الحصاد المُـر بقلم:د.مازن ابويزن
تاريخ النشر : 2008-05-06
انتظرته طويلا ..ولم تشأ ان تذهب لغيره .. كانت تثق فيه تماما .... تستفسر منه عن كل شيء عبر الاتصال على جهازه الخاص أو إرسال رسالة على ايميلة .. او حتى الذهاب إلى مكان عمله في صيدليته ...وهو كان أمينا على كل ما اطلع عليه من معلومات خاصة عنها وعن عائلتها حتى أصبح يعرف الكثير الكثير عنهم ... كصفحة مقروءة لا تثنيها أمامه أبدا ...

أغلق باب سيارته وألقى الصباح عليها .. ( صباح الخير أختي أم فادي ) ...كانت أم فادي قد جاوزت الأربعين من عمرها ..كانت تمازحه بقولها ( بيني وبينك سبعة عشر عاما ) عمر ابنتي " ميسون " ... وتمازحه أكثر بقولها ( ما رأيك ان تصبح صهري وأصبحت حماتك ...أنا والله طيبة كتير .... كان يكتفي دائما بالابتسامة وهو يقول ( خير ان شاء الله ) دون ان يسترسل معها في مثل هذه الأحاديث التي تمس قراراته وشخصيته ...
ولقد فهم على مرّ الأيام انها تعاني من حياة أسرية مضطربة .. كونها أرملة بعد ان توفى زوجها بحادث سيارة وهي في ريعان شبابها .... وأصرت ان لا تتزوج بعده حفاظا على ابنتها " ميسون " ،و ابنها " فادي " ..لهذا قرر من البداية ان يمنحها أكثر من شعور بالتعاطف معها ..وفي نفس الوقت لا يريد ان تتدخل في حياته الخاصة او تتعلق بأي كلمة منه ..أراد ان تكون زبونه خاصة ودائمة فقط لا غير ..

صباح الخير سيدة أم فادي ...خير ... ما بك ..؟! ... أراك شاحبة ومضطربة .... ومرهقة ....هل أنتِ مريضة ..
صباح الخير د.طارق ...في الحقيقة خائفة من أمر ما وأريد التأكد منه ... بل انا مرعوبة جدا جدا ..خير ان شاء الله .. تفضلي ما بكِ ..

سوف اعمل قهوة ... هل تتفضلين بتناول فنجان معي .. شكرا دكتور ... قالتها وهي تتلعثم ...
في الحقيقة أريد أن أجرى فحص حمل عن طريق البول ... هل يمكنك مساعدتي في ذلك ... ؟؟!!
رد سريعا : بكل تأكيد الامر متيسر والنتيجة لا تستغرق دقيقة واحدة ... ان لم يكن أقل .. كل ما في الامر هو بضع قطرات من البول .. لكي نضعها في شريط فحص الحمل ...

خذي هذه العبوة وضع فيها قطرات البول بعد اذنك سيدتي ... وبالفعل وعلى استحياء دخلت الى الحمام .. وعادت بما طلب .. وأخذ بضع قطرات من البول وطلب منها أن تستريح قليلا ...

اقل من نصف دقيقة ... حتى مازحها ... نقول مبروك ام لا تريدوا حمل ... كان العرق يتصبب من جبينها ... وتدعو الله ان شكوكها كانت خاطئة .... خبرني يا دكتور ... شو النتيجة ...

مبروك ... حامل ...

زلت كلماته كالصاعقة عليها ... وبدون وعي صرخت .. لا .. لا .. لا يا دكتور ... ممكن تعيد الفحص من تاني ... ارجوك .. لاجلي ... ومع استغرابه من عدم ابدائها غير الاسى ... مع ان الامر مفرح كثيرا .. الا انه اخبرها بأنه سوف يعيد الفحص .. وبالفعل ومن نفس العبوة اخذ قطرات اخرى من البول وفي شريط آخر كانت النتيجة ... وجود حمل ...!!!

خطين متوازيين غامقين ... يعني ان الحالة في حالة حمل ... اخذ يقول لها الدكتور هذه الكلمات كلمة كلمة .... وهي اخذت تهوي الى الارض سريعا سريعا ....

استدار دكتور طارق من خلف الكاونتر ... وامسك بالسيدة ام فادي .... ومع شعورها بالدوار استطاع ان يجلسها على الكرسي .... وطلبت منه كوبا من الماء .. وما ان انتهت من شرب الماء حتى فاجأت الدكتور بعبارتها .... هل يوجد اي دواء يمكنه ان ينهي هذا الحمل .... اريد التخلص منه وبأي ثمن ... ارجوك ساعدني ... اعتقد ان عمر الحمل لم يتجاوز الشهر .. منذ تلك الليلة ... وصمتت ووضع كفيها مخفية وجهها وصوت البكاء يعلو ويعلو ليتحول الى انين وشهقات ونحيب ....

يجب ان تساعدني دكتور طارق .. ارجوك .. لا اريد الاحتفاظ به ... انه عار .. عار ...

أجابها الدكتور وبصرامة لم تعهدها منه ... آسف جدا مدام ... لا الشرع ولا القانون ولا الاخلاق ولا القسم ولا مهنتي ولا أي شيء يمكنه ان يجيز لي ان اساعد في جريمة " اجهاض " كهذه ... أعتقد ان الامر يجب ان يعالج بالطريقة السليمة ... وان كنت تريدين رأي ... فعليك بان تخبري والد الطفل بالامر وبسرعة ... وتتداركا الخطأ ... وتفعلا ما يمكنه ان يحفظ كرامتكم جميعا ....

رفعت وجهها عن كفيها ... وقالت وبصوت الأسى ... تعرفني دكتور .. وتعرف اخلاقي ... واتعامل معك منذ خمس سنين ... ولا أدري ماذا سأقول لك .. غير ان ساعدني بأي طريقة لانزال ما في احشائي ... انه ليس لديه اي ذنب .... ان الذنب هو ذنبي ... فلقد تعودت على اللعب معه ... وكنت اعتبره لازال طفلا صغيرا .. يحتاج مني كل شيء ... فلم انقطع عن الدخول للحمام معه لكي اغسل له جسده يوميا ... ولم انتبه انه وصل الى عمرا يجب ان يكون هناك حدودا بيني وبينه .... وان مرحلة المراهقة التي دخلها قد توقعه في امور كثيرة ... أصعبها انه قد فعلها معي في احدى نوبات الصرع التي تصيبني نتيجة نرضي النفسي .... والتي تتركني في فراشي متعبة جدا لفترة طويلة ... وها هي النتيجة امامك " خطان متوازيان " .... و هو لا يعلم بكل هذه التعقيدات .... ولا اريد ان يتعقد في مجتمع لا يرحم .... ساعدني ارجوكـ ....؟؟!!

انتهت ...

كتابة وتأليف : د.مازن ابويزن
6-5-2008