تقومان مقام إلا في الاستثناء بهما، وهما المستثنى نفسه، وحكمهما أن تأخذا حكم المستثنى الواقع بعد إلا، وأن تعربا إعرابه من حيث وجوب النصب وجواز النصب والاتباع، ووجوب الاتباع، ولا تجيئان في الجملة إلا مضافتين؛ وبالتالي، فإن ما بعدهما مضاف إليه مجرور دائما، مثل: حضر المدعوون غير واحد، فـ "غير" مستثنى منصوب، وما بعدها مضاف إليه مجرور.

والأمر ذاته ينطبق على سوى، فهي مستثنى منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف وهي مضاف وما بعدها مضاف إليه مجرور دائما.

وإذا كانت الجملة منفية، فيجوز في "غير وسوى" النصب على الاستثناء أو الرفع على التبعية للمستثنى منه، نحو:
• ما حضر المدعوون غير واحدٍ (غير واحدٌ)
• ما حضر المدعوون سوى واحدٍ (سوى واحدٌ)
تقدر الفتحة في حالة النصب وتقدر الضمة في حالة الرفع على التبعية على الفاعلية.

وفي الوضع الذي تكون فيه جملة الاستثناء منفية وخالية من المستثنى منه فإن الجملة تكون قد خرجت من حد الاستثناء إلى الحصر، لأننا أخرجنا كل ما قبل (غير) و(سوى) من حكم ما قبلها وحصرناه في حكم ما بعدها، كقولنا: ما حضر غير زائر، أو ما حضر سوى واحد؛ فـ "غير" و"سوى" هنا فاعل مرفوع، وهما مضاف وما بعدها مضاف إليه مجرور.

اما المستثنى بـ "ما عدا" و"ما خلا" و"حاشا"، فهو واجب النصب لأنه في مقام المفعول به ما دامت هذه الأفعال مقترنة بـ "ما"، والشاهد على ذلك قول لبيد:

إلا كل شيء ما خلا الله باطلُ وكـل يغيـم لا محـالـة زائـلُ
ومنه أيضا:

رأيت الناس ما حـاشا قريشـا فإنـا نـحـن أفضلهـم فـعـلا

وإذا تجردت هذه الأفعال من "ما" المصدرية فإنها تحتمل الحرفية والفعلية، فإذا اعتبرت في مقام حروف الجر جررتَ بها ما بعدها، وان اعتبرتها أفعالا فإنك تنصب ما بعدها.





كان هذا عرضا لأنواع المنصوبات المختلفة، سواء المفعول منها أو ما شُبّه بالمفعول، اما المفعول فيشتمل على المفاعيل الخمسة، اما المشبه بالمفعول فيشتمل على الحال، والتمييز، والاستثناء، وأسماء إن وأخواتها من باب المنصوبات، مع أنهما منصوبان لأنهما أساسيان في الكلام، فاسم إن مبتدأ في الأصل وهو المسند إليه، وخبر كان خبر لمبتدأ في الأصل وهو مسند أو متحدث به، أي أنهما من أركان الجملة . في حين أن المنصوبات فضلات تأتي بعد تمام الكلام.

وتحدث ابن هشام في كتابه المغني، في الباب الخامس منه، وتحت عنوان "في ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب في جهتها"، قال: "باب المنصوبات المتشابهة"، حيث بين فيها الوجوه والاحتمالات التي يمكن من الإعراب، مثل قوله: ما يحتمل المصدرية والحالية والمفعول لأجله .
















الفصل الثاني: المنصوبات المتشابهة في كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب وآراء العلماء في وجود منصوبات متشابهة.

تقوم الكلمات في التراكيب بوظائف معينة، فتكون لها مواقع نحوية، وأداء الكلمة لوظيفتها، وهي في موقع من المواقع قد تربط بورودها في مركز معين، فلا تتقدم أو تتأخر، وإن تقدمت أو تأخرت يكون التقدم أو التأخر في اللفظ لا في المرتبة.

والكلمة تؤدي وظيفة نحوية معينة، سواء أكانت في موقعها أولا، فالمفعول مثلا، إن تقدم على الفاعل يكون متقدما لفظا لا رتبة، فمركزه متقدم، لكن موقعه متأخر .

والمواقع وظائف يراد بها من الكلمات القيام بها أو التعبير عنها، فموقع الحال غير موقع التمييز مثلا، لان المعنى الذي يعبر عنه هذا هو غير المعنى الذي يعبر عنه ذاك، فالمواقع مختلفة من هذه الناحية، أي ناحية المعنى الذي ينهض كل موقع لخدمة التعبير عنه، لكنها قد تتشابه في الحالة الإعرابية. وتفق كتب النحو العربية على ان هناك مواقع للمرفوعات وأخرى للمجرورات وثالثة للمنصوبات، ومن ينظر في مواقع كل منها يجد بينها اختلافا من حيث المعنى الملقى على عاتق كل منها، فالمعنى هو عصب التعرف على وظيفة الكلمة وموقعها .

وقد تتغير الحالة الإعرابية للكلمة من جملة إلى أخرى، ومع ذلك تظل محافظة على موقعها، فالمفعول مفعول نصب أو رفع لنيابته مناب الفاعل، قد سماه سيبويه "المفعول المرفوع" وسماه المتأخرون "نائب الفاعل" لأن معناه لا يزال على المفعولية، وعن طريق المعنى لاحظ النحويون صلة وثيقة بين بعض المواقع النحوية، فتحدثوا عنها إيمانا منهم بخطورة جانب المعنى في التحليل النحوي، ودوره في الوسائل المستخدمة لربط عناصر التركيب بعضها ببعض، والقرابة بين المواقع النحوية المؤسسة على رباط معنوي والتداخل بين الحالات الإعرابية لبعض المواقع النحوية لثبات العلاقة بين عناصر التركيب .

إن المعنى يتبوأ مكانة عالية في التحليل النحوي، فهو الوجه الآخر للأحداث اللغوية، وما تقدم من الألفاظ ليس إلا تعبيرا عنه؛ فهو مسؤول عن كثير من أوجه السلوك التركيبي، فنتعرف على عناصره التي كونت إطاره الشكلي، ونتعرف على حقيقة العلاقة التي تقدمها مضمونات هذه العناصر .

وكلام ابن يعيش التاتلي يفسره بناء على النظر إلى المعنى، حيث قال: "اعلم ان قولهم: أقائم الزيدان، إنما أفاد نظرا إلى المعنى: أيقوم الزيدان، فتم الكلام لأنه فعل وفاعل، وقائم هنا اسم من جهة اللفظ وفعل من جهة المعنى" .

لكن الرضي أخرجه من الجملة الاسمية، فقال إن النحاة تكلفوا إدخال هذا في حد المبتدأ، فقالوا إن خبره محذوف لسد فاعله مسده. وعلى وحي من هذا النهج سار ابن هشام في مؤلفاته التي يدور جلها حول النحو ومشكلاته، ومن أهمها قطر الندى وبل الصدى، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، وكتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، فذكر أسباب تأليفه ثم وضح منهجه فيه بقوله: "ووضعت هذا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الإعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وإغلاقا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهتهم عليها وأصلحتها" .

فجعل أبوابه ثمانية، حصر فيها مسائل النحو جميعها، فكان نهجه فيه فريدا من نوعه لا يشبهه فيه احد من عصر سيبويه، فكان كتابه درة في عقد الكتب النحوية . وبين ان غرضه من هذا النهج هو تذليل النحو، وتقريبه إلى الإفهام والبعد به عن الاضطراب الفكري الذي يدعو إليه اختلاط مسائل هذا العلم بعضها ببعض، وقد تعرض ابن هشام في هذا الكتاب لبعض أبيات أشكل إعرابها على كثير من النحاة، وكان همه ان يزيل غموضها ويفتح مقفلها ويحلل معانيها.

ويتلخص منهجه في هذه المسائل في القيام بعرض المشكلة، وبيان وجهات النحاة المختلفة حولها مع ذكر أدلة كل منهم، ثم مقارنة بين هذه الأدلة بعضها ببعض، وكطبيعة الباحث الذي لا يقف عند ظواهر الأشياء، كان يتعرض لهذه الأدلة بالنقد أو الأبطال ليبني على أنقاضها أدلة أمتن وحججا أقوى .

* المنصوبات المتشابهة:

المنصوبات المتشابهة التي ذكرها ابن هشام في كتابه "مغني اللبيب" في الباب الخامس منه، هي :
1. ما يحتمل المصدرية والمفعولية: ومن ذلك نحو ﴿ولا تظلمون فتيلا﴾ ﴿ولا تظلمون نقيرا﴾ أي ظلما ما أو خيرا ما، أي لا تنقصونه مثل ﴿ولم تظلم منه شيئا﴾ ومن ذلك ﴿ذم لم ينقصوكم شيئا﴾ أي نقصا أو خيرا. و اما ﴿لا تضروه شيئا﴾ فمصدر لاستيفاء ضر مفعوله، واما ﴿فمن عفي له من أخيه شيء﴾ فـ"شيء" قبل ارتفاعه مصدر أيضا، لا مفعول به، لأن عفا لا يتعدى.
2. ما يحتمل المصدرية والظرفية والحالية: ومن ذلك "صرت طويلا" أي سيرا طويلا أو زمنا طويلا، أو سرته طويلا، أي سرت السير سيرا طويلا، ومنه قوله تعالى: ﴿وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد﴾ أي إزلافا غير بعيد، أو زمنا غير بعيد، أو أزلفته الجنة – أي الإزلاف- في حالة كونه غير بعيد، وهي حالة مؤكدة، وقد يجعل الحال من الجنة فالأصل غير بعيدة، وهي أيضا حال مؤكدة.
3. ما يحتمل المصدرية والحالية: نحو جاءنا زيدٌ راكضا، أو عامله جاء على حد: قعدت جلوسا، والتقدير جاء راكضا، وهو قول سيبويه، ويؤيده قوله تعالى: ﴿أأتنا طوعا أو كرها، قالتا: أتينا طائعين﴾، فجاءت الحال في موضع المصدر السابق.
4. ما يحتمل المصدرية والحالية والمفعول لأجله: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يريكم البرق خوفا وطمعا﴾ أي فتخافون خوفا وتطمعون طمعا، أو خائفين وطامعين، أو لأجل الخوف والطمع.
5. ما يحتمل المفعول به والمفعول معه: نحو أكرمتك وزيدا، يجوز كونه عطفا على المفعول، وكونه مفعولا معه، ونحو: أكرمتك وهذا، يحتملها، وكونه معطوفا على الفاعل لحصول الفصل بالمفعول وقد أجيز في "حسبك وزيدا درهم"، كون زيد مفعول معه، وكونه مفعولا به بإضمار يحسب، وهو الصحيح، لأنه لا يعمل في المفعول معه إلا ما كان من جنس ما يعمل في المفعول به، ويجوز جره بالعطف، وقيل بالضمار حسب أخرى وهو الصواب، ورفعه بتقدير حسب، فحذفت وخلفها المضاف إليه، ورووا بالاوجه الثلاثة قوله:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فـحسبـك والضحاكَُِ سيف مهند
6. ما يحتمل الحالية والتمييز: ومن ذلك" أكرم زيد ضيفا"، انه قدرت ان الضيف غير زيد فهو تمييز محول عن الفاعل، يمتنع ان تدخل عليه من، وان قدر نفسه احتمل الحال والحال والتمييز، وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال من، ومن ذلك: هذا خاتم حديدا، والأرجح التمييز للسلامة به من جمود الحال ولزومها، أي عدمن انتقالها ووقوعها من نكرة، وخير منها الخفض بالإضافة.

يعتمد ابن هشام في منهجه على الفهم الدقيق للمعنى معتمدا على مبدأ الاحتمالات والتأويل والتقدير، فهو يقول "ما يحتمل المصدرية والمفعولية" وغيرها من الاحتمالات في هذا الباب، وكثيرا ما يقول "والتقدير هو كذا وكذا" كقوله: "وان قدر نفسه احتمل الحال والتمييز"، وكثيرا ما يعمد إلى الموازنة بن الاحتمالات ويختار الأقرب والأنسب، مثل: "وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال من".

وكثيرا ما يورد آراء غيره من النحاة في مسالة ويعلق عليها كقوله: "وهو اختيار ابن خروف فواضح..."، ويؤيد تقديره بالقرآن الكريم أو الشعر، فيأتي بالشواهد المؤيدة والمؤكدة لما يراه، وان الجدير بالذكر ان أحدا من النحويين لم يذكر المنصوبات المتشابهة كباب صريح، وان تسمية المنصوبات المتشابهة هي تسمية خاصة بابن هشام، لم نجد لها أثرا عند غيره من النحاة السابقين أو اللاحقين، إلا نجد محاولاتهم في تقليب أوجه إعرابية مختلفة ومحاولتهم تفسيرها، وعقدهم موازنات وتخريجات لبعض التراكيب.






* آراء العلماء في المنصوبات المتشابهة:

قلنا ان أحدا من العلماء النحويين لم يذكر المنصوبات المتشابهة في موضوع مفصل ومنفصل، أو يصنفها تصنيف ابن هشام، وإنما أشاروا إليها وناقشوها كمواضيع فرعية ومنفردة، فذكورا المفاعيل الخمسة وما ينصبها وشروطها، والحال والتمييز والاستثناء، وهذا ما تطرقت إليه في الفصل الأول، والآن سأعرض لبعض آرائهم في مواضيع محدد بقصد الإيجاز، لأن المواضيع كثيرة وتحتاج الكثير من الجهد والوقت.

من عناوين سيبويه في الكتاب: ما ينصب من المصادر لأنه حال، نحو قتلته صبرا، ولقيته فجأة، ومفاجأة، ومكافحة، وكفاحا، ولقيته عيانا، ولكمته مشافهة، وأتيته ركضا وعدوا ومشيا. واتخذت ذلك عنه سمعا وسماعا وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع، لأن المصدر هنا في موضع فاعل إذا كان حالا، ألا ترى انه لا يحسن أتانا سرعة.

ويقول المبرد: ومن المصادر ما يقع موضع الحال فيسد مسده فيكون حالا قد ناب عن اسم الفاعل، نحو: قتلته برا، وتأويله: صابرا أو مصبرا، وجئته مشيا، ومعناه جئته ماشيا والتقدير أمشي مشيا، لأن المجيء على حالات، والمصدر قد دل على فعله من تلك الحال .

وفي سيبويه حـ 195: 1-196 باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال، وذلك قولك "كلمته فاه إلى في، وبايعته يدا بيد، كأنه قال: كلمته مشافهة، وبايعته نقدا، أي كلمته في هذه الحال.

وبعض العرب تقول: كلمته فوه إلى في، كأنه يقول: كلمته وفوه إلى في أي: كلمته وهذه حاله. فالرفع على قوله" كلمته وهذه حاله، والنصب على قوله: كلمته في هذه الحال، فانتصب لأنه حال وقع فيه الفعل.

وفي أمالي الشجري جـ1: 154: "فإن قلت: فقد قالوا: كلمته فاه إلى فيهن فنصبوا المضاف إلى المعرفة على الحال وليس بمصدر، الجواب: ان فاه عند النحويين منتصب بمحذوف مصدر، وذلك المحذوف كان هو الحال في الحقيقة، وهذا المنصوب المعرفة قائم مقامه تقديرا: جاعلا فاه إلى فيه .

وفي ابن يعيش جـ2: 61: فاه نصب على الحال وجعلوه نائبا عن مشافهة أو ملاصقا، والمذهب الأول وهو رأي سيبويه، إذ لو كان بإضمار جاعلا لما كان من الشاذ .

هذا مذهب أكثر البصريين، والكوفيون ينصبون فاه إلى فيه بإضمار جاعلا أو ملاصقا، والمذهب الأول وهو رأي سيبويه هو الأرجح، إذ لو كان بإضمار جاعلا لما كان من الشاذ.

في المخصص جـ14: 227: واما ما جاء منه مضافا معرفة كقولك: طلبته جهدك وطاقتك، فعلته جهدي وطاقتي، وهو ف موضع الحال لان معناه مجتهدا، ولا يستعمل هذا إلا مضافا، لا تقل فعلته طاقةً ولا جهدا، واعلم ان هذه المنتصبات عن المصادر في موضع الأحوال، وليست بأحوال، ولكنها موافقة وموضوعة في مواضع غيرها، لوقوعها معه في المعنى .

وقال أبو العباس: قولهم: "قعد القرفصاء، واشتمل الصماء، ورجع القهقرى، هذه حلى وتقليبات لها، وتقديرها: اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الاسم، وكذلك أخواتها ، قال: وجملة القول ان الفعل لا ينصب شيئا إلا وفي الفعل دليل عليه.






* منهج المتقدمين في درس المفعولات:

لم يتناول النحّاةُ القدامى المفعولات الخمسة مجموعة متتابعة، فعنوان سيبويه في المفعول فيه" هذا باب ما ينصب من الأماكن و الوقت."؛ و يقول:" ذلك لأنها ظروف تقع فيها الأشياء و تكون فيها."، فالمكان قولك: هو خلفك و هو قدامك و هو تحتك و قبالتك و ما أشبه ذلك ، ثم يقول :" و زعم الخليل- رحمه الله- أنّ النصب جيد إذا جعله ظرفاً، و هو بمنزلة قول العرب : هو قريب منك، و هو قريباً منك أي مكاناً قريباً منك."

فعناية سيبويه إنّما اتجهت إلى عمل النّصب . و سار النّحاة من بعده مسيرته في العمل الإعرابي و إن اختلف ترتيب الأبواب اختلافاً يسيراً.ففي المفصل مثلاً؛ المفعول فيه، المفعول معه، المفعول لأجله، أما شرّاح الألفية فكان الترتيب منهم بعد بيان تعدي الفعل و لزومه و التنازع في العمل، المفعول المطلق ، المفعول له، المفعول فيه، المفعول معه.

و يَعُدُّ النّحاةُ البصريون الفتحة أثراً للعامل كالنّحويين الآخرين؛ فهي منسوبة إليه أبداً، و لذلك عزوا فتحة المنادى المنصوب إلى عامل تكلفوا في تقديره فقالوا: هو (أدعو) قامت (يا) مقامه و نابت عنه، و عزوا فتحة المنصوب على الاختصاص إلى فعل واجب الحذف هو (أخص) ، نحو قوله عليه السلام:" نحن معشر الأنبياء، نورث" و تقدير الكلام : نحن أخص معشر الأنبياء. و كذلك عزوا الفتحة في المفعول معه و في الظرف المنصوب و في المفاعيل كلِّها ، و في المستثنى بإلا، إلى عوامل لفظية من فعلٍ و غيره.

و يرى الدكتور مهدي المخزومي في كتابه (في النّحو العربي نقد و توجيه) ؛ أنّ فكرة العامل النّحوي هي من تأثير الفلسفة التي استأنسوا بها في دراسة اللغة واللغة والنّحو، و أنّ هذا المنهج قد سيطر على أذهانهم، بحيث جعلوا كلَّ حركة في أي موضوع أثراً لعامل، و أنزلوا العامل النّحوي المزعوم منزلة العلة والسبب، غير ناظرين إلى مقتضيات الأسلوب و الاعتبارات اللغوية الأخرى،و هذا لا ينطبق على ما ترك الخليل والفراء ومَن في طبقتهما من آثار لدراسة لغوية بعيدة عن أسلوب الفلاسفة، فلها تفسيرات لكثير من المنصوبات خالية من أي أثر للنهج الدخيل .

كان الخليل يعتل لنصب المستثنى بالا أنه" نُصب المستثنى هنا لأنه مُخرجٌ مما أدخلت فيه غيره" و لم ينسب نصبه إلى فعل أو عامل سبقه. و كان سيبويه يعتل لأبواب من المنصوبات بمثل ما اعتلَّ لنصب المستثنى بـ(إلا)، كباب :" ما ينتصب لأنه قبيح أن يكون صفة"، نحو: هذا راقود خلاًّ و عليه نحيٌ سمناً .

وكالباب الذي عقده" لما ينتصبُ على أنّه ليس من الأول و لا هوهو"، نحو: هذا عربي محضاً ، وكباب : ينتصب على أنّه ليس من اسم ما قبله و لا هوهو"، نحو: هو جاري بيت بيت. وكقوله عند الانتهاء من هذه الأبواب في إجمال تفسيره النصب فيها:" اعلم أن جميع ما ينتصب في هذا الباب ينتصب على أنّه ليس من اسم الأول ، و لا هوهو"و يعني بقوله ما كان يعنيه بقوله في تفسير نصب المستثنى، لأنّه مخرج مما أدخلت فيه غيره." أي ؛أنّ المنصوب لا علاقة له بما فبله في حكم أو معنى اختص به الأول ، و لم تصدر عنه إشارة إلى عامل من العوامل التي نسب إليها المتأخرون النصب في كل هذه المنصوبات.

و كان الفرّاء يعتل لنصب الظرف الواقع خبراً، و نصب ما يسمى بالمفعول معه، و نصب الفعل المضارع المتصل به فاء السبب أو الواو الدّالة على المصاحبة المسبوقتان بنفي أو طلب ، على النحو الذي اعتّلّ الخليل به لنصب الموضوعات اللغوية المنصوبة، فقد كان الفرّاء ينصب الفعل المضارع بعد الفاء و الواو بالصرف، و الصرف عنده:" أن يأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليه، فإذا كانت كذلك فهو الصرف، لقول الشاعر:

لا تنه عن خُلق و تأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ

فلا يجوز إعادة لا في (تأتي مثله) ، فلذلك سمي صرفاً إذا كان معطوفا و لم يستقم أن يُعاد فيه الحادث قبله.

فعمل الفرّاء يشبه عمل الخليل في نصب المستثنى بإلا ، و ليس في كلامه كما ليس في كلام الخليل ، ما يدلّ على أنهما كانا يقولان بالعامل الذي قال به المتأخرون أو يلتزمان به كما التزم به المتأخرون.

و إذا كان الحديث في كتب الأقدمين قد ورد في باب الفاعل ، فهل يعني ذلك أن الناصب لمفعول هو الفاعل أو أنّ المفعولية صفة قائمة بذات المفعول، أو أنّ الفعل و الفاعل كالشيء الواحد و لا يعمل بعض الكلمة دون الآخر فهما معاً علّة نصب المفعول.

إنّ الرأي الذي نطمئن إليه أنه استعمال العرب الذي اعتمد على الفعل في نصب المفعول و في رفع الفاعل و نائبه فهو أصل العوامل في النظر النّحوي.

و إذا كان صاحب الفصل يتحدث عن الإختصاص في باب النداء ثم يتحدث عن التخدير ثم حذف المفعول به فالمفعول فيه، فإن شروح الألفي تتحدث عن الإختصاص بعد الترخيم في النداء؛ لأنّ الإختصاص كنداء دون (يا) كما يقول ابن مالك، مع بعض وجوه المخالفة.

ثم تتحدث شروح الألفية عن " التحذير و الإغراء" بعيداً عن درس المفعول ، و يستهله صاحب المفصل بقوله:" و من المنصوب باللازم إضماره قولك في التحذير إياك و الأسد" فالعمل الإعرابي أساس عنده للدرس النّحوي.

أما الدرس المعاصر و الذي يتمثل في تحرير النّحو العربي ، فقد جاء أسلوب الإختصاص مكمِّلاً للمفعول به بعيداً عن درس النداء، و قد بدأه ابن هشام بالتعريف أنّه:" تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليتجنبه"، و كانت أمثلته التي أوردها هي أمثلة السابقين ك(إياك و الأسد). أما الكتب المعاصرة لنا فقد بدأ بعضها بالتعريف المنطقي، بينما سار غيرها على البدء بإيراد الأمثلة ليستخلص القاعدة من بعد.

وفي المفعول لأجله اشترط الدرس النّحوي القديم شروطاً لنصب المفعول لأجله كأن يكون المصدر قلبياً ليعرب مفعولاً لأجله، فلا يجوز عندهم جئتك قراءة للعلم، و لا قتلاً للكافر، فمعيار صحة إعراب المصدر مفعولاً لأجله هو أن يصح إجابة عن سؤال ب( لماذا؟)، و قد أجاز الفارسي جئتك ضرباً زيدٍ ، أي لتضرب زيداً.

و قد تفاوت اهتمام النّحاة في شروط نصب المفعول له، فالمكودي يرى أنها شروطاً لازمة لنصبه و ابن عقيل يقول:" و زعم قوم أنّه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدراً، و لا يشترط اتحاده مع عامله في الوقت و لا في الفاعل."

و قد ارتضت الدراسات الحديثة في علم النّحو التعريف القديم للمفعول لأجله بأنّه:" كل مصدر قلبي، معلل كحدث مشارك له في الزمان و الفاعل." فإذا كان المصدر قلبيا و فقد الاتحاد في الزمان مع الفعل وجب جره، مثل جئتك اليوم للرغبة في عطائك غداً. أما تحرير النّحو فقد اكتفى في تعريفه بأنّه المصدر يأتي تكملة لبيان سبب الفعل. و لم يقل يجب أن يشاركه في الزمان و في الفاعل.

و في المفعول المطلق يسير النّحاة في فلك بيت الألفية:

المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كآمن من (أمن)

و يشير المكودي إلى أن المصدر والمفعول المطلق غير مترادفين، و ذلك على غير بيت ابن مالك ، فقد يكون المفعول المطلق غير مصدر ، نحو: ضربته سوطاً و يكون المصدر غير مفعول مطلق ، نحو: أعجبني ضربك، و هي تفرقة دقيقة سار عليها شراح الألفية ، و ظلت التفرقة إلى دراساتنا.

ونقطة البداية تطل برأسها من كتاب المغني لابن هشام، فهو ينبئ عن فهم مخالف للدراسة عن السابقين من حيث روح المادة ومنهج التناول السابق، فنحى فيه نحوا مخالفا، فجعل أبوابه ثمانية حصر فيها مسائل النحو جميعها، فكان نهجه فيه فريدا من نوعه لا يشبهه فيه أحد من عصر سيبويه، فكان كتابه درة في عقد الكتب النحوية .

ومن الباب الخامس من المغني اخترت موضوع المنصوبات المتشابهة عنوانا له، وهي كما ذكرها ابن هشام: المفعول المطلق، والمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول لأجله، والمفعول معه، والحال:

1. ما يحتمل المصدرية والمفعولية: ومن ذلك نحو ﴿ولا تظلمون فتيلا﴾ ﴿ولا تظلمون نقيرا﴾ أي ظلما ما أو خيرا ما، أي لا تنقصونه مثل ﴿ولم تظلم منه شيئا﴾ ومن ذلك ﴿ذم لم ينقصوكم شيئا﴾ أي نقصا أو خيرا. و اما ﴿لا تضروه شيئا﴾ فمصدر لاستيفاء ضر مفعوله.

2. ما يحتمل المصدرية والظرفية والحالية: ومن ذلك "سرت طويلا" أي سيرا طويلا أو زمنا طويلا، أو سرته طويلا، أي سرت السير سيرا طويلا، ومنه قوله تعالى: ﴿وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد﴾ أي إزلافا غير بعيد، أو زمنا غير بعيد، أو أزلفته الجنة – أي الإزلاف- في حالة كونه غير بعيد، وهي حالة مؤكدة، وقد يجعل الحال من الجنة فالأصل غير بعيدة، وهي أيضا حال مؤكدة.

3. ما يحتمل المصدرية والحالية: نحو جاءنا زيدٌ راكضا، أو عامله جاء على حد: قعدت جلوسا، أو التقدير جاء راكضا، وهو قول سيبويه، ويؤيده قوله تعالى: ﴿أأتنا طوعا أو كرها، قالتا: أتينا طائعين﴾، فجاءت الحال في موضع المصدر السابق.

4. ما يحتمل المصدرية والحالية والمفعول لأجله: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يريكم البرق خوفا وطمعا﴾ أي فتخافون خوفا وتطمعون طمعا، أو خائفين وطامعين، أو لأجل الخوف والطمع، وتقول: جاء زيد طمعا، أي يرغب رغبة، أو مجيء رغبةٍ أو راغبا أو للرغبة، ومنه قول المتنبي:

أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني وفرّق الهجر بين الجفنِ والوَسَنِ

5. ما يحتمل المفعول به والمفعول معه: نحو أكرمتك وزيدا، يجوز كونه عطفا على المفعول، وكونه مفعولا معه، ونحو: أكرمتك وهذا، يحتملها، وكونه معطوفا على الفاعل لحصول الفصل بالمفعول وقد أجيز في "حسبك وزيدا درهم"، كون زيد مفعول معه، وكونه مفعولا به بإضمار يحسب، وهو الصحيح، لأنه لا يعمل في المفعول معه إلا ما كان من جنس ما يعمل في المفعول به، ويجوز جره بالعطف، وقيل بالضمار حسب أخرى وهو الصواب، ورفعه بتقدير حسب، فحذفت وخلفها المضاف إليه، ورووا بالأوجه الثلاثة قوله:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فـحسبـك والضحاكَُِ سيف مهند