أكذوبة القول بأن خطة شارون إنسحاب من طرف واحد بقلم:ابراهيم ابراش-غزة
تاريخ النشر : 2004-10-29
أكذوبة القول بأن خطة شارون خطة انفصال أحادي الجانب

خطة شارون تطرح تحديات وتساؤلات خطيرة وعميقة أبعد من منطوق نصوصها الغامضة، تساؤلات تمس أسس المشروع الوطني الفلسطيني حاضرا ومستقبلا، مما يتطلب من كل فعاليات المجتمع الفلسطيني وخصوصا المثقفين والمفكرين من ذوي الاختصاصات المتعددة وقفة متأنية لبحث انعكاسات هذه الخطة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني.

بداية ليس مرامنا من هذه الورقة النقدية إصدار حكم برفض التعامل معها أو تجاهلها لسبب بسيط أنها الخطة الوحيدة المطروحة والمعترف بها من الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط بالإضافة إلى غالبية القوى السياسية الفلسطينية التي هي اعجز من رفضها لعدم توفرها على بديل مقنع داخليا ومقبول دوليا. إلا انه بالمقابل لا يجوز تجميلها للسبب ذاته، وعليه فسنقارب الخطة من حيث ما قد ينتج عنها من تداعيات سياسية وقانونية واقتصادية ، عسى ولعل أن يتحرك أصحاب القرار وفعاليات المجتمع الفلسطيني لوضع خطة تحسن من خطة شارون عند الشروع في تطبيقها أو تقلل من مخاطرها بعد الشروع في تطبيقها.

بعيدا عن أوهام تضخيم الذات وبعيدا أيضا عن التهوين من شأن النضال الفلسطيني، يمكن القول انه لو كان الاحتلال الإسرائيلي لغزة مريحا ما فكر الاحتلال بالخروج من غزة، ولكن في نفس الوقت يصعب القول أن إسرائيل خرجت من غزة تحت وقٌع ضربات المجاهدين وبالتالي تصوير الأمر وكأنه انتصار للمقاومة وهزيمة لإسرائيل، هذا التشخيص للخطة –انتصار المقاومة على إسرائيل- من الممكن أن يكون مقنعا لو كانت إسرائيل تنسحب من غزة دون شروط، أو كما يردد البعض أن خطة شارون هي خطة انسحاب من طرف واحد، فهل الخطة هي كذلك حقيقة؟.

يبدو أن كل الأطراف الفلسطينية المتعاملة مع الخطة والقابلة بها، تجهل أو تتجاهل عن قصد بأن الخطة لن تكون في نهاية المطاف أحادية الجانب، نعم، شارون يقول ذلك الآن حتى يبدو صادقا مع نفسه بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معه، ومقولة شارون هذه ترمي لخلق فتنة داخلية قد تأول في نظره لانبثاق قيادة جديدة تملأ فراغ غياب القيادة الذي تزعمه إسرائيل، أيضا الهدف من الزعم بأنها خطة من طرف واحد هو تمرير الخطة عند الفلسطينيين حيث قبلها البعض منهم تحت مقولة أن إسرائيل ستخرج من غزة بدون ثمن فلماذا نرفض الخطة؟.

لا غرو بأن خطة شارون بصيغتها الحالية وكما هو معلن رسميا هي خطة أمنية وهدفها الأول أمني ولا شك، ولكن عند التنفيذ سيحولها شارون إلى خطة سياسية إستراتيجية، حيث لن ينسحب إلا بعد جلب أطراف فلسطينية- تجري محاولات حثيثة لخلق قيادات فلسطينية جديدة تقبل بالتعاطي مع مخططات شارون والرؤية الأمريكية في المنطقة- وعربية-مصر والأردن وربما دول أخرى- إلى طاولة مفاوضات تحضرها الولايات المتحدة كجزء من الرباعية وبشكل مستقل كطرف ضامن وضاغط على الفلسطينيين، هذه المفاوضات التي ستركز ظاهريا على الجوانب الأمنية كضمان حدود دولة إسرائيل ومصير المعابر ومصير الجماعات المسلحة وأسلحتها، ولكنها ستؤول إلى مخطط سياسي رُسم قبل وصول شارون للسلطة وتحديدا في الأشهر السابقة لنهاية فترة السنوات الخمس التي حددتها اتفاقية أوسلو –مايو 1999-.

فبعد أن وظفت إسرائيل بشكل خبيث اتفاقية أوسلو لصالحها محليا وإقليميا ودوليا، وبعد أن بان عجز السلطة عن خلق جبهة داخلية وعربية ودولية قادرة على الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة للقبول بدولة فلسطينية بعد مرحلة الخمس سنوات المحددة للحكم الذاتي، وبعد تزايد الحديث عن الفساد في السلطة وما ترتب عليه من هبوط مستوى الثقة ما بين السلطة والشعب والسلطة والمعارضة، ثم شروع حماس بالقيام بالعمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر وهي العمليات التي وظفتها إسرائيل بشكل جيد للنكوص عن تعهداتها للسلطة، آنذاك بدأت مراكز الدراسات الاستراتيجية وحكماء صهيون يفكرون بمخطط جديد يقضي على المشروع الوطني الفلسطيني الذي أصبح محاصرا في مناطق الضفة وغزة، ومؤتمرات هرتسيليا الأربعة الأخيرة هي مجرد إعلان عن هذا المخطط وليس ولادة له. تنفيذ هذا المخطط بدأ بالتدريج مع استمرار إسرائيل ببناء المستوطنات داخل الضفة الغربية، ثم زيارة شارون للمسجد الأقصى وحصار الرئيس أبو عمار واجتياح الضفة الغربية وبناء الجدار العازل وتدمير مؤسسات السلطة وكل رموزها وأخيرا اجتياح وتدمير مناطق التماس في رفح وخانيونس ومن بعدهم شمال القطاع مع ما صاحب هذه الاجتياحات من مجازر.

خطورة خطة شارون في نظرنا لا تكمن في ضيق المساحة التي ستفوت للفلسطينيين- قطاع غزة وربما أربع مستوطنات في شمال الضفة-، بل في كونها محاولة لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني –كيانا سياسيا وهوية وطنية- وعلى هذا الأساس فأن الخطة أكثر خطورة وسوءا من خطة خارطة الطريق حتى بالتحفظات الأربعة عشر التي وضعها شارون عليها ، فخطة خارطة الطريق حتى بالصيغة الإسرائيلية كانت تعترف بوجود طرف فلسطيني مفاوض، وكانت ترتب حقوق والتزامات على كلا الطرفين، والأهم من ذلك أنه كان يلوح بالأفق دولة فلسطينية ، وكلها أمور مفتَقَدة في خطة شارون الحالية، فهذه الأخيرة تقضي على كل المرجعيات القانونية والسياسية التي كانت تعترف للفلسطينيين بحقوق سياسية، فهي تتجاهل منظمة التحرير والسلطة وبالتالي تتجاهل الحقوق السياسية الوطنية التاريخية ،كما تتجاهل قرارات الشرعية الدولية وبالتالي تتجاهل حقوقنا المستمدة من هذه الشرعية كالحق بدولة حسب قرار 181 وحق العودة حسب قرار 194 وحق تقرير المصير حسب قرارات متعددة للجمعية العامة بالإضافة إلى قرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة وغيرها من القرارات التي صدرت خلال سنوات الانتفاضة وتعترف بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، تجاهل هذه الشرعيات والمرجعيات تجعل من الفلسطينيين شعب بلا تاريخ وبلا هوية سياسية ومن الأرض الفلسطينية ارض متنازع عليها في أفضل الحالات.والأخطر من ذلك أن تجاهل الخطة للشرعية الدولية هو تجاهل لحقيقة الصراع وأصل القضية وهو الاحتلال الإسرائيلي.

خطورة الخطة على المشروع الوطني تكمن أيضا في كونها لا تتحدث بوضوح عن انسحاب من غزة بل من مستوطنات غزة مما يعنى أن إسرائيل قد تحافظ على وجود عسكري في غزة أو مزارع شبعة فلسطينية وبالتالي استمرار مصادر للتوتر، كما انهالا تتحدث عن سيادة فلسطينية على غزة بل عن سيطرة أمنية ومصرية، وفرق كبير بين السيطرة الأمنية والسيادة.أيضا الخطة تتحدث عن فك الارتباط مع الفلسطينيين وليس مع فلسطين أو أرض فلسطينية.وهذا يعني أن غزة ستكون تحت حكم ذاتي فلسطيني وسيطرة أمنية فلسطينية مصرية محدودة، فيما السيادة والأمن العام بيد إسرائيل. يضاف إلى ما سبق غياب أي إشارة لموضوع الدولة، فهل ستسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بان تقيم دولة ذات سيادة في غزة تكون منطلقا لاستكمال استعادة ما تبقى من غزة والضفة؟.

تحدث كثيرون عن الثمن الذي قد يضطر الفلسطينيون لدفعه مقابل إشرافهم على غزة، والثمن هو الضفة الغربية والقدس، ولكن يتم تجاهل أن الفلسطينيين لن تكون لهم سيادة على غزة، والحكم الذاتي الذي سيمارسونه على غزة هو كقصور على رمال متحركة، فبالإضافة إلى محدودية سلطتهم – حيث سيشاركهم فيها المصريون- قد تتحول غزة إلى ساحة لمواجهات قد تأخذ أبعادا خطيرة بين الفصائل، فالمناصب المتاحة وخيرات القطاع المحدودة هي دون القدرة الاستيعابية لشباب غزة الذين يتزايدون باستمرار وسيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما وافقت المنظمات المعارضة على التخلي عن عملها العسكري والتحول إلى العمل السياسي، آنذاك ستطالب بنصيبها من المناصب والخيرات التي هي محدودة في غزة.

أيضا هناك ما يبرر التخوف من وجود دور امني وسياسي للمصريين في غزة، فتجربة الغزيين مع الأجهزة الأمنية المصرية قبل 1967 ولاحقا معاناتهم على المعابر وفي المطارات المصرية، تركت انطباعا سلبيا لديهم.إلا أن خطورة أي تواجد مصري في القطاع قبل قيام الدولة قد توظفه إسرائيل للتشكيك بالسيادة الفلسطينية على الأرض، فيتحول الدور المصري إلى دور أمني يخدم الإسرائيليين وسياسي ينتقص من سيادة الفلسطينيين.

هذه المحاذير السياسية تجرنا للحديث عن التداعيات القانونية للخطة، مع أنه يصعب الفصل بين السياسة والقانون بشكل عام وفي الحالة الفلسطينية على وجه التحديد. من الواضح أن الانسحاب الإسرائيلي سيقتصر على غزة -وربما تقوم إسرائيل بحركات استعراضية وإعلامية بالتظاهر بتفكيك بعض البؤر الاستيطانية في شمال الضفة سيقاومها المستوطنون بإيعاز من شارون نفسه مما سيؤدي لتأجيل موضوع مستوطنات الضفة بذريعة عدم تعطيل مسيرة الانسحاب من غزة – وفي هذه الحالة ما هي طبيعة العلاقة التي ستربط الضفة المحتلة بالكامل مع غزة الخاضعة لسلطة إدارية وأمنية فلسطينية ومصرية؟ وهل سيكون هناك نظام سياسي في غزة ونظام آخر في الضفة ؟وما هي التداعيات النفسية والسياسية على أهالي الضفة الغربية؟ .

فكما ذكرنا فإن تجاوز خطة شارون للمرجعيات الوطنية الفلسطينية والدولية، يطرح تساؤلات حول التكييف القانوني لوضعية قطاع غزة ووضعية الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف.مفردات خطة شارون وتصريحاته وتصريحات المسئولين الإسرائيليين تقفز على حقيقة أن جوهر المشكلة هي الاحتلال ،وبالتالي الخطة لا تتحدث عن انسحاب جيوش احتلال عن أراضي محتلة ،وهذا الغياب لجوهر المشكلة هو الذي يطرح إشكالات قانونية حول مصير غزة والضفة بعد الانسحاب،في الوضع الطبيعي يفترض أنه بعد خروج جيوش الاحتلال تعود الأراضي المحتلة لأصحابها الشرعيين ليمارسوا عليها سيادتهم ويقرروا مصيرهم بأنفسهم،هذا الوضع غائب في الحالة الفلسطينية .إسرائيل تريد الخروج من غزة ولكنها ترفض تسليم السيادة للفلسطينيين،وتطالب مصر بأن يكون لها دور في إدارة غزة ،وربما تريد إسرائيل من خلال ذلك إعادة وضع غزة إلى ما كانت عليه قبل 1967. هذا التوجه يتجاهل الإنجازات السياسية التي حققها الشعب الفلسطيني سواء عبر القمم العربية أو قرارات الشرعية الدولية ،كالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ،وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره بنفسه ،وحقه بإقامة دولة مستقلة الخ.

لا شك أن لغزة خصوصية تاريخية حيث بقيت تحمل اسم فلسطين والهوية الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه الضفة تحت السيادة الأردنية وبقية فلسطين تحمل اسم إسرائيل ،كما أن غزة ليست معمرة بالغزيين فقط بل هي كوكتيل بشري ،ففيها مهاجرون فلسطينيون من كل مناطق فلسطين وفيها تعدد في اللهجات واللباس بتعدد القرى والمدن الفلسطينية من الجليل حتى اسدود،وبالتالي غالبية سكانها تربطهم بفلسطين التاريخية روابط قوية ،هذا ناهيك عن غياب أية أطماع أو تطلعات سيادية لأية دولة عليها.وعليه فان غزة مؤهلة لان تحمل وتحمي المشروع الوطني الفلسطيني في المرحلة المقبلة إلى حين،إلا ان المشكلة تكمن في طبيعة العلاقات التي ستحكم غزة بالضفة الغربية ،وفي هذا السياق يجب الحذر من التعاطي مع أي فكرة او مشروع يهدف لتأسيس إدارة مستقلة لغزة أو سلطة على غزة منفصلة عن السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبار هذه الأخيرة –بالرغم من كل عثراتها وعيوبها- حصان الرهان للحفاظ على المشروع السياسي الفلسطيني الذي يتعامل مع الضفة وغزة ،أرضا وسكانا ،وحدة واحدة .

التصرف السليم الواجب الأخذ به لتعطيل المخطط الشاروني لفصل الضفة عن غزة ،والهادف ليكون الانسحاب من غزة آخر الانسحابات ،هو أن تتعامل السلطة الوطنية الفلسطينية مع غزة كأرض محررة أو مُدارة فلسطينيا مع استمرار التعامل مع الضفة كأرض محتلة وتستمر السلطة صاحبة القرار وصاحبة الحق في العمل السياسي لتحرير الضفة من الاحتلال حسب قرارات الشرعية الدولية وحسب خطة خارطة الطريق المعتمدة دوليا. نعلم بأن إسرائيل سترفض هذا المنطق بل ستفرض على الفلسطينيين قبل خروجها من غزة شروطا تجعل التواصل بين الضفة وغزة أمرا مستحيلا والنضال ضد الوجود الإسرائيلي في الضفة انطلاقا من غزة أمرا أكثر صعوبة ،وفي هذه الحالة يجب على السلطة أن تنتزع ضمانات دولية قبل أن توافق على شروط شارون للخروج من غزة ،وعلى راس هذه الضمانات تأكيد وحدة الأرض الفلسطينية ،وتأكيد أن الضفة الغربية والقدس جزء من الدولة الفلسطينية المأمولة،وفي حالة عدم الحصول على هذه الضمانات على السلطة رفض أي مفاوضات أو اتصالات مع حكومة شارون ولتترك شارون ينسحب من طرف واحد كما يزعم ،وهناك شك كبير بأنه سيفعل ذلك.

إبطال التداعيات القانونية السلبية لخطة شارون تتطلب جهدا فلسطينيا وعربيا ودوليا .فلسطينيا يتطلب الأمر تشكيل قيادة وحدة وطنية تحدد استراتيجية العمل في المرحلة القادمة ،ونوع الشراكة السياسية في المرحلة المقبلة ،والتي يجب أن تكون شراكة في النظام السياسي الفلسطيني وفي مشروع وطني موحد وليس شراكة في إدارة قطاع غزة فقط ،فهذه الأخيرة قد تفجر خلافات وصراعات على مكاسب موهومة ،فيما الشراكة في المشروع الوطني ستقوى الصف الفلسطيني وترتب حقوقا والتزامات على الطرفين،وعندما نقول شراكة فما ذلك إلا لإدراكنا لصعوبة إجراء انتخابات شاملة خلال الشهور القليلة القادمة.أيضا يتطلب الأمر وضع حد للصراع داخل الحزب الحاكم وبين أجهزة السلطة ،فإذا خرجت القوات الإسرائيلية من غزة قبل حسم هذه الصراعات ،فسيكون الوضع مأساويا،حيث ستتسابق مراكز القوى والأجهزة للسيطرة على الأرض والمعدات داخل المستوطنات ،بل قد يصل الأمر لأن يتنطع البعض خارج إطار الإجماع الوطني لإعلان كيانية سياسية في غزة.

وعربيا ،نأمل من مصر أن تستمر بالتمسك بالشروط التي وضعتها للعب دور في تحديد مصير غزة ،ونقصد بذلك أن يكون الانسحاب من غزة خطوة لتطبيق خارطة الطريق ،وعدم العودة لغزة مجددا وفتح المطار وبناء ميناء ،ورفض أي تواجد عسكري إسرائيلي داخل غزة وعلى الحدود مع مصر،كما يجب التذكير بالمسؤولية القانونية والأخلاقية لمصر تجاه قطاع غزة ،ذلك أن إسرائيل احتلت القطاع وهو تحت الإدارة العسكرية المصرية وقرار 242 يخاطب مصر والأردن وسوريا ولا يخاطب الفلسطينيين مباشرة ،هذا بالإضافة إلى أهمية القطاع بالنسبة للأمن القومي المصري .إن ما يثير القلق حول الدور المصري هو الضغط الأمريكي على مصر لتلعب دورا أمنيا لصالح إسرائيل ،واستمرار التعامل مع الحدود بين القطاع ومصر كحدود مصرية إسرائيلية، فيما المفروض أن تكون الحدود بعد خروج شارون حدودا فلسطينية مصرية .

وعلى المستوى الدولي يجب التنويه بالموقف الأوروبي الذي يصر على اعتبار خطة شارون جزءا من خطة خارطة الطريق ،إلا أن ذلك لا يمنع من الحذر من تساوق دول أوروبية مع المخطط الشاروني والأمريكي ،مثلا محاولة وضع مخططات لدعم مشاريع تنموية تقتصر على غزة ،وتوجهات أوروبية للصق صفة الإرهاب بالمنظمات الفلسطينية .كل ذلك يؤكد على ضرورة توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي وخصوصا مع المستوى المتميز للمساعدات الأوروبية للسلطة ومؤسسات المجتمع المدني في وقت سيكون فيه الفلسطينيون في أمس الحاجة للخارج لدعم مشاريعهم التنموية الاقتصادية والإنسانية بعد تنفيذ مخطط شارون.

إلا أن ما هو غير مصرح به في خطة شارون أخطر مما هو في منطوق الخطة ،ونقصد الإشكال القانوني حول مصير الضفة الغربية.بداية يجب الإشارة إلى أنه قبل 1967 كان قطاع غزة والضفة كل منهم يعيش وضعية سياسية وقانونية مغايرة للآخر،وبعد الاحتلال الإسرائيلي عملت إسرائيل على خلق حقائق وترتيبات ديمغرافية وقانونية تَحُول دون التواصل بين المنطقتين كرفض فتح المعبر الآمن بين المنطقتين ،كما أنها تعاملت مع الضفة الغربية ليس كأرض محتلة بل كأرض إسرائيلية محررة أو في أفضل الحالات كأرض متنازع عليها ،ومما ساعدها على ذلك قرار الأردن بفك الارتباط مع الضفة عام 1987 – مع أنه فك ارتباط إداري وليس سيادي- واتفاقية الخليل مع السلطة الفلسطينية التي سمحت بنوع من السيادة الإسرائيلية على مناطق في مدينة الخليل ،ومن هنا نلاحظ تكثيف الاستيطان في الضفة بشكل مدروس وممنهج وتسمية الضفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية بيهودا والسامرا وهو الاسم اليهودي للضفة ثم بناء جدار الفصل العنصري الذي يقتطع أكثر من نصف مساحة الضفة بالإضافة إلى تدمير مؤسسات السلطة وتعطيل نشاطها بشكل أكثر مما هو حادث في غزة .

وعليه نعتقد انه ليس وارد عند شارون السماح بعودة نفوذ السلطة الفلسطينية على الضفة بل قد يُقدم على إبعاد الرئيس أبو عمار الذي بالرغم من حصاره فأن وجوده في الضفة بما له من رمزية كان يمثل حضورا وطنيا فلسطينيا يؤكد على تواصل الضفة مع غزة.ومن هنا نخشى أن يستغل شارون انشغال العالم بما يجري في العراق وبالانسحاب من غزة ليقضي على كل مؤسسات السلطة الفلسطينية والقيام بعملية إبعاد جماعي لمئات المقاتلين والنشطين السياسيين من الضفة لغزة،ولملء الفراغ الناتج عن ذلك ولأنه لا يستطيع ضم الضفة في هذا الوقت خشية من ردود الفعل الدولية، فأنه قد يرسل إشارات للأردن لتقوم بدور ما للأشراف على الأماكن المقدسة وحياة الفلسطينيين دون الأرض .

بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة ،فبالرغم من صعوبة التنبؤ بما تحمله الأيام القادمة وصعوبة التنبؤ بالخطوة التالية لحكومة شارون،إلا أنه انطلاقا من متابعة الجدل الدائر في إسرائيل والمأزق السياسي الذي تعيشه حكومة شارون محليا ودوليا فيما يخص النهج الواجب التعامل به مع الفلسطينيين ،يمكننا وضع السيناريوهات التالية :

السيناريو الأول: هو الأكثر تفاؤلا والأقل حضا بالتطبيق،وهو أن يلتزم شارون بالانسحاب الكامل من غزة ومستوطنات في الضفة معلن عنها مسبقا ويقبل بان يكون الانسحاب جزءا من خطة خارطة الطريق ،ويلتزم بالشروط التي وضعتها مصر للمشاركة في الخطة.

السيناريو الثاني:أن تنسحب إسرائيل من غزة فقط وترهن الانسحاب من المستوطنات الأربعة بالضفة بمدى قدرة السلطة على حفظ الأمن في غزة وعبر الحدود والمشاركة مع إسرائيل بوقف العمليات العسكرية ال6فلسطينية في الضفة.

السيناريو الثالث:أن تنسحب إسرائيل من القطاع مع الحفاظ على بؤر استيطانية أو مواقع عسكرية على الشريط الحدودي في الجنوب وفي الشمال كما فعلت في جنوب لبنان،وبالتالي يتحول الجهد الفلسطيني والعربي والدولي نحو إلزام إسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعة الفلسطينية.

السيناريو الرابع :أن تنسحب دون أية تفاهمات مع الفلسطينيين وحتى مع المصريين ،وتترك الساحة في غزة للفصائل الفلسطينية ببرامجها المتناقضة ،مما قد يؤدي لاقتتال داخلي كما تريد إسرائيل.

السيناريو الخامس:هو أن تؤجل انسحابها تحت ذريعة اعتبارات أمنية أو الخوف من تصدع الجبهة الإسرائيلية الداخلية ،وقد تستمر بالمماطلة إلى حين الانتخابات الأمريكية ،وقد تلجأ إلى الدعوة لانتخابات إسرائيلية مبكرة ،وفي جميع الحالات وحسب هذا السيناريو فأن إسرائيل ترى أن الزمن يعمل لصالحها.

وخلاصة لهذه الورقة يمكن القول بأنه مع إسرائيل وشارون تحديدا كل الاحتمالات واردة، وعليه، مطلوب من الفلسطينيين التفكير العميق بكيفية تسيير أمور الناس في الضفة وغزة بعد تنفيذ الخطة وبأي شكل يأخذه التنفيذ والبحث عن مصادر تمويل ومشاريع تنموية في كافة المجالات للحفاظ على مستوى لائق من المعيشة للفلسطينيين حتى تستمر الحياة ويستمر الأمل .وفي هذا السياق يجب التأكيد على أن الوطن ليس مجرد ارض بل هو بالإضافة إليها هوية وشعور بالانتماء ،إن الوطن بما هو كذلك هو أعظم شانا من أن يُرتهن لتنظيمات حزبية ذات برامج سياسية وعسكرية متناقضة ومرتهنة بدورها بمحددات وبموازين قوى وبأيديولوجيات مأزومة أو خارجية ،وهذا يعنى ضرورة الحيلولة دون أن ينعكس تأزم الشأن السياسي –سلطة أو أحزاب أو زعامات- سلبا على المشروع الوطني وحلم الاستقلال .الأرض قد تُحتل والسلطة قد تٌهزم والسياسي قد يحبط أو يتخاذل ،إلا أن الوطن والشعب أكبر من كل هؤلاء .فما دام هناك حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في وطنهم ويتمسكون بأرضهم ،وما دام هناك مجتمع دولي ومنظمات دولية تعترف بحقوق سياسية للشعب الفلسطيني ومستعدة لتقديم دعم سياسي واقتصادي في حدود قرارات الشرعية الدولية ،هذا يتطلب وجود مؤسسات فلسطينية قادرة على توظيف هذا الدعم للدفع بالتنمية الإنسانية في فلسطين إلى الأمام ،وفي هذا السياق يأتي دور الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية وكل أشكال التضامن الجمعي بما فيها التقليدية.