تغازلني امرأة والحقيقة المؤسفة ـ 7 !! ( قبل الأخيرة ).
مقدمة :
سيظل القاص عبر العصور متهم بشخوصه و بما يرويه و بما يراه !!
فكل ( شخوصه ) هو مبتدعها ومبتكرها ، يحركها كما يشاء ، ويرسم لها الأدوار كيفما شاء..
وما يرويه القاص هو رؤية لواقع ممتزج ببعض الخيال .. وخيال الكاتب ماهو إلا تجارب واقعية ليست فيها أي خيال !!
وما يراه الكاتب لا يثير الإندهاش . قد يدهش القارئ محدود الخيال . أو الذي بلا أي خيال !!
******* 7 ـ ...... إستدار ( كمال ) هلعا ؛ فإرتطم أنفه بصدر رجل فارع الطول أشعت الشعر ،أسود البشرة ؛ وعاريا كما ولدته أمه !!
خر على ركبتيه ، وإحولـَّت عينيه ، وإنكفأ على فخذي العملاق العاري ، وسال لعابه من فمه وملأ المخاط أنفه ؛ وبدا كأنه يموت مختنقا !!..
أما الشبح الأسود العاري فقد بال على جسد ( سعادة السفير ) !!
فغمر البول وجهه وعينيه وأذنيه ؛ فدبت الحياة فيه من جديد ؛ وإستفاق .. وتنبهت حواسه قليلا . وشهق ثم لعق بعض البول دون أن يدري !!
مد الرجل يده وقبض على عنق ( كمال ) ورفعه لأعلى صائحا بصوت كأنه آت من قبر سحيق :
ـ إنها ساقطة !! ..لقد ألحقت بي العار .( لاتنظر لي ببلاهة واسمعني ) . هي إبنتي .. هذه ( البانسيه ) !! التي كانت يوم مولدها أشبه بالزهرة الناضرة .. ولكنها عرفت طريق الحرام ، وإنغمست فيه كما ينغمس التراب الطاهرفي ماء المطر النقي ويصبح طينا ووحل ..
قتلتها بيدي هذه التى تقبض الآن على عنقك ، وأصابتني العلة في سجني وأنا أتلقى عقابي لأنني طهرت البشرية من دنسها .. ولكن رغم قوة جسدي . إلا إنه لم يتحمل الطعنة التي طعنتها لي في شرفي . فلفظت أنفاسي داخل سجني كمدا وحزنا !!
( قلت لك لا تنظر لي بهذا الذهول وهذا الفزع ). نعم لفظت أنا أنفاسي !! .. وُدفنت بجوارها هنا . فهذه مقبرة عائلتنا .. وها هي تلحق بي العار مرة أخرى في قبري.. ( وأشار بيده الخالية للقبر المفتوح )!!
وإستطرد الشبح العاري حديثه :
هي . هذه الملعونة ( بانسيه ) تخرج من قبرها مساء ً لتأتي ليلا بشباب وثياب فتدليها كما ترى على شاهد القبر ؛ ثم تعود لقبرها كما عادت إليه الآن . جثة هامدة . ولكن بلا لحم ولا شحم ؛ أو جسد شهي يشتهى !!
هي الآن بعض من العظام متناثرة في أنحاء القبر . ( وأشار مرة أخرى لللحد المفتوح ) !!
لطم العملاق ( سعادة السفير ) . فتنبه الأخير مخضوضا أزرق الوجه ، تفوح من جسده رائحة الأمونيا ( النشادر) من أثر البول ، ولكنه فاغر الفاه متسع العينين .. وباتت عيناه أشبه ببندول الساعة تروح وتغدو في ذهول بين الرجل العاري وبين القبر العاري !!
لقد بات ( سعادة السفير ) لا يصلح أن يكون إنسانا يدرك .. فقد بال هو ذاته على بنطاله دون أن يدري !!
وإستطرد ذو الصوت الآت من سحيق :
ـ هيا خذ ثيابك وأشياؤك وامضي . ولكن . لا !!
لا تأخذ تلك الأثمال . لأنها ستطاردك أينما كنت ، وتسترد ها منك لتحرقها بعد أن ترقص حولها عارية مع شياطينها . وعندئذ يصدر أمرا شيطاني .. لتصيرأنت مسخ مشوه !!
وحل الرجل العاري أصابعه برفق . ثم إنزلقت على رقبة ( سعادة السفير ) وكأنه يتحسسها !!..
ثم توجه بخطوات بطيئة نحو القبر المفتوح ، وأنزل ساقه اليسرى أولا ، ثم أعقبتهااليمنى ، ثم هوى ببطء شديد ، وكأنه يستقل مصعدا يهبط به للقبر رويدا رويدا !!
ثم تحركت المصطبة الأسمنتية ، واُغلق القبر !!
زحف ( كمال ) على يديه وبطنه ببطء مبتعدٌ مرتعدٌ .. وفجأة هبت بعض الرياح فإهتزاللهب ثم إنطفأ . فتحركت الأشياء من جديد لبرهة . ثم حل الظلام على المكان ..
دبت بعض القوة في جسده كصحوة الروح ؛ فتمالك نفسه قليلا ، وأطلق ساقيه للفرار من هذا القبر الملعون . وما إن تخطى باب ( الحوش ) حتى دوى صوت شق سكون الليل أشبه بطلقة مدفع . أعقبها صريخ كصريخ رضيعان يتمزقان !! ..فإنبطح على وجهه ودُعك أنفه في التراب ..
فقد شاطت قدمه الصفيحة المهملة على باب ( الحوش ) ففزعت القطتان صارختان . وولتا من جديد لأسفل السيارة . وتلونت أعينهما بالحـَمـَار !!
وما أن جلس متهالكا على مقوده . حتى إنطلق بسيارته . شعر بألم شديد في أنفه وجبهته ، وكل قدميه .. مازالت آثار أصابع الشبح كأنها قطع من نار تكوي وتلهب رقبته .. تحسس رقبته .. لم يجد أثرا للسلسلة الذهبية . لم يكترث ، ولم يتوقف إلا بمنزل الأسرة ( بالمعادي ) * حي راق على مسافة بضعة كيلو مترات من سور مجرى العيون بمصر القديمة * ..
فزعت أمه وصرخت عندما رأته على هيئته ، أما ( سعادة السفير ) فلم ينبس بحرف واحد ، وإرتمى تحت قدمي أمه ، وراح في غيبوبة طويلة ..
في اليوم التالي .
إلتف جمع من الأصدقاء حول سرير ( كمال ) ؛ بعدما غادر طبيب الأسرة مخدعه ، وقص ( كمال ) قصته وهو يرتعد من جديد !!
ساد الصمت و الوجوم على الوجوه . إلا ضحكة مجلجلة أطلقها أحد الأصدقاء!!
كان هذا الصديق هو النقيب ( أدهم مهران ) معاون مباحث شرطة ( الأزبكية ) * حي في وسط البلد *.. والمعاون السابق لرئيس مباحث قسم شرطة ( مصر القديمة ) !!........
البقية الحلقة الأخيرة القادمة .
راشد أبو العز .
25 يناير2008 .
تغازلني امرأة والحقيقة المؤسفة ـ 7 !! ( قبل الأخيرة )بقلم : راشد أبو العز
تاريخ النشر : 2008-01-25