عادةً نتجاهل مانراهُ على الشاشات والفضائياتِ من مذاهب فنية (استعراضية)جديدة تملأ العالم الآخر-العربي-من الجحيم إلى الجحيم،بصرعاتها وترهاتها وسخافاتها ولانلتفت إليها أو نعلق،لأن الالتفات والتعليق سيعطيها المزيد من الأهمية،ولكن حجم الاستفزاز والتحدي الذي قرأته أواخراً مع إحدى الفنانات الاستعراضيات،دفعني إلى الكتابة والرد...
فقد صرحت بجرأةٍ أنها مطربة الجميع،وأن على من لا يحب غناءها عليه أن (يطفي الـ tv) وأن لايسمع،كما صرحت بأنها ليست مطربة إغراء بل فنانة استعراضية مغرية!!،وهي من الناس المنفتحين... وأن أي شخص حلم حياته أن يتزوجها وكشاب أقول:لو لم يبقَ في حياتي حلم،أو لو لم يبق بنات في الكون غيرها فحلم حياتي ألا أتزوجها.
هي ليست مطربة إغراء كما تقول،ولكنني أسأل بجرأة:ماذا لو لم تقم بالإغراء؟وقامت بكل ماعداه من الكلام الفارغ الذي تقدمه،ماذا سيظل من فنها الذي تدعيه؟،الجواب عندكم.
لقد أعجبتني جرأتها حقيقة فأحببت أن أكونَ جريئاً أيضاً..وأقول لها شخصياً:إن الشهرة ليست كل شيء بل لابد أن تقترن بشيٍ جميل،فما الذي فعلتِه لتصلي إلى هذه الشهرة؟، خلعتِ أكثر ملابسك؟،قمت بحركاتٍ مثيرة وسخيفة لكي تحركي شهوةَ المواطن العربي الذي لا تشبعُ عينه إلا النهودُ والأرداف.
أنا لاأستهين بك،ومن يستهين بما تقدمينه من إثارة وتهييج؟،من يجرؤ على الاستهانة بما تملكينه من إمكاناتٍ هائلةٍ للاستعراض؟ولكنني أشمئز من إطلاق اسم (فنانة)عليك،بل الأصح راقصة،أو استعراضية،أو مثيرة فقط،وإذا كان استعراضك أوصلك إلى الشهرة والنجومية عبر السكس فلأن الشعب العربي تلائمه هذه الأمور دونَ غيرها،وهذا لايعني أبداً أنك فنانة أو أن ماتقدمينه يستحق التقدير!!،وعليه فإن إمكاناتك البارزة يجب أن تصنف في مكانها ومكانها الإغراء طبعاً.
أطرح سؤالاً آخر:هل الفن محكومٌ بسنٍّ معين؟الجواب:لا طبعاً،لأنه إبداع والإبداع ليس له سن،وإلا لما أتت فيروز إلى دمشق وهي في السبعين وتهافت الشعب السوري من كل حدبٍ وصوبٍ لكي يراها ويسمعها،حسناً،فماذا ستقدم الفنانات الاستعراصيات (النقطة سقطت سهواً)إذا أمد الله بعمرهن إلى السبعين؟الجواب:لاشيء،إذاً الفن الاستعراضي ليس فناً بل إغراءً، ويجب أن يُصنف بشكلٍ صحيح،وأن يُبعد عن الفن،ويصنف مع الرقص أوأفلام السكس.
إن أي راقصة أو عاهرة أو شرموطة،تستطيع أن تقومَ بما تقومينَ به،تستطيعُ أن تغريَ الآخرين،وتنتج الكليبات،ثم تصل إلى الشهرة،ولكنها شهرةٌ فارغة،وضعي بحسبانك أن كل من يعرفك الآن،إذا ذكر اسمكِ أمامه فسوفَ يتذكر بشكلٍ تلقائيٍّ الإغراء سيتذكر النهود والأرداف والحركات المثيرةَ التي تقدمينها...هذا كل شيءٍ وكل شيء هذا تستطيعُ أن تقدمه أي بنت فلتانة مثلك.
من المعلومِ أن أي مبدعٍ يجب أن يتعب على نفسه حتى ينتجَ إبداعاً ما،فالإبداعُ أشبهُ بالخلق،ويحتاجُ إلى معاناةٍ وثقافةٍ ووعي،حتى يقدمَ شيئاً راقياً يتلاءمُ مع النفسِ الإنسانية ويحاكيها،فهل الاستعراضُ كذلك؟
فأي فتاةٍ تستطيعُ أن تستخدم (لوك) معين يتلاءم مع شخصيتها لتظهر بشكلٍ مثيرٍ،مع بعضِ المكياج،ثم لاتتعب إلا في هز الخصر والنهود لتُنتج كليباً ما يُباع في الأسواق ويجني الأرباح،ولا سيما أن الشعب العربي متعطش إلى الخصور والنهود والأرداف باستمرارا وهي المادة الأولية التي تصنع أغلب الكليبات المُباعة،ولمن يعترض على كلامي،أتحدى أن يُباع كليب واحد ويحقق نجاحاً دون أن تكونَ فيه صور جنسية وحركات مغرية...
إذاً لماذا لا نعترف بالحقيقة؟،لماذا لا نصنف كليبات الاستعراض مع أفلام السكس،ونطلق عليها اسم (استعراض أيروسي) مثلاً؟وليس فن استعراضي!!
من المعلومِ أن الفن مرآة للحياة ،وهو يسبر أغوار النفس الإنسانية ليقدم لها المتعة والجمال أو الفائدة،فهل الاستعراض يقوم بهذه المهمة؟
لايختلف اثنانِ بأن الاستعراضَ يسبر أغوار الشهوة الجنسية ليحرك كوامنها،وليس النفس البشرية،فهل هذا هو الفن؟.
وبالعودة إلى كون الفن مرآة للحياة،للواقع،فإن واقعنا مظلم وغريبٌ جداً،إنه واقع مرعبٌ ومبكي،ومن ينظر إلى حجم المآسي والفقر والتخلف والأمية التي يعيشها العالمُ العربي سوفَ يصاب بالغثيان!!،فأي فن سيساير هذا الواقع؟
إذاً وصلنا إلى طريقٍ مسدود،فلا فن راقي يُنشر وينال الشهرة بلا واقعٍ راقي أيضاً...وهنا أؤكد على أمرٍ هام،وهو أن هناكَ فنٌ جميلٌ وأصيلٌ يقدمه الجيل الشاب وينالُ الإعجاب والانتشار،وهو الذي يحاكي العواطف بصدق ويحرك كوامن النفس،أو يحاكي التاريخ ويعيد الأغاني القديمة بأصواتٍ جديدة،وقد نجح العديد بهذا المجال،فمن منا لايعرف شهد برمدا أو لينا شماميان وغيرهما؟...
في أحدِ اللقاءات التي أجريت مع استعراضية أخرى،قالت إنها غنت فناً أصيلاً ولما لم تجد من يلتفت إليها أو يهتم بها،انتقلت لتغني السخافات وتستعرض نفسها أمام الجمهور،وبعد أن أدت عدة أغاني سخيفة استعرضت فيها قدراتها الغنائية المميزة بدأت الشهرة واللقاءات الصحفية تنهال عليها من كل حدبٍ وصوب...،وأول أغنيةٍ استعراضية مارستها كانت بعنوان (بحب الرقص)،وهذه بعضُ كلماتها (أسمع مزيكا...يتحرك وسطي...أرتاح عالآخر...وأرقص عطريقتي...بحب الرقص وهز الوسط وأموت أوي أوي في اللي يأدَّرني)،وقالت إنها ستعود مرةً أخرى إلى الغناء الجميلِ والأصيلِ بعد أن تنالَ الشهرة...
في الحقيقة يحتوي كلامُ الاستعراضية على أمرٍ مهم،وهو أن الشعب العربي القذر يلائمه هذا النوع من السخافة الاستعراصية وبالتالي فإن الاستعراصيات لا يستخففن بعقول المشاهد العربي كما يقول البعض بل يمنحنه ما يستحق!!.
غير أن هذه ليست حجة للاستعراضية المذكورة،لأن هناك فنانين شباباً أصيلين حققوا نجاحاً كما قلت.
الشعب العربي شعب متخلف وغبي وجاهل،شعب بدائي لا يجيد حتى السكس،فهو يفكر فيه بطريقة بدائية جداً،ولمن لا يصدق أطلب منه أن يسيرَ في الشارع وينظر عندما تمر فتاةٌ جميلة،(محتشمة أو غير محتشمة)، في عيونِ الجالسين أو المارة وكيف ينظرونَ إليها!!،فهم يفكرونَ في أن أي فتاةٍ أو امرأة على أنها جسدٌ يُلتهم،هي عورة وهو فحل الفحول الذي لا يملك شيئاً سوى غريزته بعد أن فقده الحكام والسياسيون كرامته وبعد أن عصف به الفقر والجهل والخوف،لم يعد عنده سوى الغريزة،حتى لو رأى امرأةً تسير بجانب ابنها أو أخيها،ينظر إليه بعين الغيرة،لكونه يسير مع امرأةٍ وهو لايسيرُ مع امرأة...أو بعينِ الحقدِ لأنهُ حريصٌ على بناتِ بلده وبالتأكيد فإن هذا الشاب يصطحب المرأة أو الفتاةَ إلى موعد غرامي،علماً أنه ينظر إليها في الوقت ذاته بنظراتٍ سخيفةٍ ملؤها الشهوة ولعابُ فمهِ القذر يسيلُ كذئبٍ ينظر إلى فريسة ،وهو إن قام بتلطيش فتاة ما وتمنعتُ وأظهرت كبرياءها وصدته بقسوة،يظن هذا غنجاً ودلالاً منها،فيتغنج ويتدلل أيضاً ويتبعها،وإن تأدبت وصدته برفقٍ،يحسب أنها راغبة فيه أكثر،فيستمر في تلطيشها وملاحقتها...فهو شخص غبي ومتخلف،لم يعد عنده إلا السكس الذي لا يجيده كما أسلفت...
وهو بحاجةٍ إلى (هز الوسط)وأن يرى هذا الهز ليتأكد الرجل الشرقي من أن شهوته الجنسية لم تزل على مايرام،بعد أن فقد كرامته وثقافته وهويته وإنسانيته وحتى عقله،لم يعد عنده إلا الشهوة الجنسية،وأظنه عاجزاً جنسياً أيضاً،ولذلك يبالغ في إظهار فحولته...
يجب أن أوضح أنني لاأتكلم من منطلق ديني،ولا من إيمانٍ بالعقائد أو الشرائع والأعراف والتقاليد العربية،ولا من قداسةٍ تاريخية،بل دعوني أيها السادة أنتقل إلى الحديث من منظورٍ آخر،إذ جل مانشاهده على الساحة العربية من ثقافاتٍ يتمثل في صفين،صف يتعصب للسخافة(الاستعراض)،والآخر يتعصب للهوية العربية والتاريخ المشرق الناصع الأبيض البراق اللامع،دون أن يحدد هذا التاريخ،فهو يتحسر ويبكي ويندب الماضي،دون أن يعطي مفهوماً واضحاً له...
فدعونا الآن نذم التاريخ،فتاريخنا مقرف ووسخ وغير مشرف أبداً،ومن يقرأ عن الأمراء والولاة والخلفاء العباسيين وغير العباسيين سيلاحظ حجم العنف والدموية الذي استخدم في تاريخنا المُشرف،كما سيلاحظ الاستعراص بشكلٍ هائلٍ في قصورِ الولاة والأمراء،والأعداد الكبيرة للجواري والحسان التي تُسبى من غنائم الحروب لتستقر في فرش الفحول العرب...كما سيلاحظ حجم الدموية التي استخدمت للوصول إلى العرش من منطلق ديني غالباً...
إذاً نحن متخلفون وأغبياء منذ القديم، ولم يمر على هذا الوطن إلا عددٌ قليلٌ من الشرفاء وفي فتراتٍ متباعدة...ومن يظن أن الجيل والأجيال التي أتت قبلنا كانت أفضل فهو مخطئ،ولو كانت كذلك لرأينا بيننا ولو قليلاً من السلامِ...
ولعل استعراضيات اليوم،نتاجٌ غير مباشرٍ لنكبات الماضي...فهن يعشنَ على الفكر الجنسي الذي يستحوذ على كافة اهتماماتِ المواطن العربي وهذا الفكر هو نتاج الخوف والتخلف وانعدام الثقافة والوعي ،وهذه الأشياء نتجت بسبب كل ما عانيناه في التاريخ من المغالطات والتعصبات والعاداتِ البالية التي أنتِجَتْ فيه كجرائيم لا تزالُ تحكمنا حتى الآن.
ولكن ماذا عنا الآن؟
بعد أن ركنَّا الماضي سنتكلم بكل انفتاح،فنحن عصريون جداً،ولسنا متخلفين،دعونا نرمي كل ماورثناه في قارورة كبيرة ونختار منه مانريد فهو غير مهم،بل المهم من نحن؟،ماذا نريد؟،إلى أين نسير؟ ماهو مستقبلنا؟
وأنوه إلى أمرٍ مهم أيها السادة والسيدات،وهو أن الواقع الذي نعيشُ فيه ليسَ واقعنا،نحن نمر في مرحلة غريبة
من التاريخِ حقاً!!،ولكن في الوقتِ نفسه نؤمن أن هذا الواقع،هذه الأرض،فيها جمالٌ ما،نحن نحبها لأن فيها ماليسَ فيها،وأعني بذلك،أن الوطنَ الذي ضم فيروز والرحباوية ليسَ هو الذي يضم الاستعراضيات،ليس هذا هو لبنان،بل لبنان هو الصباحاتُ الصيفية الهادئة،هو الكروم والصفصاف،هو الحضارة والانفتاح،وصداح العصافير وجبال الأرز،إنه لبنان الجميل لبنان الجمال.
بالمناسبة... الفنانة التي تكلمت عنها في بداية كلامي قالت بأنَّ بعضَ جمهورها منحها لقب (مطربة النبريش)،وقالت إنها أحبت هذا اللقب لأنه سخيف!!...إلا أنه أصبح من أرشيفها وطلبت أن تُمنح لقب جديد له علاقة بالاستعراض،كما أنها تقول بأن من يسميها (مطربة إغراء جاهل)،لقد فكرت في لقبٍ ملائم لن يكون (مطربة إغراء) بل أقترح شخصياً لقب ( مطربة السكس)،ولا أمنحها هذا اللقب من باب الاستهزاء،بل هو لقب رائع ومناسب لما تؤديه،وأقترح أن يُكتب بهذا الشكل(مطربة الـ sex) لأنه يحتوي على كلمتين:عربية وإنجليزية وهذا سيسهم بشكلٍ فعالٍ في حوار الحضارات،وبالتالي في إنهاء احتلال العراق والقضاء على الإرهاب العالمي،وإحياء عملية السلام،وفي تآلف الشعوب على الاستعراض وهز الوسط ،ومن يدري؟!فقد تصبح هذه الفنانة الاستعراضية مبعوثة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة في الشرق الأوسط،وتحتفل بها شعوب الشرق العربية المتخلفة والغبية والسخيفة والجاهلة.
عمر سليمان
شاعر سوري
الاستعراض والشعب العربي وهز الوِسط وحوار الحضارات بقلم:عمر سليمان
تاريخ النشر : 2008-02-02