الأدب العربي في العصر الحديث بقلم: حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2007-12-24
الأدب العربي في العصر الحديث بقلم: حسين علي الهنداوي


الباب الرابع

الفصل الأول

الأدب في العصر الحديث

آ- بين يدي العصر :

عاش العرب تحت سيطرة العثمانيين فترة قرون ثلاثة عانوا في نهايتها أقسى أنواع الظلم والاستغلال و الابتزاز وتحوّل الوالي العثماني إلى جابي ضرائب ليحكم مجموعة كبيرة من الفقراء والجهلاء والبائسين، وقد وصف أحد الرحالة الفرنسيين المشرق العربي في هذه الفترة بأنه (جهل مطبق) وبالتالي فقد أثر ذلك على النواحي الأدبية، ثم مع مجيء الحملة الفرنسية بدأ النيام من العرب يستيقظون على حياة جديدة، ومعارف مختلفة من خلال ما جاء به نابليون من مراصد فلكية ومعامل للورق ومجلات وجرائد ومكتبات ومدارس حديثة، وساعد أيضاً على نهضة البلاد العربية تفتح الوعي السياسي والاجتماعي من خلال الاتصال بالثقافات الأجنبية وبسبب إدخال المطابع إلى هذه البلاد وافتتاح المدارس الحديثة كمدرسة الألسن وتعلم اللغات وتعاون العرب مع الأوربيين للتخلص من الظلم التركي فوجد أنفسهم قد أصبحوا فريسة جديدة لاستعمار جديد من خلال اتفاقية (سايكس بيكو) التي قسمت العرب إلى دويلات بلغ تعدادها اثنين وعشرين دولة.

ب- سمات الشعر في هذه العصر:

نظراً لزيادة الوعي الثقافي الجماهيري (الإذاعة – الصحف – الكتب – المجلات...)

وبعد قيام ثورات التحرر السياسي والاجتماعي و القومي اتسم الأدب بسمات جديدة أهمها:

1- الارتباط بالقاعدة الجماهيرية وقول الشاعر من القصر إلى الشعب ، ومن المثالية إلى الممارسة الفعلية.

2- ظهور الخصوبة الثقافية والفكرية بحيث لم يعد يقبل الشعر دون أن صاحبه مثقفاً واعياً لثقافات الأمم.

3- انتماء الأدب والأدباء إلى مدارس فنية ومذاهب أدبية (كالرومانسية ...).

4- تسرب الثقافات الأجنبية والأفكار الحديثة إلى البلاد العربية واصطدام مع الثقافة العربية، بحيث جعل البعض يرى أن العودة والتراث أصبح من الانغماس بالثقافة الأجنبية وإن ظهر تيار يدعو إلى الموازنة بين القديم والحديث.

5- تغير طبيعة الحياة المعاصرة طمس أغراضاً شعرية كالفخر والهجاء وأبرز أغراضاً جديدة كالقومية والاجتماعية .



الفصل الثاني

الأغراض الشعرية في العصر الحديث

آ- الاتجاه القومي:

لم يظهر الاتجاه القومي أو الوطني في الشعر كغرضٍ مستقل إلاّ بمطلع القرن العشرين بعد نشوء الرابطة القومية ومحاملة الدول تبني النظرة القومية ذلك أن هذه الرابطة كانت متداخلة مع الرابطة الدينية من خلال ارتباط مصلحة العرب بمصلحة العثمانيين، وقد عبر عن ذلك شوقي قائلاًُ:

الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدّد خالد العرب

وفي قول مصطفى كامل في إحدى خطبه بباريس:

(حقاً سياسة التقرب من الدولة العلية لأحكم السياسات وأرشدها)

ومع ذلك فقد ارتفعت أصواتٌ لشعراء في العصر العثماني تهاجم هذه الدولة كما صنع اليازجي والزهراوي والرصافي :

حتّام نبقى لعبةً لحكومةً دامت تجرّعنا نقيع الحنظل

تنحو بنا طرق البوار تحيّفاً وتسومنا سوء العذاب الأهول

وما إن أطل القرن العشرون حتى ارتفعت أصوات الشعراء بشكل كبير، وانفجرت الثورة العربية ورفعت راية الحرية ولكن المستعمر الغربي وأد هذا النصر واقتسم البلاد باتفاقية (سايكس بيكو) تحت تسمية الانتداب والوصايا ويقول الشاعر اسكندر الخوري مندداً بالانكليز والفرنسيين:

أتوا باسم الصليب وهم براءٌ من اسمٍ لطّخوه مجرمينا

هي الأطماع يا قومي دعتهم إلى عمل أباه المرسلونا

وقد عزّ على الشعراء أن يكون الوطن العربي فريسة بين مخالب أولئك الذئاب، فحثوا الشعوب على طرد الناجين ، يقول خير الدين الزركلي:

فيم الونى وديار الشام تقتسم أين العهود التي لم ترع والذّمم

ما بال بغداد لم تنبس بها شفة وما لبيروت لم يخفق بها علم

كما وأن الأدباء صوّروا جرائم المستعمرين، يقول حافظ إبراهيم مشيراً إلى جريمة (دانشواي):

قتيل الشمس أورثنا حياة وأيقظ هاجع القوم الرُّقود

كما وأنّ شوقي صوّر ما صنع الفرنسيون في دمشق عام 1945

دم الثوّار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نورٌ وحقُ

بلادٌ مات فتيتها لتحيا وزالوا دون قومهم ليبقوا

ثم صور الأدباء تضحيات الشعوب وفرح جلاء الأجنبي عن البلاد العربية وما حدث بعد ذلك من معارك حاسمة متمثلة في معركة (بور سعيد) والثورة الجزائرية وحرب تشرين التحريرية التي أعادت للعربي كرامته المهدورة ، يقول سليمان العيسى:

تشرين .............. أمطارك الخضر التي كتبت

أعمارنا ............. لم يكن بالأمس لي عمر

دم الشهيد أعاد اللون لون دمي

وارتدَّ ملء جفوني الضوء والبصرُ

ثم تابع الأدباء الدعوة إلى الوحدة العربية وأكدوا على مقوماتها ووقفوا يحاربون الدعوات الاقليمية المنحرفة كما صنع علي الجازم:

تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت من كفّ بغداد إصبع

ولو صدّ عن في سفح لبنان صخرة لدكّ الأهرام هذا التصدُّع

ولو بردى أنّت لخطب مياهه لسالت بوادي النيل للنيل أدمع

وقد برز في الاتجاه القومي أدب تمثل مهمة هي قضية فلسطين واتخذ منحىً خاصاً وسمي : أدب الأرض المحتلّة .

الأدب القومي أدب الأرض المحتلة.

وهو الأدب الذي صور فيه الأدباء العرب احتلال اليهود لفلسطين صوراً فيه الواقع العربي قبل النكبة وبعد النكبة.

أدب ما قبل النكبة :

وهو الأدب الذي تحدث عن اغتصاب فلسطين وإعطاء وعد بلفور، ودعا الأدباء فيه الشعوب العربية لمساعدة الفلسطيني لما يقدمه من تضحيات كبيرة يقول أبو سلمى في رثاء شيخ من شيوخ المقاومة الفلسطينية:

ونحن الذين نثور على الظلم والجهل في كلِّ حين.

ونحن الذين أنرنا الطريق وكنا مشاعل حقٍّ ودين.

ونحن الذين حملنا الرسالة للأولين ولللآخرين.

أدب ما بعد النكبة :

وقد ظهر فيه تيار يدعو إلى اليأس وعدم توقع رجوع اللاجئين :

يا صاح لا تحلم بأنك عائدٌ للربع فالأحلام قد لا تصدق

وتيار يدعو إلى التفاؤل وبالتمسك بالأرض والإيمان بقدرة الإنسان على التحرر كقول محمود درويش :

وطني!

يعلّمني حديد سلاسلي

عنف النسور

ورقّة المتفائل

ما كنت أعرف أنّ تحت جلودنا

ميلاد عاصفةٍ

وعرسُ جداول........

وقد رسم لنا توفيق زياد صورة التشبث بالأرض قائلاً :

هنا على صدوركم باقون كالجدار

وفي حلوقكم

كقطعة الزجاج كالصبار

وفي عيونكم ....زوبعة من نار

إنا هنا باقون.

وقد ندد الأدباء بمذابح اليهود التي قاموا بها في داخل فلسطين ضد الفلسطينيين ، كمذبحة كفر قاسم التي يقول محمود درويش في وصفها :

آه ! يا خمسين لحناً دمويّاً

كيف صارت بركة الدم نجوماً وشجر ؟

الذي مات هو القاتل يا قيثارتي

ومغنّيك انتصر

وقد أكد الأدباء على بطاقة العروبية كهوية قومية حيث حاول اليهود واقتلاع السكان من الأرض .

يقول محمود درويش:

سجِّل أنا عربي

أنا اسمٌ بلا لقب

صبورٌ في بلادٍ كلّ ما فيها

يعيش بفورة الغضب

ب- الاتجاه الاجتماعي:

لمس العرب مظاهر التخلف الحضاري والاجتماعي الذي مُورس عليهم في نهاية الحكم العثماني بالمقارنة مع ما رأوه من تحضر اجتماعي وتفتح إنساني ، وأدركوا أن العلم والمعرفة هما السبيل الأمثل لإزالة هذا التخلف فهذا هو الصافي في تنبيه الشباب العربي إلى ضرورة بالعلم والمعرفة:

ألم تروا الأقوام بالسعي خلّدت مآثر يستقصي الزمان خلودها

وساروا كراماً رافلين إلى العلا بأثواب عزّ ليس يبلى جديدها

ودعا بعضهم إلى الاقتداء بالغرب للوصول إلى ما بلغوه يقول الشاعر عبد الرحمن البنّاء :

فاقتدوا بالغرب كيما تدركوا ما مضى واجنوا من العلم ثمارا

وحارب الأدباء أمراضاً اجتماعية تسربت إلينا من المجتمعات الغربية كالمسكرات والمخدرات ودور اللهو والقمار

يقول الشاعر رضا الشببي:

تظنون هذا العصر عصر هداية وأجدر لو تدعو عصر ضلالات

كما وأن الأدباء عالجوا مشاكل اجتماعية تفاقمت بعد الحرب العالمية والاستغلال فعالجوا التشرد والتسول والجوع يقول علي الجارم مستنجدا بالأغنياء لمساعدة الفقراء:

أيها الأغنياء أين نداكم بلغ السيل عاليات القلال

هم عيال الرحمن،ماذا رأيتم أو صنعتم لهؤلاء العيال

وهذا هو حافظ إبراهيم يدعو المصلحين للمساهمة في القضاء على الفقر :

أيها المصلحون حناق بنا العيش و لم تحسنوا عليه القياما

و أغيثوا من الغلاء نفوساً قد تمنت مع الغلاء الحماما

وطفت على السطح مشكلة المرأة من حيث التعلم والوظيفة ودعا الأدباء للاهتمام بها. يقول حافظ إبراهيم :

من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علًه ذلك الإخفاق

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

وأخذت جماهير الأمة ترفض الحنوع ، فصور الأدباء خروج هذه الجماهير للثورة ضد الملوك يقول عبد الوهاب البياتي:

صيحات الفقراء ...... فقراء بلادي

في باب القصر ...... في الفجر الأحمر

كالصخرة.....كالقطرة.....في بحر الثورة.......

وقوله : يا بذرة في ظلمة الجليد والرماد

تدوسها الأرجل في بلادنا.

جـ- الاتجاه الوصفي :

اهتم الأدباء بالوصف منذ القديم وتابع الشعراء في العصر الحديث هذا الباب، فوصفوا الطبيعة والريف والبحار والأنهار ووصفوا تأملاتهم في الكون والحياة والإنسان والموت والشقاء والسعادة. يقول الرحمن شكري أحد أعضاء مدرسة الديوان واصفاً الأمل في الحياة:

والشقيُّ المحروم من لا يرى في العيش فرضاً ينأى به عن شقاء

ذاك من مات قلبه وهو حيٌّ وغدت نفسه كقفرٍ خلاء

وقد عبر إيليا أبو ماض زعيم المهاجرين في قصيدته الطلاسم

عن تأملاته في الكون وأسرار الموت والحياة:

أتراني كنت يوماً نغماً في وتر؟

أم تراني كنت قبلاً موجةً في نهر؟

أم تراني كنت في إحدى النجوم الزّهر؟

أم أريجاً ، أم حفيفاً ، أم نسيماً؟

لست أدري

كما وصف الشعراء المخترعات الحديثة ، ووصفوا المدن بعد هجرتهم من القرى . يقول أحمد عبد المعطي حجازي:

الناس حولي ساهمون.....

لا يعرفون بعضهم .....هذا الكئيب

لعله مثله غريب

أليس يعرف الكلام؟

ويقول صلاح عبد الصبور واصفاً زحمة المدينة:

في زحمة المدينة المنهمرة

أموت لا يعرفني أحد

أموت لا يبكي أحد

د- الاتجاه الغزلي :

استمر تطرق الشعراء للغزل والحديث عن المرأة والحب، وكتب معظم الشعراء في هذا الاتجاه، وكان أكثرهم إجادةً الشاعر نزار قباني ، فقد تحدث عن الغزل بمعظم أشكاله وأبرز تأثير المرأة بجوانبها المعنوية والمادية ومن ذلك قصيدة نهر الأحزان:

1- عيناك كنهري أحزان

2- نهري موسيفا، حملاني 3- لوراء وراء الأزمان

4- نهري موسيفا قد ضاعا 5- سيّدتي ...ثمَّ أضاعاني

6- الدمع الأسود فوقهما 7- يتساقط أنغام بيان

8- وأنا في المقعد محترقٌ 9- نيراني تأكل نيراني

وقد تداخلت المرأة والأرض والوطن عند شعراء الأرض المحتلة فأبرزوا تمردهم ، وتعانقوا مع الأرض وعجنوا ترابها بالدماء ..... ومن ذلك مناجاة الحب لمحمود درويش واختلاط هذا الحب بالمرأة والأرض :

عيونك ، شوكة في القلب

توجعني.....وأعبدها!

وأغمدها وراء الليل والأوجاع ..... أغمدها!

فيشعل جرحها ضوء المصابيح

ويجعل حاضري غدها

أعزّ علي من روحي

وأنى ، بعد حين ..... في لقاء العين بالعين

بأنا مرّة كنا، وراء الباب.....اثنين!!.....












الفصل الثالث

المذاهب الأدبية

آ- تعريف المذاهب: المذهب جملة من الاتجاهات التعبيرية المبنية على أسس ومبادئ أخلاقية وفلسفية وجمالية متلاحقة ، ولّدتها حوادث التاريخ ووجهتها حالات نفسية وشعورية ، وهذا المذهب هو جهود جيلٍ من الأدباء والمبدعين والنقاد.

ب‌- المذاهب التي انتشرت في الوطن العربي:

1- المذهب الاتباعي:

نشأت الاتباعية كتيار أدبي عربي في مرحلة استيقاظ الشعور القومي وأفول الاستعمار ومن خلال الثورة على اللغة التركية التي أصبحت لغة رسمية بديلة عن العربية وقد حاكت الاتباعية العربية نظيرتها الغربية القدماء واعتمدت على الثقة بالعقل البشري والتزمت القواعد ومبادئ منتظمة، وقد كان البارودي زعيم هذه المدرسة اعتمد في معظم شعره على محاكاة القدماء من ذلك قوله :

فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصةٌ وفي الدهر طرقٌ جمّةٌ ومنافعُ

أصبراً على مسِّ الهوان وأنتم عديد الحصى: إني إلى الله راجعُ

وقد اعتمد الاتباعيون كحافظ إبراهيم وأحمد شوقي واسماعيل صبري ومحمد عبد المطلب وخليل مطران في بناء قصائدهم على الجزالة في الألفاظ والمتانة في التركيب والإشراق في الديباجة والعودة إلى المعاني القديمة والأساليب السابقة.

2- المذهب الإبداعي :

وهو مذهب جاء كرد فعل على الاتباعية في الإحساس والتفكير والتعبير وقد رفع الإبداعيون عيون شعار تمجيد الفرد والألم والطبيعة واعتبروا أن الأدب هو خلق جديد للحياة وإبداع لها ، أداة الأدب القلب والإحساس والخيال، وقد انتقل هذا الأدب إلى أدبنا عن طريق الترجمات والبعثات الفكرية، وساهم عبد الرحمن شكري المازني والعقاد في إبراز الثقافة الألمانية والفرنسية والانكليزية ، وقد أدرك أصحاب مدرسة (أبولو) جوهر الإبداعية وعلى رأسهم أحمد زكي وأبو شادي .

وأسهم أيضاً في إظهار هذه الإبداعية أصحاب الرابطة القلمية جبران خليل جبران ، وقد مجدّت الرابطة القلمية ظاهرة العودة إلى الطبيعة وامتلأت بالكآبة والألم والنفور من حياة المدينة والثورة على العادات والتقاليد وقدست شرعية الحب.

وثارت على الشكل واهتمت بالمضمون ، وحطمت القوالب اللغوية الصلبة ، وبرز من شعراء المرحلة الشابي إياس أبو شبكة وأنور العطار ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي ولبذا الحيدري.

يقول إيليا أبو ماضي موضحاً سمات هذا المذهب:

السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين

والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين

والبحر ساجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين

لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد

سلمى بماذا تفكرين ؟

سلمى بماذا تحلمين؟

3- المذهب الرمزي:

وقد نشأ هذا المذهب معتمداً على فلسفة مثالية تعتقد أن العلم لا يرى إلاّ الظواهر الخارجية والمحسوسة من الأشياء بينما الفلسفة تدرك حقيقتها ، وإن حقيقة الإنسان تكمن في منطقة اللاشعور التي ترى أنها المحرك الأساسي للسلوك والأفعال ، ومن هنا كان همُّ الأدباء والغوص في أعماق الطبيعة البشرية والاندفاع وراء الجمال الغيبي ، وقد اعتبر أصحاب هذا المذهب أن الشعر ايحاء وليس تعبيراً ، وأن الإبهام هو مفتاح الأعماق والأحلام ، وأن هذه اللغة لابّد أن تمنح حيوية جديدة باعطاء كلماتها معان جديدة كالانطلاق من الدمع الطاهر إلى الدمع الأسود وقد استعمل أدباؤنا هذا الرمز على نطاق واسع ومن هؤلاء خليل حاوي- أدونيس- صلاح عبد الصبور- محمود درويش- بدر شاكر السياب- أحمد عبد المعطي حجازي.

يقول خليل حاوي في قصيدة الناي والريح وهما رمز الاستقرار والعنف:

بيني وبين الباب أقلامٌ ومحبرةٌ

صدى متأفف

(كوم) من الورق العتيق

هم العبور

وخطوة أو خطوتان

إلى يقين الباب

ثم إلى الطريق

4-المدرسة الواقعية:

وقد نشأت هذه المدرسة على أعقاب انتشار الآلة واستبداد أصحاب الصانع بالعمال ورأت أن مهمة هذا الأدب هي خلق الواقع بصورة ممكنة التحقق بحيث يكون الأديب مؤثراً في عصره ، لا مراقب ثورياً في تفكيره وقد اهتمت هذه المدرسة بالجماهير الفاعلة . وبنت رؤيتها على الاشتراكية ويعد مكسيم غوركي مؤسس هذه المدرسة وقد تأثر بها أدباؤنا كالبياتي والعياب وسميع القاسم ومحمود درويش وسليمان العيسى . يقول وصفي القرنفلي في وصف ثورة الجماهير:

فقراؤنا قد حطموا حكم القناعة واستفاقوا

الجوع ليس من السماء فمن إذاً؟

وهنا أفاقوا......ومضوا فمن متسوّلين

على الرصيف ، لثائرين

الجوع.....صنع الناهبين الشعب، صنع الأثرياء.......















الفصل الرابع

أبرز أعلام الشعر في العصر الحديث:

1- حافظ إبراهيم

1- نشأته وحياته:

ولد الشاعر النيل في محافظة أسيوط وتوفي

كان والده مهندساً تركه في الرابعة من عمره فقيراً ، انتقلت به أمه إلى القاهرة وكفله خاله الذي أدخله إلى المدرسة ثم انتقل به إلى محافظة طنطة . عاش شاباً يائساً إلاّ أن الفرص أسعفته لدخول الكلية الحربية حيث عمل في السودان، اتهم بثورة السودان فأقيل من منصبه فعاد إلى القاهرة ليعيّن أميناً لمكتبة دار الكتب المصرية .

2- شخصيته:

اتصفت شخصية حافظ بصفتين:

الأولى : اليأس والحرمان والفاقة.

والثانية : خفة الروح والقدرة على إظهار الضحك

وقد جعله الحرمان يتعاطف مع المصائب العالمية كزلزال مسين، وحريق (ميت غمر) في القاهرة.

3- شعره :

كتب حافظ إبراهيم في أغراض الشعر مقلداً المعاني السابقة والأغراض السالفة ودعا إلى التجديد:

آن يا شعر أن تفكّ قيوداً قيدتنا بها دعاة المحال

فارفعوا هذه الكمائم عنا ودعونا نشمُّ ريح الشمال

وقد دارت أغراضه الشعرية في فلك المراثي والأهاجي والأخوانيات والاجتماعية والسياسيات والشكوى:

إذا تصفحت ديواني لتقرأني وجدت شعر المراثي نصف ديواني

ويقول في رثاء مسّين الذي دهاها الزلزال سنة1908 م :

نبئآني ، إن كنتما تعلمان مادهى الكون أيّها الفرقدان ؟

غليان في الأرض نفّس عنه ثوران في البحر والبركان

ما لمسّين؟ عوجلت في صباها ودعاها من الردى داعيان

خسفت،ثم أغرقت،ثم بادت قضى الأمر كلُّه في ثوان

وقد وصف الشاعر مجزرة (دنشواي)التي ارتكبها الانكيز بحق فلاحي القرية:

بنات الشعر بالنفحات جودي فهذا يوم شاعرك المجيد

قتيل الشمس أورثنا حياةً وأيقظ هاجع القوم الرقود

وقد كان حافظ يدعو إلى الثورة ويعلق ذلك على عزائم الشباب من ذلك قوله:

فتعلموا فالعلم مفتاح العلا لم يبق باباً للسعادة مغلقا

وتحينوا فرص الحياة كثيرةً وتعجلوا بالعزائم والرُّقى

ودعا إلى إصلاح المجتمع من خلال تعليم البنات:

الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

الأمُّ أستاذ الأساتذة الأُلى شغلت مآثرهم مدى الآفاق

وقد دعا حافظ أيضاً على لسان اللغة العربية الفصيحة بعد أن حاول الانكيز نشر العامية المصرية:

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت عن آىٍ به وعظات

أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.


2- المعروف الرصافي:

1- نشأته وحياته:

ولد الرصافي في بغداد (1292هـ- 1875م) وتوفي عام (1365هـ - 1945م) ودرس في الكتاتيب ثم المدارس ولم يتم تعليمه فاخذ علومه عن كبار الأدباء كمحمد شكري، ثم درّس في الأستانة ثم بالقدس ثم في بغداد واشترك في ثورة رشيد الكيلاني وكان من خطبائها عاش منزوياً بعد إخفاقها .

2- امتلك الرصافي حساً اجتماعياً حراً، يؤمن بحرية الشعب ويصرح بآرائه دفاعاً عن وطنه وشعبه.

3- شعره:

كتب في الشؤون الاجتماعية والسياسية والجماعية والكونية من ذلك وصفه للأرملة المرضع:

لقيتها ليتني ساكنت ألقاها تمشي، وقد أثقلَ الإملاقُ ممشاها

أثوابها رثّةٌ والرّجل حافيةٌ والدمعُ تذرفهُ في الخدّ عيناها

ودعا أيضاً للحرية قائلاً:

ألا إنّما حرّية العيش غادةٌ منى كلِّ نفس وصلّها ووفودُها

لقد واصلت قوماً وضلّت وراءها

أناساً تمنّى الموتَ لولا وعودُها



3- أبو القاسم الشابي:

1- نشأته وحياته:

ولد أبو القاسم الشابي في مطلع القرن العشرين ونهل الثقافة من موطنه تونس، ثقف نفسه مطلعاً على الآداب والتراث العربي المنقولة وقد عاجلته المنية عام (1934م) ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين:

2- عاش الشابي حياة الألم والمرارة بسبب إصابته بمرض القلب، ولكن ذلك لم يكن حائلاً دون انطلاقه في الحياة .

3- شعره:

غنت قيثارة الشابي الشعرية لواعج نفسه، وصوّرت الدنيا الجاحدة وأشباح الموت تتراقص حوله:

أرأيت شحرور الفلا مترنماّ بين الغصون

جمد النشيد بصدره لما رأى طيف المنون

ولكنه مع ذلك قرع آذان المستعمرين الذين اغتصبوا الشعوب وهددهم بثورات الشعوب قائلاً:

ألا أيها الظالمُ المستبدُّ حبيب الفناء، عدوّ الحياة

رويدك لا يخدعنك الربيع وصحوا الفضاء وضوء الصباح

إذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر

ولابدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر

وهو يشعر كشعبه المبتلى بالاستعمار كما ابتلي بالمرض أنه شيعيش رغم أعدائه:

سأعيش رغم الداء والأعداء كالنّسر فوق القمة الشماء

أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً بالسحب والأمطار والأنواء

وقد تمثلت الطبيعة برومانسيتها في شعر الشابي فأكثر من ذكر الوجود والحياة والطيور والأشجار والفجر والوديان ومن ذلك قوله:

اسكني يا جراح واسكني يا شجون

مات عهد النواح وزمان الجنون

وأطل الصباح من وراء القرون



4- التجاني يوسف بشير:

1- نشأته وحياته:

ولد أحمد يوسف بشير التجاني من أسرة عربية في الخرطوم عام (1880م) وتوفي عام (1937م) وتلقى علومه في معهد أم درمان الديني ثم ثقّف نفسه بنفسه وأصيب بذات الرئة (الصدر) فتوفي.

2- شخصيته:

عاش التجاني الإخفاق والمعاناة بعد فشله في التعليم وأصبح فريسة للمرض فاستكان لما أصابه ، وانسحب من الحياة العامة إلى الحياة الصوفية، وقد مثّل الرومانسية في شعره .

3- شعره:

كتب شعره في أبواب الغزل ووصف الطبيعة في الخرطوم وأنشد الشعر الصوفي في صراعه بين الشك واليقين .

يقول متغنياً بالجمال:

فيا وادعاً حالماً كالملا بك تهبط من حجرات الأبد

يرفُّ عليه شبابُ الفتون وتبرق في وجنتيه الفصد

ويقول واصفاً مدينة الخرطوم :

مدينة كالزهرة المونقة تنفحُ بالطيب على قطرها

ضفافها السحرية المورقة يخفق قلبُ النيل في صدرها

وشمسها الخمرية المشرقة تفرغُ كأس الضوء في بدرها

ويقول أيضاً مازجاً الطبيعة بالحب:

غنّنا يا جميل السند بيل وبارك بسحر عينيك فيه

إنّ حسنك العميق لأنها راً عذاباً تغض من آذيه

إنّ في وجهك الوضيء وعيـ ـنيك ينابيعَ من دلالٍ وتيه
























5- ايليا أبو ماضي

1-نشأته وحياته:

ولد أبو ماضي في قرية المحيدثة عام (1889م) رحل إلى مصر بعد إتمامه للتعليم الإبتدائي، وأقام بها تاجراً في إحدى عشر سنة حيث تفتحت شاعريته ثم هاجر إلى أمريكيا وأقام في نيويورك، والتقى بجبران ونعيمة ونسيب عريضة ورشيد أيوب وانضم إلى الرابطة القلمية ، أسس صحيفة عربية (السمير) وأصدر مجموعة دواوين هي (تذكار الماضي – الجداول – الخمائل – تبرو تراب)

وتوفي مهاجراً (1947م).

2- شخصيته:

طغت صفة التفاؤل على نظرة أبي ماضي إلى الحياة رغم ما عاناه من غربة وتنقل، فكانت إرادته بالحياة قوية .

3- شعره:

امتلأ شعر أبي ماضي بالزفرات الرومانسية، ومثّل ذلك قصيدة الطلاسم:

جئت لا أعلم من أيـ ـن و لكني أتيت

ولقد أبصرت قدا مي طريقاً فمشيت

وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصر ت طريقي ؟

لست أدري

وهو يعيب على المتذمرين والشاكين من الحياة:

أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ كن جميلاً تر الوجود جميلا

وكانت فلسفته في الحياة الابتسامة في وجه الصحاب:

قال: السماء كئيبة وتجهّما قلت: ابتسم يكفي التجهّم في السّما

قال : الصّبا ولى، فقلت له ابتسم

لن يرجع الأسف الصّبا المتصرّما

قلت: ابتسم ما دام بينك والردى

شبرٌ فإنك بعد لن تتبسّما



6- الشاعر القروي:

1-نشأته وحياته:

ولد القروي في قرية البربارة سنة (1778م) ورث قرض الشعر عن والده، وتنتقل بين صيدا وبيروت حتى غدا معلماً للغة العربية، رحل إلى البرازيل في السادسة عشرة من عمره، عانى هناك شظف العيش وقسوة فراق الوطن والشوق إلى الأهل والأرض.

2- شخصيته:

امتلك القروي حساً مرهفاً صادقاً ربطه بوطنه بشكل كبير وقد بدا ذلك من أناته في البرازيل:

نصحتك يا نفس لا تطمعي وقلت حذار فلم تسمعي

فإن كنت تستهلين الوداع كنا تدّعين إذاً ودّعي

كفاك اضطراباً بالصدر المحيط قفي حيث أنت ولا تجزعي

3- شعره:

التحم في شعر القروي الوطن بالذات وأصبح البعد عن الوطن واليأس في العودة همّاً :

نأت عنك الأحبّة والديار فدمعك والأسى وطن وجارُ

وقد تمثل حبّ الشاعر لوطنه بوصفه للفتاة الانكليزية (مود) والتي أعرض عنها لأن صيحات الجهاد في موطنه شغلته عن ذلك:

ولو لم تكوني فرنجيّة لكنت سعادي قبل سعاد

لعمرك يامود لولا ذووك لما ميّز الحبّ بين العباد

فإني حرامٌ عليّ هواك وفي وطني صيحة للجهاد.

ومن ذلك وصفه لوعد (بلفور) قائلاً :

الحقُّ منك ومن وعودك أكبر فاحسب حساب الحقَّ يا متجبِّرُ

تعد الوعود وتقضي انجازها مهح العباد خسئت يا مستعمر

لو كنت من أهل المكارم لم تكن من جيب غيرك محسناً يا بلفرُ















7- علاّل الفاسيّ

أ‌- نشأته وحياته:

ولد الشاعر الصحافي العالم علاّل الفاسيّ في المغرب، وتخرج من جامعة القرويين سنة (1930م) وأسس أول حزب سياسي في المغرب ، ثم نفاه الفرنسيون إلى الغابون ثم عاد إلى الكونغو ، ثم عاد سنة (1946م) إلى المغرب و استأنف نشاطه السياسي.

ب- شخصيته:

امتلك علاّل الفاسيّ نفسية شابة وحساً وطنياً صادقاً كان متفائلاً بالمستقبل ومتطلعاً نحو الأفضل.

جـ- شعره:

كتب الفاسيّ في معظم أبواب الشعر ولكنه أبدع في الشعر الوطني من ذلك وصفه لهحة الشباب :

كلُّ صعب على الشباب يهون هكذا همّة الرجال تكون

قدم في الثرى وفوق الثريا همة قدرها هناك مكين

وهو يرى الخلاص في عزم الشباب فيردف قائلاً:

يا شباب البلاد احييتونا قلنا فيكم رجاء متين

قد بعثتم رجاءنا فأديموا سيركم واعملوا ولا تستكينوا




8- عبد الله البردّوني

1- نشأته وحياته:

نشأ البردّوني في اليمن في مجتمع قبليّ ، أصيب منذ صغره بالعمى، ففجع وأبويه وانتقل ليتثقف في المدينة على الفقه الزيدي.

2- شخصيته:

عاش البردّوني شعوراً بانعدام الأهمية لعماه، وبسبب الصراع القبليّ المحتدم في اليمن ، وقد عايش الحزن والمرارة والشجن، وشعر بالعدمية والعجز، ثم تحول إلى مصارعة الحياة وإثبات وجوده على الساحة الأدبية.

3- شعره:

كتب البردّوني في الهجاء والشعر السياسي والثوري وبشّر بالثورة اليمنية قبل وقوعها وفي ذلك يقول:

إنّ خلف الليل فجراً نائماً وغداً يصحو فيجتاح الظلاما

ويؤكد من جديد على تفوق إرادة الشعوب:

الشعب أقوى من مدافع ظالمٍ وأشدُّ من بأس الحديد وأجلد

وهو القائل بثورة الشباب المؤذنة بايتلاج الفجر:

هتافٌ هتافٌ وماج الصدى وأرغى هنا،وهنا أزبدا

وزحفٌ مريد يقود السنا ويهدي العمالقة المرّدا

مضى منشدا وضلوع الطريق صنوجٌ توقع ما أنشدا




9- بدوي الجبل

أحمد سليمان الأحمد

آ- نشأته وحياته:

ولد الشاعر بدوي الجبل عام(1905م) في قرية ديفة من أعمال منطقة الحفة في محافظة اللاذقية ، والده علاّمة في الأدب والفقه . أقبل منذ حداثته على كتب اللغة والأدب ونهل من مدينة حماة ثم انتقل إلى دمشق واتصل بفيصل آل سعود ، توارى بعد فاجعة ميسلون بسبب ملاحقة الفرنسيين له، ثم ألقي القبض عليه وأودع السجن حيث لقي صنوف التعذيب، وأطلق سراحه لعدم بلوغه سن الرشد ، ثم نقي إلى العراق واتصل بالزهاوي الذي اشترك في ثورة رشيد الكيلاني وعاد إلى سوريا بعد إخفاقه الثورة ليعتقل من جديد كرّم الشاعر بعد الاستقلال ، وعيّن نائباً في مجلس الشعب ثم وزيراً للتعليم العالي، واستقر أخيراً في دمشق وتوفي فيها سنة(1981م)

لقّب ببدوي الجبل لأنه كان يوقع تحت قصائده باسم مستعار في صحيفة (الألف باء).

ب- شخصيته:

نشأ بدوي الجبل في بيئة وطنية صادقة، أسهمت مع الثقافة في نحو الحس الوطني يضاف إلى ذلك علو الهمة عند الشاعر بسبب كفاحه الطويل وتمسكه بالحرية مع ما يمتلكه الشاعر من صفات الإباء والمروءة والعزيمة التي لا تلين.

جـ- شعره:

كتب بدوي الجبل في الغزل والشعر الوطني والشكوى والطفولة والعشق الصوفي . من ذلك قوله متغزلاً:

وزار طيفك أجفاني فعطّرها يا للطيوف الغريرات المعاطير

كأن همسك في ريّاه وشوشة دار النسيم بها بين الأزاهير

يا طفلة الروح حبات القلوب فدى

ذنب لحسنك عند الله مغفور

ومن ذلك قوله في العشق الصوفي :

تصوف القلب تدليلاً لساكنه فما شكا عنت البلوى وعتبا

بيني وبينك أنساب موثقة هذا اللهيب بقلبي خيرها سببا

لم يشهد الله قلب لا لهيب به ويشرق الله في القلب الذي التهبا

ومن شعره الوطني في الشهادة قوله:

يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا رقّ الحديد وما رقوا لبلوانا

أذكى من الطيب ريحاناً وغالية

ما سال من دم قتلانا وجرحانا

يعطي الشهيد فلا والله ما شهدت

عيني كإحسانه في القوم إحسانا

ومن ذلك قصيدته التي أهداها إلى حفيده في يوم ميلاده:

وسيم من الأطفال لولاه لم أخف

على الشيب أن أنأى وأن أتغربا

يزف لنا الأعياد ، عيداً إذا خطا

وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا

ثم يعظم الطفولة قائلاً:

ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها

أفضى بركات السِّلم شرقاً ومغربا

وقد كتب الشاعر قصائده تعبر عن ذكرياته في اللاذقية والشام:

وأعشق برق الشام إن كان ممطراً

حنوناً بسقياه وإن كان خلَّبا

سقى الله عند اللاذقية شاطئاً

مراحاً لأحلامي ومغنى وملعبا.














10- أحمد شوقي

آ- نشأته وحياته:

ولد شوقي في القاهرة سنة(1868م) ونشأ في بيت الملك ودرس الحقوق، وأوفده الخديوي لدراسة الآداب والحقوق في فرنسا وعاد إلى مصر سنة(1891م) وقرّب من بلاط حلمي عباس فأصاب الشاعر ثروة وجاهاً واسعين.

ثم أوفد إلى مؤتمر المستشرقين عام(1894م) ثم نفي بعد خلع الخديوي عباس ، فاختار الأندلس ، عاد إلى مصر (1919م) وبويع بإمارة الشعر(1927م) وتوفي(1932م) جمع شوقي بين جنسيات مختلفة فوالده كردي وأمه تركية وجدته لأبيه جركسية، وجدته لأمه يونانية ، فكان منزعه إسلامياً أكثر من كونه عربي .

ب- شاعريته:

اجتاز شعر شوقي مرحلتين : الأولى شاعر القصر حيث بقيت عاطفته رهينة القصر.

والثانية شاعر الشعب وقد عايشها بعد عودته من منفاه وفيه سبك معظم قصائده.

نهل من مختلف الثقافات الشرقية والغربية والعربية والأجنبية ، تأثر بالبحتري والمتنبي وابن زيدون والمعري وبالرومانسية وقد كتب ديواناً في أربعة سميّ (بالشوقيات). وقد كتب مسرحيات شعرية ونثرية( مصرع كليوباترا – مجنون ليلى-

قمبيز- الست هدى – علي بيك الكبير- عنترة)

والمسرحية النثرية اليتيمة(أميرة الأندلس)

وألف قصيدة طويلة عنوانها (دول العرب وعظماء الاسلام)

جـ- أهم أغراضه الشعرية:

عالج شوقي معظم أغراض الشعر وعلى رأسها:

1ً- الوصف:

وهو أكثر أغراض الشاعر كتابة لما يمتلكه شوقي من خصوبة الخيال ساعده كثرة التجوال و السفر و الخروج إلى الطبيعة و لا تكاد تخلو قصيدة منه .

فقد وصف مظاهر الحياة الاجتماعية ، و الاختراعات الحديثة و الحروب و الطبيعة و الآثار.

تأثر وصفه بالبحتري في وصف آثار الأندلس ،من ذلك قوله في وصف غوطة دمشق:

جرى وصفّق يلقانا بها بردى كما تلقّاك دون الخلد رضوان

والحور في دمر أو حول هامتها حور كواشف عن ساقها وولدان

ومن ذلك وصفه لنخيل مصر:

مآذن قامت هنا وهناك ظواهرها درج من شذب

ومن ذلك أيضاً وصفه لمعركة سفاريا التي تغلب فيها مصطفى كامل على اليونانيين:

الله أكبركم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدّد خالد العرب

يوم كبدر مخيل الحقِّ راقصةٌ على الصعيد ،وخيل الله في السحب

ومن ذلك وصف الطيارة:

مركب لو سلف الدهر به كان إحدى معجزات القدماء

نصفه طير ونصفه بشر يالها إحدى أعاجيب القضاء

ب- الشعر المسرحي:

كتب شوقي الشعر المسرحي متأثراً بما شاهده من مسرحيات أثناء دراسته في فرنسا،ويعدّ الرائد الأول في إدخال الفن المسرحي إلينا بعد أن كانت المسرحيات قبله بدائية وبسيطة، وقد كتب خمس مسرحيات شعرية هي:(مصرع كليوباترا- قمبيز – علي بيك الكبير- مجنون ليلى – عنترة العبسي). ومسرحية نثرية استوحاها من حياة مصر الشعبية المعاصرة:( أميرة الأندلس)

ومسرح شوقي مسرح اتباعي (كلاسيكي) مستمد من الكلاسيكية الفرنسية في القرن السابع عشر، إذ أن تمثيلاته تمثل الحياة الأرستقراطية والبطولة بلغة فخمة وحوادث تاريخية قديمة، تهتم بعاطفة الحب، وقلّد شوقي المسرح الرومانسي، وخرج على الوجدان الثلاثة :( الزمن- المكان- الموضوع).

وأخذ عليه مخالفته لبعض الحقائق التاريخية كجعله لكليوبابترا ملكة عظيمة مستهرة، وأخذ عليه أيضاً مخالفته لبعض العادات العربية، كما صنع في مسرحية المجنون حيث قامت ليلى بتقديم وتعريف أترابها على قيس ، وقد أضاف شوقي مقاطع غنائية إلى مسرحياته إرضاءً للجمهور المصري الذي يحب الغناء والرقص. وشخصيات شوقي المسرحية بسيطة قليلة التعقيد تتحدث بعفوية لكن أسلوبه من حيث الصياغة جمّل بالإطناب.

د- الخصائص الفنية لشعر شوقي:

يعد شوقي أحد أركان مدرسة البعث والإحياء وقد ترسم خطا أستاذه البارودي فاعتمد على القوة والجزالة والفحولة، وحافظ على عمود الشعر ، وتألق في الصياغة والتراكيب وتحرر من الصنعة البديعية وتأثر بأشعار الفرنسيين وخاصة (البحيرة) لـ (لامارتين) وأراد أن يجدد لكنه تراجع بسبب الحملة النقدية التي أفقدته هذا النهوض.

عناصر البناء الشعري عند شوقي

1- المعاني: نظم شوقي معظم قصائده في غرض واحد وإن خرج ببعض القصائد من الغرض الأصلي إلى الحكمة أو السياسة أو المجتمع ، وقد تميزت معانيه بما يلي:

1ً- (الخصوبه)

وللحرية الحمراء باب بكلِّ يدٍّ مضرجة يدق

2ً- (الابتكار):

دقات قلب المرء قائله له: إنّ الحياة دقائق وثوان

3ً- (التوليد لبعض المعاني من معانٍ قديمة):

رباع الخلد ويحك ما دهاها أحقاً أنها درست أحقُّ

4ً- (تأثر هذه المعاني بالمجتمع المشرقي والغربي):

ترسم الشاعر في معانيه خطا البحتري وأبي فراس وأبي الطيب وأبي نواس من ذلك:

شغف البحتري إيوان كسرى وشفتني القصور من عبد شمس

وتمحور المعاني حول وصف الحضارة الحديثة (القطار- الطائرة –الغواصة – سفينة البخار).

2- الخيال :

اتصف خيال شوقي بأنه:

1- كان عارماً كما في قصيدته (يا حارة الوادي)

2- مزدحماً بالصور كما في قصيدته(نكبة دمشق)

3- سرعة الحركة كما في وصفه للقصور الفرعونية التي غرقت في ماء النيل (وصف قصر أنس الوجود):

قف بتلك القصور في اليم غرقاً

ممسكاً بعضها من الذعر بعضا

تعذارى أخفين في الماء بضاً

سابحاتٍ به وأبدين بضا

3- العاطفة :

تتصف عاطفة شوقي بما يلي :

1- أقل قوة من العقل في شعره

2- عاطفة غيرية تضطرم في الحديث عن الغير

3- لم تكن عاطفته ذاتية حتى في رثائه لأمه وأبيه حارة

4- وصف العقاد شعر لشوقي لبرود عاطفته بالشعر الذي لا يمثل النفس الممتازة.

4- الأسلوب :

اتصف أسلوب شوقي بما يلي:

1- جمال التراكيب ووضوحها وقوتها.

2- جمال الألفاظ وفخامتها وقدرتها على الإيحاء والتأثير في النفوس

3- قدرة شوقي بسبب موهبته الموسيقية ، وذوقه المرهف على اصطفاء الألفاظ الرنانة والعذبة

4- قدرته على تناغم الألفاظ وتساوقها.







الفصل الخامس

الشعر الحديث

1- مقدمة:

تعود ولادة هذا النوع من الشعر الحديث إلى منتصف القرن العشرين على يد الشاعر بدر شاكر السياب و الشاعرة نازك الملائكة ، و إن كانت بذوره الأولى قد ظهرت عند الشعراء العرب المهاجرين كأمين الريحاني و ذلك تأثراً بالطريقة الأروبية في كتابة الشعر ، و قد سمّاه البعض بشعر التفعيلة أو الشعر الحر أو الشعر الحديث .

2- سمات مرتكزات هذا اللون من الشعر :

1- التشكيل الموسيقي :

تبرم الشعراء المحدثون من التشكيل الموسيقي القائم على الوحدة الموسيقية المتكررة في كل بيت ضمن سياق واحد و خط معين . و اعتبروا أن القصيدة الحديثة هي بنية ايقاعية ترتبط بحالة شعورية معينة تعتمد التفعيلة بحيث تتحرك الموسيقا في كل شطر وفق التي تموج في نفس الشاعر . يقول بلندا الحيدري :

يا صديقي ( فاعلاتن )

لم لا تحمل ماضيك و تمضي عن طريقي (فاعلاتن –فعلاتن – فعلاتن-فاعلاتن)

قد فرغنا و انتهينا (فاعلاتن- فاعلاتن )

و تذكرّنا كثيراً ونسينا . (فعلاتن-فاعلاتن-فعلاتن ) .

و الغالب على هذا النوع من الشعر استخدام البحور الشعرية

الخليلية و عدم الخروج عن البحور الصافية ( ذات التفعيلة الواحدة )

إضافة إلى مزج ثلاثة بحور في قصيدة واحدة كقصيدة (جيكور أمي) البدر شاكر السياب.

وقد اتهم أصحاب هذا اللون مسألة القافية بأنها تحدّ من انفعال الشاعر ، وتقطع أنفاسه وتضطره للبدء من جديد ،واعتبروا أن القافية في الشعر هي نهاية السطر الموسيقي باستخدام أية كلمة يستدعيها السياق.

يقول صلاح عبد الصبور في أغنية حبّ:

صنعت مركباً من الدخان والمداد والورق؟

ربّانها أمهر من قاد سفيناً في خضمّ

وفوق قمة السفين يخفق العلم

وجه حبيبي بيرقي المنشور

جبت الليالي باحثاً في جوفها عن لؤلؤة.

2- وحدة القصيدة:

وهو ما يسمى الوحدة العضوية حيث اعتبر الشعراء المحدثون القصيدة كلٌّ لايتجزأ وتتضافر أجزاءه في ايصال المعنى فالقصيدة كالإنسان كما أن كل عضو فيه يؤدي دوراً متكاملاً مع الأعضاء الأخرى ، كذلك مقاطع القصيدة الحديثة تتكامل في ايصال الموضوع الواحد على عكس الشعر التقليدي الذي اتخذ البيت وحدة عضوية.

3- اللغة الشعرية:

وقد اهتم المحدثون باللغة على أنها قاموس خاص يعكس شخصية الشاعر نفسه إذ لكل شاعر لغة خاصة به ولم يعد يبحث هؤلاء المحدثون عن الفخامة والجزالة والتركيز والايحاء بل يفتش الشاعر عن الكلمات المفعمة بالنبض والمعبرة عن الانفعال بيسر وراحة.

يقول محمد الفيتوري:

كلماتي أشواق سجين عاش، وثأر سجين مات

كلماتي أجساد ضحايا مصلوبين على الطرقات

كلماتي أحشاء حبلى تتلّوى تحت الطعنات

كلماتي أصوات حياة لا تعرف موت الكلمات

4- الرمز والأسطورة:

وقد أكثر المحدثون من استخدام الرموز أدوات للتعبير على اعتبار أن بين الرمز والتجربة الشعرية التمام شديد يخلقه السياق الشعري، وقد تناول الشعراء المحدثون الرموز الشعبية والأساطير القديمة والموروثة ، فمن الرموز التي استعملها الشعراء:

حفّار القبور-الكوليرا لنازك الملائكة .

أما الأساطير فقد أكثر الشعراء من استخدامها سواء ما تعلق بالأساطير البابلية أو الرومانية ، كتحوز وعشتار وأوديس- الفينيق والسندباد.

يقول بدر شاكر السياب في قصيدة رحيل النهار:

رحل النهار

ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار

وجلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار

والبحر يصرخ من ورائك بالعواطف والرعود

هو لن يعود

رحل النهار

فلترحلي هو لن يعود.

5- الصورة الشعرية :

وتعني أن يرسم الشاعر بكلماته شهداً تصويراً يعتمد على المجاز أكثر من اعتماده على الاستعارة والتشبيه كما كان يصنع الشعراء القدماء. قال نزار قباني:

في مرفأ عينيك الأزرق

أمطارٌ من ضوء مسموع

في مرفأ عينيك الأزرق

يتساقط ثلج تموز

وقد لجأ الشاعر في تصويره الحديث إلى إظهار الواقع اللاشعوري وأشرك حاسة السمع في عملية الرؤية، وهي تصور تخالف منطق العقل، ولكن الخيال يقلبها ، وقد يفتت الشاعر الحديث في صوره الأشياء الواقعية ويفقدها تماسكها البنائي ،ثم يعيد بناءها وترتيبها وفقاً لحالته النفسية ، وقد يميل الشاعر الحديث إلى إضفاء شيء من الغموض والإبهام على الصورة الشعرية بحيث يحدد بعض معالمها كما في قول الشاعر محمد عمران:

أدور في مدار برتقالة زرقاء

أو كما قال أدونيس في بعض قصائده:

أتكئ على قلمين.

أو كما قال أحدهم في عنوان لكتابه:

سأخون وطني.







الفصل السادس

النثر العربي في العصر الحديث

آ- مقدمة :

أخذ النثر في العصر الحديث يخرج من دائرة الصنعة والجمود وتحجر العقل وموت الفكرة ليبدأ مرحلة جديدة تتسم بسمات مختلفة عن العصر السابق.

ب- سمات النثر الفنية في العصر الحديث:

مرّ النثر في العصر الحديث بثلاث مراحل متداخلة ، طبعت هذا النثر بميزات خاصة وهذه المراحل:

1- مرحلة التحفز :

وأصحاب هذه المرحلة هم جيل الطليعة الأولى في حياة القرن التاسع عشر . إذ جدّت في حياة الشعوب في هذا العصر بواعث حركت الأدباء وحفزتهم بسبب الاتصال بالحضارة الغربية ، فدعا أصحاب هذه المرحلة إلى تفحص الواقع والدعوة إلى إصلاحه وتطويره ، ومن روادها "اليازجي – الطهطاوي – البستاني"

وقد كتب هؤلاء الكتاب نثرهم معتمدين على أسلوب السجع أحياناً ، ونقل الألفاظ والمصطلحات الفرنسية حرفياً أو تصريفها واشتقاقها أحياناً ، وحملت كتاباتهم بعض الأخطاء الصرفية ، ولكنهم أغنوا الفكر العربي الحديث ، ويسروا اللغة وأمدوها بمصطلحات الحضارة الجديدة . يقول الطهطاوي في تعليم البنات:

( فلا شك أن حصول النساء على ملكة القراءة والكتابة وعلى التخلق بالأخلاق الحميدة ، والاطلاع على المعارف المفيدة ، هو أجمل صفات الكمال ، وهو أشوق للرجال المتربين من الجمال.......).

2- المرحلة الثانية (مرحلة تثبيت الدعوة إلى الإصلاح والتطوير).

ويمثلها أديب اسحق وعبد الرحمن الكواكبي – محمد عبد و قاسم أمين – ولي الدين يكن- ابراهيم اليازجي.

وقد تكون لدى هؤلاء فكر حديث وسّع التعبير عن الحياة الحديثة ، وتفكيرها وقد بدا أسلوب أصحاب هذه المرحلة يحمل متانة في التعبير ، وسلامة في الأسلوب واستخداماًللإنشاء المزدوج والمسّجع ومع بعض التخلص من الصنعة والضعف والركاكة .

يقول الكواكبي في الاستبداد والعلم:

(إن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمة،وطراداً مستمراً يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره، والطرفان يتجاذبان العوام......).

3- المرحلة الثالثة(مرحلة البناء):

حيث حمل أصحاب هذه المرحلة على عاتقهم مهمة البناء بعد أن فتحت نوافذ الثقافة من الأمم الأخرى ومن كتاب هذه المرحلة:

(المنفلوطي – جبران – جرجي زيدان- الرافعي- طه حسين- أحمد حسن الزيات).

وما زلنا نحن نعيش في امتداد هذا الجيل ، وقد امتاز أسلوب المنفلوطي بسلامة العبارة وجمالها وكثرة الترادف والازدواج والصور والرقة والعاطفة .

وتميز جبران بالتصوير الخيالي الجانح والصور البراقة والألفاظ المجنحة والجمل الشعرية .

وتميز طه حسين بطريقة المراجعة واللف والدوران بأسلوب آسرٍ شائق.

وأهم سمات النثر في هذه المرحلة :

1- الاتجاه إلى تصوير الحياة الشعبية.

2- سلامة العبارة وسهولتها وخلوها من الضعف والركاكة .

3- تجنب الألفاظ الغربية والمهجورة والنادرة .

4- المساواة بين اللفظ والمعنى .

5- تأثر النثر بالعلوم الأخرى (علم النفس والاجتماع).

6- تأثر النثر بالآداب العالمية.

7- ظهور فنون جديدة كالمقالة والمسرحية والرواية .

يقول طه حسين في مقالة ( حرية الأدب والنقد ):

( صدّقوني أن من الإسراف أن تفرضوا النظام على كلِّ شيء، فدعوا الأدب طليقاً ، كما أراد الله له أن يكون ليكتب من شاء ما يشاء، ولينتقد من شاء كما يشاء ،فلا حياة للأدب إلا بهذا،....).

جـ- ميادين النثر الحديث:

إذا كان الأدب شعراً أو نثراً يكتب من الإنسان وإلى الإنسان فإن النثر الحديث قد اتجه تبعاً للحياة والثقافة الحديثة الاتجاهات التالية:

1-الاتجاه الاجتماعي:

عالج كتاب النثر الحديثون المشاكل الاجتماعية التي اعترضت حياة المجتمع في عصره فتحدثوا عن المشاكل التالية:

أ- مشكلة الفقر وأسبابه: وقد عالج الكتاب أسباب الفقر وحالوا بواعثه وكشفوا عن أثر الحكومات الفاسدة في تثبيت دعائم الاستغلال . يقول ميخائيل نعيمة:

( ما نام إنسان على الطوى إلا لأن غيره أكل واختزن فوق حاجته خيرات الأرض والسماء ، ولا افتقر رجل إلى ثوب إلا لأن لجاره ثوبين.....).

ب- تفاقم وضع الطبقات الكادحة: التي أخذت تزداد بؤساً وظلماً بسبب استغلال المستغلين ، وقد عالج الكتاب هذه القضية وأشادوا إلى أن الثورة الحقيقية في صفوف الفقراء ضد المترفين هي الحل الحقيقي.

يقول أحد الكتاب في ذلك :

( أليس الرجل منكم كالرجال منّا ؟ فما بالكم لا ترضون بثلاثين صنفاً من الطعام ونرضى بالخبر والملح ولا تقنعون بالألوان ونقنع بالقرش الواحد ؟ أخلقتم من الذهب وخلقتنا من التراب؟...).

جـ- قضية الصراع الطبقي : من خلال التاريخ حيث صوّر الكتاب استغلال بعض فئات المجتمع لتحقيق رغباتهم كما في الصراع بين السادة والعبيد فيما قبل الإسلام وقد مثله الأديب ممدوح عدوان(ليل العبيد) ونادى من خلال هذه المسرحية بالحرية والعدل والمساواة وتطوير المجتمع وضرورة استمرار الكفاح للحفاظ على المكتسبات.

د- قضية الهجرة من الريف إلى المدينة: وذلك بحثاً عن العمل وقد أدى ذلك إلى اكتضاض المدن بالسكان وخلو الريف منهم ، وبالتالي تراجع الحركة الزراعية وقد مثّل ذلك الكاتب الجزائري بشير خلف ( الأرض تنتحب ).

حيث عالج الكاتب آفاق التسول والبطالة والسرقة وقد عالج الكاتب قسوة الحياة في المدن.

هـ- قضية هموم الإنسان المعاصر وتطلعاته إلى المستقبل:

وقد صوّر الأدباء في هذه القضية حبّ الإنسان لوطنه بعد ظهور مفاهيم جديدة في هذا المجتمع وحاربوا المحسوبية والمكتبية والبيروقراطية والروتين.

2- الاتجاه القومي:

وقد عالج الكتاب في هذا الاتجاه مجموعة من المشكلات أهمها:

أ- مشكلة التجزئة: التي صبغت الأمة الواحدة إلى مجموعة دويلات بعضها كحبِّ السمسم ، وقد أدى ذلك إلى حدوث صراع اقليمي – قطري ، شتت جهد الأمة . يقول ساطع الحصري متحدثاً عن حقيقة التجزئة :

(وأما الدول والدويلات القائمة في هذه البلاد ، فإنها وليدة المناورات والمساومات والمقاسمات التي قامت بين الدول المستعمرة......)

ب- الدعوة إلى الوحدة : التي نستطيع بها أن نقف أمةً تدافع عن أبنائها وخيراتها وقد مثّل ذلك أديب اسحق حيث دعا إلى تثبيت روح المحبة عند أولي الأمر في هذه الدويلات:

(ألم يكن في كلّ هذه الأقطار نفر من أولي العزم تبعثهم الغيرة والحمية على جمع الكلمة العربية فيتلافون أحوالهم قبل التلف......)

جـ- الدعوة إلى محاربة الصهيونية ودولتها اسرائيل: التي أصبحت خطراً على الأمة كلّها ، وقد مثّل ذلك أكرم زعيتر الذي فهم هذه الصهيونية وكشف مطامعها:

( إنّ اسرائيل تسخر في سبيل تحقيق مآربها كل وسيلة ، لائذة بعناصرها العلم والنظام والسرعة، معبئة كل قواها البشرية لتقذف بها في معركتها مع العرب ، وهي تتحفز لوثبة تستولي بها على بقية القدس وأماكنها.....

ثم تغزو شرق الأرض منسوريا فلبنان فسائر بلاد العرب).

د- الدعوة إلى محاربة الاستعمار: الذي اشترك مع الصهيونية في جرائهم ضد الشعب العربي.

هـ- تصوير الروح الوطنية: التي شبّت في نفوس الجماهير فاندفعت تقاوم الاحتلال، كما في ثلاثية نجيب محفوظ في مصر ( بين القصرين – قصر الشوك – السكرية).

وثلاثية مجد ديب( الدار الكبيرة – الحريق – النول)

وثلاثية صدقي اسماعيل (آل عمران – الصديقان – العصبة)

و- استلهام التاريخ للأدب: بعد وقوع نكسة حزيران بحيث يغدو الماضي وسيلة لانتقاد الحاضر ومن المسرحيات التي تمثّل ذلك ( مغامرة رأس المملوك جابر) لسعد الله ونوس-(محاكمة الرجل الذي لم يحارب) لممدوح عدوان ورضا قيصر لعلي عقلة عرسان.

ز- مواجهة أدباء الأرض المحتلة لمحاولات العدو الصهيوني:

في محو الثقافة العربية وذلك بعد حرب (1948) إذ تحولت الحرب مع اليهود إلى حرب استيطانية ثقافية غايتها اقتلاع جذور الثقافة العربية، وقد وقف توفيق فياض واميل جيبي وغسان كنفاني في مواجهة ذلك فكتب اميل جيبي ( سداسيات الأيام الستة) وتوفيق فياض رواية ( التسارع الأصفر).

3- الاتجاه النقدي:

وهو اتجاه تفرع إلى تيارات متعددة أسهمت في نقد الأعمال الأدبية في هذا العصر ، وأهم هذه التيارات :

أ‌- تيار غربلة الأدب: كما هو عند ميخائيل نعيمة في كتابه ( الغربال) حيث أراد الكاتب تبين مهمة هذا الاتجاه لتصحيحه مسار الأدب . يقول نعيمة:

( إنّ مهمة الناقد الغربلة ، لكنها ليست غربلة الناس بل غربلة ما يدوّنه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول).

ب- تيار مدرسة الديوان: التي تزعمها المازني والعقاد وعبد الرحمن شكري وقد بين العقاد رأيه في الشعر الصحيح قائلاً:

( ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه ، وإنما مزيته أن يقول ما هو ؟ ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به).

جـ- تيار الشعر الحر: وقد مثلته نازك الملائكة حينما أرادت أنّ تبين أن هذه الحركة هي اندفاعة اجتماعية وليست منبعثة من الفراغ:

( ولعلّ الدليل على أن حركة الشعر الحر كانت مقودة بضرورة اجتماعية محضة هو أن محاولات وأدها قد فشلت جميعاً....)

د- تيار نقد الشخصيات الأدبية القديمة والحديثة:

حيث كشف نقاد هذا التيار عن سلوك واتجاه وفن شخصيات مختلفة كما صنع طه حسين مع عنترة والمتنبي وأبي العلاء المعري ، وكما صنع العقاد ( ابن الرومي وعبقريات محمد وعمر....

وكما صنعت الدكتورة نعمة فؤاد في(أدب العقاد).

هـ- تيار نقد الأدب المعاصر : من خلال اتجاهاته وفنونه وتطوراته ومدارسه ، كما في كتاب الدكتور عز الدين اسماعيل:

( اتجاهات ومدارس وفنون في الأدب الحديث ) (دارسات في الأدب العربي المعاصر).

وكما في كتاب النقد الأدبي الحديث ( محمد غنيمي هلال).

4- الاتجاه الذاتي:

وهو اتجاه عرض للتجارب الإنسانية ووصف جزئياتها وسجّل انفعالات أصحابها وما تأثر به الكتاب من مظاهر الطبيعة التي أشركوها بأحاسيسهم كما في قول جبران:

أيتها الريح ....إلى أين تتسارعين بأرواحنا وتنهداتنا وأنفاسنا ؟ أين تحملين رسوم ابتساماتنا؟

وكما عند نعيمة في تصويره لمعاناته وهمومه وقلقه:

(ففي جبهة – حنّين – وحده لي معين لا ينضب من الفتنة الخرساء المنهلّة بغير انقطاع).

وكما هو عند المنفلوطي شعرة بيضاء تسللّت إلى رأسه:

(أيتها الشعرة البيضاء .....ليت شعري من أيِّ نافذة

خلصت إلى رأسي؟....وكيف طاب لك المقام في هذه الأرض الموحشة التي لا تجدين فيها أنيساً يسامرك؟.

وكما في قول الرافعي عندما رأى فاتنته أول مرة:

(كلمّا رأيتها أول مرة ، ولمسني الحبّ لمسة ساحر، جلست إليها أتأملها وأحتسي من جمالها).