مشهد تمثيليّ محاكمة غشّاش بقلم : أيمن عبد الحميد الوريدات
تاريخ النشر : 2008-05-20
مسرحية محاكمة غشّاش
______________

تفتح السّتارة ، يظهر منظر عامّ للمحكمة ، يدخل ثلاثة قضاة يجلس كلّ منهم في مكانه المخصّص .
ينادي أحد العاملين في المحكمة بصوت مرتفع قائلا : محكمة . يقف الحضور جميعا .
القاضي رئيس الجلسة : تجتمع المحكمة اليوم للنّظر في القضية رقم 111/ 2005 والمقدّمة من السّيدة ورقة ضدّ السّيد غشّاش . باسم الله نبدأ . هيّا أدخلوا المتّهم .
يظهر المتّهم ؛ وهو طالب من الطّلاب في قفص الاتّهام ، ويجلس المدّعي العام والمدعية كلّ في مكانه .
القاضي الثّاني : أين المدّعية ؟ وأين المحامي الحاضر معها ؟
السّيدة ورقة : أنا هنا سيدي . وأنا المحامية عن نفسي .
المدّعي العام : سيدي القاضي . حضرات القضاة المحترمين إنّ هذا الطّالب ارتكب جريمة شنيعة تقشعّر لها الأبدان ، وترفضها الأخلاق والقيم ، فهو قد غشّ في الامتحان ، ولم يكتفِ بذلك بل عذّب هذه الورقة وأهانها ، وأجبرها على مشاركته جريمته ، واستغلّها أبشع استغلال ، وجعلها تئِن وتصرخُ دون رحمة منه ، ولن أطيل عليكم أيّها السّادة ، بل سأترك لهذه الورقة المسكينة – إن سمحتم لها – سأترك لها الفرصة لتقصّ عليكم ما حدث ، وإنّي لأرجو من محكمتكم العادلة أن تنصفها وتحقّ الحقّ ، وتوقع بهذا المجرم العقوبة الّتي يستحقها .
القاضي : هيّا تقدّمي ، وقولي ما عندك ، وحذارِ من الزّيادة أو من أن تقولي غير الحقّ ، وتأكّدي أن محكمتنا ستحقّ الحق ، وتوقع بالمجرم العقوبة الّتي يستحقّها .
السّيدة ورقة : سيدي القاضي ، حضرات القضاة الكرام ، السّادة الحضور ،كنت جالسة بين أهلي وإخوتي في عائلتنا الكبيرة ؛ الدّفتر فجاء هذا الطّالب وانتزعني من بينهم واختطفني عنوة ، وعبثاحاول أهلي استرجاعي وانتزاعي من بين يديه .
القاضي : وبعد ، أكملي تابعي ، هيّا ما الّذي حدث ؟ ماذا جرى بعد ذلك ؟
السيدة ورقة : وضعني على الطّاولة ، وبدأ يكتب على سطوري وبينها ، وهذا لم يزعجني سيدي ؛ لأنّ هذه هي وظيفتي الّتي من أجلها وجدت ، ولكنّ ما ضايقني وأزعجني أنّه بدأ يكتب فوقي بخطّ صغير لا يكاد يُرى ، وما ضايقني أكثر ، أنه بعد أن كتب عليّ طواني وطواني وطواني عدّة مرّات ثمّ وضعني في جيبه ، وفي الصّباح عندما استيقظ وذهب إلى اختباره ، وقع ما كنت أخشاه .
القاضي : ما الّذي حدث ؟ أكملي تابعي .
السّيدة ورقة : آه يا سيدي . قد استغلني للغشّ ، والغشّ يا سيدي كما تعلمون حرام ، وسيدنا محمّد صلوات ربّي عليه يقول : (( من غشّنا فليس منّا )) .
القاضي : طبعا طبعا الغشّ حرام ، وصدق رسولنا الكريم . أكملي تابعي ، نحن نصغي إليك .
السيدو ورقة : المصيبة الكبرى يا سيدي تمثّلت في أنّه أخرجني من جيبه ليغشّ ، وينقش ما يريد من معلومات وردت في أسئلة الاختبار ، وعندما أحسّ باقتراب المراقب منه ، دسّني في حذائه ، تصوّر سيدي في حذائه ، أليس هذا ظلمًا ؟
الحضور : الله أكبر . في حذائه ! يا للظّلم ! حقًّا إنّه ظالم ، عاقبوه ، أوقعوا به عقوبة قصوى .
القاضي : هدوء هدوء ، انتظروا دعوها تكمل .
السيدة ورقة : ثمّ عندما ابتعد المراقب عنه ، وشعر أنّه في أمان ، أخرجني وحاول الغشّ مرة أخرى ، وعندما اقترب المراقب منه ألقاني على الأرض وداسني بقوّة ، تخيّل سيدي ، داسني بقدمه ، ويعلم الله كم تألمت حينها .
القاضي : أكملي وتابعي نحن نستمع إليك ، لا تخشي شيئًا ، قولي ما عندك .
السيدة ورقة : وبقيت هكذا يا سيدي بين يديه مرة ، وتحت حذائه أخرى ، وتخيّل سيدي أنه استخدمني محرمة ورقيّة ليشعر المراقب بأنّه مزكوم ، وأنّ لا شيء في يديه ، وما حدث يا سيدي بعد ذلك هو الجريمة الكبرى ، عندما شعر أنّ المراقب تأكّد من أنّه يمارس الغشّ وأنّه ممسوك لا محالة ، وقعت الكارثة سيدي .
القاضي : الكارثة ؟ أيّ كارثة تقصدين ؟ تابعي أكملي . ماذا بعد ؟
السيدة ورقة : بلعني يا سيدي وأدخلني في جوفه ، وأخفاني من الوجود ، كلّ هذا في سبيل غشّه ، وحتّى لا يعطي المراقب دليلا على أنه يغشّ ، ولكنّ المراقب سيدي أجبره على استفراغي ، فاستفرغني ، وها أنا بين أيديكم ... وأطلب منك ومن عدالتكم أن تقتصّ لي من هذا المجرم ، وتنصفني من هذا الغّشاش ، ليكون عبرة لغيره .
القاضي : هنا توضع النّقاط على الحروف . وينال كلّ صاحب كلّ حقّ حقّه ، هيّا أين الدّفاع عن المتهم ؟ فليتقدّم .
الطّالب الغشّاش : أنا سيدي سأدافع عن نفسي ، وأقول ما لديّ .
أنا طالب مثقلّ بالدّروس والمهمات والواجبات ، حاولت الدّراسة ، ولكنّ المادّة طويلة وحجمها كبير ، ولم أستطع دراستها ومراجعتها ليلة الاختبار ؛ لأنّ الوقت لا يكفي .
يتدخّل معلم من الحضور : يا سلام ليلة الاختبار ! تريد ان تدرس ليلة الاختبار ؟! طبعا لا تستطيع ذلك . ألم ينصحك معلّموك بالدّراسة أوّلا بأوّل ، ليلة الاختبار لا تكفي حتما بل هي للمراجعة .
الطّالب : إذن تتحوّل كلّ ايامي واجبات واختبارات ودراسة ، أليس لجسمي عليّ حقّ؟ أليس من حقّي أن ألعب ؟
المعلّم : نعم لجسمك عليك حقّ ، ولدينك عليك حقّ ، وللدّراسة عليك حقّ . ولكن نظّم وقتك وجدوّل حياتك تنجح ، وربّما بقي لديك وقت إضافي ، هذا ما يفعله الناجحون .
الطّالب : أضيف يا سيدي أنّ الامتحانات صعبة ، وأحيانا يعاملنا المعلمون على أنّنا بنفس المستوى من القدرات ، فتكون أسئلتهم صعبة .
القاضي : أنت تحاول أن تبرّر الغش ، وتجد لنفسك مخرجا من جريمتك الّتي ارتكبتها، وتحاول أن تبرر الغش وتحلله ، وهذا لا يجوز لأنه في النذهاية لا يصحّ إلا الصّحيح .
السيدة ورقة : هل تسمح لي يا سيدي ؟ هذا الطالب أمضى وهو يكتب بين سطوري بخطّ صغير ثلاث ساعات ، لو أمضاها في الدّراسة لتمكّن من الاستفادة .
القاضي : هل هذا صحيح ؟ ثلاث ساعات في إعداد ورقة للغشّ ، فعلا لو أمضيتها في الدّراسة لأنهيت المادّة .
القاضي : بعد أن استمعنا للمدعية والمتّهم ، نستمع للشاهد ، أدخلوا الشّاهد .
الشّاهد : وهو أحد الطلاب . سيدي أنا طالب أمضيت الكثير من الوقت في الاستعداد للاختبارات ، وسمعت نصائح معلمي ووالديّ وعملت بها ، فلا أقبل أن يأتي طالب كهذا لم يهتمّ ويقطف ثمرة غيره وتعبه ، وينافسني في المعدّل والنّسبة عن طريق الغشّ ، أقبل أن ينافسني بجدّه واجتهاده لا بالغشّ .
القاضي : بعد التّداول ، نجتمع مرة أخرى للنّطق بالحكم .
محكمة
إصدار الحكم : قررت المحكمة ما يلي :
التأكيد على أن الغش حرام ، وأن الطالب الغشاش مذنب يستحق العقوبة .
ترسيب الطالب الغشاش في المادة التي غش فيها .
تعهد الطالب الغشاش بعدم القيام بمثل هذا الفعل الشنيع .
التعهد بالمثابرة والدراسة .
توجيه دعوة للمعلمين بوضع أسئلة تتناسب وجميع مستويات الطلاب .

تُقفل السّتارة


أيمن الوريدات
الزرقاء 27/ 1 / 2005