الوضعية والوضعية المنطقية بقلم:الدكتور إبراهيم علي جمول
تاريخ النشر : 2008-05-19
الوضعية والوضعية المنطقية
الدكتور إبراهيم علي جمول
مدرّس في كلية الآداب- قسم الفلسفة ـ جامعة حلب



لابد قبل البدء بالحديث عن الوضعية أو الفلسفة الوضعية،أن ننوه بأن المناخ التاريخي والإيديولوجي لها،هو مناخ فرنسا في القرن التاسع عشر،هذا الزمن المليء بالاضطرابات المجتمعية والسياسية التي عرفتها فرنسا،وبصفة خاصة في أعقاب الثورة الفرنسية الكبرى.
لقد كان الصراع قائم بين الفئات المحافظة في المجتمع،وهي التي كانت تسعى إلى أن تفرض على المجتمع الجديد قوانين المجتمع القديم،وبين القوى الثورية التي كانت أفكارها تتسم بالغموض،وبالتالي كان من الضروري أن يكون هناك نوع من التآلف بين فكرتي النظام والتقدم،بغية رفع الفوضى السياسية،هذا بالنسبة للوضع السياسي والاجتماعي القائم.
أما على الصعيد المعرفي،فإن القرن التاسع عشر قد شهد درجة كبيرة من تطور العلوم الرياضية والفيزيائية والكيمائية،لذلك رأى فيلسوفنا أوغست كونت أن إقامة علم بالمجتمع،أصبح أمراً ضرورياً لإتمام سلسلة العلوم المكونة للمعرفة الوضعية.ولو حاولنا أن نستقرأ المعنى الذي استخدمت به لفظة علم بالتصنيفات العلمية،لوجدنا أن العلم كان مرادفاً لمعنى المعرفة،فكل معرفة يمكن أن يحدد لها ضمن نسق معرفي معين،وبالتالي فإن العلم هو المعرفة المنظمة المتعلقة بموضوع واحد.
ويتميز بلوغ الفكر المرحلة الوضعية من تطوره في ميدان من ميادين المعرفة بذلك التعبير الجذري الذي يحدث في طريقة النظر إلى الظواهر،ولا شك في أن هذه الخاصية هي من أهم ما يميز المرحلة الوضعية.والميزة الحقيقية للمعرفة الإنسانية في المرحلة الوضعية،تقوم على التقسيم المنظم لهذه المعارف إلى جملة من الاختصاصات،وفي المراحل التي سبقت المرحلة الوضعية،من تطور المعرفة الإنسانية،لم يكن هنالك أي تقسيم منظم للمعارف،فلقد كان مفكر واحد،يمكن أن ندعوه فيلسوفاً يشتغل بكل المعارف.
لكن فيما بعد قد أصبح كل علم ستقل بنفسه عند تحقيق شرطين:التراكم المعرفي الكمي والمحصل بصدد الموضوع،والتغيير الجذري في طريقة نظره إلى ذلك الموضوع،أي تطبيقه للطريقة الوضعية للدراسة.
إذن إن الفلسفة الوضعية،ليست شيئاً غريباً عن الاختصاص العلمي،بل هي بعض منه،أي إنها تستجيب لشرط التخصص العلمي في مظهريه المتعارضين،فالفلسفة الوضعية تعمل على الربط بين النتائج العلمية المحصلة في كل ميدان على حدة،وبين مجموع المعرفة العلمية.
ونجد بصدد مهمة الفلاسفة الوضعيين عدداً من التحديدات،أي أن عليهم أن يحددوا روح كل علم من العلوم،وإليهم يرجع أمر اكتشاف العلاقات المتبادلة بين العلوم المختلفة،وعليهم أن يلخصوا المبادئ الخاصة للعلوم في أقل عدد ممكن من المبادئ العامة،وإليهم يرجع أخيراً أمر الربط بين كل اكتشاف علمي جزئي وبين النسق العام للمعارف الوضعية.
ولقد مرت المعارف الإنسانية بمرحلتين وهما المرحلة اللاهوتية،والمرحلة الميتافيزيقية،عبر من خلالها العلماء والفلاسفة عن طبيعة تكوين النسيج الفكري والمعرفي،لكن فيما بعد أتى الفيلسوف وعالم الاجتماع أوغست كونت ليطور المرحلتين إلى مرحلة ثالثة وهي المرحلة الوضعية.
أي المرحلة التي تربط العلم بالواقع الانطلوجي،الذي يقوم على مبدأ البساطة والعمومية،أي ترتب تلك العلوم على حسب بساطتها بالنسبة لقراءة الظواهر،بالإضافة إلى ترتيبها وفق التطور الفكري للإنسان في التاريخ،ثم تصنيفها تبعاً لدقة كل علم على حدا،وتبعاً لإمكانية كل علم للتحليل الرياضي في دراسة ظواهره.
وعلى أساس هذا السياق التاريخي والمعرفي السابق،تم تقسيم العلوم على مجردة،موضوعها اكتشاف القوانين التي تحكم في مختلف فئات الظواهر،وعلوم وصفية جزئية يمكن أن تدعي أحياناً بالعلوم الطبيعية.
وتتميز الطريقة الوضعية،بإضفاء الصفة النسبية على الظواهر المدروسة،فالانتقال من النظرة المطلقة للظواهر إلى النظرة النسبية لها،قد مثل دائماً أحد الظواهر الأساسية للتطور،الذي ينقل أية معرفة من المرحلتين اللاهوتية والميتافيزيقية إلى المرحلة العلمية.
إذن يمكن أن نفهم مما سبق أن وضعيو الجيل الأول،يرون أن المسألة الأساسية في الفلسفة،كغيرها من المشكلات الجذرية ستبقى إلى الأبد دونما حل،وذلك بسبب ضعف العقل البشري وقصوره،وهذا ما أدى إلى ظهور الوضعيون الجدد أو ما يطلق عليه (الوضعية المنطقية)،أو الذرية المنطقية،أو التجريبية المنطقية،أو مدرسة التحليل المنطقي.وحلت هذه الوضعية كتيار عالمي جديد.
وقد أتت رداً على النزعة الماخية،التي ترفض دور اللحظة المنطقية في عملية المعرفة،فهم أي الماخيون لم يروا في العلم أكثر من طريقة لترتيب الاحساسات،في حين صاغ الوضعيون الجدد فهماً جديداً للمعرفة العلمية،باعتبارها إنشاء منطقي على أساس المضامين الحسية.وقد زعموا أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق العلوم التجريبية،وأن مهمة الفلسفة تنحصر في التحليل المنطقي لمبادئ وأحكام الحس السليم،والتي من خلالها نصوغ معرفتنا عن العالم.
فالوضعية المنطقية،ظهرت على يد الفيلسوف النمساوي موريس شليك1883-1936.ولقد دعت الوضعية المنطقية المحدثة إلى أن تكون هناك فلسفة علمية تكون مهمتها توحيد العلوم،وتخليص الفلسفة من كل الغموض واللبس،وذلك عن طريق التحليل المنطقي من أجل صبغ التفكير الفلسفي بخصائص المعرفة العلمية وهي الوضوح والاتساق والدقة والموضوعية،ومن هنا وجدوا على ضرورة أن تميز الفلسفة بين الواضح والغامض،وان تقوم بتحليل العلامات الخارجية القائمة بين المعاني،حتى تتوصل من هذا الطريق إلى القضاء نهائياً على المشكلات الزائفة والمفاهيم الخارجية والقضايا الكاذبة .
وجاء ألفرد آير،وهو من أعلام الوضعية المنطقية ولد في إنجلترا عام 1910.وقد قال عنه رسل أنه داعية من دعاة التفكير الواضح،وله عدة مؤلفات منها اللغة والصدق والمنطق،الذي ظهر عام 1936.ومن أهم أفكاره أن الخبرة هي القاعدة الأساسية والعامة التي تساعدنا على اكتشاف العالم،وهي تبقى صحيحة حتى لو تعرضت للبطلان ومعنى بطلانها لا يدل إلا على أن هناك خبرة أخرى،كما يؤكد أن التحقق يكفل دور الرابطة الحقيقة بين الوضع التجريبي الذي يميز سمة العلم،وبين الإيضاحات اللغوية.
ولقد لعبت مؤلفات برتراندرسل،وفيتجنشتاين دوراً كبيراً في ظهور تلك الفلسفة،فقد حصر برتراندرسل الفلسفة الوضعية في مهمة التحليل المنطقي،معتمداً في ذلك على منجزات علم المنطق الرياضي المعاصر،ففي أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي،أدى تطور العلوم الرياضية،وخصوصاً ظهور الهندسات اللاأقليدية،ووضع نظرية المجموعات،ومحاولات صياغة الحساب والهندسة صياغة منطقية،إلى ظهور حاجة ملحة في تحليل الأسس المنطقية للرياضيات،ودراسة طبيعة المسلمات،وقد لعب رسل دوراً كبيراً في عملية تقديم تعريف للمفاهيم الرياضية،من الناحية المنطقية،خلص منها إلى القول بإمكانية إرجاع كافة المفاهيم الرياضية إلى العلاقات بين الإعداد الطبيعية،وإن هذه العلاقات بدورها ذات طبيعة منطقية بحتة.
فتوصل رسل إلى أن المنطق هو لب الفلسفة،وأنه يمكن استنباط الرياضيات من المنطق.وهكذا توصل برتراندرسل إلى أهمية منهج التحليل المنطقي في العلوم.
ثم جاء تلميذه فتجنشتاين،ليقول إن الفلسفة ليست نظرية،بل هي فعالية،وهذه الفعالية تكمن في نقد اللغة،أي في التحليل المنطقي لها،حيث أن المسائل الفلسفية التقليدية تعود،في نظره إلى سوء الاستعمال غير الصحيح للغة،ولذلك رأى بضرورة وجود لغة كاملة تنص عباراتها أما على أحكام بخصوص الوقائع التجريبية،أو على تحصيل حاصل،كما في المنطق والرياضيات.
ولكي نفهم الخطوط الأساسية للوضعية المنطقية أكثر،يجب أن نبيّن أن القضية المركزية الأساسية للتجريبية الكلاسيكية الجديدة،فهي تقوم على اتجاه ينقسم إلى جيلين وهما : الجيل الأول من التجريبيين قد أنقسم إلى النيوتينيين الذين أصبحوا أكثر نفوذاً وتأثيراً،وذلك باعتقادهم أن النظريات الحقيقة يمكن إثباتها بالبرهنة عليها سواء باستقرائها أو استنباطها والإستدلال عليها وبأنها مؤكدة النجاح ولكنها لا تؤدي إلـى شيء أخر.
وأما الجيل الثاني من التجريبيين- وهنا محور حديثنا - لم يعتمد فقط على فكرة الحقيقة،بل فكرة المعنى والدلالة التي يمكن إلقاء الضوء عليها بواسطة التجربة والخبرة ونتيجة لذلك فإن مصطلحات الملاحظة والمشاهدة يمكن أن يكون لها المعنى أو المغزى الأساسي.وإن معنى المصطلحات النظرية يمكن أن تكون مشتقات أو مصطلحات ثانوية ويتم تعريفها بصورة مصطلحات يمكن رؤيتها أو إدراكها.
لكن المشكلة القائمة بالنسبة للتجريبية الكلاسيكية الجديدة تكمن في اعتمادها على البرهان الاستقرائي الضعيف( درجـة الإثبات أو البرهان )،ويرى لاكاتوس وهو أحد فلاسفة العلم،أنه عقب هزيمة التجريبية الكلاسيكية فإن معظم التجريبيين قد رفضوا اتخاذ القرار بأن العلم النظري الغير معرّف أو المحدد عن مصطلحات المشاهدة أو التجريب،لا يمكن البرهنة عليه من خلال تعبيرات أو بيانات المشاهدة أو الملاحظة،واعتقدوا أن التجريبي الجيد لا يمكنه أن يتخلى عن هذا العلم .
وقد بلغت ذروة هذا الأمر عند كارناب،حيث وصل إلى حد البرهان المنطقي،وكانت على الأقل هذه المدرسة قد قامت بتصنيف النظريات إلى ما يمكن البرهنة عليها بصورة جزئية أي يمكن تأكيد هذه النظريات بحقائق ذات درجة معينة من الثبات،وأنه من المعتقد بأن هذه الدرجة من التدعيم البرهاني أو الإثباتي أو درجة التأكيد يجب أن تكون متوازنة إلى حد ما مع الاحتمالية في الإدراك والفهم. وهنا نجد كارناب الذي اتبع مدرسة كامبردج، حيث قام بحل جملة من المشكلات التالية:
1- البرهنة والإثبات لزعمه بأن درجة التأكيد والبرهنة ترضي وتبدد شكوك البديهيات عن الاحتمالية.
2- أن نكّون تدريجياً لغة تامة ومتقنة للعلم يمكن من خلالها التعبير عن الافتراضات العلمية ولقد اعتقد كارناب في بداية الأمر أن العلم هو شيء حدسي وتخميني وأن نظريات التأكيد الاحتمالي ينبغي أن تُرى كحقيقة في ضوء الحدس الاستقرائي،وأن اللغة يجب ألا تكون قابلة للدحض أو الجدل.
لكن برأي،إن وضع أو تأسيس لغة كاملة أو تامة للعلم هي عملية غير منتهية ولكن يكون من الأفضل للمرء أن يتأكد من أن التأسيس التدريجي لوظيفة التأكيد البرهاني،تتبع بصورة وثيقة التأسيس التدريج للغة العلم.إذاً لقد وجد كارناب من مبدأ اللغة أساساً للتأكيد وللاقتراح أو الفرض، والذي يمكن من خلاله التعبير عن تلك الفروض ووجد أن درجة التأكيد أو البرهان يجب أن تبقى ثابتة ولا تتغير،وأن اللغة يجب أن تظل خصبة .
وهنا نجد أن كارناب قام بمحاولات تفسيرية لتفسير التخمين أو التصور وهو يعني بذلك الانتقال من التصورات قبل العلمية على أنها تصورات غير دقيقة إلى تصورات دقيقة تعبر عن تطور اللغة العلمية وتستند إلى قواعدها ، وهنا يمكن التمييز بين أمرين الأول يعبر عن درجة التأييد والثاني يعبر عن التكرار النسبي لخاصية واحدة للحوادث أو الأشياء،وبالتالي يرى أن المشكلة الأساسية في ميدان العلوم الاستقرائية هي مشكلة منطقية ولغوية،.
ويجب أن نعلم،بأن كارناب ومدرسته قد تجاهلوا مشكلة المنهج العلمي،فقد كانت المشكلة الكلاسيكية للاستقراء تقوم على كيفية الإثبات أو البرهنة على النظريات واكتشاف النظريات من حقائق،وإن حل كارناب الكلاسيكي الجديد قد أمد قضية البرهان بالضعف والوهن وهنا تستبعد تماماً مشكلة الاكتشاف ومشكلة نمو المعرفة ولا يتطرق إليها أحد ،وأن التجريبيين المنطقيين قد عملوا قطعاً تغيراً ذو مغزى في برنامج البحث التجريبي،لكنني أصر على أن كارناب ومساعديه كانوا بعيدين تماماً عن أساليب الكشف المنطقي،لأنه كما يقول كارناب أن فكرة أو تصور البرهان أو الإثبات هي أساس في منهجية العلم التجريبي.
أما بالنسبة للافتراضات المتضمنة في عمل كارناب،فقد لعبت هذه الافتراضات دوراً هاماً في نمو العلم،وأن كانت هذه الافتراضات لم تشكل الأهمية الكبرى في منطق البرهان ،فكما نعلم أن المشكلة الأساسية للبرهان تكمن في الوصول إلى نظرية للإثبات أكثر مما هو موجود في فروض وتنبؤات خاصة،طبعاً كل ذلك كان يمثل إشعال مشكلة نظرية المعرفة التجريبية للإثبات على الأقل بأن النظريات بصورة جزئية مأخوذة من حقائق،وذلك من أجل إنقاذ العلم النظري من الشكوك.
لكننا نجد بأن كارناب يعود للقول أن البديهية البسيطة تؤدي أحياناً إلى صورة مضللة،وقد أشار أن درجة الإثبات والبرهان هي تصور غامض مبهم،ويطرح علينا المثال التالي ( أن العالِم في وصوله إلى نظرية علمية جيدة التأسيس أو يمكن الاعتماد عليها،هذا لا يعني أنه يراهن على أن النظرية كانت حقيقية في كل اقتراحاتها وأمثلتها في كل العالم وأن مصيرها الخلود ،بل يراهن على ما أطلق عليه كارناب المثال المؤهل الكفء Qualified Instance Confirmation للقانون،وبالتأكيد فأن المثال المؤهل للقانون ليس هو الصفر،ومن ناحية أخرى فأن المثال المؤهل للقانون أو القابلية للاعتماد على القانون ليس أمراً قابلاً للاحتمال.
وإن المقال الذي نشره كارناب في عام 1945. عن فلسفة العلم وعن المنطق الاستقرائي الذي تحدث فيه بأن الاستنتاج الاستقرائي الجامع أو الشامل في الاستدلال عن عينة تمت مشاهدتها أو ملاحظتها أدت إلى فروض ذات شكل أو صيغة كلية شاملة،بينما لاكاتوس يرى أن الاستنتاج الشامل ليس عاملاً أكثر أهمية،وحتى أن دور الاستنتاجات الجامعة للإجراءات أو المناهج الاستقرائية في العلم يبدو أنها مغالى في تقديرها ،وأن الاستنتاج التأكيدي هو أهم ،وبالتالي فأن الاستنتاج الاستقرائي الجامع عند كارناب لا يتوقف على استنتاج عينة ينتقل مـن خلالها إلـى افتراضات شاملة ، لكن الأمر لم يتجاوز المعنى اللغوي للصيغة.
وبدأ كارناب يتأرجح بين الافتراضات النظرية القوية،والتطابق بين التدعيم والإثبات البرهاني ودمج الآراء العلمية النـظرية الضعيفة والقوية في ملحق القواعـد والأسس المنطقية.ونجد أن كارناب قد اختتم حديثه بقوله ( هل تحتاج القوانين لعمل تأكيدات )،وهنا نقول بالطبع أن استخدام القوانين هو شيء ضروري لا غنى عنه في عمل تأكيدات،إذاً رأينا أن كارناب قد ركز فقط من خلال ما قدمه على الحكم السريع والحاضر على النظريات ولم يكن اهتمامه منصب على كيفية اكتشاف هذه النظريات،وحتى اكتشاف النظريات لا يمكن تقليله أو اختزاله إلى اكتشاف تأكيدات معينة.
إن الوضعيين الجدد حاولوا أن يطردوا الميتافيزيقا من سياق أن تكون علمية أو منبع للعلم،على أساس أنها لا تحوي أي معنى،وأضافوا أن لأحكامنا عن الوقائع تتصف بالصفة العلمية،عندما يدور الحديث عن الوقائع فقط،أي أن ترتبط تلك الوقائع بمبدأ التحقق،بمعنى أن الحكم ينبئنا فقط بما يقبل التحقق،أي القول أن المطر يهطل في الخارج،يكون بإلقاء نظرة من النافذة والتحقق من ذلك.
لقد حاول الوضعيين المنطقيين أن يعتمدوا على مبدأ التحقيق،الذي يستجيب لكل متطلبات الدقة العلمية،وهو موجه ضد الميتافيزيقا التأملية،لكن هذا المبدأ أي التحقق قد سبب لهم الكثير من المشاكل،على أساس أن هذا المبدأ ليس من الأحكام التحليلية أو التركيبية،ولا مكان له بالتالي في لوحة المعرفة العلمية،لذلك تم استبداله بقابلية الإثبات بدل قابلية التحقق كما فعل كارناب.
وقد حاول الوضعيون العثور على أحكام يقينية مطلقة،تصف الوقائع بدقة كبيرة،وقد اسموا هذه الأحكام ذرية أولية،أو برتوكولية،ولكي تكون الأحكام البرتوكولية موضعاً للثقة يجب أن تتناول الوقائع الحسية فقط،أي أحساسات الذات،ولذا فأنها ذات معنى بالنسبة لهذه الذات وحدها،وفقط عندما تحس بها،وهذه النتيجة تنبع بصورة حتمية من النظرة الفينومينولوجية إلى الوقائع الحسية كحدود،لا يسمح للتحليل بتجاوزها،وهنا يقترب الوضعيون من الأنا وحدية(الانفرادية).
فالنظرية العلمية عندهم،ليست إلا تركيباً وإنشاء منطقياً،يستند إما على المعطيات أو إلى أحكام عن الوقائع،تختار تلقائياً،وهذا التركيب المنطقي أو المنظومة يجب أن يخضع فقط لقواعد منطقية محدودة خاصة باللغة التي تستخدم لبناء النظرية المعينة.






*- المراجع:
1- أ.م بوشنسكي:الفلسفة المعاصرة في أوربا-ت:عزت قرني- الكويت-عالم المعرفة- عدد102-1992.
2- السيد نفادي: السيميوطيقا وعلاقتها مع الفلسفة والعلم عند كارناب- الكويت- مجلة عالم الفكر- المجلس الأعلى للنشر- عدد1- مجلد31- 2002.
3- برتراند رسل: حكمة الغرب- فؤاد زكريا- عالم المعرفة- الكويت- ج2- عدد72- 1983
4- زكريا إبراهيم:مشكلة الفلسفة - القاهرة - دار القلم- 1963.
5- زكريا إبراهيم : دراسات في الفلسفة المعاصرة- القاهرة- مكتبة مصر- ج1- 1968.
6- زكي نجيب محمود:المنطق الوضعي - في فلسفة العلوم - القاهرة - مطبعة الأنجلو المصرية- ج 2- 1966.
7- زكي نجيب محمود: برتراند رسل- سلسلة نوابغ الفكر- مصر- دار المعارف- ط2- بلا تاريخ
8- دولت عبد الرحيم: أضواء على فلسفة العلم – القاهرة - دار البيان- 2000.
9- عزمي إسلام :لودفيج فتجنشتاين- سلسلة نوابغ الفكر الغربي- مصر- دار المعارف-عدد 19- بدون تاريخ.
10-كارل هيمبل : فلسفة العلوم الطبيعية- ت:جلال موسى- القاهرة- دار الكتاب العربي- 1976.
11- كارل هيمبل: فلسفة العلوم الطبيعية- ت:سامر عبد الجبار- مراجعة :غالب فاضل- العراق - دار الشؤون الثقافية العامة -1986.
12- Carnap(R):The Logical Syntax of Langyage,The Human Teis Press Ins.Routlidge and Kegan Paul LTD.,Londn,1951.
13-Popper(Karl):The Logic Scientific Discovery,London,New York,2001.
14-Popper(Karl):Objective Knowledge An Evolutionary Approach,London,Oxford.1972.