إهداء...
إلى عرائش القلب وغابات الروح في الاخضرار
قال:(سأكون بين اللوز اللهم فلتشهد وليغن الجبل )
أبا آثر،، احتضن حرقة دمعي وأرو عطش اللوز يا عمق البدايات المتقنة ووجع النهايات المباغتة ، يا بهجة السماوات تحلق عالياً إلى قمر اعتاد أن يشرب الحليب كي يكبر ، يا اختصار المسافات تكبر في داخلي كبقعة نفط تسكن الحضارات والعواصم،،
-دفعني حدسي الأنثوي المقدس باستمرار التخاطر بيننا حتى وأنت بين أحضان اللوز تتقن فن العشق الممتد من عفويتك عندما كنت تتوسط حياتنا فتغير مُركّباتها لتصبح ذات قيمة أكبر مما كانت وأبعد مما ستكون.
خرجت اليوم من أكثر خيباتي ثباتا (نومي) لأشبع رغبة توهجت في داخلي لارواء عطش لك ولذكراك وتأثير تأملاتك على صمتي بأنواعه ، فأمسكت كتابا وبدأت أقرأ ولا أدري هل اتشبث فيك أكثر أم ان لغيرة النساء دورا في خلق الكراهية للمعجزات ، أو خلق كراهية لأن تصبح ماض بعد أن كنت حاضرا ومستقبل بعد رحيلك المتيقن من أن عبقريتك البريئة هي الأكثر حضورا بيننا بعدك.
أنت يامن كنت كما الحنين تجيء وتمضي عازفا مللك النازف من بقايا أنوثتي ، ويستحيل دخانك طاقة لحجرة مشاعري ، فما أشهاك من طفل نبي يدغدغ حب التأمل وصعقة المباغتة وذهول في إله عبقريتك التي تجلت للرب يوم أحبك يا عرّاف دورة التناسخ للأنبياء الأطفال الذين يستغربون شرب حليب النوق من يد أصدقاء المرض او بالا حرى من يد مرضى بالأمل ،أنت يا مَن عوقلت جنون الدنيا حين تثور على براكينها وجبالها لتهدأ ثانية في رسمك وصمتك حين تحلق فيك فراشات الجلنار قرب اللوز الذي رحلت اليه في قيلولة طويلة قرب الدير الجواني ، ها هو آثر يتوحّد فيك وفيّ في لامكان آتي من لازمان أبعد من مسافاتي ، تماما كما أنت الآن أبعد من قربي عليك بخطوتين وإنحناءة لوز ،.... ها هي يا سيدي حكاياتي من بلد الحكايات......
حيرتها وشلل تفكيرها، لم تكونا أقل ضراوةً وفتكاً من ظروفها التي أوصلتها للإنفصال عنه ،عندما إرتبط بها إذ لم تكن قد تجاوزت السابعة عشرة من عمرها حينئذ ، فهي جميلة ممشوقة القوام، بنات النخل في طولها، وبياض قلبها وصفاؤها يزيدان من بشرتها دافئة الملمس والشعور بياضاً يكفي شعرها طولاً وكثافة لمساندة أشعة الشمس فيزيدها قوة وكبراً ومع ذلك أنهى أعنف وأشرس قصة حب جمعته بها ،كانا يتقابلان خلسة بعد سرقة لحظات من التدبير لكيفية اللقاء، ومن نظراتها الخجولة كان يدرك أنها تعيش حياة شرسة إن جاز لها أن تسمى هذه الحماقات حياة ،مع زوج أُمها المتسلط والمجحف في قراراته وكلامه حتى حنانه كان مجحفًا !!!يا لها من حياة ديمقراطية يرأسها شخص مجحف؟! أما عن صفوان فقد كان خيلاً جامحاً غير قابل للترويض بطبيعته، عنيداً كالأفق واسعاً، شاملاً ،عميقاً جداً تارة تراه قريباً منك لكن ما تلبث أن تجده مليئاً بجمال سرمدي مزركش يجعله صعب المنال، عيناه السوداوان حادتان كالصقر عميقتان كالبحر راقيتان كفنون الشعر و النثر كان سهلًا ممتنعاً تشعر وأنت تجالسه بأنك تعرفه جيداً لكن، سرعان مايخالجك شعور بقصور إدراكك وعجزه عن هذا الشاب. لذلك أدركت أنها لن تكون زوجة عادية أبدًاً فزوجها فدائي فلسطيني يعشق الوطن لدرجة أنه يحرص على إرخاء جفونه خوفاً من ان يكسر الآخرون خصوصية الوطن في عينيه حين يرتاح. فحرصت على تحضير نفسها لمواجهة الكم الهائل من المصاعب والمنغصات في أثناء غيابه ، لكن الواقع أصعب من ذلك بكثير . حين عاد صفوان لموقعه في مدرسة الكوادر(لإعداد كوادر المقاومة) حيث كلف بأداء المهمُّات القتالية الخاصة باجتياح الليطاني العام ، 1978 و أرسل له أخوه الأصغر يخبره بأن الله قد وهبه(فاطمة) جاءت أخيراً لتؤنس وحدة أخيها الذي يكبرها بعام ونصف ، فاطمة وعبد هما أجمل هدية من القدر لعطاف وهي تعيش الآن لأجلهما بعد أن أصبح لحياتها معنىً وقيمة تستحقان أن تتحمل وتصبر على كل ما جرى ويجري لها فصفوان أول العشق وهما آخره . لم تكن تعرف ماذا تفعل لمجرد أن تتخيل إصابة أحدهما بأي أذىٍ أو مكروه، وإن الذي كان يشكل لها كابوساً أصبح الآن كابوس يقظة!! كان ذلك حين مرضت فاطمة بفعل فايروس رشح بسيط أُهملَ فازداد واشتد، وكنتيجة حتمية للمرض ارتفعت حرارتها إلى 40 كما أظهرها ميزان الحرارة بكل وضوح وثقة . ولأن قلب الأُم لا يجد متسعاً من الوقت للتفكير فقد سارعت بأخذها إلى مستشفى قريب عن البيت وبعد دقائق قليلة وصلت عطاف بابنتها لقسم الطوارىء في المستشفى الذي بدأت فيه رحلة عذاب امتدت ست سنوات ولكن يقدر الله ما يشاء وهذا هو العزاء الوحيد. كان ممرض متدرب في آخر سنة من كلية الطب موجوداً في قسم الطوارىء حين وصلتا هناك ويبدو أن وباءً لعينا اسمه التهاب سحايا كان مستفحلاً وقتئذٍ. تقدم صخر بكل بلاهة نحو فاطمة وكأنه يحاول فرض ذاته أو إثبات وجوده حين قال : إنه التهاب سحايا وهذا واضح ، ضعيها على الفراش لأخذ الإبرة.
-واذا فاطمة سُئلت بأي ذنب شلُت- أنهت هذه الإبرة بكل بساطة وسرعة قدرة فاطمة على المشي حيث أٌصيبت بشلل عمودي لأطرافها اليمنى لكن المأساة الكبرى كانت في أن يُجمع الأطباء على أنها ستبقى هكذا طوال حياتها ولا أمل في شفائها فمن مظاهر العبث بأهمية الوقت وقدسيته، الخوض في مسألة علاجها الأبعد من مستحيلة . مر الوقت وتوالت الأيام كجحيم زافرة لا تهدأ إلى أن قررت رفض لواقع ثقيل الظل بالخروج من الروتين القاتل في حياتها وحياة ابنتها وعقدت العزم على أخذ ها لنزهة صغيرة برقفة أُم زوجها صفوان وقررتا التمتع بركوب الحافلة الكبيرة ذات الطابقين ، و الأمل يكاد يظهر في ملامح الأم وابنتها . كانت الحافلة تسير بسرعة فائقة كأنها على موعد مع قصة حب حين توقفت فجأة لتسقط فاطمة عن كرسيها المتحرك!!! وترتطم بعمود كبير يتوسط الحافلة مما أفقدها جزئيا الشعور بمن حولها ، وما الذي تراه جرى.?!!! مات المستحيل وخرج السائل الذي ضغط على أعصاب الحبل الشوكي في المخيخ وتسبب في شللها .بعد أن كانت نسبة الجراحة نصف بالمئة لكن ذلك الارتطام الرحيم وضع حداً للأقاويل والشائعات الطبية لحالتها ، وبدأت مرة أٌخرى رحلة علاج بشكل آخر الآن، فقد توجب على الطفلة ذات السنوات الست البدء في علاج فيزيائي لإعادة الحركة والنشاط الوظيفي لأطرافها النصفية اليمنى ، مما أرغمها على التجوال بين عواصم الدنيا بحثا عن العلاج عدا عن أنواع العقاقير المختلفة في الشكل واللون والدواعي العلاجية التي كانت تُكره على أخذها ولو بخلطها مع الطعام. لكن وجود عبد بقربها في رحلات العلاج تلك هون عليها حجم النوائب تلك وعلاقم أدوية عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع .
بعد كل هذا كان انفصال عطاف عن صفوان هو الدليل الأكبر على قسوة الكبرياء عند المرء فهي تعشقه بجنون رغم هذا انفصلت عنه.
سافر صفوان برفقة أولاده بعد انتهاء فترة الحضانة و رغم جرأته المعروفة لم تكن لديه الشجاعة الكافية ليترك ولديه وحيدين حيث أنه شاب متقلب (دائم السفر وليس مستقراً كما في الماضي ). فقد تسبب غياب صفوان المستمر عنها في أن تنضج إلى حدٍ مكّنها من فهم كلمات من كل مَن كان يعيّرها بمرضها (شللها السابق) وبأنها لم تكن لتتعافى من مرضها هذا لولا إجبار فاطمة على تناول حبات الدواء متعددة الأشكال والأحجام لكن القدر كان حليفا قويا لفاطمة طيلة الأعوام السبعة عشرة عاماً الماضية لذلك فقد أرسلل إليها الله عز وجل أباها صفوان ليكون الأمل والحب والصلابة ، وقوة الدفاع عن النفس في حياتها، فهو رجل يعمل في الجيش ويتمنى أن يعيش أبناؤه حياة الجَلد وقوة التحمل وصلابة الشخصية، تلك هي إرثه المتاح للجميع، لذلك، درب أبناءه وصقل شخصياتهم على درب العزة والكرامة ليكفلوا لأنفسهم الدفاع عن حقوقهم والتصرف بحكمة. بذلك استعادت فاطمة قواها وزادت ثقتها بنفسها حين اجتازت امتحانات الثانوية العامة بنجاح بعد غياب دام ثلاثة أشهر عن المدرسة بسبب عملية جراحية أجريت لها .
بعد انتهاء السنة الجامعية الأولى لها تمكنت من التعرف على شاب شديد الوقار ،له هيبة كبيرة رغم أنه لم يتجاوز ال20 من عمره بعد، بدأ تعارفهما بشجار وانتهى بأعنف حب جعله يعود لها مستشهدا !!!!!!!!!!؟ فهي اليوم تشهد اندهاش الأرض وذهولها في يوم كهذا ، البلدة والشوارع تحضر نفسها لاجترار الحزن وأمجاده الراحلة، يصادف اليوم ذكرى استشهاد الشاب الذي تحبه فاطمة كان لها كرمش العين، قريب جداً لا أحد يعرفها أو يفهما مثله حتى عبد كان ِفهم فاطمة يصٌعب عليه أحيانا أما هو فقد كان أول وأروع عشق ،بدأت قصة حبهما في بداية الشهر الثاني من لقائهما حين تشاجرت معه في خلاف بدأ بسيطا وتطور سببه تباين آرائهما بشأن كيفية الترتيب للاحتفال بذكرى استقلال فلسطين بعدها، أصبح القدر يضعه في طريقها لتتعلق به ، وليعشق فيها حتى الأنفاس كان من شدة حبه لها يتحاشى النظر إليها مخلصا إياها من فهم الآخرين الخاطئ وأقاويلهم . عندما التقته ذات مرة في ساحة الجامعة رفض أن تسلم عليه رغم جنونه بها لكنه كثير الصمت عميق كالآبار وبعيد جداً كالسماء، و أكثر قربا عليها من الروح.حينها برر رفضه لمس يدها بأنها أكثر طهارة ونقاء مِن أن تٌلمس، هكذا كان حبهما طيلة أربع سنوات: نظرات خجولة واشتياق ليس إلا ، هذا ما جعلها تشعر بفداحة الصدمة حين علمت من أصدقائه أنه كان قد تحدث معهم قبل استشهاده بثلاتة أيام فقط لمرافقته لخطبتها من والدها ، لكنه استشهد قبل أن يضع أمانيه في الارتباط بها قيد التنفيذ. استشهد بتاريخ7-12-2001 لتشهد بعده العذاب من الدنيا ومن فيها ، لم تترك لها الأيام فرصة واحدة رغم أنها كانت تراه نموذجا للرجل المسئول ربما لذلك زف للحور العين بانفجار لغم وخمسين رصاصة مزقته ، عناصر من جيش الاحتلال نالوا منه أخيرا بوضع ألغام في طريق أخبره الأولاد الصغار أن يسلكه بحجة أن ابن عمه ينزف في منتصف تلك الطريق اللعينة . ولأنه رجل شهم لا يتوانى عن مساعدة الآخرين ذهب مسرعًا ، لم يدر كيف أو متى سيصل لكنه ذهب وعـاد، عاد مسـتشـهـداً. عشقته بجنون، بكل حذافيره وتفاصيله وقد أحس الجميع بحبهما من قبل وتأكد لهم إحساسهم بعد أن وجد أبو صبحي صديق لؤي الحميم هذه القطعة الأدبية أوراق لؤي الخاصة حيث كتبها لها : تحيرني صقر بتناقضاتها وتشغل فكري بأوصافها تلفحني ببرودة هدوئها وتصهر جليدي بثورتها
تداعب قلبي بدلالها وتصدم روحي بحقيقتها
تجرح فؤادي بقسوتها وتشفي جراحي بطيبتها
خطاياي علي تعدها وبعدها تنسى عددها
تعيرني بالطفل ما أظلمها وتنعتني بالأسد ما أعجبها
تقول حبيبي بعفويتها وترسل لي ما عنيتها
فقيرة بائسة بتواضعها أميرة ثرية بكبريائها
كأنها طفلة ببراءتها لكنها أُسطورة ببطولاتها
كأنها مجنونة باستهتارها لكنها صقر في حذرها
تتباهى عنوة برجولتها وصورتها تفيض بأنوثتها
جراحها الأيام أثخنتها بخفة روحها أخفتها
مشقة وصمود بوجهها يأس وتحد بعينها
ثلج وبركان بقلبها طفلة ورجال بأفعالها
ما لمست أبداًِ جسدها لكن روحي تعشق روحها
إلهي عجل لقائي بها وامنحني الشهادة برفقتها.
ولأنهما كانا نداً ، ردت عليه- كما عودته- بنفس أسلوبه كأن رحيله عنها فتح أمامها درب الكتابة والاعتذار فتعذرّت له الكلمات:
عذراً لأجراس الكنائس! عيناك مقدساتي
عذرا للنار إن بردت حبك جهنمي
أقول عذرًا للخناجر إن عطبت برودك خنجري
ما عدت أطيق الخناجر ما عدت أستنجد الجدران
عيناك خنجر في صدري تمزقني واعبدها
تهاجر بي إلى حيث تتجمد المشاعر وتبرد الآلام
إلى منبت الأقحوان الأحمر إلى حبي لا ينفذ ولا يتبخر
أوسع من كل الحقول أبعد من كل ذكرياتي مقدساتي
أكثر من جحيم لو غضبت أقوى كل أمواجي مقدساتي
.... مقدساتي ثلاثة ودمعتان ولعينيك ألف إنحناءة ووردتان
تختلف عن كل اشيائي مقدساتي ....
أنت وطني كلما رحلت عنك أعود اليك
أنت وطني فيك غربتي كلما رحلت عنك أعود إليك
وحين رثت عمرها ورثته بكلمات زعزعت كيانها حيث وجدت نفسها تنقش تاريخ ميلاده الأبدي بين السطورالتي كتبت له:
الآن أعني اليوم تنهار قدرتي على الإثارة
تضعف قلبي أشلاء صلابتك
تقولبني طبيعتك على منبري الخشبي خلف الباب
كنت قبلها أميرة القبيلة التي لم تتنازل عن العرش
وتنازلت عن عرشي يا لؤي
تنازلت عن عرشي كطفلة بلهاء لا تعود ملكيتها لأحد
حينها رحلت عني مع قافلة لا تمل من الرحيل
أبعدوك عني
فجروا رصاصاتك في قلبي وحفرت بين أحضان الأرض
تاريخ ميلادك الابدي 7/12/2001
لأشهد بعدك جحيم الآلهة كل يوم على مؤمنه لم تترجم الإلحاد بعد
قتلتني بمولدك الأبدي
خلف ستارة اخترتها
قتلتني
و تجاهلت موتي يا لؤي لتنعم أنت بالحياة
(ندخل كتب الحكاوي وأرو سنينك غناوي وأعمل طبيب مداوي وأشيل حبي دواي)
-مازالت كلمات هذه الأغنية تفوح بآلام آخر رحلة أبعدته عنها، لطالما أحبتها منه حين يسخر لمزاجه نبضات قلبها على كلمات منغمة تنبعث من دفء هذه الأُغنية التي اعتاد ترديدها ليكون أكثر تسامحاً مع ذاته.
شاب تنتهي وسامة كل شباب الكون عند ملامحه الشفافة النقية ،كانت نظرة واحدة منها لملامحه تسد رمقها وتطفئ ظمأها للأبد، كل شيء في ملامحه يزداد عذوبةً وتناسقاً في كل مرة تراه فيها .حين يخطر ببالها يذكرها بإنعكاس النرجس على الندى مع كل صباح جديد.
له قلب قادر على احتواء كل شوائب الدنيا لتكون أكثر صفاء من ذي قبل (هذا هو مجدي )
هي: تبدأ بساطتها من لون عينيه ،يكفي أن تعرف أن عيني كل منهما متفقتان في اللون والدرجة والتعبير عن الانفعالات لتتذكر معهما أصالة الأرض وقبول التحدي بكل أشكاله.
فتاة ولدت أول مرة قبل سبعة وعشرين عاما أما ولادتها الحقيقية كانت حين التحمت عيناها بوجهه، لها حنان يتسع لكل أبناء الأرض كيف لا وحواء من الاحتواء.
هذه هي فاطمة أو ملاك كما يعدها دائما حين تفهم كلماته الطويلة بنظرة خاطفة منه لها لتروي عطشه بعد جدال طالت ساعاته مع أعند الأشخاص قرباً إليه .ورغم الأفراح الآتية لها في حياتها بقى لؤي جرح الوفاء حين يؤلمها لترعاه وتداعبه ، هكذا عاش فيها بقية حياتها كما عاشت وترعرعت في قلبه من قبل.
بعد أن أنهت لتوها تزيين نفسها بالخضاب والألماس الذي عكس بريق ثوبها الأزرق ،وقفت فاطمة تنتظر إطلالة ظله الذي تحبه فلن تتجمل لأي شيء غير ملاحظة منه على تألقها وجمالها ، حرصت أن تكون فاتنة لتسكت ضجيج كل من حولها استعداداً لرؤية خطى قدميه القادمة من بعيد.
يا إله الكون، أيعقل أن أكون أخا لفاتنة مثلك؟ (يقولها عبد لأخته ممازحاً إياها ولولا نبرات صوتها التي حفظها عن ظهر قلب لنسي أنها أخته من لحمه ودمه حين بهره جمالها (
: كفاك نفاقاً والتحق بعروسك ، أشعر أني أراها لأول مرة فهي رغم بريقها تبدو متناقضة ، هيا اذهب ولاطفها علك تنجح في تهدئة أعصابها.
: عروستي( ويضرب بكفه بياض جبينه) كدت أنسى أين أختها أخبرتني بأن المدعويين ملّوا ساعة كاملة من الإنتظار .
بكل شفافيتها وخجلها تبتسم فاطمة لأخيها قائلة له: إذن بعثر أجزاءك في أركان البيت ،.. جسدك دع ملامحه ترحب بالمدعوين واترك قلبك هناك
عبد:-هناك؟؟؟؟؟
-فاطمة :نعم هناك عند ليلى التي ملت انتظارك هي الأُخرى
عبد: ولماذا اترك قلبي ؟! أ له فائدة دوني ؟!
فاطمة : أتركه كي يعتاد تجريد نفسه عن نفسك منذ الآن ،أمامك أسرة اخترت بناءها وقت أعلنت حبك لليلى ... تعود أن يكون جسدك فقط في العمل كي لاتتعب أو تمل أترك شعورك في مكان يصعب نسيانه وتذكره في آن واحد.
•تأتي دلال بكامل أُنوثتها وهدوئها لتكسر صمت لم يدم اكثر من هنيهة.
-كفاكم حديثا ! النسوة ضقن بالفرح ذرعا دونكما.
قالتها دلال وأخذته معها لعروسه وبقيت فاطمة تحول نفسها جسداً مكتظاً بأفكار شيطانية
لم تعد الأرض بذلك الجمال الذي كانت عليه ، هل أتى يا أرض حبيبها؟, هل وطأتك قدماه ؟ يا له من شرف تمنته أزقة كثيرة في هذا الحي فقد كان قليل الزيارة إلى هنا .
تخرق تساؤلاتها فجأة زغاريد النسوة ابتهاجاً برقصة العروسين في حركاتها الختامية التي تزامنت مع حيرة فاطمة وتساؤلاتها وشّكّها الذي أبقاها دوما منعزلة قليلاً عن الآخرين .
فاطمة : - أين والدي والباقون ؟ ألن يأتوا لالتقاط بعض الصور
:أتقصدين والدي واخوته أم أنك تنطقين اسم مجدي بطريقة جديدة فهو أحد إخوة أبيك ؟؟؟؟ لا أخالك تعبئين بفرحتي بدرجة قلقك لعدم رؤيته .
فاطمة : لا .... لا تقلق فلن يطول غيابه عني .
تسمر وجه أخيها وكأنه نسي تهجئة الحروف والمقاطع فلم يعد قادراً على النطق ( ماذا يقول لأخته بعد كلماتها الواثقة من نفسها !!!!!) أيخبرها بأن حبيبها غادر قبل عشر دقائق دون أن يراها أم يخبرها عن ضجيج النسوة وقلقهن الذي لم يستطعن إخفاءه حتى في حديثهن فإن العملية الفدائية التي نفذتها كتائب المقاومة والصمود فرضت على خطبة أخيها نوعاً من الروتين فتحولت بذلك خطبة عبد لاجتماع رسمي مضجر .
أ لن تشاركي النسوة الرقص؟ علك تقتلين الملل؟.
أستطيع فقط أن أتكسر معك على كلمات هذه الأسطورة المغناة ،ثم تردف كلامها بسؤال لعبد: أ تتكسر معي على نغماتها ؟:- وهل عندك شك ؟؟؟.
أخذت النسوة بالتصفيق الحار لكليهما فقد كانا كزنبقتين عاشقتين.
لا تستطيع أن تحزر- وأنت ترى هذا المشهد- هل هي أُمه أم أخته أم حبيبته! فهما يرقصان بتناغم وحب ظاهريَن لا يخفى على أحد، ومع نهاية الرقصة بدأن النسوة بالاستئذان للانصراف حيث تأخر الوقت والوضع الأمني في البلدة فقد كان حينئذ متوتراً . علمن ذلك من النادل الذي قام بجلب العشاء وتجهيز السفرة الفاخرة للعروسين وأهلهما .
العشاء جاهز .... أ لم تتضوروا جوعا بعد؟ فاجئتهم أُخت فاطمة الصغرى بهذه الكلمات التي جعلت حركاتها على أنغام الأغنية أكثر انسيابية ووضوحاً من قبل
وهل حان موعد العشاء الآن ؟ فلم يحضر أحد بعد.
إستطاعت قطع رقصتها بأقل عبارات عملت جاهدة على نطقها من شدة الحيرة والحنين فلم ترَ مجدي حتى الآن وقد شارف الحفل على الإنتهاء .
قاطعت دلال حيرة قريبتها بتعليق كان قاسياً على فاطمة بعض الشيء
ألا تنظرين حولك ؟؟؟؟ غادر المدعوون ليتركوا المجال للعروس كي ترتاح أمامها سفر صباح غد ونحن منهكون من تعب التحضير للخطبة،ألا نستحق أن نأكل شيئا!.
عل ما أخجل فاطمة ليس وقع كلمات قريبتها عليها بل خجلت لكون تلك الفتاة قريبتها ، ومع ذلك فهمت كلماتها على هذا النحو !! مَن يفهمني غير الله ومجدي!؟ أرادت فاطمة إقناع نفسها بأنها تعرف جواب سؤالها من خلال دندنة هادئة حزينة همست بها ( أحتاج إليك وأهرب منك وأرحل بعدك من نفسي في بحر يديك أفتش عنك فتُحرق أمواجك شمسي(
أطل صباح جديد بكل همومه وأحداثه ليعلن سفر ليلى ،لم تشأ أن ترفضه حين تقدم لخطبتها كانت في حيرة من أمرها أيعقل أن يكون زوجاً لي بعد أن اعتدت على اخوتي له ؟ خاصةً وأنه شخص عنيد وجذاب كما أنه أكثر الرجال حناناً ورقّة ، شاب وسيم وقريب لي ولم أكرهه يوما لكن..... كانت ليلى رفيعة الأخلاق شديدة الأناقة ومع ذلك بَدت متداخلة في أحاسيسها نحوه لم تستطع أن تقرر أتبقي الحال كما هو أو تهبه نفسها وما ملكت بعد أن سخّر نجوم السماء ساعة ألماسية تداعب يديها لتضبط من خلالها توقيت كل كلمة تخرج من قلبه لتتغلغل في أعماقها كيف لا يفعل بعد أن تعذب بحبها سنوات!!! .
أحبها عندما كان شاباً والآن هو رجل يختلف عن كل الرجال وقد نقله حبه لها بصمت طيلة السنوات الخمس من الشباب الى الرجولة .
ليكون أكثر اتزاناً وشموخا بحبها لكنها مزاجية مستهترة به، كثيرة الغيرة بطبعها .
عبد- صباحك سكر (قالها لفاطمة وهو في حيرة من أمره أيحزن لفراق لأخت والأم والصديقة لعبد)يكفي أن ترى تناسق الألوان في ملابس عبد لتدرك أن فاطمة اختارتها له، تلك الشفافة المتسامحة مع ذاتها أكثر من اللازم . فاطمة: _صباحك مسك وعنبر
-أين ليلى
- لم تقبل حتى فنجان قهوة ,تخاف أن ترهق أهلها في أثناء السفر نتيجة توعك أو غثيان إن أكلت شيئاَ.
-ليلى... أويعقل هذا؟ شارفت عقارب الساعة أن تعلن دخول الظهر بأول ساعاته فإنها الواحدة إلاّ ربعاً وما زلت لم تأكلي شيئا بعد
- لا أُريد أن أنسى شيئا من حاجاتي فلا بديل لها عندي
فاطمة: - إذن اذهبي وتجملي لخطيبك وسأتدبر أمري بباقي أغراضك ولا تنسِي تغيير ملابسك أخشى وصول السيارة قريبا .
دخلت ليلى لإرتداء ملابسها حين راودتها فكرة الإفصاح لعبد عن حقيقة مشاعرها تجاهه فهو يستحق أن يكون أخا أكبر .
(ناداها وهو مستلق على ظهره شابكاً يديه ببعضهما ليغط في نوم عميق حين أطمأن بقربها ثم استيقظ ليحين موعد الوداع الذي أيقن بعده أنه وداع لليلى كمرحلة انتهت بانفصالهما عن بعضهما في النهاية(
ما أن سافر كل من والد فاطمة وزوجته حتى بدأ ذلك الشاب النحيل ذو الشعر الخروبي الناعم والعينيين العسليتين والجبهة المرفوعة بتحمل مسؤولية كل من حوله وكأنه أصبح حارس البيدر بعد سفر والده فقد كان حنوناً ملتزماً متحملاً للمسؤولية بتفاصيلها كافة حتى أن كل من عرفه قال عنه أنه حقا ابن الأيام و الظروف التي صقلته بتجاربها .
كان يوما غائماً شديد القسوة كجهنم ملتهباً رغم أن البرد . و أطول بكثير من سنتين ونصف مضت قبل أن يعلن عن اقتراب موعد سفره دون أن يمهد لها من قبل ، ولكن لماذا؟عسى أن يكون السبب هو أن عبد كالحلم يظهر دون مقدمات ويرحل بسرعة حتى قبل أن تدركه وما أن خرجت فاطمة من هول الصدمة تلك ، حتى إستطاعت أن تسأله بكلمات متقطعة في نطقها ومعانيها متى..... أقصد.... ستسافر؟-غداً.
ما أعلنها حتى أصبحت العقارب والساعات أكثر حماقة من قبل ومع إقتراب موعد الرحيل بدأ البيت الهادىء والصالة الكلاسيكية التي أعتادت زهورها أن تضيف شيئا من الخلود، يمتلأ بالاشباح والتساؤلات الغريبة. شرع في صبيحة اليوم التالي بتجميع أجزاءه المبعثرة ليكون أكثر تحملاً للرحيل والإبتعاد عن ذاته (فاطمة)فقد جنّد نفسه دوماً لحمايتها ورعايتها حين ربته وأحاطته برعايتها ليكتب أول وربما آخر قصيدة تحرك لها قلم عبد يوما كان مطلعها:
أنا الذي تبعثر من غدر الزمان
أنا الذي لم يعرف أبدا بر الامان
فأي زمان إستطاع أن يغدر شاباً –لم يتجاوز – العشرين في ذلك الوقت .
للمرة الأولى تكابد فاطمة قسوة أن تمر بحلم وتستفيق منه بسرعة وما أصعب أن تبني حلمك وما أسرع أن تستفيق منه أكثر ذهولاً ودهشة.
-هكذا بدت حين رأته يجمع أغراضه من الغرفة احتضنت أوراقه وكتبه فهيأت له السفر إلى روسيا للعمل هناك فلولا هذه الكتب وتلك الأوراق لما تمكن حلم فاطمة من الإنتهاء.
ماذا تفعلون.... لم تتمكن حتى من إكمال جملتها عندما شاهدته وهو يحزم أمتعته ويتفقدها فهو بنفسه يكسّر ملابسه لتطوى بكل ترتيب وأناقة تماما كما كانا يتكسران على نغمات هل عندك شك ليظهرا كزنبقتين عاشقتين يوم خطبته .
عبد- يقولها عبد محاولا تحاشي النظر إليها ( خذي أختيك ودعيني أكمل ترتيب أغراضي بهدوء الآن). مهما حاولت ومهما فعلت لن تستطيع أن تجعلها تفهم أو تعي ما قاله لها حيث تجمد الدم في عروقها ولم تعد قادرة إلا على الذهول .
ترك بعدها كل من عبد وفاطمة الغرفة لتتباطأ خطواتها عندما أسرع عبد في مشيته ليكمل تجميع أجزاءه وأغراضه في حين أرادت أن تخف عنه شلال لؤلؤها المتساقط من عينيها فلا يرخص لؤلؤها إلا لأجله ومجدي.
حدق كل منهما ببعضهما البعض بنظرات مهزومة تائهة فلم تعد الحياة إلاّ سيمفونية تغني للموت
تسارع لؤلؤها بالتساقط منثوراً على ذكرياتها الزحام معه وتجاهل هو بدوره النظر إليها كي لا تفضح حزنه وتمزق أوصاله على فراقها . ثم تدخل مدبرة المنزل قائلة بصوت مختنق.
هاقد وصلت السيارة (تقولها بصوت محشرج كأنها تذكرت لحظة وداع أطفالها
-عبد هل آخذ الحقائب
- شكراً لك أريد أن أعتاد حملها وحدي منذ الآن تقطع كلمات عبد خطوات السائق القريبة حيث أوكل لنفسه مهمة حمل الحقائب وكأنه أراد أن يخفف عن عبد توتر أعصابه ، وسارت فاطمة بعده شريدة ممزقة لرؤية الحقائب تغادر المنزل استعدادا للرحيل .
بينما عبد يقبل أختيه الصغيرتين ليترك لنفسه بقايا عطرها (ذكرى أخيرة) فهي آخر شخص إختار تقبيله وتوديعه . هكذا رمى بنفسه عليها ليتشبث بها تماماً كما تتشبث القدس بهويتها الفلسطينية وترو دموعه الطاهرة عطشها وحنينها له كلما ازداد قرباً منها.
بكى عبد!!!! نعم فلهذا تبكي الرجال ولهذا تذرف قلوب الرجال دموعاً مشتعلة
صورة فاطمة وهي محطمة مهزومة بكل انتصاراتها أمامه تلك الصورة جعلته يبكِي.
نِعم الأُم والحبيبة والملاك طالما اتصلت به من هواتف رام الله العمومية في وقت شديد البرودة لتتدفأ بصوت أخيها القادم من الأردن:
ألو عبد: تغطى جيدا فإني أشعر بالبرد هنا.
ويمر شريط الذكريات سريعاً لينتهي بضم عبد أصابع كفه ليبق الإبهام شامخاً مرفوعاً مثل عبد ليعطي فاطمة إشارة تعني لا بأس،لا تقلق كل شيء على ما يرام
وتغرق بدموعها كطفلة بلهاء لا تعود ملكيتها لأحد ، تركها لتسترجع كل أنفاسه وحركاته وكلامه تركها تخط بقلم يرقص ألماً وحزناُ: أخاف أن تسكن الدنيا ولست معي
أرتجف أن تعشق غير عيوني
أن تبعثر غير أوراقي وكتبي
فمذ غبت وعندي عقدة السفر
سل مطارات الدنيا تخبرك عن معاناتي وسفري
لعيون لا تجد مكاناً لتعب أو وسن
لظل لا ينتهي
لحكاية لم تبتدي
لأبقى دونك رغم قوة ذاكرتي
لا أدرك هوية قاتلي
عينيك أم قمري
ويملأ قلبي ضجيج صمتك
كبنادق تكسو فرحتي بالسواد كرحلتي
لأبقى دونك رغم قوة ذاكرتي
أجهل أسباب حيرتي
وحماقة أسئلتي
وأذكر حين أخبرتني
صفوان رجل في الخمسينات من عمره له عينان ترى كل شيء بحدية الصقور وقلب أنصع من بياض الثلج ، أنقى من الذهب المعالج، ضحكته تذكرك بهدوء القلب في دقاته رغم أن قلبه قاس عليه بعض الشيء، حيث اعتاد التضحية بكل أعصابه وراحته من أجل كل من استنجد به أو قصده ، لم تكن قسوته على نفسه أشد من الظروف التي يعيشها ، فقد تقاعد من عمله كموجه ومرشد تربوي بعد أن بذل نفسه من أجل كرامة المبادئ وبقاء القيم .
له أربع بنات وولد واحد ومع ذلك عانى كل شيء ، كثرة الديون ،أعباء تربية بناته الثلاث الصغيرات ، فتربيتهن تحتاج منه إلى رعايتهم رعاية خاصة ، بيت خلا حتى من الوقود للاحتماء به من وقع البرد والألم حتى الرياح هبت ليقشعر بدنه كله من شدتها
وذكرياته!!! ما أصعب الذكريات حين تعكس الحقيقة التي عاشها وما أصعب أن تكون ذكريات المرء حقيقية ، كان صفوان من أكابر رجال البلد وأكثرهم نقاءً حتى أن سمعته الألماسية هي الصفة المعنوية الوحيدة التي حافظ عليها وحافظت عليه. بالرغم من أن له شقة فاخرة تنافس قصور الملوك بهاءً وجمالاً وهدوء ،كان له بضعة مرافقين يعاونوه على تلبية حاجيات منزله وأهل بيته فبناته الثلاث الصغيرات مازلن طالبات في المرحلة الإبتدائية و ذو سمعة لا أشهى ولا أطيب .
كالأرض لا بديل لك عنه صاف و شفاف كثير الكبت سريع الانفعال ، قمة الحب والعطاء وقمة الحقيقة أن تعرفه أو تعيش معه . أما فاطمة فهي كبرى بنات صفوان ولعل هذا السبب ما جعلها تجد نفسها أمام لعنات الدنيا وتحمل أخطاء الجميع وسماع اقاويلهم المستزاد بها
حتى تلقائيتها ونظرات عيونها الشفافة البريئة لعبت دوراً في جعل الثمن الذي دفعته باهظاً، فهي فتاة ليس فيها ذرة واحدة مصطنعة جميعها بكل تركيبتها حقيقة
-الطقس اليوم شديد البرودة ودرجة الحرارة دون الصفر المئوي والبرد قارص أما ظروفها فأكثر من عنيفة وأكثر من جحيم .
من عمق الجحيم المتجمدة يقرع جرس هاتفها المحمول:
فاطمة : نعم عزيزتي أهلا
أخواتك الصغيرات يرتعشن برداً ، هلا أتيت بوقود لنشعل ناراً لتنور دارك ( ودارنا ) -لكني خرجت من البيت الآن لهذا السبب فقط أمهليني عشردقائق ، لا عشر دقائق كثير إنهن جائعات ويشعرن ببرد شديد أرجوك فاباك اضطر للسفر اليوم كما تعلمين
فاطمة تقولها بإرتباك : سأتدبر أمري لا تقلقِ،
إنتبهي لنفسك وحاولي أن تعودي بسرعة
- فاطمة : ان شاء الله .
تذكرت حينها فاطمة طفولتها والمصاعب التي واجهتها في حياتها بعد سفر عبد كما تذكرت أن جدتها كانت تقص لها عن ذلك البئر الذي حير سكان القرية بغموضه وحجمه وعمقه حيث يوجد على بعد عدة أميال من منزلها وقد سبق له وأن شهد كل أحداث ووقائع القرية بكل ما فيها من أحزان وأفراح ، أرادت أن يساعدها لا في سرد القصص والأحداث التي شهدها في القرية بل بمنحها وقود لتنور نارا تدفئ بها أخوتها الصغيرات الجائعات، فكان له أن سرد كعادته أحداث التهجير وحجم الدمار و الخراب الذي أحدثه الاحتلال في القرية عند وقوعها تحت أيديهم لكن فاطمة وأخواتها الآن يرتعن برداً، أرجوك لا أريد سوى وقودا للتدفئة.
تشبثي بي وستشعرين بالدفء
وفي اليوم التالي عاد والدها من السفر وفي طريق عودته رآها ، كذب عينيه في البداية أو ربما انه لم يشأ أن يصدق ما رآه ، لقد رآى إبنته (فاطمة ) نعم هي بشحمها ولحمها و كفيها المتجمدتين تحيط بالبئر وهي ساكنة جامدة، لا تقوى على الحراك،
ماتت
نعم ماتت فاطمة.
تصديقها لكلام البئر قتلها .
تذكر بئر النفط ان يسرد لها جميع أحداث القرية من افراح وأتراح ومجازر دير ياسين وغيرها لكنه نسي ان يخبرها بأن كل من احتمى بهذا البئر مات بنفس الطريقة.
إنقلبت حياتهم رأسا على عقب وتقلبت أيامهم بعدها بين الخريف المظلم والشـتاء البـارد. زادهم انهياراً تقاعد صفوان عن العمل وكثرة الديون لدرجة أمسوا فيها يبيعون أثاث المنزل لسداد ديونهم يا القسوة الزمن! وظلمته بيدَ أنهم كانوا يجهلون لعنات القدر، أو يتجاهلونها لكنها طالتهم هذه المرة، شقة فاخرة بأثاثها بيعت وأصبحوا الان بلا مؤى وبلا وطن ذلك الوطن الذي أكتسى بالسواد من بعدها ، فكان منهم أن ذهبوا الى قرية قريبة من بلدتهم المنكوبة بعد الحرق والدمار الذي طال الاخضر واليابس معا حيث إجتاح جيش الإحتلال البلدة وأعلنها (منطقة عسكرية مغلقة يُحظر دخولها)
هذه هي عنجهية العدالة، عدالة في الموت والدمار فقط .
ونظراً لحجم المشاكل التي اخذت بالتفاقم مع جيش الاحتلال ومواجهات تحدث كل يوم ابلغهم ضابط لعين بوجوب هدم المنزل مطالبا إياهم بالرحيل الجبري وليس الاقامة الجبرية هذه المرة.
كان لهم في النهاية أن يجتروا قوة التحمل والرضى من أوجاع أهل القرية استمدوا القدرة على التحمل والصبر .
برضى وقناعة،جمعوا أشلاءهم وذكرياتهم ورحلوا. رحلوا الى حيث لا تغيب الشمس ابداً أو تكاد تغيب.... إلى صحراء واسعة لا تشبه صفوان من ناحية شموله فهي متضادة معه قاحلة، موحشة، موجعة، لا شيء فيها سوى ألسنة لهب ممتدة من جحيم الكافرين، لكن القدر يخبأ المفاجئات دوما ولا يأس مع الحياة تذكرت تلك الطفلة المتزنة الرزينة في كل شيء حتى في جمالها ودلالها ورجاحة عقلها ، تذكرت تلك الفتاة كلمات فاطمة التي مضى عليها خمس سنين أو يزيد على ذلك قليلا حين أخبرتها أن الحياة هي موقف إيجابي يتخذه المرء مع الآخرين وأنها بصيص أمل يجده المرء دائماً، وقد جعلتها تلك الذكريات تنتظر تحقيق معجزة أو إيجاد ذلك الأمل الذي تحدثت عنه فاطمة يوماً.
كان لها أن تعرفت على فتاة بعمرها من أسرة بدوية حيث إنتقلوا منذ زمن ليس ببعيد للعيش هناك وقد تبين لها من تبادل أطراف الحديث مع زينة تلك الطفلة العفوية والبريئة وجود فتاة تعيش لديهم منذ قام والد زينة بإنقاذ حياتها من حادثة، قادها الحنين لملامح فاطمة الى طلب التعرف عليها عندئذٍ وكان لها ان عرفتها من كلام زينة صديقة إنتصار الجديدة التي شغفتهن حبا ببعضهن من خلال تبادل الاحاديث معهن ،
وأصبحن تعرف الواحدة منهن الأخرى أكثر ويكبر حنين اللقاء في نفسهن أكثر ألى أن جاء ذلك اليوم العاصف كثير المطر شديد القسوة كانت يومها تهيم بركوب جمل صغير حين قذفها جانبا ووقعت أرضاً لتهرول زينة وهي تصرخ مستغيثة بمن في المنزل حينها فقط أطلت من الباب فتاة آية من آيات الله في الحسن والجمال ممشوقة القوام ذات شعر طويل جدا أطول من الفترة التي مرت قبل ان تقف هنا امام إنتصار لتعالجها وتعتني بها كما السابق خرجت ببنطالها الجينز وعيونها نعم نفس العينين السوداوين ، ما إختلف فيهما أنهما ازددن أتساعا وجمالاً عن قبل بل هي كلها ازدادت جمالاً وافتتانًا عن قبل، رأتـها لكنها حسبت أنها ترى حلماً لا تريد أن تستفيق منه ، لربما من شدة الإرتطام ومن كثرة حنينها لعيونها تسآءلت في نفسها (كيف وأين ومتى جاءت) وهل من أراها هي فاطمة أختي أم أن البصر يهذي أحياناً لقاء الأحبة بادرت بسؤالها دون علم مسبق بأنها هي إنتصار أختها فلم تخبرها زينة أي شيء عن أسرة إنتصار والأخيرة أيضا لم تجرؤ على إخبار أحد عن أختها التي تجمدت برداً أثناء تشبثها ببئر النفط قبل سبع سنوات مضت. فاطمة أصبحـت جميلة جـداً و بارعـة في تضمـيد الجراح... لاحظت ذلك عندما أمسكت بيدها وباشرت بلف الضماد حول الجرح لتفاجأها بعدة اسئلة في الاسعاف بينما كانت زينة تستعد للخروج من الغرفة لجلب قصعة لبن مع قطعة خبز صغيرة وكوب ماء حينها بدأ الحديث بينهما دون أن يشعرن و سألت الواحدة منهن الأخرى في تزامن : ما اسمك ليبتسمن بصوت عال قطعته أقدام زينة التي شكرتها وعرفتها على إنتصار تلك اللماحة الذكية فبادرت بسؤال فاطمة عن تاريخ ميلادها وكعادتها أجابت نفس الجواب الذي عهدته منها : مازلت تسألني عن تاريخ ميلادي سجل إذاً ما أنت تجهله تاريخ حبك لي هو تاريخ ميلادي، نعم تلك هي كلمات الشاعر الذي تحبه فاطمة نزار قباني نعم هو بعينه لم يتغيرفيه شيء ولا حتى في طريقة الإلقاء وأضمرتها انتصار في نفسها , أعادت عليها طرح سؤال جديد من أين ن جاءت بكل تلك الدقة في لف الجرح؟؟؟ عندئذِِ بدأت فاطمة تسرد ما حدث معها منذ حادثتها مع البئر المشؤوم حتى لحظة لقاءهن ببعضهن مع جهلها التام بان انتصار هي بذاتها أختها الوسطى ذات الثلاتة عشر عاما .
كان مضر والد زينة وهو رجل عراقي كبير في العمر وفي المقام عائداً من نفس القرية التي رآى بها فاطمة متجمدة مزرقة من شدة البرد فأزال عنها قطع البَرَد وأنزع عنها معطفها الذي كان مبيضاً من هطول الصقيع وحبات البرد عليه كان مبتلاً من الداخل
وضعها على ظهر الفرس ليهم بأخذها لكنه سمع انينها الخافت من شدة ألم الحركة عندها أدرك بأنها ما زالت على قيد الحياة حاول جاهداً أن يتعرف على هويتها دون جدوى
أخذها إلى عيادة متنقلة وجدها في الطريق كانت لأطباء من أنحاء مختلفة بأدواتهم وأغراضهم ومستلزمات الاسعاف يمكثون طويلاً قريبين من المنطقة التي كثرت فيها مواجهات أبناء المقاومة مع العدو وكانو متطوعين من أنحاء واهتمامات وأعمار مختلفة عالجوها إلى أن استردت وعيها وعافيتها حيث كان وجهها مصفراً أما أطرافها وشفتاها فقد كانت مزرقة وبدت شاحبة هزيلة من شدة الجوع ، أما الآن فقد أصبحت كأقحوانة برية تشد الرحال إليها ولعطرها فقد كانت محبوبة ومتعاونة مع الجميع لطيفة معهم لذلك أحبوها وتمنّوا ألا تغادرهم ابداً ، ولأجل حبهم هذا تطوعت للعمل معهم في مداواة وإسعاف الجرحى بقيت لديهم طويلاً قبل أن يعود إليها والد زينة مصاباً حيث هاجمه قطاع الطرق وسلبوه نقوده وكل ما كان يملك مطلقين النار عليه حتى إرتمى بجانب طريق كثر رواده فأتوا به إلى هناك ( المستشفى المتنقلة تلك) ليبدأ مزاح الأطباء معها وتوسلاتهم لأن تسعفه هي دون أن تعرف عنه شيئا لكنهم عرفوه وعرفها هو عن نفسه وأخبرها كيف وجدها بجانب البئر وأنقذها بعد أن كانت متجمدة كمشاعر حكامنا هذه الأيام إزاء ما يحدث لفلسطين وفي النهاية أعطاها العنوان وطلب منها زياة لهم ، حينها أخبرته بأنها فقدت عنوان أهلها ولا تجد غير البقاء هنا حيث تعمل وتعيش في مكان واحد لكنه عاتبها بأن لديها من الآن أسرة وإخوة في الله وعليها أن تقبل بهم زينة وجابر والأب والأم (مضر وزوجته) ما كان منها إلا أن أخذت العنوان قانعة بشهامة الرجل وطيب نفسه وكان لها أن ذهبتإليهم بعد انتهاء المواجهات بين قوات الإحتلال وشباب المقاومة وبالتالي عادت اليهم، وها هي الآن معهم تعيش هنا إلى وقت غير معلوم، لكن حنينها يقتلها لرؤية إخواتها ورؤية عبد وصفوان ذلك الأفق الشامل الواسع الذي اعتاد أن يحيط الجميع برعايته ويغمرهم بعطفه، لكن إنتصار فاجئتها بنفس الضمة ونفس الدفء ونفس الحضن نعم أحست بذلك وبدأ قلبها يخفق من فرحة قلقة ، أهو حقا ما تشعر به اللآن؟ وتلمسه. حضن انتصار!!! أختها الوسطى التي كانت الدنيا ومن فيها لفاطمة تأكدت من ذلك حين رأت دموعها وسمعت نفس الاغنية التي كانت تحب ترديدها منها (طلعت يا محلا نورها) وبدأت الإنتان بالإرتعاش والبكاء الهادئ لتوقع على رأس اختها الكبرى سؤالا كان لها صعقة جميلة :
إنتصار: مازلت تذكرين لماذا غشك البئر وجعلك تتجمدين ،حسبنا أن......
لا لم امت ،
وكيف وصلت إلى هنا فأخبرتها كيف وجدها والد زينة أمام البئر وكيف تطوعت لإسعاف الجرحى الخ...... القصة.
ألا تريدين رؤية عبد وصفوان ألم يبعثرك الحنين..؟!.
نعم لكن.. لكن ماذا
أخف أنهم نسوني ، دعيني ذكرى جميلة في قلوبهم وعقولهم.
لا....
إنهم بأمس الحاجة لك ولتدبيرك أمورنا وامورك من جديد وها انت الان هنا فتاة من أجمل البنات وفي عمر الوزاج ألا تريدين أن يزفك بابا
إن لم يزفني هو لن يزفني غيره
ماذا اذاً ... هيا
لم تعد تعرف ماذا تفعل؟؟
هل تخبرها بانها تواجه خطر الاعتقال في اي لحظة وكيف تخبرها! وقد عاد النهر لمجراه بعد طول غياب وما ستفعل مع ابيها وعبد هل سيتقبلان ذلك بعد أن اضناهما التعب والقلق والاشتياق؟
لم تعد تعرف ماذا تفعل لكنها جالست اختها وبدأت تخبرها اشياء لا تصدق ولا تغتفر، حيث ساقها حب الوطن والتضحية في سبيل تحريره الى هلاكها .
ها هي مطلوبة لقوات العدو الان!!!!
لكن لماذا؟
أثناء حديثها المرعب عن مسيرة نضالها طوال ذاك الوقت اخذت اختها لمكان اشبه بكابوس مخيف ومستحيل في ان واحد ذهبت بها الى قبو تحت الارض أوصلتها اليه بعد ان رفعت صخرة كبيرة توسطت فناء الشارع الخلفي القريب من منزل زينة لترى كمية اسلحة وعتاد للمقاومين فاقت طاقة استعياب الفتاة الصغيرة بكثير
فمن اين لفاطمة معرفة مكان كهذا؟ وكيف تجرأت على الافصاح عن اعمالها الفدائية لاختها بكل بساطة!!!؟
وكيف استحالت الى فدائية شرسة بعد ان كانت الانوثة والرقة الطاغيتين.
كانت تدرك انها لو وقعت بايدي الجنود لن تسلم ابدا من خمسة مؤبدات على الاقل وهي لذلك لا تكترث بان يفشى سرها أو يكتشف أمرها،ولان انتصار اقرب الناس على فاطمة فقد ارادت ان تحملها مسؤلية ارهقت جبال ونفوس كثيرين قبلها وعادتا....
كان الذهول والاندهاش الطاغي على ملامحهما يجمد الدم في العروق مما دفع زينة للالحاح في سؤالها عن السبب الذي بقي مجهولا حتى سافرت فاطمة الى الجمال والنقاء والحقيقة الى الناصرة، نعم هي الناصرة تلك المدينة التي طالما احتضنت احلام فاطمة التي قدمتها لا من اجل التعرف على قدسية وطهارة الجمال وانما لتفيذ اكبر واخطر عملية فدائية تقودها فتاة صغيرة زمنيا لكن هرم الحزن الدفين منذ آلاف الأعوام في نفسها جعلها اكبر من الثمانية وعشرين عاما الماضية ، وقد بقيت يوما كاملا مدمية العينين والعقل تفكر في وسيلة تصل من خلالها الى هدفها المنشود... قتل اكبر عدد من اليهود في عمليتها الوحيدة التي لم تندفع لتنفيذها انطلاقا من استشهاد حبيبها من قبل
بل هو شرف الانتقام لنفسها من ذلك البئر الذي اماتها بالرغم من انها كانت تحيا حياة بؤس وشقاء لا مثل لهما من الاحتلال ومقته رؤية اطفال بعمر الورود يكبرون وسط أهاليهم ، وكان لها ما ارادت : اتفقت مع احد زملاءها من كتائب الصمود والمقاومة على حفر حندق ارضي برفقة 3 شباب من خيرة شباب كتائب المقاومة ، يمتد من اسفل مقهى ليلي يهودي في اللد حتى الرملة حي يهودي كامل تم تفخيخ منازله اليهودية بالديناميت شديد الانفجار من خلال بطارية موقوتة في عداد الكهرباء لاحد المحال التي عملت بها فاطمة سابقا وتم التفجير بالفعل في الوقت الذي غادرت فيه فاطمة الى قريتها الاساسية حيث تسكن في رام الله بعد ان مرت في طريق العودة على اهلها ولملمت جراحهم وساندت مضر ذلك الشيخ العراقي الطاعن في السن ثم هاتفت مقر المتطوعين من الشباب اللذين ساعدوها على شفاء جراحها في الايام التي مضت عادت ....وعادوا معها منتصرين الى قريتهم عملوا من جديد في بناء وزراعة ما تم تدميره ونكشه من منازل ومزروعات ليكملوا حياتهم اقوى من قبل لكن هذه المرة دون حاجة للبئر او ذكرياته الموحشة وبدأت في جامعتها حياة أخرى بعد أن عادت قريتها واحوال أهلها وسكان القرية أفضل بكثير مما كانوا عليه ، كبرت فاطمة لتعيش لذة الايقاع مرتين
الايقاع
لم تتوقع ذات يوم أن تنتسل منها الروح لتلبس لباساً شفافاً كمشاعرها نحوه، منذ أن رأته أيقنت أن الأرواح تستر عوراتها أيضاً تماماً كما يزدحم الجسد بذكريات حبات عرق تساقطت لنسج قطعة قطنية دافئة في خواصها وملامحها ووظائفها ، حيكت لتمنح الدفء لجسد إرتعش برداً كشمس أصابها مرض.
ربما إلتقاء الأرواح مواعيد نخلقها ونتفق على تحديدها إن لم تحدد لنا من قبل ، أحست بذلك حين رأت خطواته تقتحم المكان كحاجز صمت مر في عجالة على ذلك المكان ،زادها تيقناً من ذلك أن طبعها بملامحه وتعابير وجهه التي تمسح همومها وتذهب كدرها تماما "كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " كلما ناثرت الذاكرة فتات النسيان ودونما تخطيط مسبق من كليهما إلتقيا في كل شيء ، يفكر فيها حين ينحني النرجس لندى ذكراه ووروده على بالها في تزامن منقطع النظير من حيث الدقة والتشابه ،ليس تشابه لأحداث القصة مع واقعي الذي أعيشه الآن فقط بل تشابه وقع الذكريات على كلينا وحالات التحول في شخصياتنا التي تخلقها تلك الذكريات تعارفا....ربما ليس بعد، لكنهما إلتقيا في مكان ما إن لم يكن هذا المكان هنا بين صفحات ممزقة تعيد صياغتها شخصيات بهلامية الحبر الحزين الذي أصبح يمقت تكرر الذكريات على وتيرة واحدة بعد أن اعتاد على تنوع أنماط ذكرياته وأحزانه. كان لحزنه وطأة حارقة تشابه إلى حد بعيد ذلك اليوم، كان يوم الضياع لأقدام متوغلة في عتمة نور خافت يكاد يضيء ليملأ نفوس مَن حولها أملا وتفاؤلا . كعادتها تلقي تحية الصباح على كل من حولها من طلبة وموظفين. -صباح الخير -أهلا صباح النور المنبعث من سطوة ابتسامتك علينا . تترك لملامح وجهها حرية الرد على إطراء صديقاتها ،وترحابهن بها . هل اطلعت على المادة أو تصفحتها؟ وأنهيت أول فصلين منها . أعترف بأن لا أحد يجاريك في الاجتهاد، بوركت جهودك إن شاء الله. كسرت خطواته ضجيج المكان وعبر كلماتها كحنين يعبر الذاكرة . صباح الخير، هذا أول لقاء لي بكم اسمي محمد شريف ،ماجستير علم اجتماع سأكون معكم في هذا المساق إن شاء الله. ما أن سمعت جملته الأخير تلك حتى ضج فكرها بأسئلة بلهاء ! لماذا لم أره من قبل ؟ أين كان ومن هو؟ وتراه كيف سيكون؟؟؟؟! دون أن تدرك كيف ولماذا تصببت عرقا ،تسارعت في قلبها طبول الارتباك والحيرة ،كانت قد وجدته في خيالها وأحلامها من قبل .اما عنها ، شعلة ذكاء ورِقّة،تجدها ملأى بجمال سرمدي فوق الإدراك ، لا تستطيع أن تفهمها أو أن تحيط بها مهما حاولت ،ذات مساحات شاسعة وأبعاد متساوية كلوحة فنية لفنان متمرس. وجودها حكمة بالغة ،هادئة تسري في الروح كسطوة المطر على عشق التوحد. شغلت حيزا ليس بقليل من فكره ووجدانه لكنه رجل يختصر احتمالات القدر وهوائية المزاج في جسد له ظل طويل وعينان ترابيتان لا تملك إلا ان تتشبث بهما كتشبث رحالة بحلم الاستقرار بين مرفأين.
رحل الوقت من المكان مسرعا وانتهى أول لقاء بينهما وكل منهما يلبس للآخر قناع اللامبالاة ، تجاهلته في البداية وهي تسأل سكرتير ة المشرف عن القاعة التي كان رقمها(002) محاولةً أطالت الحديث بينهما قدر الامكان علها تشبع ناظريها من ملامحه التي كانت هناك رغم يقينها بأنها لن تنجح في ذلك مهما أطالت النظر، ولذلك حتماً، القت عليه تحية الصباح بابتسامتها الخجولة ونظراته الغضة!!!. حملت أشواقها ورحلت بأقدام تلعن تسارع الزمن في مروره وهي تحاور ذكرياتها :- لم اكن مستعدة اليوم لمواجهة الحب،لم اجد الوقت الكافي لتزيين نفسي وإرتداء أخفر ما لدي من ثياب تليق بمناسبة كهذه، عليَّ الخروج دوما بأفضل حالاتي إستعدادا لمن يجتاحني كأعصار في صيف ، لكني لن اتحول الى أميرة كي لا أضطر الى التنازل عن عرشي ونفوذي مقابل جواب واحد منه لاسئلة كثيرة اعجز عن طرحها عليه. تعالى عليها في لقاءهما الثاني ،لكن ليس هذا ما دفعه للاحتماء من نار أوقدت داخلها ليطاله لهيبها قبل ان تغادر المكان بدموع الهزيمة الاولى . كان دون قصد منه انشغل عنها بأخرى رغم تسلل حبها الى قلبه أضمر في نفسه نشوة رؤيتها تغار عليه،لاستدارجها الى حبه دون أن يخسر شيء . تمنت أن تعرفه جيدا ، أن تحفظه عن ظهر قلب بكل حيثياته وتفاصيله الحمقاء ، عانت الامرين لتعرفه رقم هاتفه النقال ، ليست سوى أرقام لا تعبر عن قيم سرمدية لعشق تمخض عن بضع كلمات تبادلها معها وفراغين تركهما كأجوبة على كل اسئلتها التي لن تجرؤ على طرحها أمامه.
كان الجو ماطرا والهواء أذكر انه كان يجاري دقات قلبي ( أو قلبها ) ولذلك انقطع الإرسال في هاتفي المحمول ليطفأ شهوة الإيقاع !، أجلت رغبتي حينها في عزف ألحانه على أوتاري أملا مني أن تشتد شهوة الايقاع أثناء رؤيته في المرة القادمة حتماً أوريثما .... سقطت فريسة الاشتياق ، بعثرني الحنين فقررت الخروج من صمتي لصمت أكبر ، لم أدرك انني قادمة على صهر أنوثتي بلذة السمع المجرد عن اختزال العتمة لتوحد جسدين....
ألو: (..........) لم يجيبها لكنه استطرد بتحذلق هل اكتفيتي بسماع صوتي ؟ إذا وداعاً لا انتظر المحاضرة القادمة ايتها الطالبة المشاكسة السبت القادم قبل العيد مباشرة ،لكننا لن نأخذها لما.... قبل أن يكمل سؤاله السبت القادم اول ايام العطلة قبل قدوم العيد. أحقا ؟ اني فخور بك ومسرور جدا فشكرا لك .
انهى المكالمة بدوره دون اي اضافات لغوية اخرى لكن مكالمتي تلك اقحمتني في قلق الانفصال وهواجس الفقدان والندم ! هل أخطأت؟؟؟؟ أكان عليَ الغرق في حضرة الحنين دون رؤيته أو سماع صوته ، هل سيرحل عني؟؟؟؟ وانا الانتظار في ملله وانا الرماد المتناثر على بقايا أنوثة حطمها في داخلي . كان بتملقه المقصود يرتكب حماقة تكفي لأرحل عنه ، لكنها او لكني فكأنني اسرد حكايتي معه ولست اكتب رواية بطلها خيال خصب بأحلام اتمنى تحقيقها وحدوثها .
بدأت تتغيب عن محاضراته وتهمل مادته تماما ، ما عادت كما عرفها من قبل ، بدأ يقلق عليها ، يترقبها بين الآخرين ليدرك في كل مرة أنها لغز لن تسعفه ثقافته الواسعة على فهمه أو حله فهي كالحلم يستفيق منه بسرعة ليعود الى رشده كمن بلغ سن الرشد فجأة ، بعد الكم الهائل من الضجر والملل الذي شعرت به قررت زيارة الاقارب والاصدقاء وتهنئتهم بالعيد الذي كان شاحبا وهزيلا، بدأت يومها بزيارة أبو الشهداء مفجر الثورة الفلسطينية الذي أكمل رسالة جمال عبد الناصر وخليل الوزير وكمال عدوان وكنفاني وناجي العلي وغيرهم ممن صوروا كرامة العرب التي ترجلت مع الفارس الأخير "ابو عمار" . في طريقها اليه لم تشأ ان تخدش طهارة وقت الحبيبين اللذان ذكراها بعبد ،فجلست في مكان بعيد عنهما حرصا منها على عدم ازعاج تلقائية الحب الذي عطر المكان . كوجع جرح غُمر بملح كانت الامها تشتد ، اشتعلت نيران المرض في رئتيها لتحرق ذرات السعادة المنثورة على شرفات قلبها ، ازداد غموضها ، كبر حبها داخله ، سكنت روحه كحمامة لم تجد غير دبابة تمارس فيها غريزة الامومة فبنت عشاً حول القذائف والرصاص. كان له في البداية مرض الانبهار بها لكنه ما لبث أن شفي منها بسرعة ،. الحمدلله ماعاد في روحي مكان لطعنة جديدة توجعني ، فقد سبق له ان مزق أنوثتي وتجاهلني وتعالى عليّ، لكني أذكر انه حدثني مرة عن أجمل حب عاشه معي وانه يتعلم مني كما يعلمني ، توغلت فيه، وكان يمتصني كماء باسفنجة، وهذا ما كان يبدو لي . كنت كل مرة ألمس فيها جمال أن تعشق بصمت أكتشف مرارة الكلام الذي يسمعهلي دوماً، أراد ان يكشف ستائر أفكاره التي اسدلها علي وكنت أقرأ الكثير من صمته وحرصه على بقاء صورته امامي كما هي ، وجدت فيّ طالبته النجيبة وكنت أفهم من كلماته انني دون قصد مني كنت عضوا في أحدى الطبقات الاجتماعية المنبوذه لديه والتي يتحاشى ألايتاء على ذكرها حتى وهو يمارس سلطاته علي كأستاذ لي ، واعي في كل مرة اننا نتعلم اللغة لنهرب بها من مشاعرنا وظنوننا . استعمرني ارتباك المذنب في توبته عندما وصلت متأخرة من هروبي ،مبديةً أسفا ً أكبر مني على تأخري فقد تأخرت مسافة ساعتين عن محاضرتهالاولى وعشرة دقائق عن تلك التي وصلتها متأخرة ، أردت ان اعاقب نفسي ، لعله لا يجرؤ على معاقبتي لكن عقابه لي كان كبيرا وما توقعته حينها . دعك من هذا فالعقاب لمن يقتحم المكان ليحدث ارباكا فينا، أوقع المفردات عن لغتي بعقابه هذا ونسيت كلمات كنت أُجمّعها ، فغرقت في صمت التأمل وانا استعيد سطوة المطر على عشق التوحد وانا قادمة سيرا على الأقدام حيث كان لدي متسع من الوقت يكفيني لأحمي ذاكرة العشق في نفسي بزخات مطر . عاود جيش الاحتلال هجماته الغاصبة على بيت حانون موقعا واحد واربعون شهيدا ومئات الجرحى فَعَّم الحزن وخيم الغضب على قطاعات رام الله المختلفة وقد شمل الاضراب جامعتي التي وصلتها باكراً كنت أتحرق شوقا لرؤيته مما أحبطني وأربكني أن افكر في احتمالية تغيبه (عني ) ذلك اليوم ، وأجلت اعلامي له بالاضراب الى وقت المحاضرة وكنت اتعمد ذلك ليكتوي بنار اشواقي حال وصوله ، بدى لي متوترا ومرتبكا حين رأيته تحت المطر ،كان يلبس معطفا ويحمل المظلة التي اتخذتها حجة للتوحد فيه ، ( ما اروع ان تعطيك مظلة جامدة لا روح فيها ولا مشاعر ، فرصة التوحد مع من تحب)كنت أو كانت ففي كل مرة يدهشني تطابق الخيال مع واقعي وكأن الحماقات التي شكلت حياتي ضرب من ضروب الجنون أو المحرمات ، فالشيئان الوحيدان اللذان يسمح لغيري إرتكاب الحماقات فيهما دون أن يحاسبوا عليها .... حياتي والأحلام . ولانه لا مكان لي لي في حلمين معاً قررت الابتعاد..
ذهبت في رحلة للعلاج من خلايا السرطان التي تنمو في جسدي النحيل وكان يأتي على كل أشلائي ويزيدها تمزيقا ودماراً. لكني ... كنت عازمة على الرجوع اليه ولانني كنت في عينيه فتاة خارجة عن المألوف فقد حرصت على أن تكون عودتي خارجة عن المألوف أيضا . عدت برسالة طويلة وجدها داخل كتاب أهديته اياه بطريقة غير مألوفة له ، حيث كان بحاجة لمرجع يختص برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة،إثراءً منه لخبراته العلمية ، فهو شخص واسع الافق ، مهذب، شديد الجاذبية وكثير الوسامة ! فقد وضعت له ذلك الكتاب لدى الحج علي في مكتبة اعتاد زيارتها وطلبت من الحاج علي أن يبيعه الكتاب حين يسأل عنه ، لان الكتب التي تهدى لنا من الاخرين لا تقرأ عادةً ، وأنا حرصة أكثر من معلمي على قراءته لذلك الكتاب كي يحسن قراءة ما بين السطور الصامتة ، وعدت له في ذلك الكتاب كروائية كانت من ذوي الاحتياجات في طفولتها وهي الآن تروي قصتها ... أذكر أنني كتبت في رسالتي : أل مالك الكتاب الجديد الذي سبق وأن ملك قلبي ووجداني "أحتاج إليك وأهرب منك وأرحل بعدك من نفسي ، في بحر يديك أفتش عنك فتحرق أمواجك شمسي " إنك إن كنت ما زلت جاهلا ً فإنك تمتصني كماء بإسفنجة وأدفن في تراب عينيك طلبا للدفء ، كنت أعشق لحظات تفكيري بك وأعشقك بعنف الكوارث ، كنت كل يوم أحبك فيه أقرر الإبتعاد عنك ، حرصاً عليك. انت أستاذي الذي اعشقه لكن جراحي أعمق من أن أعيش لحظة سعادة ، معجونة من أنين تملأني الآهات ،دربي يضيعني، واسمي يضيعني ، ضيعتني حقيقتي التي بدأت تعرفها يوما بعد يوم ، لا وطن لي اسكنه ويسكنني سواك
، عانيت المرض وتبدد عقائدي ومبادي التي تخالف عقيدة اقرب الناس إلي كنت متنافرة مع ذاتي ومه غيري رغم أن الأنوثة : جمالية التناقض . عشت يتيمة وأبواي على قيد الحياة ، خشيت أن يولد الحب بيننا من شدة حرصي عليك فهربت منك بأنوثتي المعتلة ، جسدي كل شيء فيه غير متكافئ مع الآخر ، قلبي أضعف من الأحتراق بنارك، لذلك رحلت عنك وهذا هو قدر الأحلام تستفيق منها أكثر احباطا وحزناً إما لسرعة الاستفاقة منها أو لبشاعتها إن تمكنت من تحقيقها يوما ، كما حققت برؤيتك حلمي في رؤية أخي عبد الذي لم اره منذ اربع سنوات وكما كنت اراك فيه بكل حيثياتك وتفاصيلك المتطابقة معه والذي أتمنى أن يكون حلماً لا يتحقق فما أبشع الاحلام حين يحققها المرء يا استاذي العزيز، لذلك حرصت دوماً أن أكون حلمك الذي لن يتحقق أبداً كي لا تجرحنى مرة أخرى ،كنت تتباهى بحبك لأخرى وتتعمد جعلها هي من يجيب على هاتفك حين أتصل علّيأفهم أنك عابث بحبي وخفقان قلبي وكنت تنتظر قدومي بلهفة وتترك لي خبرا بانني آتي الى منزلكم عنوة لأفرض نفسي عليكم فها أنا اليوم أغادرك إلى الأبد فقط أطلب لي المغفرة عندما تصلي عليّ فهذه وصيتي التي لن تجرؤ على تركها.
واليوم يا رفيق اللوز فإن الايام لم تعد كما عهدتها في حكايتي الجديدة....
فقد استفحل الجبن والخنوع والتخاذل فينا ، يزني القهر بنا وترتكب الفواحش بأبنائنا ، ثقلفتهم ضحلة راكدة ، لا تتجاوز حد التناسل والرقص ليلة الزفاف لإغراء ذكر ، أبنائنا كثر مرضهم وقل تعليمهم ، تدنت مستويات إهتماماتهم وانتشرت الاوبئة الاجتماعية والصحية فتفتك بعقولهم وعقولنا ولم يبقى سوى البكاء لنا على ماض كنت انت محوره وما تنهض من مدينة على أرجلها الا وتقع ممزقة أشلاء بفعل القذائف الاسرائيلية فيعود الناس أكثر احباطا وحزنا .
أما عفراء فما زالت كما تعرفها ، آثارك واضحة عليها ، تعرفت في أحد ايام الخريف الحائرة على محمدشاب في بداية العشرينيات من عمره ينحدر من أسرة فلسطينية لجأت من يافات الى رام الله أيام حرب ال48 وعاشت في منزل قديم شهد معهم آهات أيامهم وأعباء تربية سبعة أطفال يشربون حليب الارض ليكبر بداخلهم كجنين يسكن أمه ، وهو ذو ظل طويل وأكتاف عريضة يعلوها رأس ضخم بعض الشيء وله بشرة سمراوية داكنة تلمح فيها خصوبة أرض الوطن ، ومحمد أكبر احلامه أن يعيش اللحن فلسطينيا وان كان حزين دون احتلال واستعمار ، ساعده صوته الكناري الشجي على ترجمة أحلامه أخيرا ، وقد شاركته تحقيق حلمه حيث اقترحت عليه ترجمة حلمه الى واقع جميل بإحتراف صوته وذهبت معه الى شركة للانتاج الفني والموسيقي اذكر ان اسمها ميراج للانتاج الفني والموسيقي ذهبنا في يوم يمطر جنوناً باردا وثقيل الظل ، قابلنا في ذلك اليوم المدير الفني بعد أن اجتزنا ردهة طويلة ذات حائط ازرق داكن يزيد كآبة العتمة على ذلك المكان وعلى جانبيها أشجار اصطناعية وازهار سيراميك ،كانت في اخرها غرفة الاستديو ، ذهلوا بصوته ولم يشاؤوا أن يصدقوا أن لك الصوت الشجي يختبئ في حبال صوتية تحملها روح محمد قبل أن يحملها جسده كما سافر مؤخرا لتصوير احدى اغنياته في مصر قبل أن ينشغل للتحضير لخطبته من ابنة خاله ليعمل الآن مع أبيها في الفرن ويغني للنار على محمد ، شاب يسكن في مدينة رام الله وهو في بداية العشرينات من عمره ينحدر من أسرة فلسطينية لجأت من يافات الى رام الله أيام حرب ال48 وعاشت في منزل قديم شهد معهم آهات أيامهم وأعباء تربية سبعة أطفال يشربون حليب الارض ليكبر بداخلهم كجنين يسكن أمه ، وهو ذو ظل طويل وأكتاف عريضة يعلوها رأس ضخم بعض الشيء وله بشرة سمراوية داكنة تلمح فيها خصوبة أرض الوطن ، ومحمد أكبر احلامه أن يعيش اللحن فلسطينيا وان كان حزين دون احتلال واستعمار ، ساعده صوته الكناري الشجي على ترجمة أحلامه أخيرا ، وقد شاركته تحقيق حلمه حيث اقترحت عليه ترجمت حلمه الى واقع جميل بإحتراف صوته وذهبت معه الى شركة للانتاج الفني والموسيقي اذكر ان اسمها ميراج للانتاج الفني والموسيقي ذهبنا في يوم يمطر جنوناً باردا وثقيل الظل ، قابلنا في ذلك اليوم المدير الفني بعد أن اجتزنا ردهة طويلة ذات حائط ازرق داكن يزيد كآبة العتمة على ذلك المكان وعلى جانبيها أشجار اصطناعية وازهار سيراميك ،كانت في اخرها غرفة الاستديو ، ذهلوا بصوته ولم يشاؤوا أن يصدقوا أن لك الصوت الشجي يختبئ في حبال صوتية تحملها روح محمد قبل أن يحملها جسده كما سافر مؤخرا لتصوير احدى اغنياته في مصر قبل أن ينشغل للتحضير لخطبته من ابنة خاله ليعمل الآن مع أبيها في الفرن ويغني للنار أما عن دلال فقد انهت دراستها للمحاماة وتمكنت من فتح مكتب جميل ذا ملامح كملامحها ، هي فتاة جميلة رشيقة ، صلبة وعنيدة ، رفضت لتوها الزواج برجل كامل مكمل حسب قولها ولا ينقصه شيء لم تجد فيه عيبا او نقطة اختلاف ، الا انها رفضته ليس لشيء فقط لانه غير وسيم وظله ليس طويل هكذا أصبحن الفتيات يرفضن الزواج ويتسببن بجرح او جروح لاكثر الناس قربا عليهن ليس لشيء غير السذاجة ، كنت قد حاولت تقريب وجهات النظر بينهما لكنها رفضته لانه لم يستطيع أن يحرك فيها غريزة ...هكذا بكل بساطة ، لكنا أبا آثر ليومنا هذا لا أدري إن كان لم يحرك فيها غريزة فماذا فعلت انا لأكون أكثر إشتهاءً منه لها كي تفعل بي ما فعلته حينها ، لم تكن أكثر استخفافاً بي وبإنسانيتي مما استخفت يومها !!!!!! ما الذي دفعها وهي قريبة الى قلبي لتمزيق اوصالي القلبية والعصبية الى هذا الحد ؟؟؟ لم ارتكب حماقة يومها سوى اني اقدمت على الاتصال بها للاطمئنان عليها ، والوقوع في جحيم الارباكوفوضى العقل حين أسمع منها جملتها الاخيرة تلك" انا رفضته وهذا قراري ولكني سأبلغه الارتباط بك اذا اردت " !!!!!؟ هل يستطيع عقلك سيدي برجاحة تفكيره أن يتخيل إستخفاف كهذا بي وبإنسانيتي مما استخفت يومها !!!!!! ما الذي دفعها وهي قريبة الى قلبي لتمزيق اوصالي القلبية والعصبية الى هذا الحد ؟؟؟ لم ارتكب حماقة يومها سوى اني اقدمت على الاتصال بها للاطمئنان عليها ، والوقوع في جحيم الارباكوفوضى العقل حين أسمع منها جملتها الاخيرة تلك" انا رفضته وهذا قراري ولكني سأبلغه الارتباط بك اذا اردت " !!!!!؟ هل يستطيع عقلك سيدي برجاحة تفكيره أن يتخيل إستخفاف كهذا بي وبمشاعري ، وانت أكثر الناس معرفة بي ، لا تحاول ان تلقي اللوم علي يا سيدي ارجوك داريتها برموشي وكابدت معها عناء الحياة ، ربما اننا بحاجة للموت كي نشعر اننا على قيد الحياة ، حيث ادركت مؤخرا كم هو الموت مملا وكم هي الحياة مملة نحبها ما استطعنا اليها سبيلا لكني امسيت أبحث عن موت لا موت ولا حياة أعيشه علّي اشعر بمذاقا اخر للروتين بعد التناسخ !! ما يبدو لي غريبا لي سيدي هو اننا نضع حداً بأيدينا لنهاية البداية أو ربما لبداية النهاية والسقوط في حفر الازل ، كان الحكم ملكيا وجمهورياً لدى الفينيقين وكان الاله إيل ملك السبعة ملوك وفي عصرنا هذا وجدنا جورج بوش الابن يحكم دولة بولايات كبرى لكل ولاية منها حاكم / تماما كإيل الذي كان حاكم لملوم يحكمون ولايات او محافظات ان جاز القول وانا هنا اجري مقارنة ما بين إله وملك رغم يقيني بأن ذلك غير جائز.
سيدي يا رفيق زهر اللوز في حكايتي لليوم غضب واحتقان كبيرين من شعبنا الفلسطيني والعالم العربي كله على ما جرى من احداث قتل ونهب وسلب وتدمير لمؤسسات السلطة الفلسطينية على ايدي ثلة من المكبوتين من ابناء حماس وقيادتها فقد عاثوا في الارض فسادا ،قتلوا اطفال ونهبوا منزل ابو الشهداء ابو عمار واوسمة الشجاعة والسلام من منزله واصبحت غزة في احتراق دموي واقتتال ادمى قلوب الكثيرين مما ادى الى اعلان ميليشات حماس على انها خارجة عن القانون وان الحكومة الحالية قد اقيلت وسيتم تشكيل حكومة طوارئ ، تم اتخاذ هذه الاجراءات لما احدثته الميليشات الانقلابية حينها من قلق وخوف ورعب بتصرفاتها الهوجاء والغريبة عن حضارتنا وتراثنا متجاهلةً ما تحدثه باسم الاسلام من تنفيذ مخططات لدول خارجية بإقامة امارة الظلام كما اطلق عليها الرئيس الفلسطيني انذاك وقد اشتد اخيرا عود اسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة لدرجة مكنته من القاء خطاب بجمل غير مكتملة وكلمات متقطعة تخلو من اي منطق للعقلانية او المنطق لكن ما يدعو للفرح في الموضوع كله ،أن تشاهد الصبي يكبر الى هذا الحد.وتذكرت عندما هاتفت صديقي وزميلي واخي ياسر كيف تم الاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل طلاب في مجلس الطلبة وكانت المشكلة حينها من افتعال طلاب حركة المقاومة الاسلامية حماس تخيل ان يُحشد ضدك 25 شاب ليفتكوا بجسدك ضربا وايلاما لمجرد انك نشيط وتشكل قوة فعلية لابناء فتح من شباب الشمال في المجلس!!!! تخيل الحد الذي وصلنا اليه!!!!!!!!!! .
حين عاد شريط ذاكرتي الى تلك الايام شعرت بحزن وغضب شديدين حيث تم طرد ياسر وتوقيفه عن الدراسة لمدة فصلين جامعيين برفقة صديقه سائد والذي كان نصيبه من الضرب وفيرا فقد تم الاعتداء عليه هو الاخر لكنه لم يقدم استقالته من عمله كما فعل ياسر حيث ذهب بعدها الى مناطق ال4891 للعمل بقرب ابيه ، وتذكرت ايضا ايامي الاكثر من رائعة برفقته .
كان لي كل شيء اخاً وبلسماً ملأ حياتي وكان يمتصني كما تمتص الاسفنجة الخمر من كل الحانات ولا تسكر ، اذكر انه قال لي بانه يومياً يمحو اكثر من 20 رسالة مني عن هاتفه النقال ورغم تعلقي الكبير جدا به الا انني وحدي التي شجعته على السفر والذهاب للعمل في الداخل لم يشجعه احد على الذهاب الى ام الفحم لما لياسر من مكانة عظيمة في قلوبنا ولما في سفره من مخاطرة وتعب عليه لكني يومها قضيت الليل ادعو له واتوسل الله ان يحميه لم اكن اتمكن من النوم ليلتها خفت ان تأخذني غفوة تأخر ايقاظي له على الموعد المتفق عليه بينناولم اتمكن من نقل عقلي الباطن خلال نومي الى مرحلة اللا وعي او النوم العميق ، لكن التخاطر الروحي بيننا كان قويا على ما يبدو لحد لم يمكنه هو ايضا من النوم فوجدته عندما اتصلت به يقظا من نومه ومن ذكرياته ايضاً. ربما شعرت لهنيهة بالندم على اقناعه في فكرة السفر الخبيثة تلك لكني لن اكون تقيليدية واحبه الى حد يمكنني من ايذاءه او منعه عن بناء مسقبله وكنت افعل كما قال الاستاذ نزار قباني في قصيدته محاولات قتل امرأة لا تقتل ( اني كنت اكذب من شدة الصدق والحمدلله اني كذبت ) واصبحت افكر في حاله بعد رحيله المر عني مَن ستشجعه بعدي على صناعة الذكريات ومَن ستخاف عليه أكثر مني ؟؟ هل سيجد وقتا لشرب فنجان قهوة او تناول طعام الفطور ؟؟؟؟وهل ستكون لقهوته نفس النكهة او اللذة وهو الان يشعر بحنين يوجع مثل طنين الصمت لايامه معي حيث لمست ذلك من نبرات صوته حين هاتفته للاطمئنان عليه وتحذيره من لهيب الشمس وارتفاع درجة الحرارة فقد اعلنت جميع محطات التلفزة عن ارتفاع شديد جدا في درجة الحرارة نتيجة الاحتباس الحراري للارض لكن حنينه لي لم يعد ممكناً او مسموحاً بعد الآن فقد اصبحت على ذمة رجل بعقد زواج شرعي وها نحن الان نمضي اسعد لحظاتنا سوياً بالرغم من الانهاك الشديد لكلينا نتيجة التحضير لحفلة زفافنا التي سُبقت بعام كامل من الخطبة وعلى رغم اختلاف كلينا بالاراء والافكار ونمط الحياة الا اننا متمسكان جدا بالسعادة والنجاح في حياتنا وها نحن ننتظر ليلة عمرنا سوياً فالى حكاية أخرى يا شهريار حكاياتي ويا عرّاف دورة التناسخ.
ملاحظة الرواية لم تكتمل بعد فهي حقيقية وسرد لما يحدث مع الكاتبة من احداث يوميا لكن بشيء من التحريف والخيال
من بلد الحكايات بقلم: مي ابو غربية
تاريخ النشر : 2008-04-10
