عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان بقلم: د.هدى برهان حماده طحلاوي
تاريخ النشر : 2007-12-11
عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان بقلم:
د.هدى برهان حماده طحلاوي


/>
1425 هـ ـ 2004 مـ




القسم الأول : مقدمات التعريف بالبحث

أهمية الدراسة :

الاهتمام العالمي مؤخراً بحقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لهذه الحقوق واعتبار مقياس تقدم الدول ورقيها اليوم بقدر ما تراعي هذه الحقوق .

وأيضاً تعريف الجاهل وتذكرة العارف بالحضارة الإسلامية الإنسانية التي نهض بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً ونيف فكانت نبراساً اهتدت به أمم الأرض جميعاً وأساساً راسخاً بنت عليه حضارتها وتطورها ، وشاءت الظروف أن تتقدم وترقى أمم غير إسلامية فأخذت تعيب على المسلمين دينهم وتتهمه بالتخلف ساعة وبمبادئه الإرهابية ساعة أخرى وتخبطت في حربها على الدين الإسلامي كالأمواج التي تلاطم جبلاً شامخاً وترتد خائبة فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

ويبقى نور الله في دين الإسلام ومصادر تشريعه يسطع على العالم رغم أنف الحاقدين وسنة رسول الله محمد (r) هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم كتاب الله عز وجل وهي مسايرة وموافقة له أو موضحة ومفسرة لآياته والرسول محمد(r) بأقواله وأفعاله كانـت تشمله العناية الإلهية فتهديه للحق وتبعده عن الخطأ البشري لأنه نبي مرسل قال تعالى : " ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى يوحى ." النجم :2-4 [1 ]

هدف الدراسة :

أهم أهداف هذا البحث هو إحياء علوم السنة النبوية بعظيم قدرها في زمن تعددت فيه المذاهب الإسلامية كثيراً وابتعدت شيئاً فشيئاً عن سنة رسول الله (r) حتى صارت حبيسة الكتب والمكتبـات تنتظـر الخروج للنور لتسطع على المسلمين بكنوزها الدفينة التي تغني أمة محمد(r) و توقظها من رقادها الطويل .

والهدف الثاني هو إبراز محاسن الدين الإسلامي الحنيف وصلاحيته لكل زمان ومكان.

ثم الأهداف التالية :

_ إبراز سبق الدين الإسلامي الحنيف لكل ما هو خير للكون والناس أجمعين وخاصة في مجال حقوق الإنسان .

_ الإسهام في التقدم والرقي الحضاري للبشرية.

_ نيل الأجر والثواب من الله عز وجل .

_ الفوز بجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية وما لها من قيمة مادية ومعنوية بشمولها وسرعة نشرها ودراستها ولسموه من الله جلا وعلا الأجر والثواب.

منهج الدراسة :

الاهتمام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتاريخه وتاريخ الأمم والحضارات قبل الإسلام وبعده لتوضيح المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان والشرائع والمنظمات الدولية. حتى نخلص إلى نتيجة مفادها أن الدين الإسلامي الحنيف بسنته الصحيحة بعد القرآن الكريم هو أساس التشريع العالمي بشموله وعنايته لأمور الخلائق والكون كله وليس الإنسان فقط.

وكل الشواهد والكتب التي اعتمدناها هي أمهات الكتب المعروفة بصحتها ودقتها التي شبعت بحثاً وتدقيقاً وانتشر أغلبها على شبكة الانترنت العالمية.

وأخص بالذكر صحيحي بخاري ومسلم المصدرين الأساسيين في هذه الدراسة ثم يأتي بالدرجة الثانية سنن النسائي وسيرة ابن هشام ثم باقي كتب السنة المذكورة في المصادر والمراجع لما فيها من أحاديث حسنة صحيحة تفي وتكمل المعنى .

تعاريف :

تعريف الفقه : الفقه هو لغة الفهم , وفي اصطلاح الفقهاء هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية .[ 2 ] ( )

الإنسان : الفرد من الناس كبيراً كان أو صغيراً , غنياً أو فقيراً , آمراً أو مأموراً , قريباً أو غريباً , موافقاً لنا في الدين أو مخالفاً .[ 3 ]

الحق : هو اسم من أسمائه تعالى , أوالثابت بلا شك , أوالنصيب الواجب للفرد أو الجماعة . والمعنى الثاني والثالث هو المقصود في هذا البحث . وجمعه حقوق وحقاق.[ 4 ] ( )




br />


القسم الثاني : تاريخ حقوق الإنسان

المقدمة :

الحضارات السابقة والعصورالماضية والفلسفات المختلفة لم تعط الإنسان حقه كما أعطاه الإسلام من خلال منظوره الواسع لتكريم الإنسان والمحافظة عليه ، وعبر مصادره التي جاءت بما لم ولن يستطيع بشر كان من كان أن يأتي بمثله [ 5 ] ويكفي في هذا المقام قول الله سبحانه و تعالى : " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ٍ ممن خلقنا تفضيلا " الإسراء : 70 [ 1 ]

والبشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأناً بعيداً لا تزال وستبقى في حاجة ماسة إلى سند إيماني لحضارتها وإلى وازع ذاتي يحرس حقوقها . [ 6 ]



حقوق الإنسان في الشرائع الوضعية القديمة :

انطلقت الشرائع الوضعية القديمة من مبدأين اثنين هما : حفظ حق المجموع في مقابل الفرد ثم حفظ حق الوالي ( الأب ، الحاكم ، رئيس القبيلة ، رب العمل ، السيد ) على المتولى عليه ( المحكوم ، الابن ، المواطن ، الشـخص من أفراد القبيلة ، العامل ، العبد الرقيق ) وفي هذا يحمل الذنب غير المذنـب ومن الأمثلة على ذلك في الشريعة السومرية والشريعة البابلية ما يلي :

_ إذا بنى بنّاء بيتاُ ثم أتفق أن تهدم هذا البيت وقتل فيه ابن لصاحب هذا البيت ، قتل ابن للبناء ولم يقتل البناء .

_ إذا قتل رجل سيد عبداً رقيقاً لرجل سيد آخر ، قتل أحد عبيد السيد القاتل لا الرجل السيد الذي قتل .

والقاعدة التي انطلقت منها تلك الشرائع القديمة هي : إنّ المعتدي _ القاتل أو السارق أو الظالم أو المغتصب _ يكون في العادة قوياً ، بينما المعتدى عليه يكون في العادة المألوفة ضعيفاً من أجل ذلك كان العرف إذا التجأ مظلوم إلى القضاء القديم ، حاول القاضي القديم أن يسترضي المظلوم بشيء من التعويض أو بالكلام اللين العاطفي وأن يسكت عن ظالمه .

أما اليونان فكانوا _ برغم ما كان عندهم من الفكر الفلسفي ومن الكلام في الحقيقة وفي الحرية وفي القانون _ يرون أن الاستعباد حالة طبيعية من أحوال المجتمع الإنساني ، والفيلسوف الكبير أفلاطون كان في أول أمره عبداً رقيقاً فاشتراه صديق له وأعتقه .

وأما الرومان _ وهم عمالقة التشريع في العالم القديم _ فقد كانوا يأخذون بالسلطة الأبوية ، فكان الأب هو الحاكم المطلق في الأسرة يقتل أولاده أو يبيعهم أو يرهنهم .

ومن جاهلية العرب يكفي أن نأخذ مثلين هما طرفة بن العبد وعنترة بن شداد :

كان الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد من بني بكر من جهة أبيه . ولكن أباه كان قد تزوج امرأة اسمها وردة ، وكانت نصرانية من بني تغلب وليست بكرية وثنية مثله . وولد طرفة من هذا الزواج المختلط . ثم مات الأب وشيكا . فلم يرض أعمام طرفة أن يعطوه شيئاً من إرث أبيه لأن أباه قد أضر بالعصبية القبلية في بني بكر بزواجه امرأة غريبة . فإذا نحن قبلنا أن يكون الأب قد أضر بالقبيلة ، فما ذنب الابن في أن يمنع حقاً من حقوقه ؟ وأما عنترة فكان شاعر بني عبس وفارسهم ، ولكن أمه كانت جارية رقيقة ، فنشأ هو عبداً رقيقاً : يخوض المعارك دفاعاً عن بني عبس أو في سبيل بني عبس فيغنم الغنائم فلا يقسم له شيء من تلك الغنائم لأنه عبد رقيق كل جهوده لسيده القبيلة ثم إن عنترة أحب ابنة عمه عبلة ، فلم يستطع أن يتزوجها لأنه عبد رقيق وهي حرة [ 3 ]


تطور حقوق الإنسان في الغرب :

التفكير في حقوق الإنسان في الغرب كان علاجاً لسقم اجتماعي زادت حمّاه في الغرب الأوروبي ووليداً لأمر طارئ في الكون ، فالصراع المقيت المميت بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية في أوروبا ، قد ألهب حماس الشعوب الأوروبية ، وحفزها على الثورة والتغيير ، وقلب ظهر المجن على الكنيسة والحكومات الإقطاعية ، وكان من شأن هذا التحول في بنية المجتمع الأوروبي السعي وراء وضع قوالب وركائز أساسية تحمي المكتسبات وتقي من النكبات ، فكان هذا من أقوى دواعي التفكير في حقوق الإنسان في الغرب ، وتأسيس مبادئه ومحاوره .

فصدر الماجنا كارتا سنة 1215 م في إنكلترا وهو ميثاق ينص على إكساب الشعب الإنجليزي حقه في تجنب المظالم المالية .

وصدرت وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776 م بتأكيد هذه الوثيقة على الحق في الحياة ، والحرية ، والمساواة.

وفي فرنسا وفي أثناء ثورتها صدرت وثيقة حقوق الإنسان في تاريخ 2681789 وهي تعد إعلاناً عن هذه الحقوق .

ولم يكن التعسف الكنسي والإقطاعي قائماً على معايش الناس ورزقهم المادي فحسب بل تعداه إلى الحظر على العقل ، والفكر ، لذا لجأت إعلانات حقوق الإنسان لتحرير العقل الإنساني قبل تحرير خبزه ومعاشه . [ 7 ]

ولذلك يعد القرن الثامن عشر هو قرن حقوق الإنسان في الغرب .[ 8 ]

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة فكان في 10 ديسمبر كانون الأول عام 1948 م [ 8 و 9 ]

ومازالت تتبعه اتفاقيات دولية كاتفاقيتي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ، والمدنية والسياسية التي صدرتا في 16121966م ونفاذهما في عام 1976م وأضيفت إليهما اتفاقات أخرى كالاتفاقية الدولية لإزالة التمييز العنصري ، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق العمال المهاجرين ....الخ [ 7 ]

وفي العام 1993 عقد مؤتمر عالمي ضم 171 دولة تمثل 99% من سكان العالم وأكد المؤتمر التزامه من جديد بإحقاق حقوق الإنسان .


حقوق الإنسان في الإعلان العالمي :


فئات الحقوق : صنفت الحقوق إلى ثلاث فئات :

1. الحقوق المدنية والسياسية ( وتسمى أيضاً الجيل الأول من الحقوق ) وهي مرتبطة بالحريات وتشمل الحقوق التالية : الحق في الحياة والحرية والأمن وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والضمير والدين وحرية الاشتراك في الجمعيات والتجمع .

2. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ( وتسمى أيضاً الجيل الثاني من الحقوق ) وهي مرتبطة بالأمن وتشـمل : العمل والتعليم والمسـتوى اللائق للمعيشة والمأكل والمأوى والرعاية الصحية .

3. الحقوق البيئية والثقافية والتنموية ( وتسمى أيضاً الجيل الثالث من الحقوق ) وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية .

الوضع القانوني :

على الرغم من أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الذي أوحى بالجزء الأكبر من القانون الدولي لحقوق الإنسان ، فإنه لا يمثل في حد ذاته وثيقة لها قوة القانون .

غير أنّ لهذا الإعلان ، بصفته إعلان مبادئ عامة ، قوة كبيرة في أوساط الرأي العام العالمي. وقد ترجمت مبادئ الإعلان إلى مبادئ لها قوة قانونية في صيغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقد التزمت الحكومات التي صادقت على هذين العهدين بأن تسن في بلدانها قوانين لحماية تلك الحقوق . غير أن ما يزيد على نصف بلدان العالم لم تصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . [ 9 ]

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :

اعتمد ونشر على الملأ بقرار الجمعية العامة رقم 217 ألف (د _3 ) المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948 ومواده بالتفصيل هي :

المادة الأولى :

يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء .

المادة الثانية :

لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون أي تفرقة بين الرجال والنساء .

وفضلاً عما تقدم لن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو المنطقة التي ينتمي إليها الفرد ، سواء كان هذا البلد أو تلك المنطقة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود .

المادة الثالثة :

لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه .

المادة الرابعة :

لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص ، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

المادة الخامسة :

لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة .

المادة السادسة :

لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية .

المادة السابعة :

كل الناس سواسية أمام القانون ، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أي تفرقة . كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا .

المادة الثامنة :

لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون .

المادة التاسعة :

لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً .

المادة العاشرة :

لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين ، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً ، للفصل في حقوقه والتزاماته وأي تهمة جنائية توجه إليه .

المادة الحادية عشرة :

(1) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحكمة علنية تؤمن لـه فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه .

(2) لا يدان أي شخص من جراء أداء عمل ، أو الامتناع عن أداء عمل ، إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب . كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة .

المادة الثانية عشرة :

لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته . ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات .

المادة الثالثة عشرة:

(1) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة .

(2) يحق لكل فرد أن يغادر أي بلد بما في ذلك بلده ، كما يحق له العودة إليه .

المادة الرابعة عشرة :

(1) لكل فرد الحق أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد .

(2) لا ينتفع بهذا الحق كل من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها .

المادة الخامسة عشرة :

(1) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

(2) لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.

المادة السادسة عشرة :

(1) للرجل والمرأة ، متى بلغا سن الزواج ، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العنصـر أو الجنسية أو الدين , ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

(2) لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضاً كاملاً لا إكراه فيه .

(3) الأسـرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ، ولها حق التمتـع بحماية المجتمع والدولة .

المادة السابعة عشرة :

(1) لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره .

(2) لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً .

المادة الثامنة عشرة :

لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة .

المادة التاسعة عشرة :

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

المادة العشرون :

(1) لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية .

(2) لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما .

المادة الحادية والعشرون :

(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده ، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً .

(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد .

(3) إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة . ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري ، وعلى قدم المساواة بين الجميع ، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت .

المادة الثانية والعشرون :

لكل شخص ، بصفته عضواً في المجتمع ، الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته .

المادة الثالثة والعشرون :

(1) لكل شخص الحق في العمل ، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية ، كما أن له حق الحماية من البطالة .

(2) لكل فرد ، دون أي تمييز ، الحق في أجر متساو للعمل .

(3) لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه عند اللزوم وسائل أخرى للحماية الاجتماعية .

(4) لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته .

المادة الرابعة والعشرون :

لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ , ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر .

المادة الخامسة والعشرون :

(1) لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية لـه ولأسرته. ويتضمن ذلك التغذية والملبس والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة . وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته .

(2) للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين ، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية ، سواء أكانت ولادتهم ناتجة من رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية .

المادة السادسة والعشرون :

(1) لكل شخص الحق في التعلم ، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان ، وأن يكون التعليم الإبتدائي إلزامياً ، وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة للجميع وعلى أساس الكفاءة .

(2) يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملاً ، وإلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العرقية أو الدينية ، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام .

(3) للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم .

المادة السابعة والعشرون :

(1) لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.

(2) لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني .

المادة الثامنة والعشرون :

لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققاً تاماً .

المادة التاسعة والعشرون :

(1) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراً كاملاً .

(2) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي .

(3) لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها .

المادة الثلاثون :

ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخوّل لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه . [ 10 ]














القسم الثالث : عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان

مقدمة :

الحمد لله الذي لا تحصـى نعمه والصلاة والسـلام على رسوله محمد الذي أشرقت أنواره وسننه .

يعتبر ظهور الرسالة المحمدية _ دين الإسلام _ أعظم حادث في تاريخ العرب خاصة والبشر عامةً لأنها رسالة شاملة كاملة لكل زمان ومكان ودين الإسلام هو آخر الأديان .

أرسله الله تعالى للناس كافةً رحمةً منه بعباده ونوراً يهتدي به الذين شملتهم العناية الإلهية بهديه وحده حيث قال :

" إنك لا تهـدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشـاء وهو أعلم بالمهتدين " القصص : 56 [ 1 ]

ويتعذر على الباحث إذا أراد استخراج أحكام الدين الإسلامي عن أمر ما أن يفصل سنة رسول الله محمد (r) عن القرآن الكريم لما لهذين المصدرين الأساسيين في التشريع الإسلامي من ارتباط و ترابط وتشابك كالعروة الوثقى لا انفصام لها .

فالسنة الشريفة كما أسلفنا هي مسايرة وموافقة للقرآن الكريم أو موضحة ومفسرة لآياته لأن أقوال الرسول وأفعاله اعتبرت سنة له يستن بها المسلمون معه وبعده منذ نزول الوحي عليه وبدء رسالة الإسلام العظيمة حتى وفاته صلوات الله عليه .

ولهذا السبب على ما يبدو ولعظيم شأن القرآن وتعهد الله بحفظه منع الصحابة من تدوين أحاديث رسول الله (r) حتى أيام عمر بن عبد العزيز مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن كما جاء في مقدمة السيرة النبوية لابن هشام .[ 11 ] ( )

ولذلك وللضرورة لابد من ذكر بعض آيات القرآن الكريم المناسب ذكرها في حقوق الإنسان رغم التركيز على أحاديث الرسول(r) المباشرة الخاصة بهذا الموضوع والجوانب التطبيقية له في حياته(r) لإتمام المعنى والشمول .. وهذا لا يتعارض مع سنة رسول الله (r) التي تشمل أفعاله أيضاً والتي هي من وحي القرآن العظيم .

ومن الجدير ذكره التنويه إلى أن حقوق الإنسان لم يتفرد لها فصل أو بحث أو كتاب أو باب خاص بها في جميع كتب السنة النبوية الشريفة بل هي موجودة في ثنايا أغلب كتبها وأبوابها تحت عناوين مختلفة تشمل كل أمور الحياة لأن رسالة الإسلام اعتنت بكل أمور الإنسان وما يحيط به ويخصه من مخلوقات إلهية في الأرض والسماء وكلها تعتبر أساساً لحقوق الإنسان وإذا شئنا التفصيل فيها قد نعيد نسخ الكتب السنة النبوية كلها لأنها بجميع تفاصيلها للإنسان وهدايته وأمره ونهيه في سبيل الارتقاء به وبوجوده وبحياته وبمماته أيضاً .

ولكن هذا البحث سيخصص للأحاديث النبوية المباشرة كما قلنا التي توضح ما جاء على لسان رسول الله(r) وأفعاله في مجال ما ذكر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليفهمه إنسان اليوم بلغة العصر ومفاهيمه ونبين للناس جميعاً أن ما وضعوه في العصر الحديث هذا موضوعاً قبلهم بأكثر من أربعة عشر قرناً ومنشوراً على الملأ وفي كل أصقاع الأرض ولا سبق لهم في هذا فعدد المصاحف الشريفة وكتب السنة الصحيحة الطاهرة لا تعد ولا تحصى منذ مئات السـنين وأذن الله لهـا أن تنسـخ وتنتشر في جميع أنحاء المعمورة فالمرجع رقم [ 17 ] مثلاً أخذ عن مخطوطة موجودة في مكتبة الفاتيكان ونسخة مطبوعة في الأستانة والهند وموجودة في القاهرة والدراسات والأبحاث التي دققت وجمعت سنن رسول الله (r) لم يحظ بها موضوع أو كتاب في العالم لكثرة عددها ودقتها والعلماء الذين وهبوا حياتهم لها فأمضوا عمرهم كداً وسفراً وسعياً وراء الحقيقة والصدق فيها جزاهم الله خير الجزاء .

فهـذا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داوود وابن ماجه وأحمد ومالك والدارمي . وذاك ابن أبي شيبة والصنعائي وابن دقيق العيد والطحاوي وابن حجر العسقلاني وزين الدين العراقي .

ثم شروح فتح الباري والنووي والأحوذي والسندي والسيوطي وعون المعبود وابن قيم الجوزية وغيرهم كثير .

وكل حديث من أحاديث رسول الله (r) قد يتساءل المرء إن عاد لأصله وبدأ يقرأ أخبرنا فلان قال حدثنا فلان عن فلان عـن فلان عن فلان آخر ..... الخ حتى نصل لقول رسـول الله (r) أو فعله المذكور من أحد الصحابة الكرام رضي الله عنهم وذلك للقدر الكبير من الدقة والدراسة والتمحيص عندما بدأ كتاب الحديث بتدوينه ولسهولة الرجوع والمقارنة بين مستمعيه أصحاب رسول الله (r) وما أكثرهم من رواة للحديث الواحد حتى ولو اختلفت بعض الكلمات أو الأحرف فيه حسب الراوي أو المستمع تذكر كلها تفصيلاً وما علينا إلا استخلاص العبر منها والاختصار إذا تحقق المعنى بإحداها طالما أن المصادر الأم موجودة لمن أراد العودة إليها والتدقيق بكل دقائقها وحذافيرها .

ومن الجدير ذكره حقوق للإنسان في السنة الشريفة لم يذكرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لأنه لم يعترف بأنه أخذ أفضلها عن الدين الإسلامي ومبادئه العظيمة ومازال ينقصه الكثير طالما أنه موضوع من قبل البشر وما تمليه عليهم عقولهم وضمائرهم وأهواءهم فيصيبون حيناً ويخطئون أحياناً وهذا ما سنشير إليه أيضاً ونرفضه نحن كمسلمون ولا نعتبره من حقوق الإنسان ومثالاً على ذلك إطلاق الحريات الشخصية مؤخراً إلى مرحلة الشذوذ الجنسي والاعتراف به على أنه حق من حقوق الإنسان , وغير ذلك مما سنذكرهم لاحقاً في الفصل الثالث من هذا القسم إن شاء الله تعالى .

وأخيراً أقدم هذا البحث على استحياء ألا يكون قد قارب الكمال في التدقيق والتمحيص ولكنه جهد المقل للراغبين في معرفة عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان , فأرجو المولى عز وجل أن يتقبل عملي وينفع به كل الناس ويظل علماً نافعاً لا ينقطع به عملي عندما تنقطع بقية الأعمال .

والله من وراء القصد















الفصل الأول : حقوق الإنسان في السنة الشريفة المذكورة في الإعلان

العالمي لهذه الحقوق .


1. باب حق الحرية :



أ‌. حق الحرية المطلقة :

/ من المادة الأولى والثالثة والرابعة للإعلان العالمي /

أبى رسول الله (r) أن تسلب هذه الحرية من الإنسان الحر فحذر الناس من بيع الأحرار وهددهم بمخاصمة الله تعالى لهم يوم القيامة يوم يحتاج كل إنسان إلى رحمته وغفرانه ورضوانه

/1 / (( عن أبي هريرة () عن النبي (r) قال: قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره )) [ 12 ] ( )

وقال المهلب : فمن باع حراً فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه .

وقال ابن الجوزي : الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده . [ 13 ] ( )

ولم يكتف رسول الله (r) بهذا بل حث على عتق العبيد الموجودين أصلاً قبل الإسلام قولاً وعملاً وهذا ما سنبحثه لاحقاً في الفصل الثاني من هذا القسم إن شاء الله تعالى .


ب . حرية العقيدة:التفكير والدين والرأي وممارسة الشعائر والتعليم

/من المادة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة /

قال الله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم " البقرة : 256

هذه الآية الكريمة الصريحة الواضحة وضعت لرسول الله (r) نبراساً وهاجاً يستنير به فكانت كل أقواله وأفعاله لتعليم البشر سبيل الرشد حتى لا يكون للناس على الله حجة بجهلهم هذا السبيل .

فظل يدعو الناس للإيمان والإسلام منذ نزول الوحي حتى مماته ولم يكره أحداً على الإسلام حتى وهو في أوج قوته وانتصاره كما حدث عند فتح مكة إذ دخلها منتصراً دون قتال يذكر بإذن الله تعالى فلم ينتقم من المشركين وما سببوه له من أذى حيث قال :

/ 2 / ((يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم ، و ابن أخ كريم ، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء .)) [ 14 ] ( )

وكذلك عندما فر من فر من المشركين خوفاً على أنفسهم من انتقام رسول الله (r) منهم فقد أعطى رسول الله الأمان لمن طلبه ودخل بيوت المسلمين كالرجلين من أحماء أم هانئ بنت أبي طالب من بني مخزوم اللذين استجارا بها وأراد عليُ أخوها أن يقتلهما ولما أخبرت رسول الله (r) بهما قال لها :

/ 3 / (( قد أجرنا من أجرت وأمنّا من أمنت فلا يقتلهما )) [ 14 و 15 ] ( )

وكذلك أعطى الأمان لصفوان بن أمية الذي يعتبر من رموز الكفر والشرك حينئذ عندما فرّ هارباً إلى جدة ليركب منها إلى اليمن .

/ 4 / (( فقال عمير بن وهب : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر ، فأمنّه صلى الله عليك ، قال هو آمن ، قال : يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك فأعطاه رسول الله (r) عمامته التي دخل فيها مكة فخرج بها عمير حتى أدركه , وهو يريد أن يركب في البحر . فقال: يا صفوان فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله (r) قد جئتك به ، قال ويحك ! اغرب عني فلا تكلمني قال : أي صفوان ، فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس ، وأحلم الناس ، وخير الناس ، ابن عمك ، عزه عزك , وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال : إني أخافه على نفسي ، قال : هو أحلم من ذاك وأكرم . فرجع معه ، حتى وقف به على رسول الله (r) فقال صفوان إنّ هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق ، قال : فاجعلني فيه بالخيار شهرين ، قال : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر )). [ 14 ] ( )

وهكذا أعطاه رسول الله (r) الأمان للتفكر بالإسلام والدخول فيه طواعية وأعطاه مهلة ضعف ما طلب لحكمته (r) ورجاحة عقله ولين قلبه . أليس الله القائل فيه :

" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن ّ الله يحب المتوكلين " آل عمران : 159 [ 1 ]

وأنكر رسول الله (r) على أحد قواده وهو خالد بن الوليد وقوعه في الخطأ وقتل بني جذيمة بن عامر من كنانة بعد أن وضعوا السلاح لأنهم قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا ولما انتهى الخبر إلى رسول الله (r) رفع يديه إلى السماء ثم قال :

/ 5 / (( اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد )) [ 14 و 15 ] ( )

ولم يكتف بهذا بل أرسل علياً بن أبي طالب إلى هؤلاء القوم لينظر في أمرهم ويعوضهم بدية الدماء وما أصيب لهم من الأموال اعتذاراً لهم من رسول الله (r) كما قال ابن إسحاق :

/6/ (( ثم دعا رسول الله (r) علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك . فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله (r) ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى إنه ليدى لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا : لا . قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله(r) ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل . ثم رجع إلى رسول الله (r) فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ! قال : ثم قام رسول الله (r) فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات . [ 14 ] ( )

وما أعظم قول رسول الله (r) عندما اعتبر اليهود والنصارى من المؤمنين إذا أسلموا , وإذا ثبتوا على دينهم لا يردوا عنه ، ولم يفرض عليهم سوى الجزية لقاء حمايتهم وتمتعهم بحقوقهم في بلاد المسلمين وكل الخدمات العامة المتوفرة للمسلمين . أليس للمسلمين فريضة الزكاة أيضاً والصدقات العديدة التي فرضها الله عليهم ؟! ليأخذ من أموال الأغنياء صدقـة تزكيهم وتطهرهم وتصرف على الفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكرهم الله تعالى :

" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " التوبة: 60 [ 1 ]

فهذا قول رسول الله (r) بكتابه إلى ملوك حمير الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان وغيرهم :

/7/ (( وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها ، وعليه الجزية على كل حال ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثياباً ، فمن أدى ذلك إلى رسول الله(r) فإن له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله .)) [ 14 ] ( )

وكذلك حاور رسول الله(r) باقي الأديان لتوضيح دين الإسلام لليهود والنصارى لعلهم يسلموا أو يكفوا يد الأذى عن المسلمين .

/8/ (( عن صفوان بن عسّال قال : قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي قال لـه صاحبه لا تقل نبي لو سمعك كان له أربعة أعين فأتيا رسول الله (r) وسألاه عن تسع آيات بينات فقال لهم لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ولا تسحروا ولا تأكلوا الرّبا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا يوم الزحف وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت فقبلوا يديه ورجليه وقالوا نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا : إن داوود دعا بأن لا يزال من ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود . [ 16 ] ( )

ويعتبر رسول الله (r) الدين النصيحة:

/9/ (( عن تميم الداري () : أن النبي(r) قال : (الدين النصيحة ) قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) [ 17 و 16 و 15 ] ( )

والنصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير ومعنى النصيحة لله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه ، ونصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم . [ 16 ] ( )

وهكذا يترابط المجتمع الإسلامي كله بالدين من صغيرهم إلى كبيرهم بكل ما فيه الخير لهم وللبشرية جمعاء .

أما حرية التكلم بالحق عند سلطان جائر فكانت أفضل الجهاد عند رسول الله (r) لأن كلام الحق يجب أن يقال ويعتبر قوله جهاداً في سبيل الله فهو يحتاج لشجاعة وإيمان وصبر وخاصة أمام السلطان الجائر ، ولأنه يحمل الخير للكون جميعاً وهل أعظم من كلام الحق ونيل الحقوق ؟!

/10/ (( عن طارق بن شهاب أن رجلاً سأل النبي (r) وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال كلمة حق عند سلطان جائر )) [ 16 ] ( )

وحتى المشركين والمنافقين الذين أمر الله تعالى ورسوله بمقاتلتهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله نهى الله عن مقاتلتهم وإكراههم على الدين إذا لم يقاتلوا المسلمين في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم ، أو إذا انتهوا عما نهوا عنه ، أو عندما تضع الحرب أوزارها وحدوث السلام .

قال تعالى :

"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة : 8

" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا . ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " الأحزاب : 60 _61

" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعد وإمّا فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم " محمد : 4

" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " البقرة : 193 [ 1 ]

وهذا أكبر مثال عن ترابط وتشابك تعاليم الدين الإسلامي الحنيف بين القرآن الكريم والسنة الشريفة في أغلب أمور الحياة وأعظمها أهمية للإنسان كما أسلفنا .



ج . حرية الإنسان بحياته الخاصة :

1ً . حرية الإنسان بالزواج : / من المادة السادسة عشرة /

ترك رسول الله (r) الإنسان حراً في الزواج يتزوج كيف يشاء وأنى شاء ومن يشاء ولكنه لم يشجعه على الرهبانية والعنوسة بل حثه على الزواج لما في ذلك من حسن تنظيم لحياة الإنسان وملاءمته للفطرة السليمة والعلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة .

/11/ (( عن أنس() أن نفراً من أصحاب النبي (r) سألوا أزواج النبي (r) عن عمله في السر ، فقال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا آكل اللحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فحمد الله وأثنى عليه ، فقال : ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) [ 17 و 15 ] ( )

/ 12 / (( عن عبد الله () قال : قال لنا رسول الله(r) : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فلينكح فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فليصم فإن الصوم لـه وجاء )) . [ 18 و17 و15 ] ( )

كما حث رسول الله (r) على الزواج من ذات الدين إرشاداً منه وتعليماً .

/ 13 / (( عن أبي هريرة () عن النبي (r) قال : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها , فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .[ 17 و15 و 18 ] ( )

وخص (r) من ذات الدين المرأة الصالحة .

/ 14 / (( عن عبد الله بن عمرو () : أن رسول الله (r) قال : الدنيا متاع , وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )) .[ 17 و18 ] ( )

وأمر رسول الله (r) الخاطبين بالنظر إلى المرأة لاختيارها اختياراً موفقاً سليماً قبل الزواج لما في ذلك من أثر نفسي ايجابي على كلا الخطيبين وحسن استمرار الزواج فيما بعد وشعور المرء بحرية الاختيار فيما يخصه .

/ 15 / (( عـن أبي هريرة () قال : خطب رجلٌ امرأةً من الأنصـار فقال لـه رسـول الله (r) : هل نظرت إليها قال لا فأمره أن ينظر إليها )) .[ 18 و 17 ] ( )

وكذلك لا يكفي أن ينظر الخاطب لخطيبته ويعجب بها إذ لا بد من إعجاب الخاطبة بخطيبها أيضاً وأخذ موافقتها على هذا الزواج ولاختلاف الأيم عن البكر من حيث الخجل والخبرة في الحياة كان هناك اختلاف في كيفية التعبيرعن موافقة كل منهما بقبول هذا الزواج أم رفضه فكان من حكمة رسول الله (r) أن الأيم تستأمر والبكر تستأذن .

/ 16 / (( عن أبي هريرة () أن النبي (r) قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر , ولا تنكح البكر حتى تستأذن . قالوا يا رسول الله , وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت )) .[ 15 و17 ] ( )

ونظراً لأهمية الزواج في المجتمع الإسلامي حث رسول الله (r) على إعانة المتزوجين واعتبرها حقُ على الله .

/ 17 / (( عن أبي هريرة () أن رسول الله (r) قال : ثلاثة حقٌ على الله عز وجل عونهم المكاتب الذي يريد الأداء , والناكح الذي يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله )) . [ 18 ] ( )

كما كان (r) المثل الأعلى في جعل صداق المرأة _ مهرها _ ضمن الحدود المعقولة فلا غلاء للمهور ولا بخس فيها .

/ 18 / (( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن () أنه قال : سألت عائشة زوج النبي(r) : كم كان صداق رسول الله (r) قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشر أوقية ونشاً , قالت: أتدري ما النش ؟ قال : قلت : لا . قالت : نصف أوقية , فتلك خمسمائة درهم , فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه )) [ 17 ] ( )

وحقناً للدمـاء وللصراعات التي يمكن أن تنشب بين شبان الأمة الإسلامية فقد آثر رسـول الله (r) أخوة الإيمان على حب امرأة مهما كانت صفاتها من جمال وحسب ومال فنهى عن التنافس على خطبة أخيه المؤمن حتى يترك لما في ذلك من أسباب توجب الكراهية والتباغض بين البشر فالحق أولاً للسابق في ذلك .

/19/ (( عن عبد الرحمن بن شماسة : أنه سمع عقبة بن عامر () على المنبر يقول : إنّ رسول الله (r) قال : (( المؤمن أخو المؤمن ، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أبيه حتى يذر )).[ 17 و 15 ] ( )

كما حث رسول الله (r) على الاحتفاظ بالأسرار الزوجية أدباً رفيعاً منه من آداب الزواج الهامة .

/20/ (( عن أبي سعيد الخدري () قال : قال رسول الله (r) : إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها )) .[ 17 ] ( )

ووصـى الرجال كثيراً بحسن معاشرة النساء ومعاملتهن فقال(r) في خطبته في حجة الوداع:

/21 / ((واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولى ، فانى قد بلغـت وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتـم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيناً ، كتاب الله وسنة نبيه )) . [ 14 ] ( )

ووصى أيضاً كلا الطرفين بأداء الحقوق إلى بعضهما البعض في نفس الخطبة فقال :

/22/ ((أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقاً ولهن عليكم حقاً لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإنّ الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) .[ 14 ] ( )

وحذر المرأة من الامتناع عن فراش زوجها لما في ذلك من ضرر لكليهما ولأسرتهما .

/23/((عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (r) قال : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح )) .[ 15 و 17 ] ( )

حتى أثناء فترة الحيض واجتناب النساء في المحيض الذي أمر به الله تعـالى في سورة البقرة: 222 [ 1 ] فإن رسول الله (r) كان يفسر للناس بتصرفاته وسلوكه مع زوجاته ماذا يعنيه هذا الاجتناب ويلخصه بعدم الجماع ، ولكنه كان يباشر زوجاته فوق الإزار كما ذكرت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في ذلك .

/24/ (( عن عائشـة رضي الله عنها قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسـول الله (r) أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها )). [ 15 و17 ] ( )

وحذر رسول الله (r) من الزنى والخيانة الزوجية كثيراً لما فيهما من ضرر شديد للبشرية ولصلاح المجتمع فبايع رسول الله (r) المسلمين على عدم الزنى وذكرها مباشرة بعد عدم الشرك بالله والسرقة .

/25/ (( عن عبادة بن الصامت() قال كنا عند النبي(r) في مجلـس فقال تبايعوني على أن لا تشـركوا بالله شـيئاً ولا تسـرقوا ولاتزنوا قرأ عليهم الآية فمن وفّى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عز وجل فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له )) .[ 19 و 15 ] ( )

وجعل رسول الله(r) الزنا من الكبائر وخاصة زنى المحصن وأحل دمه بذلك واعتبر عقوبته كعقوبة القاتل العمد أو المرتد عن الإسلام .

/26/ (( عن ابن عمر() أن عثمان قال سمعت رسول الله(r) يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم أو قتل عمداً فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل )) .[ 16 و 15 و 17 ] ( )

ولكن شدد كثيراً على التأكد التام من حدوث الخيانة الزوجية وعدم الظن بذلك وضرورة شهادة أربعة شهداء حتى يضبط هذه الأمور ويحكم التصرف فيها ويمنع معالجة الخطأ بخطأٍ أكبر منه فيقتل الزوج زوجه مثلاً إن شاهد الخيانة بعينه وهذا خطأ لأن عقوبة الزاني وضع حدها الله تعالى بنفسه .

/27/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله (r) : نعم . قال : كلا والذي بعثك بالحق كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك . قال رسول الله (r) : اسمعوا إلى ما يقول سيدكم . إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني )) .[ 17 ] ( )

2ً. حرية الإنسان بالطلاق : /من المادة السادسة عشرة/

لقد كانت سنة رسول الله (r) مثالاً يحتذى به في السماح بالطلاق والحرية فيه لكلا الزوجين ولكن هذه الحرية قيدت بضوابط شرعية تمنع الظلم عن أحد الطرفين وهذه الضوابط فصل فيها القرآن الكريم وسنة رسول الله (r) وتفرد بها الدين الإسلامي عن باقي الأديان إلى يومنا هذا .

فمثلاً يجب أن يتريث الزوج كثيراً وينتظر إذا كانت المرأة حائض فقد يتراجع عن قراره بالطـلاق أثناء فترة الانتظـار هذه ويندم على فعلته التي كانت متسـرعة وغير مدروســة

/28/ (( عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض فسـأل عمر النبي (r) فأمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ، ثم يمهلها حتى تطهر ، ثم يطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء قال فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول : أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين , إن رسول الله (r) أمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها وأما أنت طلقتها ثلاثاً فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك ، وبانت منك )). [ 17 و15 و12 ] ( )

وخير رسول الله(r) نساءه بالطلاق مانحاً إياهن الحرية الكاملة بذلك

/29/ (( عن عائشة رضي الله عنها قالـت : (( خيرنا رسول الله (r) فاخترنا الله و رسوله فلم يعد ذلك علينا شيئاً )) .[ 15 ] ( )


وكذلك لا يقع الطلاق إذا خير الزوج زوجته به عندما تطالبه بما لا يطيق من النفقة .

/30/ (( ســألت عائشة رضي الله عنها عن الخيرة فقالت خيرنا النبي(r) أفكان طلاقاً )). [ 12 و 15 و17 ] ( )

وقولها أفكان طلاقاً هو استفهام إنكار . [ 13 و 18 ] ( )

أما إذا أرادت الزوجة الطلاق فإن رسول الله (r) كان يطلقها بالحسنى ويمتعها ويرسلها إلى أهلها كما حدث مع ابنة الجون

/ 31 / (( عن عائشة ()أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله (r) ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك )) [ 12 و15 ] ( )

ويقال أن اسمها عمرة أو أسماء بنت الجون [ 13 ] ( )

ونفس الحديث روي عن أبي أسيد ر ولكن رسول الله(r) قال له أخيراً :

/ 32 / (( يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها )) [ 12 ] ( )

والرازقية ثياب من كتان بيض طوال قاله أبو عبيدة , وقال ابن التين : متعها بذلك إما وجوباً وإما تفضلاً . [ 13 ]

ونهى الله تعالى أن يمسك الرجل زوجته ضراراً وتعدي منه على حقوقها في صريح الآية 231 من سورة البقرة [ 1 ] التي عمل بها رسول الله (r)

وكذلك عندما نهى الله عن تعدد مرات الطلاق أكثر من مرتين حفاظاً على استقرار الأسرة السليم وتعقل كلا الزوجين قبل اتخاذهما هذا القرار ووضع شرطاً للعودة عند الطلاق الثالث وهو أن تتزوج المرأة رجلاً غير زوجها فهي إما أن تستقر معه ويكون أفضل من زواجها السابق وإما أنها تندم وتعـرف قيمة زوجها الأول فتعود إليه وتطلب الطلاق من زوجها الثاني , ولكن الزواج الثاني يجب أن يكون زواجاً تاماً لا شكلياً حتى يكون قرارها سليماً فإما الاستمرار فيه وإما الندم والعودة وهذا ما كان على لسان رسول الله (r) مفسراً وموضحاً للآية 230 من سورة البقرة [ 1 ]

/ 33 / (( عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها , فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت النبي(r) فقالت : يا رسـول الله إنها كانت تحـت رفاعة , فطلقها آخر ثلاث تطليقـات , فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير , وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة . وأخذت بهدبة من جلبابها , قال : فتبسم رسول الله (r) ضاحكاً , فقال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا , حتى يذوق عسيلتك , وتذوقي عسيلته ))

[ 17 و12 و 15 ] ( )

هذه هي الحرية في الطلاق عند رسول الله (r) حتى أنه إذا حرّم الرجل امرأته يعتبرها لـه يمين يمكن تكفيرها بكفارتها المعروفة أسوةً حسنةً من رسول الله (r)

/ 34 / (( عن ابن عباس () قال : إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها , ولقد كان لكم في رسول الله (r) أسوة حسنة )) [ 17 و15 ] ( )

3ً . حرية الإنسان بمسكنه وأسراره : / من المادة الثانية عشرة /

حذر رسول الله (r) من نشر أسرار الناس أو التجسس عليهم في أماكنهم الخاصة بيوتهم وحجراتهم عملاً بآداب الآية

" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم " الحجرات : 12 [ 1 ]

فـأول ما بدأ بنهي الزوج عن نشر سر زوجته كما ذكرنا في الحديث / 20 / وجعل من يتجسس على بيوت الناس مهدور القصاص حتى ولو فقئت عينه تحذيراً شديداً منه ولبشاعة هذا الفعل .

/35/ (( عن سهل بن سعد قال : اطلع رجل من جحر في حجر النبي (r) ومع النبي مدرى يحك بها رأسه فقال : لو أعلم أنك تنتظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر )) .[ 15 و17 و 19 ] ( )

وعلم (r) أصحابه الاستئذان والسلام قبل دخول بيوت الناس .

/36/ (( عن أبي سعيد الخدري قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت. قال ما منعك؟ قلت : استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت . وقال رسول الله (r) : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع )) .[ 15 و17 ] ( )

وشرح كيف يتم الإذن بالتفصيل كما ذكر عن ابن مسعود .

/37/ (( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله (r) : (( إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تسمع سوادي ، حتى أنهاك )) .[ 17 ] ( )

حتى إذا صادف المرء منظراً فيه سر من أسرار أخيه أو عوراته فعليه أن يغض نظره بأمر من رسول الله(r) .

/38/ (( عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه : قال : سألت رسول الله (r) عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري )) .[ 17 ] ( )

وحتى الطريق أراده رسول الله (r) لراحة الإنسان وحذر من الأذى فيه فنهى عن الجلوس في الطرقات إلا عند الضرورة مع إعطاء الطريق حقه .

/39/ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي(r) قال : إياكم و الجلوس في الطرقات قالوا : يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ؟ قال رسول الله (r) فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا : وما حقه ؟ قال: غض البصر ، وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) .[ 17 و15 ] ( )

واعتبر رسول الله (r) مس الشرف والسمعة من الأذى فقال في حادثة الإفك المشهورة قبل نزول القرآن الكريم ببراءة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما قام رسول الله (r) في الناس يخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

/40/ (( أيها الناس ما بال رجالي يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق والله ما علمت منهم إلا خيراً ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً وما يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي )) .[ 14 ] ( )

وسنذكر في الحديث اللاحق / 109 / أن قذف المحصنات من السبع الموبقات التي نهانا رسول الله (r) عنها .[ 18 و15 ] ( )

4ً . حرية الإنسان بالتنقل من مكان إلى آخر والإقامة الحرة واللجوء إلى بلاد أخرى هرباً من الاضطهاد :

/ من المادة الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة /

اعتبر رسول الله(r) أرض الله واسعة ولم يرغم أحداً على العيش في مكان معين وعلى العكس شجع الرسول (r) على الهجرة طلباً للأمان والعيش الكريم وفراراً بالدين والمعتقدات من الجبارين الظالمين الذين سلبوا الناس حقوقهم وعذبوهم لمجرد اعتقادهم الفكري وإيمانهم بوحدانية الله .

/41/ (( قال ابن إسحاق : فلما رأى رسول الله (r) ما يصيب أصحابه من البلاء , وما هو فيه من العافية , بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب , وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء , قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد , وهي أرض صدقٍ , حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه. فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله (r) إلى أرض الحبشة , مخافة الفتنة , وفراراً إلى الله بدينهم , فكانت أول هجرة كانت في الإسلام.)) .[ 11 ] ( )


وقال أيضاً ابن إسحاق

/42/ (( فلما أذن الله تعالى في الحرب , وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه , وأوى إليهم من المسلمين , أمر رسول الله(r) أصحابه من المهاجرين من قومه , ومن معه بمكة من المسلمين , بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها , واللحوق بإخوانهم من الأنصار , وقال : إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها , فخرجوا أرسالاً, وأقام رسول الله (r) بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة , والهجرة إلى المدينة .)) .[ 11 ] ( )

وشجع رسول الله (r) على الفرار بالدين من الفتن في كل زمان ومكان .

/43/ (( عن أبي سـعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر , يفر بدينه من الفتن )) .[ 15 و19 ] ( )


2 . باب حق الحياة وسلامة النفس : / من المادة الثالثة /

بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة النفس البشرية وحرم القتل والانتحار بشكل عام وجعل قتل النفس من الكبائر .

/44/ (( عن عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس )) .[ 16 و17 و15 ] ( )

كما قال في صفة المسلم

/45/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم )) .

[ 19و17 و15 ] ( )

واعتبرت هذه الصفة من خير صفات المسلمين

/46/ (( عن عبد الله بن عمرو بن العـاص رضي الله عنهما : أن رجلاً سـأل رسـول الله صلى الله عليه وسـلم : أي المسـلمين خيـر ؟ قال : من سلم المسلمون من لسـانه ويده )). [ 17 و15 ] ( )

وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النفس تحريماً صريحاً في خطبته في حجة الوداع بتحريم الدماء .

/47/ ((عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : فإن الله تبارك وتعالى قد حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا , في بلدكم هذا , في شهركم هذا , ألا هل بلغت ؟ ثلاثاً , كل ذلك يجيبونه : ألا نعم , قال : ويحكم _أو ويلكم _ لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) . [ 15 و 17 و 14 و 20 ] ( )

وبين رسولنا الكريم للناس أن الدماء هي أول ما يقضى بها بين الناس يوم الحساب .

/48/ (( عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول ما يقضى بين الناس في الدماء )) . [ 15 و17 ] ( )

وقتال المسلم كفر بإقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

/49/ (( عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) . [ 17 و15 ] ( )

وإذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار .

/50/ (( عن الأحنف بن قيس قال : خرجت وأنا أريد هذا الرجل , فلقيني أبو بكرة , فقال أين تريد يا أحنف ؟ قال : قلت : أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني علياً رضي الله عنه . قال : فقال لي : يا أحنف ارجع , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قال : فقلت _ أو قيل _ : يا رسـول الله , هذا القاتـل فما بـال المقتول ؟ قال : إنه قد أراد قتـل صاحبه )). [ 17 و15 ] ( )

أما المنتحر الذي يقتل نفسه فهو في نار جهنم يقتل نفسه فيها خالداً مخلداً فيها أبداً.

/51/ (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده , يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم , خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم , خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم , خالداً مخلداً فيها أبداً )) . [ 17 و12 ] ( )

ودم المسلم وحياته لا تحل إلا بالأمور العظيمة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت في ثلاث حالات وهي إما عقوبة لـه حيث أن القاتل يقتل أو لكف أذاه عن الناس كالثيب الزاني وما يجره من ويلات ومصائب على الأسرة والمجتمع وعلى نفسه أو الذي تخلى عن الدين والجماعة وهو الذي يكون متمرداً فاجراً على كل قوانين الله ومستعداً لتدمير المسلمين والناس أجمعين بجبروته وظلمه فلا خير يرتجى من حياته بعدما عرف الحق وتنكر له وكفر به وحارب المسلمين أو ظلمهم .

كما ذكرنا في الحديث / 26 /

والكافرون والمنافقون جميعاً كما ذكرنا سابقاً في حرية العقيدة علينا أن نبرهم ونقسط إليهم ونقف قتالهم إذا لم يقاتلوا المسلمين في الدين ، ولم يظلموهم ، ولم يخرجوهم من ديارهم ، أو إذا انتهوا عما نهوا عنه أو عندما تضع الحرب أوزارها . وكلها أسباب لحقن الدماء والسلام العالمي .

ودين الإسلام تفرد بهذه الشروط السهلة للسلام والمحافظة على النفس البشرية أمام باقي الأديان وبقية الأمم التي تضع شروطاً ظالمة ومهينة للشعوب حتى تستسلم له مؤقتاًً وتندلع حروبها مجدداً بعد حين .

3 . باب حق المساواة وعدم التمييز :

/ من المادة الأولى والثانية والسابعة والعاشرة والسادسة عشرة

والحادية والعشرين والثالثة والعشرين /

"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبير " الحجرات : 13 [ 1 ]

من أعظم صفات الإنسانية وحقوق الإنسان التي نادى بها وعمل لأجلها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي حق المساواة بين البشر فكان لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى , والناس كلهم سواسية كأسنان المشط .

فساوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الغني والفقير ، وبين السيد والعبد في المسجد وفي الجلوس معه ، وكانوا أمامه متكافئين في الدماء والأموال والحقوق .

/52/ (( عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم وأموالهم ويجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم )) [ 21 : الجهاد / الوفاء بالبيعة ]

وهو صلى الله عليه وسلم أول من ألغى التمييز العرقي وخاصة مع الزنوج أكثر المستضعفين في الأرض .

/53/ (( عن ابن عون قال : كلموا محمداً في رجل يعني يحدثه فقال لو كان رجلاً من الزنج لكان عندي وعبد الله بن محمد في هذا سواء )) [ 22 ] ( )

وكانت القاعدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاضل البشر عن بعضهم فقط بالعلم والإيمان ثم بالهجرة وكبر السن .

/54/ (( عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله , فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة , فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً , ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه , ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )) . [ 17 ] ( )

ومع هذا فإن رسول الله (r) يفضل هكذا بالإمامة فقط لما تتطلبه هذه الإمامة من تلك العلوم وذلك الاحترام للكبير وللمهاجرين في سبيل الله الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وأقاموا في بلاد الغربة لا يعلمون ما يؤول إليه مصيرهم في الاستقرار والعيش الكريم .

وحتى بيـن الأولاد لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالعدل والمساواة فيما بينهم. فها هو أحدهم ينحل ابنه شيئاً ولم ينحل كل أولاده فيأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برد ما نحل حكمة منه وعدلاً وحفاظاً على الود والمحبة بين الأولاد وعدم التناحر والتباغض .

/55/ (( عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : تصدق علي أبي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم . قال : لا , قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم . فرجع أبي فرد تلك الصدقة )) .[ 17 و15 و23 ] ( )

ومن أجل هذا الحق نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التكبر والبطر بين البشر .

/56/ (( عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه _ ورأى رجلاً يجر إزاره, فجعل يضرب الأرض برجله , وهو أمير على البحرين _ وهو يقول : جاء الأمير جاء الأميـر , قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً )) [ 17 و 15 ] ( )

/57/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهـم ولهم عذاب أليم : شيخ زان , وملك كذاب , وعائل مستكبر )) . [ 17 ] ( )

وأعظم مثلاً في حياته صلى الله عليه وسلم أمر مسجد الضرار الذي بناه أهله بغية التفريق بين المؤمنين وظلم الناس ، ولما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهدمه وحرقه رغم أنه كان مسجداً في ظاهره لعبادة الله تعالى .

/58/ (( فلما نزل بذى أوان , أتاه خبر المسجد , فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم , أخا بنى سالم بن عوف , ومعن بن عدى , أو أخاه عاصم بن عدى, أخا بني العجلان , فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله , فاهدماه وحرقاه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : " والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين" ... إلى آخر القصة )) [ 14 ] ( )

4 . باب حق الأخوة بين البشر : / من المادة الأولى /

للأخوة معنى مقدس أزلي يضرب بها المثل ويشبه بها عند ذكر الإخلاص والمحبة والتعاون بين البشر حيث يتعلم المرء أول حب بين الناس بعد الوالدين . فيحب المرء أخته وأخاه تحت كنف أسرة واحدة ليخرج فيما بعد إلى محيط الأسرة ثم الناس أجمعين .

وإذا أراد أن يعيـش بسعادة وأمان وسلام عليه أن يتخلى عن أنانيته فيحب من حوله كإخوته. كما يتمنى أن يبادله هذا الحب أولئك الأخوة .

ولهذا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى المقدس واعتبره أساس الإيمان.

/59/ (( عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) . [ 15 و17 و19 ] ( )

فيحب المسلم أخاه في الإيمان لأن المتحابين في الله يحبهم الله ويظلّهم بظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه .

/60/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عزّ و جـلّ يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهـم في ظلي يوم لا ظلّ إلا ظلّـي )) . [ 17 ] ( )

وأول أخوة ذكرها محمد صلى الله عليه وسلم في الإسلام كانت أخوّته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه .

/61/ (( قال ابن إسحاق : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإني لو كنت متخذاً من العبـاد خليلاً لاتخـذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده )) .[ 14 ] ( )

فكان مثال الصديق والأخ والصاحب ، ثمّ عندما آخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة حيث توطدت فيها دعائم الأمة الإسلامية التي انطلقت إلى جميع بقاع العالم فاتحة للبلاد ومعلمة للعباد ، ولولا هذه الأخوة لما كانت تلك القوة العظيمة التي اعتبرت مفتاح الألفة بين قلوب البشر التي قال فيها الله تعالى :

" وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " الأنفال : 63 [ 1 ]

/62/ (( قال ابن إسحاق : وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال_ فيما بلغنا ، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل _ : تآخوا في الله أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : هذا أخي )).[ 11 ] ( )

قال السهيلي : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حين نزلوا بالمدينة ، ليذهب عنهم وحشة الغربة ، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ، ويشد أزر بعضهم ببعض . فلما عزّ الإسلام ، واجتمع الشمل ، و ذهبت الوحشة ، أنزل الله سبحانه " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " أعني في الميراث . ثم جعل المؤمنين كلهم أخوة فقال : "إنما المؤمنون إخوة " يعني في التّوادد ، وشمول الدعوة .[ 11 ]

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على الأخوة وتبيان فضائلها بل بين السبيل إلى هذه الأخوة بكثير من الأقوال والأفعال ، فمثلاً حرم عليه المنافسة مع أخيه في البيع والخطبة كما ذكرنا في الحديث / 19 / .

وذلك لما لهذه المنافسة من آثار ضارة كالغيرة والحسد والكراهية وهذا ما يأباه الله تعالى ورسوله الكريم بين المؤمنين الإخوة الذين على العكس من ذلك يجب أن يزدادوا حباً لبعضهم البعض عن طريق الهدايا والهبات ، وليعطي كل مؤمن أخاه أكثر مما يأخذ.

/63/ (( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ، ولا يكرها )) . [ 17 و 15 ] ( )

وحق المسلم على أخيه المسلم خمس كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف التالي :

/64/ ((عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمسٌ تجب للمسـلم على أخيه : رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإجابة الدعوة ، وعيادة المريض, واتّباع الجنائز )) .[ 17 و15 ] ( )

فهذه الأمور الخمسة تزيد من محبة الناس لبعضهم البعض وتقوي من عضدهم وتوادهم وتراحمهم و هذا ما يرتقي بالمجتمع إلى ما شبّه بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً .

/ 65 / (( عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) .[ 17 و15 ] ( )

و شبه مثل هؤلاء المؤمنين بالجسد الواحد أيضاً

/66/ (( عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى )) .[ 17 ] ( )

ونصرة الأخ واجبة على المؤمنين وفي كل الأحوال ظالماً أو مظلوماً كما بينه رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم

/67/ (( عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً ، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر ، وإن كان مظلوماً فلينصره )) . [ 17 و15 ] ( )

ومهما ذكرت روح الإخاء في الإعلان العالمي فإذا لم يتوفر الوازع الديني القوي والمقومات السابقة لهذا الإخاء لا يمكن أن يتحقق ويعم بين البشر بكل معانيه السامية ومآثره الإنسانية .


5 . باب حق الكرامة الإنسانية : / من المادة الأولى والثالثة /

كرّم الله تعالى الإنسان بنعم لا تعد ولا تحصى وفضله على كثير من مخلوقاته كما ذكرنا سابقاً في مقدمة القسم الثاني من سورة الإسراء : 70

فإذا كرّم الله هذا الإنسان فكيف برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجاهل هذا الأمر وكل رسالته كانت للإنسان وكرامته وعلو شأنه .

وأوّل كرامة كانت للإنسان هي خلقه بأحسن صورة .

/68/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه , فإن الله خلق آدم على صورته )) [ 17 و 15 ] ( )

ثمّ هدى الله الإنسان وعلمه وأدبه بالآداب والأخلاق الحسنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا في هذا الدعاء .

/69/ (( قال أبو هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق )) [ 19 ] ( )



وحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان على العناية بمظهره جميلاً نظيفاً ذي رائحة عطرة وألبسة طاهرة نظيفة ، فغير الاغتسال من الجنابة والحيض والنّفاس والشرك إذا أسلم هناك الوضوء خمس مرات يومياً .

وكثيرة هي الأحاديث الشريفة التي تهتم بالنظافة والعناية بمظهر الإنسان ذكراً كان أم أنثى أهمها :

/70/ (( عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من الفطرة قص الشارب وقص الأظفار وغسل البراجم وإعفاء اللحية والسّواك والاستنشاق ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء )) [ 19 و 15 و17 ] ( )

/71/ (( عن أبي قتادة قال كانت له جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم )) . [ 19 ] ( )


وحتى تغيير لون الشيب ذكر عنه :

/72/ (( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتي بأبي قحافة رضي الله عنه يوم فتح مكة , ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء , واجتنبوا السواد )) . [ 17 و15 ] ( )

أمّا عن نظافة الثياب وألوانها فذكر :

/73/ (( عن أبي المهلب عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم )) . [ 19 ] ( )

وعن طيب رائحة الإنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في حبه الشديد للرائحة العطرة .

/ 74 / (( عن محمد بن علي قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب قالت نعم بذكارة الطيب المسك والعنبر )) . [ 19 ] ( )

وحتى اسم الإنسان يجب أن يكرمه ويعلو من شأنه برأي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

/ 75 / (( عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن ابنة لعمر رضي الله عنهما كانت يقال لها عاصية , فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة )) .[ 17 و15 ] ( )

أما المرأة فبالإضافة لما ذكر حثها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاعتناء بجمالها ومظهرهـا أكثر من الرجل فلم يحرم عليها لبس الذهب والحرير الذي حرمهما على رجال أمته .

/ 76 / (( عن إبن زرير أنه سـمع علي بن أبي طالب يقول إن نبي الله صلى الله عليه وسـلم أخذ حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرامُ على ذكور أمتي )) .[ 19 و15 و17 ] ( )

ونهى صلى الله عليه وسلم المرأة عن حلاقة رأسها لما للشعر من دور في إبراز جمالها ودلالها كرمى لها .

/ 77 / (( عن قتادة عن خلاس عن علي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها )) .[ 19 ] ( )

وحثها على تغيير لون أظافرها بالحناء زينة لها وجمالاً يميزها عن الرجال .

/ 78 / (( عن عائشة رضي الله عنها أن امراة مدت يدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فقبض يده فقالت يا رسول الله مددت يدي إليك بكتاب فلم تأخذه فقال إني لم أدر أيد امرأة هي أو رجل قالت بل يد امرأة قال لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء )) .[ 19 ] ( )

و لكنه بالمقابل لم يرض أن تكون المرأة عامل فتنة وشهوة تثير الرجال في الطرقات العامة فبالإضافة لما ذكر في القرآن الكريم عن فرض الخمار على المرأة وإخفاء زينتها عن غير محارمها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تطيبها ونشر رائحتها الزكية على الناس في الطرقات .

/ 79/ (( عن الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية )) .[ 19 ] ( )

ولأهمية رائحة الفم ومظهر الأسنان النظيف والجميل في الأحاديث والابتسام أثناء تعامل الناس مع بعضهم البعض اهتم رسول الله (r) كثيراً بالسواك وذكرت عنه أحاديث كثيرة في ذلك من نسائه وأصحابه لكثرة استخدامه له أمامهم .

/80/ (( عن أبي هريرة رضي الله عنـه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لولا أن أشـق على المؤمنين _ وفي حديث زهير : على أمتي _ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)). [ 17 و15 ] ( )

وحتى بعد الوفاة كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان بتكريم جسده بالغسل والطيب والصلاة عليه ثم اتباع جنازته حتى دفنه .

/81/ (( عن أم عطية رضي الله عنها قالت : لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلنها وتراً : ثلاثاً أو خمساً ، واجعلن في الخامسة كافوراً ، أو شيئاً من كافور ,فـإذا غسلتنها فاعلمنني )). قالت:فأعلمناه , فأعطانا حقوهُ وقال : أشعرنها إياه )) . [ 17 و15 ] ( )

/82/((عن جابر بن عبدالله : أن النبي(r) خطب يوماً , فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل,وقبر ليلاً , فزجر النبي (r) أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه , إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك, وقال النبي (r) : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)).[ 17 ] ( )

/83/((عن أبي هريرة عن النبي (r) قال من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً فصلى عليه ثم انتظر حتى يوضع في قبره كان له قيراطان أحدهما مثل أحد ومن صلى عليه ثم رجع كان له قيراط)) [ 19 و 17 و15 ] ( )

هذا ما يخص الإنسان وشخصه ولكن والحق يقال كل ماجاء في بقية الحقوق المذكورة كان من أجل كرامة الإنسان وفائدته في الدنيا والآخرة.

6. باب حق الإنصاف والعدل في القضاء والقانون:

/من المادة الثانية والسادسة والسابعة والثامنة والعاشرة والحادية عشرة/

قال تعالى:

" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً " النساء : 58 [ 1 ]

لقد كانت رسالة محمد(r) متميزة بالإنصاف والعدل والقسط في كل أمور الناس, وكان(r) هو القاضي بين الناس بالعدل لم يظلم أحداً..كيف لا ؟والله سبحانه وتعالى الذي أرسله يأمر كل المؤمنين بهذا العدل أليس هو القائل:

" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "

المائدة : 8 [ 1 ]

فكان رسولنا العظيم (r) يعدل بين كافة البشر ولو كانوا أهل بيته

/84/ ((عن عائشـة أن امرأة سرقت فأتى بها النبي (r) فقالوا من يجترىء على رسـول الله (r) إلا أن يكون أسامة فكلموا أسامة فكلمه فقال النبي(r) يا أسامة إنما هلكت بنو إسرائيل حين كانوا إذا أصاب الشريف فيهم الحد تركوه ولم يقيموا عليه وإذا أصاب الوضيع أقاموا عليه لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها) [ 19 و17 و15 ] ( )

/85/((عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي (r) قال إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور على يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا قال محمدٌ في حديثه وكلتا يديه يمين)) . [ 19 و 17 ] ( )

/86/ ((عن أبي هريرة أن رسول الله (r) قال سبعةٌ يظلهم الله عز وجل يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في عبادة الله عز وجل ورجلٌ ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجلٌ كان قلبه معلقاً في المسجد ورجلان تحابا في الله عز وجل ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله عز وجل ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه)) [ 19 و17 و15 ] ( )

وكذلك أليس هو الذي بايع أهل المدينة الذين أسلموا معلماً إياهم دين الإسلام.

/87/((عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله (r) على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف لومه لائم)). [ 16 و17 و15 ] ( )

وكذلك من أجل القسط خالف العرف السائد في الجاهلية بالثأر والانتقام عملاً بقول الله تعالى: (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) الأنعام : 164 .

/ 88 / (( عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في أناس من الأنصار فقالوا يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلاناً في الجاهلية فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهتف بصوته ألا لا تجنى نفس على الأخرى )) [ 19 ] ( )

وبمقابل ذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم كثيراً في أقواله وأفعاله .

/ 89 / (( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة . واتقوا الشح , فإن الشح أهلك من كان قبلكم , حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )) .[ 17 ] ( )

/90 / ((عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة )) [ 17 ] ( )

كما حذر صلى الله عليه وسلم من دعوة المظلوم حيث كان يتعوذ منها لأنها ليس بينها وبين الله حجاب .

/91/ (( عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة المظلوم وسوء المنظر )) .

[ 19 ] ( )

قال الترمـذي : الحور بعد الكور أي الرجوع من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية .[ 19 ]

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي والتحذير ولكنه علم القضاة جميعاً كثيراً من الأمور أثناء حكمهم بين الناس فمثلاً كان يقضي بيمين وشاهد .

/92/ (( عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد )) .[ 17 ] ( )

أو يقضي باليمين على المدعى عليه

/93/ (( عن ابن عبـاس رضي الله عنهمـا : أنّ النّبي صلى الله عليه وسـلم قال : لو يعطـى الناس بدعواهـم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه )) .[ 17 ] ( )

وإذا لم توجد بينة أي أدلة بين الخصمين كان يحكم بينهم بالنصف لكل منهما .

/94/ (( عن أبي موسى أنّ رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دابة ليس لواحد منهما بينة فقضى بها بينهما نصفين )) .[ 19 ] ( )

كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة والحكام من الحكم أثناء الغضب لما يحمل بين طياته من ظلم أحياناً .

/95/ (( عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة , وهو قاضي سجستان : أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان , فإني سمعت رسول الله () يقول : لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان )) . [ 17 و 15 و 19 ] ( )

واعتبر صلى الله عليه وسلم قول الزور واليمين الغموس من الكبائر لما فيهما من افتراء وكذب و ظلم كما ذكر في الحديث / 44 / في الباب 2 سابقاً .

وحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإصلاح بين المتخاصمين إذا استطاع الحاكم ذلك بهذه القصة الرائعة التي قصها على أصحابه .

/ 96 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : اشترى رجل من رجل عقاراً لـه , فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب , فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني , إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب , فقال الذي شرى الارض : إنما بعتك الأرض وما فيها , قال : فتحاكما إلى رجل , فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي غلام , وقال الآخر : لي جارية , قال : أنكحوا الغلام الجارية , وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدقا )) .[ 17 و 15 ] ( )

حقاً إنها قصة رائعة ونادرة الحدوث بين البشر وهي تحمل حكماً عظيمة , فهي تحث على العفاف والأمانة بين البائع والشاري من جهة وتحث على فعل الخيرات بتزويج الشباب والصدقة وتقاسم العطايا من جهة أخرى .

وفي النهاية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحاكم بشر وقد يخطىء ولكن من يأخذ بحكم هذا الخطأ وهو يعلم ذلك فالله تعالى له بالمرصاد في اليوم الآخر ولا يضيع حق عنده تعالى .

/ 97 / (( عن أم سلمة زوج النبي () عن رسول الله () : أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال : إنما أنا بشر , وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض , فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك , فمن قضيت لـه بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها )) .[ 15 و17 و 19 ] ( )


7 . باب حق الحماية من التعذيب ومعاملة الأسرى بالحسنى وأخلاق

الحروب الإنسانية : / من المادة الخامسة والتاسعة /

رغم أنّ أصحاب الرسول الأوائل تعرضوا للتعذيب كثيراً عندما آمنوا بالدين الإسلامي وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يرد على الكافرين والمشركين بهذا الأسلوب والمعاملة بالمثل عندما أنعم الله عليه بالنصر وفتح مكة والقرى بعدها . بل على العكس من ذلك كان يتوعد بعذاب الله والنار في الآخرة لمن يعذب الناس أي لا يعذبهم إلاّ خالقهم يوم الحساب .

/ 98 / (( عن عروة بن الزبير , عن هشام بن حكيم بن حزام قال : مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس , وصب على رؤوسهم الزيت , فقال : ما هذا ؟ قيل : يعذبون في الخراج . فقال : أما إني سمعت رسول الله () يقول : إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا )) .[ 17 ] ( )

/ 99 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس , ونساء كاسيات عاريات , مميلات مائلات , رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة , لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها , وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) .[ 17 ] ( )

حتى الأسارى حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على إطلاق سراحهم إن لم يكن هذا يضر المسلمين وقوتهم في الحرب كما حدث مع ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة عندما أمهله رسول الله () قرابة ثلاثة أيام يستمع إلى أقواله متبيناً نيته واطمأنّ لعدم أذاه للمسلمين .

/ 100 / (( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي () فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي خير يا محمد ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ، فترك حتى كان الغد ، ثمّ قال له : ما عندك يا ثمامة ؟. قال : ما قلت لك ، إن تنعم تنعم على شاكر ، فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة؟ فقال : عندي ما قلت لك ، فقال : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نجل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، يا محمد ! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحبّ الدين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر ، فلمّا قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟ قال : لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله () ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي ().)) [15 و 17 ] ( )

وكما حدث أيضاً مع ابنة حاتم أخت عدي النصرانية التي أسرت مع سبايا من طيئ

/ 101 / (( عن عدي بن حاتم عن أخته قال : فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد , كانت السبايا يحبسن فيها , فمر بها رسول الله () , فقامت إليـه , وكانت امرأة جزلة, فقالت : يا رسول الله , هلك الوالد , وغاب الوافد , فامنن علي منّ الله عليك . قال : ومن وافدك ؟ قالـت عدي بن حاتـم . قال : الفار من الله ورسوله ؟ قالت : ثم مضى رسول الله () وتركني , حتى إذا كان من الغد مر بي , فقلت لـه مثل ذلك , وقال لي مثل ما قاله بالأمس . قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه , فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه , قالت : فقمت إليه , فقلت يا رسول الله هلك الوالد , وغاب الوافد , فامنن علي منّ الله عليك , فقال () : قد فعلت , فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لـك ثقة , حتى يبلغك إلى بلادك , ثم آذنيني . فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه , فقيل : علي بن أبي طالب , وأقمت حتى قدم ركب من بلىّ أو قضاعة , قالت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام . قالت : فجئت رسول الله () فقلت : يا رسول الله , قد قدم رهط من قومي , لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني رسول الله () , وحملني , وأعطاني نفقة , فخرجت معهم حتى قدمت الشام )) .[ 14 ] ( )

إنها أسيرة حرب عوملت بالحسنى من قبل رسول الله (r) والمسلمين رغم أن أخاها عدي كان شديد الكراهية لرسول الله () , ولكنها كانت تلح على رسول الله بكرمه وكرم الله أن يطلق سراحها ففعل بعد أن لمس منها خيراً , وكان شديد الحرص عليها وكريماً معها حتى تبلغ أهلها من عظيم صفاته ورفعة أخلاقه , وفعلاً كان لهذا العمل الأثر الكبير عند هذه المرأة وأخيها الذي قدم على رسول الله () وأسلم على يديه .

وكل أحاديث الحثّ على العتق لنيل الحرية اللاحق ذكرها في الفصل الثاني من هذا القسم تصب في مجرى معاملة الأسرى بالحسنى .

حتى السّبايا الذين حللهم العرف السائد يومئذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى منهم رأفةً ورحمةً بهم وبوليدهم يوم خيبر وهذا ما لم يعرفه العالم حينئذ 0 ويتجاهله أعداؤنا اليوم .

/ 102 / (( عن عبد الله بن أبي نجيح , عن مكحول : أن رسول الله () نهاهم يومئذ عن أربع : عن إتيان الحبالى من السبايا , وعن أكل الحمار الأهلي , وعن أكل كل ذي ناب من السباع , وعن بيع المغانم حتى تقسم )) .[ 14 ] ( )



أمّا عند الحروب في سبيل الله فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان والعبيد وهي فئة المستضعفين في الأرض حيث لم يكن أحداً يحسب حساباً أو رحمة لهذه الفئة ومازال حتى يومنا هذا لذلك الظلم والبغي عليها .

/ 103 / (( عن ابن اسحق عن بعض أصحابه : أن رسول الله () مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد , والناس متقصفون عليها فقال : ما هذا ؟ فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد , فقال رسول الله () لبعض من معه : أدرك خالداً فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً )) .[ 14 و15 و17 ] ( )

متقصفون : مزدحمون منقصمون . عسيفاً : الأجير والعبد المستعان به .[ 14 ] ( )

وكذلك نهى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن قطع الأشجار في كتابه لثقيف :

/ 104 / (( عن ابن اسحق وكان كتاب رسول الله () الذي كتب لثقيف : بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد النبي , رسول الله , إلى المؤمنين : إن عضاه وجّ وصيده لا يعضد , من وجد يفعل شيئاً من ذلك , فإنه يجلد وتنزع ثيابه , فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد , وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله )) .[ 14 ] ( )

العضاه : شجر له شوك وهو أنواع واحدته عضة .

وج : موضع بالطائف

لا يعضد : لا يقطع [ 14 ]

وكذلك قصة الأمان الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أميّة وقصة نكران الخطأ الذي وقع فيه خالد مع بني جذيمة بن عامر المذكورتان في حق الحرية _ حق العقيدة _ سابقاً تعبران عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحروب .

حتى التمثيل بجثث القتلى الذي كان سائداً وعانى منه رسول الله في غزوة أحد حيث مثل الكافرون بجثة عمه الحبيب حمزة سيد الشهداء لم يقرّه الرسول عندما انتصر بل على العكس نراه ينهى عن المثلة

/ 105 / (( عن سمرة بن جندب , قال : ما قام رسول الله (r) في مقام قط ففارقه , حتى يأمرنا بالصدقة , وينهانا عن المثلة )) .[ 14 و17 ] ( )

وذلك بعد نزول سورة النحل :

" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين " النحل: 126 [ 1 ]

وحتى الكافرين الذين أمره الله بقتالهم في الحالات التي ذكرت سابقاً في حرية العقيدة فإنّه صلى الله عليه وسلم كان يمهلهم قبل القتال ويعطيهم الأمان ليتسنى لهم الدخول في الإسلام طواعيةً .

/ 106 / (( بسم الله الرحمن الرحيم , هذا كتاب من محمد رسول الله , لرفاعة بن زيد . إني بعثته إلى قومه عامةً , ومن دخل فيهم , يدعوهم إلى الله وإلى رسوله , فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله , ومن أدبر فله أمان شهرين )) .[ 14 ] ( )

وكتابه الشهير أيضاً إلى هرقل عظيم الروم .

/ 107 / (( بسم الله الرحمن الرحيم , من محمد رسول الله (r) إلى هرقل عظيم الروم , سلام على من اتبع الهدى . أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام , أسلم تسلم , وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين , وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين, و : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) [ 17 و15 ] ( )



وهل هناك أعظم من هذا العرض ... الهدف الأسمى فيه هو الإسلام والإيمان بالله تعالى وبكل تعاليمه الصالحة للإنسان والكون كله . فلم يكن هدفه السلب والنهب ، ولم يكن يسعى لسلطان أو جاه ، ومطالبه ليست مستحيلة ولا تحمل الظلم للعباد والبلاد . فهل توجد الآن حرب لها مثل هذه المطالب السامية ؟


8 . باب حق التملك : / من المادة السابعة عشرة /

المبدأ الهام في الدين الإسلامي هو أنّ الملك لله وحده ومهما امتلك الإنسان من مال في الدنيا فإنه سيتركه في هذه الدنيا ويرحل مع عمله فقط إلى العالم الآخر ... إلى ربه خالقه الذي يرى عمله وكيف بدد ماله وكيف جمعه فإمّا السعادة وقتئذ وإمّا الشّقاء .

/ 108 / (( عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (r) : يتبع الميت ثلاثة , فيرجع اثنان ويبقى واحد : يتبعه أهله وماله وعمله , فيرجع أهله وماله , ويبقى عمله ))

[ 17 و15 ] ( )

لم يحرم الله الملكية على البشر مهما بلغت من الوسع حكمة منه تعالى حيث يمد للبشر في الحياة الدنيا ، ويمن على البعض دون الآخر ، وفي هذا أقصى درجات الحقوق والحريات. ودفعاً منه لبني البشر على السعي والعلم والطموح وإعمار الكون . ولكنه مقابل ذلك توعد الذين يكنزون الذهب والفضة ولا يستخدمونها في طريق الخير للكون والإنسانية وكذلك يأخذ من أموال الأغنياء صدقة تطهرهم وتزكيهم عن طريق الزّكاة والصدقات والكفارات وغيرها ... لتصرف على إخوانهم الفقراء والمساكين وكل المحتاجين إليها وذكرت في ذلك آيات قرآنية عديدة .

ولذلك لم يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الملكية على أحد ولكنه كان يحرم عليهم الطريق غير المشروع لاكتساب المال وخاصة طريق الظلم واغتصاب المال غصباً من بقية البشر ، فيضمن بذلك حق الملكية لكافة البشر وليس لفئة دون أخرى كما يفعل البعض . فيعتبر أولاً صفة المؤمن من أمنّه الناس على دمائهم وأموالهم كما ذكرنا سابقاً في الحديث رقم /45/ .

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف بل حرم أموال الناس على بعضهم تحريماً صريحاً كما ذكر في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الشاهد رقم /47/ .

وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً على اجتناب السبيلين اللذين تؤكل فيهما أموال الناس وهما الربا ومال اليتيم حيث اعتبرهما من السبع الموبقات أي المهلكات والعياذ بالله منهم .

/ 109 / (( عن أبي هريرة أن رسول الله (r) قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله ماهي قال الشرك بالله والشح وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )) [ 18 و 15 ] ( )

حتى أنه صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكلها لما في ذلك من ضرر واستغلال للفئة المحتاجة للدين لتستعين به على قضاء حاجاتها ومتطلباتها .

/ 110 / (( عن جابر قال : لعن رسول الله (r) آكل الربا وموكله وكاتبه وشـاهديه , وقال : هم سواء )) [ 17 ] ( )

وبين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صوراً شتى يتم فيها التعدي على أموال الناس وأخذها غصباً كالغش مثلاً .

/ 111 / (( عن أبي هريرة : أن رسول الله (r) مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها , فنالت أصابعه بللاً , فقال : ما هذا يا صاحب الطعام . فقال : أصابته السماء يا رسول الله , قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس مني )) [ 17 ] ( )

وكالحلف الكاذب لإنفاق السلعة لدى التجار وتوعد هؤلاء بعذاب النار .

/ 112 / (( عن أبي ذر عن النبي (r) قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم , ولهم عذاب أليم . قال : فقرأها رسول الله (r) ثلاث مرار , فقال أبو ذر : خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل إزاره , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب )) [ 17 و 15 ] ( )

وكذلك أخذ الأرض ظلماً .

/ 113 / (( عن عروة بن الزبير : أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد : أنه أخذ شيئاً من أرضها , فخاصمته إلى مروان بن الحكم , فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله (r) ؟ قال : وما سمعت من رسول الله (r) ؟ قال : سمعت رسول الله (r) يقول : من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين . فقال لـه مروان : لا أسألك بينة بعد هذا , فقال : اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها , واقتلها في أرضها . فما ماتت حتى ذهب بصرها , ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت )) [ 17 و 15 ] ( )

واقتطاع حق امرئ مسلم ولو كان شيئاً يسيراً .

/ 114 / (( عن أبي أمامة _ يعني الحارثي _ : أن رسول الله (r) قال : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار , وحرم عليه الجنة . فقال له رجل : يا رسول الله , وإن كان شيئاً يسيراً . قال : وإن قضيباً من أراك )) [ 17 و 15 و 19 ] ( )

وكذلك حلب مواشي الناس هو حق لصاحب الماشية إلا إذا أذن لأحد به .

/ 115 / (( عن ابن عمر : أن رسول الله (r) قال : لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه , أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته , فينتقل طعامه , فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم , فلا يحلبن أحدُ ماشية أحد إلا بإذنه )) [ 17 و 15 ] ( )

وحتى الدين يجب أن يقضى ولو مات صاحبه من ورثته لتعود رؤؤس الأموال إلى أصحابها وتشجيعاً منه على استمرار عملية الدين المفيدة عند الضرورات بين البشر .

/ 116 / (( عن محمد بن جحش قال : كنا جلوساً عند رسول الله (r) فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ثم قال سبحان الله ماذا نزل من التشديد فسكتنا وفزعنا فلما كان من الغد سألته يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل فقال والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيى ثم قتل ثم أحيى ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه )) [ 16 و 15 ] ( )

ويقضى الدين عن المتوفي قبل توزيع الميراث وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه مع جابر عندما توفي أبوه وهو في ضائقة .

/ 117 / (( عن الشعبي عن جابر أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي (r) فقلت يا رسول الله إن أبي توفي وعليه دين ولم يترك إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج نخله ما عليه من الدين دون سنين فانطلق معي يا رسول الله لكي لا يفحش علي الغرّام فأتى رسول الله (r) يـدور بيـدراً بيدراً فسلم حوله ودعا له ثم جلس عليه ودعا الغرّام فأوفاهم وبقى مثل ما أخذوا )) . [ 18 و 15 ] ( )

وطبعاً في هذا الحديث لدى جابر نية إيفاء الدين عن والده المتوفى وحلت في رزقه بركة الله ورسوله (r) .

وأخيراً شجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزهد في مال الدنيا كما سنذكر لاحقاً في الفصل الثاني من هذا القسم _ باب الزهد _ حتى لا تتنافس البشرية وتتصارع على الأموال بحد ذاتها ، كما يحدث في كل زمان ومكان إلى يومنا هذا . فالمال إن لم يوظف لخدمة البشر والكون لا طائل منه مهما بلغ .

/ 118 / (( عن عمرو بن عوف أن رسول الله (r) قال : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين . فقالوا : أجل يا رسول الله . قال : فأبشروا وأمّلوا ما يسركم , فوالله ما الفقر أخشى عليكم , ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها , وتهلككم كما أهلكتهم )) [ 17 و 15 ] ( )

وكان صلى الله عليه وسلم قدوة لأصحابه إذ نهاهم عن كل ما فيه بذخ وإسراف وتبذير .

/ 119 / (( عن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله (r) بسبع , ونهانا عن سبع : أمرنا بعيادة المريض , واتباع الجنائز , وتشميت العاطس , وإبرار القسم أو المقسم , ونصر المظلوم , وإجابة الداعي , وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم _ أو : عن تختم _ بالذهب , وعن شرب بالفضة , وعن المياثر , وعن القسـي , وعن لبس الحرير , والإستبرق , والديباج )) [ 17 و 15 ] ( )

وحتى النساء حذرهن من إظهار الذهب عندما سمح لهن بلبسه حكمة منه صلى الله عليه وسلم ومراعاة لشعور الآخرين المحرومين .

/ 120 / (( عن أخت حذيفة قالت خطبنا رسول الله (r) فقال يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين أما إنه ليس من امرأة تحلت ذهباً تظهره إلا عذبت به )) [ 19 ] ( )

وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ دائماً من نفس لا تشبع .

/ 121 / (( عن أبي هريرة أن رسول الله (r) كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الأربع من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع )) [ 19 ] ( )

ويستعيذ أيضاً من البخل الذي يمقته الله والناس في البشر .. فحتى لو كان الإنسان بخيلاً لايحب بخل الآخرين .

/ 122 / (( عن مصعب بن سعد قال كان سعد يعلمه هؤلاء الكلمات ويرويهن عن النبي (r) اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر )) [ 19 و 15 و 17 ] ( )

9ـ باب حق إدارة الشؤون العامة والوظائف واختيار الحاكم :

/ من المادة الحادية والعشرين /

كان رسول الله () مثالاً للعدل والمساواة بين الناس في كل أمور الدنيا ومنها الإمامة وقيادة الجيوش واختيار الأمراء ، فلم يفرق بين صغير وكبير أو عبد وسيد إلا بقدر الكفاءة المطلوبة منهم لتولي المنصب المناسب لهم .

فهاهو سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي () في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وغيرهم .

/ 123 / (( عن ابن عمر أخبره قال : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحـاب النبي () في مسـجد قباء , فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة )) . [ 15 ] ( )

وهاهو أسامة بن زيد () أميراً لبعثة رسول الله رغم صغر سنه ، ولكنه كان بنظر رسول الله () خليقاً للإمرة

/ 124 / (( عن ابن عمر يقول : بعث رسول الله () بعثاً وأمّر عليهم أسامة بن زيد , فطعن في إمارته وقال : إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله , وايم الله إن كان لخليقـاً للإمرة , وإن كان لمن أحب الناس إليّ , وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده )). [ 15 ] ( )

فحق إدارة الشؤون العامة مصون لكل الناس على شرط توفر الكفاءة المناسبة كما أسلفنا . أما لاختيار الحاكم فقد كانت المبايعة هي أساس الطاعة والاعتراف به كما بدأ بهذا () عند مبايعة الأنصار له كما ذكرنا في الحديث / 87 / .

ولم يفرق بين هذه المبايعة بين أحد نساءً ورجالاً .

وعلم الناس كيفية اختيار الحاكم باتباع أسس وسبل هامة أرشدهم إليها وحفظ فيها حق كل إنسان عاقل .

فخص الرجال بالأمانة أولاً .

/ 125 / (( عن زيد بن وهب : سمعت حذيفة يقول : حدّثنا رسول الله () : أن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال , ونزل القرآن , فقرؤا القرآن وعلموا من السنة )) . [ 15 ] ( )

وعلمهم التشاور فيما بينهم في كل الأمور من هديه تعالى " وأمرهم شورى بينهم " الشورى : 38 " وشاورهم في الأمر " آل عمران : 159 .

فكان () يشاور أصحابه كثيراً حتى في أموره الخاصة فمثلاً شاورهم يوم أحد في المقام أو الخروج فرأوا له الخروج ، وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن الكريم ببراءتها .

/ 126 / (( عن عائشة حين قال لها أهل الإفك قالت : ودعا رسول الله () علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يسألهما وهو يستشيرهما في فراق أهله )) . [ 15 ] ( )

وكرههم () الحرص على الإمارة حتى لا يقتتلوا ويتحاربوا عليها .

/ 127 / (( عن أبي هريرة عن النبي() قال : إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة , فنعم المرضعة وبئست الفاطمة )) . [ 15 ] ( )

أو قد يكونوا ضعفاء فلا يستطيعوا القيام بحقها .

/ 128 / (( عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال : يا أبا ذر إنك ضعيف , وإنها أمانة , وإنها يوم القيامة خزي وندامة , إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )). [ 17 ] ( )

وإذا طلب من شخص الإمارة فعليه أن يتولاها لأن الله يعينه عليها .

/ 129 / (( عن عبد الرحمن بن سـمرة قال : قـال لي النبي () : يا عبد الرحمن , لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها , وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها )) . [ 15 و 17 و 19 ] ( )

وإذا تمت مبايعة خليفة فلا يجوز مبايعة خليفة آخر غيره ، والوفاء بالبيعة يكون للأول وهذا حكمة منه وحقناً للدماء والصراعات على الحكم .

/ 130 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () إن بني إسرائيل كانت تسوسهم أنبياؤهم كلما ذهب نبي خلفه نبي وأنه ليس كائن بعدي نبي فيكم قالوا فما يكون يا رسول الله قال تكون خلفاء فيكثروا قالوا فكيف نصنع قال أوفوا ببيعة الأول فالأول أدوا الذي عليكم فسيسألهم الله عز وجل عن الذي عليهم )) .[ 21 و 20 و 17 و 12 ] ( )

وأوفوا ببيعـة الأول فالأول أي يجـب الوفاء ببيعة من كان أولاً في كل زمان وبيعة الثاني باطلة .

حتى أنه أمر بقتل الآخر إذا بويع لخليفتين لكي لا يتفرق الناس ويضيعوا بين الاثنين .

/ 131 / (( عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله () : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )) . [ 17 و 16 ] ( )

وحذر من مبايعة الإمام لأمور الدنيا تحذيراً شديداً .

/ 132 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل , ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه , إن أعطاه ما يريد وفّى له , وإلا لم يف له , ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر , فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها )) . [ 15 و17 ] ( )

وبين () مسؤولية الأمير والرعية كل على حدة ليعرف كل منهما حقوقه وواجباته .

/ 133 / (( عن ابن عمر عن النبي() أنه قال : ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته , والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم , والمرأة راعية على بيت بعلها وولده , وهي مسؤولة عنهم , والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه , ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) .[ 17 و 15 ] ( )



وشجع الحاكم على الاجتهاد في حكمه وله أجر إذا أخطأ في حكمه وأجران إذا أصاب .

/ 134 / (( عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله () يقول : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران , وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )) . [ 15 و 17 ] ( )

كما على الحاكم الاستماع للحق من الرعية ولو على نفسه .

/ 135 / (( عن أبي هريرة قال : أتى النبي () رجل يتقاضاه فأغلظ له , فهمّ به أصحابه فقال : دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً )) . [ 15 ] ( )

أما الرعية فعليها بعد مبايعة الإمام السمع والطاعة حتى يتحقق الأمن والنظام ويتماسك المجتمع وتقوى شكيمته طالما أن الإمام لم يأمر بمعصية .

/ 136 / (( عن عبد الله عن النبي () قال : السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية , فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )) . [ 15 و 17 ] ( )

وهذا من كثر حرصه () على الجماعة وأهميتها في قوة الأمة الإسلامية وتقدمها .

/ 137 / (( عن ابن عباس قال : قال النبي () : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر , فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية )) . [ 15 و 17 ] ( )

وشدد () كثيراً على السمع والطاعة في أحاديث كثيرة حتى ولو كان الإمام عبداً حبشياً أو كان مانع الناس حقوقهم وحمل كلاً منهم مسؤوليته أمام الله رب العالمين .

/ 138 / (( عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله () : اسمعوا وأطيعوا , وإن استعمل عليكم عبدُ حبشي كأن رأسه زبيبةُ )) .[ 15 ] ( )

/ 139 / (( عن وائل الحضرمي قال : سأل سلمة بن زيد الجعفي رسول الله () فقال : يا نبي الله , أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا , فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه, ثم سأله فأعرض عنه , ثم سأله في الثانية أو في الثالثة , فجذبه الأشعث بن قيس وقال : اسـمعوا وأطيعـوا , فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم . وفي رواية قال : فجذبه الأشعث بن قيس , فقال رسول الله () : اسمعوا وأطيعوا , فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )) .[ 17 ] ( )

/ 140 / (( عن عوف بن مالك عن رسول الله () قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم , ويصلون عليكم وتصلون عليهم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم , وتلعنونهم ويلعنونكم . قيل : يا رسول الله , أفلا ننابذهم بالسيوف ؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة , وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله , ولا تنزعوا يداً من طاعة )) . [ 17 ] ( )

وهكذا يأخذ كل ذي حق حقه فلا ظلم من الإمام ولا تمرد ومعصيه من الرعية ويا ليت العالم كله يأخذ من ديننا العظيم ورسوله الكريم هذه الأسس والمبادئ من الحقوق والواجبات ليستتب الأمن وتتوقف الصراعات المميتة على السلطة والحكم أساس كل الحروب في عصرنا الحديث هذا .

10ـ باب حق الضمان الاجتماعي والدولي لضمان الحقوق والحريات :

/ من المادة الثانية والعشرين والمادة الثامنة والعشرين /

لا يستطيع الإنسان وحده أن يعيش بأمان وسلام ويتمتع بكافة حقوقه وحرياته كإنسان كرمه الله ورفع منزلته بين الكائنات إلا إذا تمتع بهذا الحق وهو القوة الكافية التي ستحميه اجتماعياً ودولياً وتحمي كافة حقوقه وحرياته .

فعلى الصعيد الاجتماعي لا توجد شريعة في العالم تدعو إلى التضامن الاجتماعي كشريعة محمد () ورسالته .

فالزكاة المفروضة على المسلمين القادرين عليها تفوق كل قوانين الضرائب المفروضة على البشر من حيث تنظيمها وشمولها لكل أشكال رؤوس الأموال ولكل الأفراد بالتساوي وبالعدل بينهم إذا تجاوزت أموالهم نصاباً معيناً يضمهم إلى قائمة الأغنياء .

/ 141 / (( عن ابن عباس : أن النبي() بعث معاذاً إلى اليمن , فقال : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله , وأني رسول الله , فإن هم أطاعوا لذلك , فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة , فإن هم أطاعوا لذلك , فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم , تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )) . [ 15 و 17 و 19 ] ( )



وكذلك هناك زكاة الفطر في رمضان والصدقات والنفقات المختلفة ابتداءً من الأقربين وانتهاءً بعتق الرقاب ، وكتب السنة كلها دون استثناء ذكرت كثيراً من الأحاديث الشريفة عن رسول الله () في ذلك ولا يتسع هذا البحث لذكرها .

وهناك أيضاً من أساس التكافل الاجتماعي برالوالدين ثم حق الأخوة وحق الجار وعيادة المرضى وإكرام الضيف والكرم والوفاء بالعهد والصدق والأمانة والرفق والرحمة وتحريم الغيبة والنميمة والنهي عن السباب واللعن ، وكذلك نظام الميراث الدقيق بحساباته وأحواله والحث على العفو والتوبة والحياء والزهد وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم كل ما حرم الله واحترام باقي الأديان وكلها أمور ذكر بعضها سابقاً وسيذكر بعضها لاحقاً وهي تكفل للفرد الضمان الاجتماعي وترعاه .

واكتمالاً لهذا الضمان كان تطبيق الحد على السارق والزاني وشارب الخمر والقصاص للقتلة المعتدين وسنذكر ذلك في الفصل الثاني إن شاء الله من هذا القسم .

وكذلك كانت طائفة من أمة محمد ظاهرة على الحق حتى يأتي الله بأمره .

/ 142 / (( عن ثوبان قال : قال رسول الله () : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق , لا يضرهم من خذلهم , حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) . [ 17 و 15 ] ( )

أما على صعيد النظام الدولي فقد حث رسول الله () بتعاليمه على السلام بين الدول ليعيش الناس بأمان واطمئنان ويتمتعوا بحقوقهم وحرياتهم تحت مظلته .

فكما ذكرنا سابقاً في حرية العقيدة أمرنا الله تعالى بوقف القتال مع الكافرين والمنافقين إذا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظلمونا أو إذا انتهوا عما نهوا عنه أو عندما تضع الحرب أوزارها ويحل السلام .

ومقابل ذلك حث على الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال لتكون كلمة الله هي العليا وليرضى أعداء الإسلام بالسلام ولا يفرضوا الاستسلام على أمة محمد () .

/ 143 / (( عن أبي سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله ! أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله () : مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله . قالوا : ثم من ؟ قال : مؤمن في

شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره )) .[ 15و 18 و 17 ] ( )

كما حث رسول الله () على هذا الجهاد لرفع الظلم عن البشر ، وتكون أشد حالات هذا الظلم بإخراج الناس من ديارهم وتشتيتهم وبهذا أنزلت أول آية في القرآن الكريم تأذن بالقتال .

/ 144 / (( عن ابن عباس قال لما أخرج النبي () من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن فنزلت أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير فعرفت أنه سيكون قتال قال ابن عباس فهي أول آية نزلت في القتال )) . [ 18 ] ( )

بينما نجده () يجمع تحت شمل الأمة الإسلامية أهل الذمة والعهد لقاء الجزية التي يدفعونها كما ذكرنا آنفاً ويعظم قتل المعاهد ويحرم على القاتل دخول الجنة .

/ 145 / (( عن أبي بكرة قال : قال رسول الله () : من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرّم الله عليه الجنة أن يشم ريحها )) .[ 19 و 15] ( )

فهل كان قبل الإسلام ديناً يسمح لباقي الأديان بالتعايش مع أتباعه ويقوم بحمايتهم وإعطائهم الحق كاملاً بحرية ممارسة طقوس أديانهم وحياتهم الحرة الكريمة ؟ طبعاً لا .

والتاريخ يذكر كيف عذب السيد المسيح من قبل اليهود وكيف أمروا بصلبه حتى رفعه الله وكان خلاصه ، وكذلك يذكر التاريخ كيف قاومت الإمبراطورية الرومانية المسيحية دخول الدين الإسلامي إليها ، وكذلك الإمبراطورية الفارسية وعبدة الأوثان من أهل قريش نفسها .

فلا أحد منهم كان يعطي المسلمين هذه الحماية ما عدا حالة خاصة عندما أعطى النجاشي ملك الحبشة الحماية للمسلمين المهاجرين رغم معارضة قومه لذلك حتى عاد المسلمون بسلام إلى ديارهم ثم هاجروا بعدها إلى المدينة المنورة إلى أنصار الإسلام وأيدهم الله بنصره .

11ـ باب حق الضمان الاقتصادي والعمل والحق في الراحة :

/ من المادة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين /

لم يكتف رسول الله () بحفظ أملاك الناس في حق التملك كما ذكرنا سابقاً ولكنه حث () على العمل لأنه أساس النجاح في الحياة وأساس التقدم والرقي عملاً بالآية الكريمة :

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " التوبة : 105 .

فكان () يعتبر خير الطعام الذي يؤكل من عمل يد صاحبه .

/ 146 / (( عن المقدام عن النبي () قال : ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده , وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )) . [ 15 و 16 ] ( )

وكان () قدوة لأصحابه وشجعهم على العمل حتى لو كان رعي الغنم أو جمع الحطب .

/ 147 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم , فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )) . [ 15 ] ( )

/ 148 / (( عن أبي هريرة يقول : قال رسول الله () لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه )) . [ 15 و 17 ] ( )

وبذلك يعتبر العمل خيرٌ من سؤال الناس والتسول .

ورغم أنه حث على العمل نجده ترك الناس أحراراً ، فلم يجبر أحد عليه وأمرنا أن لا نستعمل على عملنا إلا من أراده ، وفي هذا أقصى درجات الحرية ويحمل الفائدة المرجوة منه فالذي لا يرغب بالعمل لا يؤديه بإتقان .

/ 149 / (( عن أبي موسى قال : أقبلت إلى النبي () ومعي رجلان من الأشعريين فقلت : ما علمت أنهما يطلبان العمل , قال : لن _ أو لا _ نستعمل على عملنا من أراده )) . [ 15 و 17 ] ( )

والمداومة على العمل هي أحب الأعمال إلى الله تعالى وكذلك لا يعمل الإنسان إلا ما يطيق من الأعمال فلا تكلف نفسٌ إلا وسعها .

/ 150 / (( عن عائشة أنها قالت : سئل النبي () : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قل . وقال : اكلفوا من الأعمال ما تطيقون )) . [ 15 ] ( )

ونبهنا () إلى ضرورة ابتغاء وجه الله في أعمالنا فلا تأخذنا الدنيا بأموالها ومباهجها فنتحارب ونتصارع من أجل العمل والمال واعتبر أن الأعمال بالنيات .

/ 151 / (( عن عمر بن الخطـاب قـال : قال رسـول الله () : إنما الأعمـال بالنية , وإنمـا لامـرئ مــا نــوى , فمــن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله, ومــن كانت هجرتــه لدنيا يصيبهــا , أو امـرأة يتزوجها , فهجرتـه إلى ما هاجر إليـه )) . [ 17 و 15 ] ( )

وأراد لنا () العمل الحلال والابتعاد عن العمل الحرام وما شبه عليه من الإثم لمرضاة الله تعالى .

/ 152 / (( عن النعمان بن بشير قال : قال النبي () : الحلال بيّن , والحرام بيّن , وبينهما أمورُ مشتبهة, فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك , ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان , والمعاصي حمى الله , من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه )) . [ 15 و 16 و 17 ] ( )



وحثنا رسولنا الكريم على استئجار الرجل الصالح الأمين الذي يؤدي ما أمر به .

/ 153 / (( عن أبي موسى الأشعري قال : قال النبي () : الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبُ نفسه أحد المتصدقين )) . [ 15 ] ( )

ولكن كان قدوة لنا باستئجار أهل الخبرة والعلم في بعض الأعمال ولو كانوا كفرة إذا كانوا أهلاً لذلك وأدوا ما طلب منهم لفائدة المسلمين وبذلك فائدة عظيمة للتعاون والانفتاح مع باقي الأديان والناس كافة .

/ 154 / (( عن عائشة : واستأجر النبي () وأبو بكر رجلاً من بني الديل , ثم من بني عبد بن عدي هادياً, وهو على دين كفار قريش , فأمناه , فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال , فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي , فأخذ بهم أسفل مكة وهو طريق الساحل )) . [ 15] ( )

ومقابل ذلك حذرنا من أخذ حقوق العمال بمنع أجر الأجير عنه بعد أدائه عمله واعتبر من يفعل ذلك من الثلاثة الذين سيخاصمهم الله تعالى يوم القيامة كما ذكر في الحديث /1/ في الباب الأول من هذا الفصل .

وحذرنا أيضاً من إضاعة أتعابنا بالإسراف والتبذير وإضاعة المال في اللهو والفساد ، لأن المال يجب أن يصرف على ما فيه الخير للإنسان ورقيّه لإعمار الكون ومساعدة الناس جميعاً للعيش بكرامة ويسر في حياتهم الدنيا .

/ 155 / (( عن المغيرة بن شعبة قال : قال النبي () : إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات , ووأد البنات , ومنع وهات , وكره لكم قيل وقال , وكثرة السؤال , وإضاعة المال )) . [ 15 و 17 ] ( )

ولا بد من التعاون بين الناس لتحقيق جميع الأعمال وخاصة بين المؤمنين المخلصين ليكونوا كالبنيان المرصوص كما ذكر رسول الله () في الحديث / 65 / السابق .

حتى في أعمال البيت كان () قدوة لنا فعمل مع زوجاته فيه وحث زوجته وابنته على العمل في بيت الزوج بدل الخادم لأن الإنسان يجب أن يعمل ما يستطيع بنفسه .

/ 156 / (( عن الأسود بن يزيد : سألت عائشة رضي الله عنها :ما كان النبي () يصنع في البيت ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج )) . [ 15 ] ( )

/ 157 / (( عن علي أن فاطمة عليها السلام أتت النبي () تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى , _ وبلغها أنه جـاءه رقيق _ فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة , فلما جاء أخبرته عائشة , قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا , فذهبنا نقوم فقال : على مكانكما , فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما : إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين , واحمدا ثلاثاً وثلاثين , وكبرا أربعاً وثلاثين , فهو خيرُ لكما من خادم )) . [ 15 ] ( )

وترك أمر الراحة والفراغ للمسلم يعمل بهما ما يشاء ولكن حذره من هدر الفراغ والغبن فيه حتى لا يندم .

/ 158 / (( عن ابن عباس قال : قال النبي () : نعمتان مغبون فيهما كثيرُ من الناس : الصحة والفراغ )) . [ 15 ] ( )

وبحثه () على العمل الحلال مهما كان نوعه والتشجيع عليه بوازع ديني قوي أدى إلى حماية الناس من البطالة المقيتة الضارة بالمجتمع وتقدمه ، ولولا هذا الوازع لما استطاع قانون أو تشريع آخر حماية الناس من هذه البطالة . فإذا لم تتوفر إرادة العمل عند شخص ما لا يستطيع أحد إجباره عليه ، وإذا تعرض لهذا الإرغام تكون حريته انتهكت وحقوقه سـلبت منه ،وهذا ما لا يريده الله ورسوله ولا يريده المدافعون حقاً عن حقوق الإنسان الحر الكريم .

12ـ باب الحق بمستوى معيشة لائق بالإنسان :

/ من المادة الخامسة والعشرين /

قال تعالى " كلوا من طيبات ما رزقناكم " البقرة : 172 .

وقال أيضاً : " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده " الأعراف 32 .

ولذلك أراد رسول الله () للناس جميعاً أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا ما يحبون وما يليق بهم كبشر لهم كرامة عند الله تعالى . وكذلك يسكنوا ما يشاؤون من البيوت ، وأراد لهم العيش في بيئة جميلة نظيفة وبصحة جيدة وعافية في كل أقواله وأفعاله ، ولم يحرم عليهم إلا ما يحمل الضرر والفساد والأذى لهم ولأمتهم جميعاً .

فمن حيث الطعام ترك لهم الخيار أن يأكلوا ما تشتهي نفسهم إلا ما حرم الله عليهم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله ( البقرة : 173 ) .

فكان () بأفعاله قدوة لنا .

/ 159 / (( عن أبي هريرة قال : ما عاب النبي() طعاماً قط , إن اشتهاه أكله , وإن كرهه تركه )) . [ 15 و 17 ] ( )



وكان يعز عليه جوع أحد من البشر أو مرضه أو أسره ، وكلها حالات تجعل عيشة الإنسان ضنكى ، ولذا أمر أصحابه بإطعام الجائع وعيادة المريض وفك الأسير .

/ 160 / (( عن أبي موسى الأشعري عن النبي () قال : أطعموا الجائع , وعودوا المريض , وفكوا العاني )) [ 15 ] ( )

وقال سفيان : العاني : الأسير

فهذا الصحابي أبو هريرة يتحدث عن نفسه وعن إطعام رسول الله له بعد جوعٍ أصابه .

/ 161 / (( عن أبي هريرة قال : أصابني جهدُ شديد فلقيت عمر بن الخطاب , فاستقرأته آية من كتاب الله , فدخل داره وفتحها علي فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع , فإذا رسول الله () قائم على رأسي فقال : يا أبا هريرة , فقلت : لبيك رسول الله وسعديك , فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي , فانطلق بي إلى رحله فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال : عد فاشرب يا أبا هر فعدت فشربت ثم قال : عد فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح )) . [ 15 ] ( )

ولم يكتف () بالإطعام بل كان مؤدباً ومعلماً لآداب الطعام ، فهذا عمر بن أبي سلمة يتحدث عن نفسه كيف أدبه رسول الله () وهو غلام .

/ 162 / (( عن عمر بن أبي سلمة يقول : كنت غلاماً في حجر رسول الله () وكانت يدي تطيش في الصحفة , فقال لي رسول الله () : يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) [ 15 و 17 ] ( )

وهذا أنس بن مالك يذكر عنه أدب أكل الثوم ، فرغم أنه غير محرم ولكنه يؤذي برائحته جموع الناس في الأماكن المحصورة وخاصة المساجد .

/ 163 / (( عن عبد العزيز قال : قيل لأنس : ما سمعت النبي () يقول في الثوم ؟ فقال : من أكل فلا يقربنّ مسجدنا )) . [ 15 و 17 ] ( )

وهذا ابن عمر () يذكر عن النبي () تشجيعه على الاكتفاء بالطعام المفيد وعدم الإكثار منه وذلك حكمة وعلماً منه بطب الأبدان والقلوب .

/ 164 / (( عن ابن عمر قال : سمعت النبي () يقول : المؤمن يأكل في معي واحد , والكافر يأكل في سبعة أمعاء )) . [ 15 و 17 ] ( )



أما عن الأشربة فكل الأشربة حلالٌ للإنسان ما لذ منها وطاب ما عدا الخمر الذي حرمه الله على البشر في الدنيا لحكمةٍ منه وما يحمله للناس من ضرر .

وكلنا نعلم أن الإنسان يستطيع العيش بصحة جيدة وكرامة محفوظة دون أن يذوق الخمر طول عمره ، لأنه ليس من الضرورات بل على العكس هو من الضرر والأذى عملته أيدي البشر وخمرته من أطعمة مفيدة عندما تكون طازجة كالعنب والتمر وغيرها .

/ 165 / (( عن ابن عمر أن رسول الله () قال: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)) [ 15 و 17 ] ( )

/ 166 / (( عن ابن عمر : أن رسول الله () قال : كل مسكر خمر , وكل خمر حرام )) [ 17 ] ( )

وبالنسبة للملبس أراد رسول الله () اللباس النظيف الكاسي لعورات البشر والواقي لهم من حر الصيف وبرد الشتاء . فأحل لهم كل الألبسة التي تفي بهذا الغرض ولكنه أراد لرجال أمته الابتعاد عن التزين المفرط كالنساء فحرم عليهم لبس الحرير والذهب وما ذكر في هذا الحديث حكمةً منه وفائدة لأمة سيحكمها هؤلاء الرجال ، وكذلك إكراماً منه للنساء الذين سمح لهم بهذا التزين والتميز عن الرجال و ذكرنا ذلك في الحديث / 76 / السابق.

/ 167 /(( عن ابن عباس قال : لعن رسول الله () المتشبهين من الرجال بالنساء , والمتشبهات من النساء بالرجال )) . [ 15 ] ( )

وطبعاً على مبدئه أن الضرورات تبيح المحظورات كان () رحيماً وعارفاً بوجود هذه الضرورات فرخص لبعض الصحابة بلبس الحرير عند الضرورة ، وهذا ما عرفه أطباء اليوم أنه توجد أجسام تعاني من الحساسية المفرطة والحكة من بعض الأقمشة وشفاؤها بتغيير هذه الأقمشة إلى أقمشة القطن والحرير .

/ 168 / (( عن أنس قال : رخص النبي () للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما )) . [ 15 و 17 و 19 ] ( )

أما بالنسبة للبيئة والمسكن فأرادهما رسول الله () بيئة نظيفة صحية طاهرة يعيش فيها الناس بأمان وعافية كما خلقها الله .

/ 169 / (( عن أبي هريرة : أن رسول الله () قال : فضّلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وأحلت لي الغنائم , وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً , وأرسلت إلى الخلق كافة , وختم بي النبيون )) . [ 17 ] ( )

فنهى () عن التخلي في الطريق والظلال للمحافظة على حقوق الناس فيهما .

/ 170 / (( عن أبي هريرة : أن رسول الله () قال : اتقوا اللعانين . قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم )) . [ 17 ] ( )

كما نهى () عن البول في ماء الاستحمام حتى لا يفسده ويحرم نفسه والآخرين منه .

/ 171 / (( عن أبي هريرة عن رسول الله () قال : لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه )) . [ 17 و 15 ] ( )

ولم يكتف رسول الله () بهذا النهي بل شجع المسلمين كثيراً على الغراس في الطبيعة للمحافظة على البيئة دوماً جميلة صحية .

/ 172 / (( عن جابر قال : قال رسول الله () : ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة , وما سرق منه له صدقة , وما أكل السبع منه فهو له صدقة , وما أكلت الطير فهو له صدقة , ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة )) . [ 17 و 15 ] ( )

وكان () قدوة لنا في التواضع بمسكنه إذ كان عبارة عن حجرات كل امرأة من نسائه في حجرة خاصة بها ، وكانت وسادته من ليف وفراشه أدماً حشوه ليف ، وكانت له حصيرٌ تؤثر في جنبه يصلي عليه ليلاً ويجلس عليه نهاراً .

/ 173 / (( عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي () كان يحتجر حصيراً بالليل فيصلي , ويبسطه بالنهار فيجلس عليه )) . [ 15 ] ( )

/ 174 / (( عن عائشة رضي الله عنها قالت : إنما كان فراش رسول الله () الذي نام عليه أدماً حشوه ليف )) .[ 17 ] ( )

ولم يحب رسول الله () الإكثار من الفرش للتباهي والتفاخر بين البشر فكره أصحابه بذلك دون أن يحرم عليهم ذلك صراحة .

/ 175 / (( عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله () قال له : فراش للرجل , وفراش لامرأته , والثالث للضيف , والرابع للشيطان )) .[ 17 و 15 ] ( )

وأما بالنسبة للعناية الطبية فكانت تعتبر لدى رسول الله () حقٌ لكل إنسان فحث على التداوي وبين أنه لكل داء دواء .

/ 176 / عن أبي هريرة عن النبي () قال : ما أنزل الله داء إلا أنزل لـه شفاء )) . [ 15 ] ( )

/ 177 / (( عن جابر عن رسول الله () أنه قال : لكل داء دواء , فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل )) . [ 17 ] ( )



وكان () الطبيب المرشد لكثير من الأدوية والأمراض بوحي من الله عز وجل حتى جمعت عنه أحاديث كثيرة في كتاب سمي بالطب النبوي وأثبت العلم الحديث فائدتها في المعالجة والوقاية على حد سواء .

فمثلاً ذكر في معالجة الحمى .

/ 178 / (( عن ابن عمر عن النبي () قال : الحمى من فيح جهنم , فأطفئوها بالماء )) . [ 15 و 17 ] ( )

وذكر أنواع العلاج الطبي المحمود الذي يحمل الخير للمريض .

/ 179 / (( عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي () يقول : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم , أو شربة عسل , أو لذعة بنار توافق الداء , وما أحب أن أكتوي )) . [ 15 و 17 ] ( )

أما عن الوقاية فقد أمر رسول الله () بالابتعاد عن المجذوم وعن أرض الطاعون ، وهذا ضروري جداً لتجنب العدوى ولمنع انتشار الوباء .

/ 180 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : لا عدوى ولا طيرة , ولا هامة ولا صفر , وفر من المجذوم كما تفر من الأسد )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 181 / (( عن أسامة بن زيد عن رسول الله () أنه قال : إن هذا الوجع رجز عذب به بعض الأمم قبلكم , ثم بقي بعد بالأرض , فيذهب المرة ويأتي الأخرى , فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه , ومن وقع بأرض وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه )) . [ 17 و 15 ] ( )

وأخيراً كان () رحيماً بالمرضى شجعهم على الصبر والتفاؤل ، وشجع إخوتهم البشر على عيادتهم ومواساتهم فكانت خير معين لهم وعجزت كل أدوية الطب النفسية عن القيام بدور هذه القوة الإيمانية العظيمة والثقة بقدرة المولى عز وجل على الشفاء أو الجزاء بالجنة .

/ 182 / (( عن عائشة زوج النبي () قالت : قال رسول الله () : ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها )) . [ 15 و 17 ] ( )

وكما ذكرنا سابقاً في حق الضمان الاقتصادي والعمل والحق في الراحة فإنه اعتبر الصحة نعمة مغبون فيها كثير من الناس فنبههم على ضرورة العناية بها لحفظها .


13ـ باب حق الأمومة :

/ من المادة الخامسة والعشرون / .

لقد أولى رسول الله () الأمومة عناية خاصة لكون الأم ضعيفة وتتعب كثيراً بولدها ولذلك فهي تحتاج لرحمة ومساعدة من بقية البشر .

فحرم الله عقوق الأمهات من قبل الأبناء أولاً كما ذكرنا في الحديث / 155 / سابقاً ثم أمر بحسن صحبتهما ثانياً .

/ 183 / (( عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله () فقال : يا رسول الله , من أحق بحسن صحابتي ؟ قال : أمك , قال ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك )) . [ 15 و 17 ] ( )

ثم أمر الزوج بالإنفاق على أم أولاده كما ينفق على أولاده ، وإذا كان بخيلاً سمح لزوجته أمهم بأخذ ما تحتاج من زوجها ولو بدون علمه لتنفق على نفسها وولدها بالمعروف فهو حقها المشروع من زوجها .

/ 184 / (( عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت هند بنت عتبة فقالت : يا رسول الله , إن أبا سفيان رجل مسـيك , فهـل علي حرج أن أطعم من الذي له , عيالنا ؟ قال : لا , إلا بالمعروف )) . [ 15 و 17 و 19 ] ( )

وإذا مات زوجها ووضعت الحامل وليدها بعد وفاته خفف عن الأم الوالدة مصابها وقصر لها في العدة الواجبة عليها عادة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام فجعل عدتها تنتهي عند ولادتها رحمةً بها وبصغيرها فقد تكون بأمس الحاجة لزوج يعينها ووليدها على الحياة وترك لها الخيار في ذلك ولم يرغمها عليه إصراراً منه على حق الحرية وهذا ما حدث مع سبيعة بنت الحارث الأسلمية .

/ 185 / (( عن أبي السنابل بن بعكك قال : وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين يوماً فلما تعلت تشوفت للنكاح فأنكر عليها فذكر ذلك للنبي () فقال : إن تفعل فقد حل أجلها )) . [ 23 و 17 ] ( )

تشوفت للنكاح : تزينت للخطاب وتشوف للشيء أي طمح بصره إليه .

فقد حل أجلها : فيه دليل على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع الحمل . [ 24 ] ( )

وللأم الوالدة حق الرضاعة والحرية التامة بقبولها أو رفضها دون إلحاق الضرر بها أو بوالده عملاً بالآية الكريمة التالية :

" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود لـه رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود لـه بولده وعلى الوارث مثل ذلك " البقرة:233

وفي الحروب يحترم رسول الله () الأمومة والطفولة كثيراً فينهي المحاربين من رجاله عن قتل نساء وأطفال العدو الذين لا شأن لهم بالحرب باعتبارهم فئة ضعيفة تحتاج لحماية وأمان من ويلات الحروب كما ذكرنا في الحديث / 103 /.

14 ـ باب حق الطفولة :

/ من المادة الخامسة والعشرين /

اهتم رسول الله () بالأطفال كثيراً وحافظ على حقوقهم كاملة ومنحهم حقوقاً لم تكن موجودة قبله وقلما وجدت بعده في باقي شرائع الأرض .

فكان رحيماً معهم ودعا إلى الرحمة بهم من قبل آبائهم أولاً .

/ 186 / (( عن أبي هريرة قال : قبل رسول الله () الحسن بن علي , وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً , فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً , فنظر إليه رسول الله () ثم قال : من لا يَرحم لا يُرحم )) . [ 15 و 17 ] ( )

وهذا هو () قدوة لنا بالرحمة بصغارنا وبجميع الصغار يمسح رؤوسهم حناناً وعطفاً بهم ويدعو لهم بالبركة والشفاء ويسلم عليهم إذا مر بهم .

/ 187 / (( عن السائب بن يزيد قال : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله () فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع , فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة )) . [ 15 ] ( )

/ 188 / (( عن سيار قال : كنت أمشي مع ثابت البناني , فمر بصبيان فسلم عليهم , وحدث ثابت : أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم , وحدّث أنس : أنه كان يمشي مع رسول الله () فمر بصبيان فسلم عليهم )) .

[ 17 ] ( )

وفي المجالس كان يعاملهم كالكبار ولا ينتقص من قدرهم ليرفع من شأنهم ويعلمهم مجالسة الصالحين والأخيار ويحببهم بذلك ليشبوا ويكبروا على هديه فكان يستأذن الصبي إذا أراد أن يبدأ بالكبار أولاً حفاظاً منه على حقه في الترتيب.

/ 189 / (( عن سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله () أتي بشراب فشرب منه , وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ , فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء . فقال الغلام : لا والله , لا أوثر بنصيبي منك أحداً . قال : فتله رسول الله () في يده )) . [ 17 و 15 ] ( )

وضمن لهم () حقوقهم في الميراث فكان للذكر مثل حظ الأنثيين سواء كانوا صغاراً أم كباراً وكذلك ضمن لهم الحق الأكبر في الميراث حيث نهى () أن تكون الوصية أكثر من ثلث المال .

/190 / (( عن عامر بن سعد عن أبيه قال : مرضت مرضاً أشفيت منه فأتاني رسـول الله () يعودني فقلت يا رسول الله إن لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير لهم من أن تتركهم عالة يتكففون الناس )) . [ 18 و 15 و 17 ] ( )

وذكرنا سابقاً في حق الأمومة كيف أمر () الأب بالإنفاق على أولاده وسمح لأمهم بأخذ ما يحتاجونـه من مال أبيهـم بالمعروف لتنفقه عليهـم بغيـر علم زوجها إذا كان بخيلاً الحديث / 184 / .

وكذلك ذكرنا حماية الطفولة أثناء الحروب الحديث / 103 /.

واعتبر () قتل الولد خشية أن يأكل مع أبيه من أعظم الذنوب .

/ 191 / (( عن عبد الله قال : قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك , قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك , قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك )) . [ 15 و 16 و 17 ] ( )

وكذلك منح رسول الله () الطفل حق اختيار أحد والديه عند افتراقهما عن بعض لما لهذا الاختيار من أثرٍ إيجابي على حسن تربيته وتنشئته مستقبلاً ومراعاة لعواطفه وميله لأحدهما.

/ 192 / (( عن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء ابن لهما صغير لم يبلغ الحلم فأجلس النبي () الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره فقال اللهم اهده فذهب إلى أبيه )) . [ 18 ] ( )

وإذا كان الطفل يتيماً يحتاج طبعاً لمن يكفله ويرعاه بدل والديه ، ولهذا شجع رسول الله () كثيراً على كفالة هذا اليتيم حيث اعتبر من يقوم بهذا العمل قريبٌ منه في الجنة كما السبابة والوسطى .

/ 193 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة . وأشار مالك رحمه الله بالسبابة والوسطى )) . [ 17 و 15 ] ( )

وهكذا لم يرغم () أحداً على هذه الكفالة ولكن حب رسول الله () وحب الله وجنته أقوى من أي قوة في العالم تفرض هذا والإرغام بحد ذاته ليس من حقوق الإنسان .

ورأفة بالأطفال جميعاً كان () يمنع الصغار عن الاشتراك بخوض المعارك والحروب مع الكبار حتى يبلغوا سن الخامسة عشرة ويشتد عودهم فكانت هذه السن هي الحد الفاصل بين الأطفال والكبار كما حددها () .

/ 194 / (( عن ابن عمر قال : عرضني رسول الله () يوم أحد في القتال , وأنا ابن أربع عشـرة سنة فلم يجزني , وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . قال نافع : فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة , فحدثته هذا الحديث , فقال : إن هذا لحد بين الصغير والكبير )) . [ 17 و 14 ] ( )

15 ـ باب حق التعلم والتعليم والتمتع بالثقافة والتقدم العلمي :

/ من المادة السادسة والعشرين والسابعة والعشرين /

إن هذا الحق مصون لكافة البشر عند رسول الله () وليس هذا وحسب بل حث الله ورسوله عليه كثيراً حتى منح البشر القدرة الإلهية الخفية التي تدفع المسلم دفعاً إلى طلب العلم حباً به وبعلو مكانة المتعلمين المعلمين عند الله تعالى وهي قدرة عظيمة لا تجاريها قوانين البشر وفلسفاتهم المختلفة .

قال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتٍ والله بما تعملون خبير " المجادلة : 11

وقال أيضاً : " ربِّ زدني علماً " طه : 114

/ 195 / (( عن أبي الدرداء عن رسول الله() أنه قال : من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . إن العلماء هم ورثة الأنبياء . إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) . [ 21 و 22 ] ( )



وإن الملائكة لتضع أجنحتها يحتمل أن يكون على حقيقته وإن لم يشاهد أي لم تضعها لتكون وطاء له إذا مشى ، أو تكف أجنحتها عن الطيران وتنزل لسماع العلم ، وأن يكون مجازاً عن التواضع تعظيماً لحقه ومحبة للعلم . [ 25 ] ( )

واعتبر () الخروج لطلب العلم كالخروج في سبيل الله .

/ 196 / (( عن أنس قال : قال رسول الله () : من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع )) . [ 26 ] ( )

وكرم رسول الله () أولي النهى والأحلام حيث قربهم منه في المجالس وفي صفوف الصلاة أثناء حياته تشجيعاً وتكريماً منه صلوات الله عليه .

/ 197 / (( عن أبي مسعود قال : كان رسول الله () يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم , ليلني منكم أولو الأحلام والنهى , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم )) . [ 17 ] ( )

وبيّن () أن العلم مقرون بوجود العلماء ، والقضاء على العلماء يعني القضاء عليه حتى نكرم العلماء ونحافظ على وجودهم .

/ 198 / (( عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله () يقول : إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء , حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً , فسئلوا فأفتوا بغير علـم , فضلوا وأضلوا )) . [ 17 و 15 ] ( )

وحذر () من كتم العلم عن الناس لتعم الفائدة جميع البشر .

/ 199 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله() : من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار )) [ 26 ] ( )

وبين رسولنا الكريم () أن العلم النافع يفيد صاحبه حتى بعد موته . أي خلود عمله إلى يوم القيامة فتزداد أعماله الصالحة بعد وفاته كالصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو لوالديه .

/ 200 / (( عن أبي هريرة : أن رسول الله () قال : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له )) . [ 17 ] ( )

16ـ باب حق التربية الصالحة وعلاقة الآباء مع الأبناء :

/ من المادة السادسة عشرة والمادة السادسة والعشرين /

من حق الأبناء على الآباء أن يلقوا الرعاية والتربية الصالحة في الصغر ، ومن حق الآباء على الأبناء البر والإحسان .

قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " . الإسراء : 23 _ 24 [ 1 ]

أي أن التربية تكن في الصغر منذ نعومة الأظفار ، فالصغير ضعيف البنية يحتاج لرعاية ، وهذه الرعاية تشمل الجسد والروح . وبقدر ما يلقى الرعاية الفاضلة والأخلاق الحميدة بقدر ما يصبح إنساناً صالحاً ليكون خليفة الله في الأرض يعي ويفهم كل القيم والعلوم التي تميزه عن الحيـوان وترفع منزلته أمام الملائكـة التي تساءلت قائلـة : " أتجعل فيها من يفسـد فيها ويسفك الدماء ونحن نسـبح بحمدك ونقدس لك " فقال لها الله تعالى : " إني أعلم ما لا تعلمون " .

وبعد أن علّم سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها وعجزت الملائكة عن معرفة هذا العلم قال الله عز وجل : " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " البقرة : 33 [ 1 ]

فهذه سنة الله لآدم علمه وبيـن له ليعلم ويبيـن لأبنائه كما علمـه الله ، وكلما ضعف هذا العلم بتطاول السنين يبعث الله نبياً معلماً حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل . ونظراً لتزايد البشرية والخلق كان الأنبياء يعلمون الكبار العاقلين وما استطاعوا من الصغار ، ولكن تبقى مسؤولية الصغار منوطة بآبائهم الذين يعيشون تحت كنفهم ورعايتهم ووزعت المسؤولية بالتسلسل على جميع أفراد المجتمع من قبل رسول الله () كما ذكرنا آنفاً في الحديث / 133 / .

فهذا رسول الله () يعلم صحابته ضرورة أمر الأولاد بالصلاة والتفرقة بينهم في المضاجع ويحدد لهم السن المناسبة لذلك .

/ 201 / (( عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده قال : قال رسول الله () : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر , وفرقوا بينهم في المضاجع )) . [ 26 و 2 ] ( )

ويعلم () حفيده أن لا يأكل من مال الصدقة لأنه من أهل بيت رسول الله () ولا تحل لهم الصدقة شرفاً منه وعلواً ليكون قدوة لنا بالترفع عن تقبل الصدقات وتركها للمحتاجين جداً إليها .

/ 202 / (( عن أبي هريرة قال : أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة , فجعلها في فيه , فقال رسول الله () : كخ كخ , ارم بها , أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة )) . [ 17 و 15 ] ( )

ويعلم أحد الصغار آداب الطعام كما ذكرنا سابقاً في حديث عمر بن أبي سلمة / 162 / .

هذا بالإضافة لتعليمهم كل ما أمر به من طاعة الله تعالى واجتناب ما نهى عنه في تعاليم الدين الإسلامي الشاملة لكل نواحي الحياة ولكل فرد دون تمييز أو تفرقة بين البشر بما فيها تعليمهم حقوق الإنسان وحرياته وواجباته وتعاملهم الإنساني المشرف مع باقي الأديان وباقي الأمم .

ولقد أوضحنا سابقاً في حق الطفولة وحق المساواة كل الأمور المتعلقة بالرحمة بالطفل والحفاظ على حقه بالسلام وبالمجالس وبالميراث وبالنفقة وبالكفالة عند اليتم وباختيار العيش مع من يحب من والديه عند افتراقهما مع الأحاديث الشريفة الخاصة بذلك .

أما عن حق الوالدين على الأبناء فبالإضافة لما ذكر في حق الأمومة نذكر وصية الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً " العنكبوت : 8 [ 1 ]

ووصايا رسوله الكثيرة بذلك

/ 203 / (( عن عبد الله قال : سألت النبي () : أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : الصلاة على وقتها , قال ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين , قال ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله )) . [ 15 ] ( )

/ 204 / (( عن عبد الله بن عمرو قال : قال رجل للنبي() : أجاهد ؟ قال : ألك أبوان ؟ قال : نعم , قال : ففيهما فجاهد )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 205 / (( عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله () : إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه , قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه , ويسب أمه فيسب أمه )) . [ 15 ] ( )



واعتبر () عقوق الوالدين من أكبر الكبائر في الحديث السابق / 44 / .

وحث رسول الله () على صلة الرحم واعتبرها مدعاة لبسط الرزق وزيادة العمر .

/ 206 / (( عن أنس بن مالك : أن رسول الله () قال : من أحب أن يبسط له في رزقه , وينسأ له في أثره , فليصل رحمه )) . [ 15 و 17 ] ( )

وقال في الذي يدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ولا يدخل الجنة بسببهما :

/ 207 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله() : رغم أنفه , ثم رغم أنفه , ثم رغم أنفه . قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر : أحدهما أو كليهما , ثم لم يدخل الجنة )) . [ 17 ] ( )



وهكذا ديننا الحنيف بكتاب الله وسنة رسوله لم يظلم أحداً فلكل من الولد والوالد ذكوراً وإناثاً حقوقٌ وواجبات ورحمة وعطف وعمل صالح يثاب عليه صاحبه .

كلٌ يعمل تجاه الآخر بوصايا الله ورسوله لتشكيل الأسرة الصالحة التي تعتبر دعامة أساسية في بناء المجتمع المتماسك القوي حيث عجزت كل الديانات السابقة والقوانين اللاحقة عن تشكيل أسرة قوية مثل الأسرة المسلمة الصالحة التي ما زالت تعتبر الأسرة المثالية في المجتمع المسلم المثالي .

17ـ باب حق التمتع بالفنون :

/ من المادة السابعة والعشرين /

لقد سـمح رسـول الله () بكل الفنـون التي لا ترتكب فيها المعاصي وتحمـل الفائدة والخير للبشر . فكل فنٍ من الفنون سلاح ذو حدين حدٌ يحمل هذا الخير وحدٌ آخر يحمل الشر والأذى . فمثلاً الغناء فنٌ مفيد للبشر يشجعهم على العمل والترفيه عن النفس كما ذكر عن رسـول الله () وصحبه الكرام عندما كانوا يبنون مسجد المدينة ومساكنه ويرتجزون الأناشيد مثل :

لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة

فيقول لهم الرسول () : لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم المهاجرين والأنصار . [ 11 و 17 ] ( )

وعلي بن أبي طالب () كان يرتجز يومئذٍ فيقول :

لا يستوي من يعمر المساجدا يدأب فيه قائماً وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا [ 11 ] ( )

أما إذا كان الغناء مترافقاً مع ارتكاب المعاصي والفحشاء والمنكر وفضح عورات المسلمين والمسلمات فهو غناءٌ يحمل الشر والأذى للمسلمين جميعاً ويحرم بتحريم تلك المنكرات . وكذلك فن التصوير ويشمل الرسم والنحت والتصوير إذا لم يؤد إلى الإشراك بالله في الحاضر والمستقبل فهو غير محرم . ولكن قصص الأنبياء في الماضي وكيف عبد بنوا اسرائيل البقرة وأضلهم السامري ، ووجود الأوثان في الكعبة المشرفة قبل نزول الوحي ، وعبادة الناس لها جعلت رسول الله () ينهى عن تصويره شخصياً أو رسمه .

وكذلك أراد لصحابته أن يقتدوا به فلا رسم أو صورة لأحدهم يعبدونها وليس عيسى المسيح وأمه وصورهما ببعيدين .

وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن تصوير الحيوانات جميعاً وكل ذي روح ليبعد عن الناس فكرة تقديس أوثانهم وعبادتها مستقبلاً من قبل ضعاف العقول والإيمان .

/ 208 / (( عن ابن عباس عن أبي طلحة قال : قال النبي () لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 209 / (( عن أبي طلحة صاحب رسول الله() قال : إن رسول الله () قال : إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة . قال بسر : ثم اشتكى زيد فعدناه , فإذا على بابه ستر فيه صورة , فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي () : ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله : ألم تسمعه حين قال : إلا رقماً في ثوب )) . [ 15 و 17 ] ( )


وبالنسبة للشعر قال الله تعالى :

" والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون مالا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء : 224 _ 227

وهذا مايبين الشعر الصادق النافع من غيره وخاصة الذي يحمل الأعمال الصالحة وذكر الله والإيمان والحكمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

/ 210 / (( عن أبي ّ بن كعب أن رسول الله () قال : إن من الشعر حكمة )) . [ 15 ] ( )

/ 211 / (( عن أبي هريرة قال النبي () : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل, وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )) . [ 15 و 17 ] ( )

ومقابل ذلك يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى لا يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن .

/ 212 / (( عن ابن عمر عن النبي () قال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً )) . [ 15 و 17 ] ( )

وقياساً على ذلك تحلل أو تحرم بعض الفنون حسب فائدتها للإنسان وضررها أو حسب تقريبها من الله تعالى أو تبعيدها عنه .

18 . باب حق الانضمام إلى الجماعة والجمعيات :

/ من المادة العشرين /

قال تعالى :

" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " آل عمران : 103 [ 1 ]

وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تكاتف المسلمين ووحدتهم واجتماعهم على الخير والتقوى والاعتصام بحبل الله , وأمرهم بالتعاون والتشاور والتواضع فيما بينهم ليتم هذا الاجتماع.

/ 213 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : إن الله يرضى لكم ثلاثاً , ويكره لكم ثلاثاً : فيرضى لكـم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً , وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا . ويكره لكم : قيل وقال , وكثرة السؤال , وإضاعة المال )) . [ 17 ] ( )

وهل أفضل من صلاة الجماعة التي تفوق صلاة الفذ كثيراً ؟

/ 214 / (( عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله () قال : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )) . [ 15 و 17 ] ( )

وكذلك اجتماع المسلمين ظهر يوم الجمعة للخطبة والصلاة الجامعة وما لهما من فضل وخير على المسلمين أجمعين .

/ 215 / (( عن أبي هريرة : أن النبي () قال : خير يوم طلعـت عليه الشمس يوم الجمعة , فيه خلـق آدم , وفيه أدخل الجنـة , وفيه أخرج منها , ولا تقوم السـاعة إلا في يوم الجمعة )) . [ 17 ] ( )

والتغليظ في ترك الجمعة من قبله صلى الله عليه وسلم .

/ 216 / (( عن الحكم بن ميناء : أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه : أنهما سمعا رسول الله () يقول على أعواد منبره : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله عز وجل على قلوبهم , ثم ليكونن من الغافلين )) . [ 17 ] ( )

وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطيعة والهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام .

/ 217 / (( عن أبـي أيـوب الأنصـاري : أن رسول الله() قال : لا يحل لرجل أن يهجـر أخـاه فوق ثـلاث ليال , يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا , وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) . [ 15 و 17 ] ( )

وعلم أصحابه آداب المناجاة عندما يكونون ثلاثة حتى لا يؤدي هذا الاجتماع إلى الضرر بجمعهم وحزن أحدهم .

/ 218 / (( عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله () : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس , من أجل أن يحزنه )) . [ 17 و 15 ] ( )

ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم هو أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زوال هذه الجماعة وهذا الإمام في أواخر الزمان عند ظهور الفتن .

/ 219 / (( عن حذيفة بن اليمان قال : كان الناس يسألون رسول الله() عن الخير , وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني , فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : نعم . فقلت له : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعـم , وفيه دخن . قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر . فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم , دعاة على أبواب جهنم , من أجابهم إليها قذفوه فيها . فقلت : يا رسول الله صفهم لنا . قال : نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . قلت : يا رسول الله , ما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها , ولو أن تعض على أصل شجرة , حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) . [ 17 و 15 ] ( )



وقال فيمن فرق أمر الأمة وهي جميع :

/ 220 / (( عن عرفجة قال : سمعت رسول الله () يقول : إنه ستكون هنات وهنات , فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة _ وهي جميع _ فاضربوه بالسيف , كائناً من كان )) .

[ 17 ] ( )

وكذلك قال فيمن خرج عن الطاعة وفارق الجماعة :

/ 221 / (( عن أبي هريرة عن النبي () أنه قال : من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة , فمات مات ميتة جاهلية , ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة , أو يدعو إلى عصبة , أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية . ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها , ولا يتحاشى من مؤمنها , ولا يفي لذي عهد عهده , فليس مني ولست منه )) . [ 17 ] ( )

وهكذا كانت جماعات المسلمين وجمعياتهم كلها إما في المساجد في الصلاة أو حول الإمام وإما في الواجبات التي أمر الله تعالى ورسوله أن تكون كالتعاون بين البشر وعيادة المرضى وصلة الرحم وحق الجوار وحق الضيف وغيرها من الحقوق والآداب الإسلامية الرفيعة التي تجمع شمل المسـلمين ولا تفرقهم وذكر بعضها سابقاً وسيذكر بعضها الآخر لاحقاً بإذنه تعالى .

19 . باب حق تقييد الحقوق والحريات والواجبات نحو المجتمع لضمان المصلحة العامة وحقوق الآخرين :

/ من المادة التاسعة والعشرين /

أهم مبادئ الإيمان في الدين الإسلامي هو التسلسل الهرمي في الإيمان والتفضيل فالله أولاً ثم ملائكته ثم كتبه ثم رسله دون تفرقة كما قال الله تعالى :

" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " البقرة : 285 [ 1 ]

ثم يأتي بالدرجة الثانية خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم ووالي أمرهم الذي يفكر بالأمة والمجتمع والمصلحة العامة أولاً ثم بالفرد ومصلحته الخاصة . ومن واجب المسلمين نحوه السمع والطاعة حتى يستتب الأمن ونكون عوناً له على بناء المجتمع الصالح القويم ما دام يقيم الصلاة ولا يأمرنا بمعصية الله عز وجل كما ذكرنا سابقاً .

والأمثلة كثيرة عن تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتقييد كافة الحريات والحقوق المذكورة سابقاً بقيد المصلحة العامة تلك الذي ظاهره قيد وباطنه حرية وخير للأمة جميعاً .

فمثلاً للإنسان حق التملك يملك ما يشاء بالحلال ولكن عليه بالإنفاق مما يحب لإرضاء الله عز وجل وإرضاء رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال:

/ 222 / (( عن أنس بن مالك قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً , وكان أحب أمواله إليه بيرحى , وكانت مستقبلة المسجد , وكان رسول الله () يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب , قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " آل عمران : 92 . قام أبو طلحة إلى رسول الله () فقال : إن الله عز وجل يقول في كتابه : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وإن أحب أموالي إلي بيرحى , وإنها صدقة لله عز وجل , أرجو برها وذخرها عند الله عز وجل , فضعها يا رسول الله حيث شئت . قال رسول الله () : بخ , ذلك مال رابح , ذلك مال رابح , قد سمعت ما قلت فيها , وإني أرى أن تجعلها في الأقربين . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه )) . [ 17 و 15 ] ( )

وكذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيثار والزهد وأمر بالزكاة والصدقات والكفارات ونهى عن إضاعة المال وكلها ذكرت أو ستذكر في حينها .

ومثلاً آخر عن حرية الإنسان بالتنقل من مكان إلى آخر والإقامة الحرة نرى أن هذه الحرية مقيدة بقيد المصلحة العامة فعندما يقع الطاعون بأرض قوم تتبلور فائدة هذا القيد الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن القدوم إلى هذه الأرض أو الخروج منها حفاظاً على المصلحة العامة بعدم نشر الوباء خارج هذه المنطقة الموبوءة كما ذكر في الباب 12 الحديث / 181 / .

والأمثلة كثيرة عن هذا القيد الذي وضع لتفضيل المصلحة العامة وكلها ذكرت مع الحريات والحقوق الممنوحة في الإسلام وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .


20 . باب حق عدم هدم الحريات والحقوق الواردة أو مناقضتها :

جميع الحقوق والحريات الواردة سابقاً هي مصانة ومحفوظة في الدين الإسلامي بالوازع الديني القوي الذي يمنع المسلم عن معصية الله تعالى ورسوله فيعمل بأوامره وينتهي عما نهى عنه أليس الله القائل :

" وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر : 7

والشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي باب من الأبواب الموجودة في هذا البحث وأساسها راسخ بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه _ بحفظ الله له _ ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديثه الصحيحة التي توافق وتساير كلام الله أو توضح وتفسر آياته .











الفصل الثاني :

حقوق الإنسان في السنة الشريفة لم يذكرها الإعلان العالمي لهذه الحقوق

1 . باب الحث على العتق وحقوق العبيد :

بدأت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن سادت فيه عبودية البشر إما عن طريق السطو والسلب أوعن طريق الغزو بين القبائل العربية أو بين الإمبراطوريات القديمة كالفارسية والرومانية وغيرها , وكان البشر يستعبدون بعضهم البعض حيث كان الأغنياء يتباهون بكثرة ما لديهم من عبيد وإماء , وكان لهم قوانين خاصة تضمن لهم حقوقهم في استعبادهم وأسواق النخاسة الخاصة ببيعهم أو مبادلتهم , واقتصاد هؤلاء الناس ورؤوس أموالهم كان يخضع كثيراً لوجود الرق والعبيد , وكان من الصعب بمكان زعزعة هذا الاقتصاد دفعة واحدة فكان لا بد من الحث والتشجيع على تركه خطوة خطوة لطفاً من الله ورسوله بعباده أجمع فكان الحث على العتق إما بشكل كفارة عن ذنب ارتكبوه أو طواعية ورغبة بنيل رضوان الله تعالى والفوز بالجنة .

/ 223 / (( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار )) [ 27 و 15 ] ( )

الإرب بكسر الهمزة وإسكان الراء هو العضو [ 28 ] ( )

وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا فشجع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها على العتق في غزوة عيينة بن حصن من بني تميم في الحديث التالي :

/ 224 /((عن عاصم بن عمر بن قتادة : أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن علي رقبة من ولد إسماعيل. قال : قال : هذا سبي بني العنبر يقدم الآن , فنعطيك منهم إنساناً فتعتقينه )) [ 14 ] ( )

وكذلك سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة العتق بالزواج حيث تزوج سبية وأعتقها فكان مهرها عتقها . وهي أم المؤمنين صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير _من اليهود _ رضي الله عنها . [ 17 و 15 ] ( )

وحث صلى الله عليه وسلم على تعليم الرجل أمته وعتقها والزواج منها .

/ 225 / (( عن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله () : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد() , والعبد المملوك إذا أدى حق الله تعالى وحق مواليه , ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران )) . [ 15 و 17 ] ( )



وهنالك أيضاً سنة العتق بالضرب التي نصح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أي إذا ضرب مملوكه أعتقه كفارة لما فعل وهي معاقبة النفس إن تسببت بالضرب والأذى للإنسان المملوك أو نهياً لها عن أعمال الضرب التي كان يمارسها المالك على هذا المملوك قبل الإسلام .

/ 226 / (( عن أبي مسعود الأنصاري قال : كنت أضرب غلاماً لي , فسمعت من خلفي صوتاً : اعلم _ أبا مسعود _ لله أقدر عليك منك عليه . فالتفت فإذا هو رسول الله() , فقلـت : يا رسول الله , هو حر لوجه الله . فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار , أو : لمستك النار )) .[ 17 ] ( )

/ 227 / (( عن زاذان : أن ابن عمر دعا بغلام له فرأى بظهره أثراً , فقال : أوجعتك ؟ فقال : لا , قال : فأنت عتيق . قال : ثم أخذ شيئاً من الأرض فقال : ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا , إني سمعت رسول الله () يقول : من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه , فإن كفارته أن يعتقه )) . [ 17 ] ( )



هذا بالإضافة لكفارة تحرير الرقبة المؤمنة المذكورة في القرآن الكريم عند قتل المؤمن خطأ في سورة النساء الآية 92 , وكفارة تحرير رقبة عند الحلف الكاذب (( بما عقدتم الأيمان )) في سورة المائدة الآية 89 , أو الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا في سورة المجادلة الآية 3 .

كما اعتبر الله تعالى عتقهم من الصدقات التي فرضها الله على عباده كما الصدقة على الفقراء والمساكين وغيرهم في قوله تعالى في سورة التوبة الآية 60 المذكورة سابقاً.

أما عن حسن معاملة الرق والنفقة عليهم فقد أوصانا رسول الله () بالإحسان إلى المملوكين في الطعام واللباس والمعاملة بالرفق وعدم تكليفهم ما لا يطيقون , وعند الضرورة تجب إعانتهم في أعمالهم رحمة ورأفة بهم .

/ 228 / (( عن المعرور بن سويد أن رسول الله () قال لأبي ذر : هم إخوانكم , جعلهم الله تحت أيديكم , فأطعموهم مما تأكلون , وألبسوهم مما تلبسون , ولا تكلفوهم ما يغلبهم , فإن كلفتموهم فأعينوهم )) . [ 17 و 15 ] ( )

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل العبد وإيذائه نهياً شديداً .

/ 229 / (( عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله () قال من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن أخصاه أخصيناه )) . [ 19 ] ( )

كما يجب احترام فكر وعقل العبد المملوك فقد يكون حكيماً وقادراً على نصح سيده وقد يكون أعلم منه بكتاب الله وعبادته فشجع رسول الله صلى الله عليه وسلم العبيد على نصح أسيادهم إن كانوا أهلاً لذلك بأن جعل أجره أجرين إن فعل ذلك فهو إنسان مسئول أمام رب العالمين والناس كافة .

/ 230 / (( عن ابن عمر : أن رسول الله () قال : إن العبد إذا نصح لسيده , وأحسن عبادة الله , فله أجره مرتين )) . [ 17 و 15 ] ( )

وكذلك حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولاء المعتوق لمن أعتقه حرصاً منه للمحافظة على الود بين العبد وسيده , والوفاء والإخلاص لمن تكرم وبادر بالعتق , وحفاظاً على أموال السيد بعد وفاة عبده المعتوق فهو صاحب الحق بذلك تشجيعاً منه صلى الله عليه وسلم على العتق بحد ذاته .

/ 231 / (( عن عائشة أن رسول الله() قال لها في بريرة : اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء , فإن الولاء لمن أعتق )) . [ 17 و 15 ] ( )

والولاء هو حق للمعتِق على المعتَق إذا مات المعتَق ولا وارث له من أقربائه ورثه المعتِق .

ومقابل كل ما ذكر من الحث على العتق وفضله نجد أنه من حكمته صلى الله عليه وسلم أن يحافظ على رؤوس أموال الناس كافة واقتصادهم الذي يجب أن لا يتخلخل وينهار كما أسلفنا فشجع على العتق ضمن أصوله وشرعيته وحافظ على استمرار الرق مؤقتاً إلى حين التخلص منه تدريجياً . فلم يحرض العبيد مثلاً على الفرار من أسيادهم والثورة عليهم لأنهم فعلاً اشتروهم بأموالهم أو كانوا نتيجة غزواتهم وجهادهم فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عصيان العبد لسيده أو الهروب منه .

/ 232 / (( عن جرير عن النبي () قال : إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة )) . [ 17 ] ( )

أي أن العبد المؤمن يعتبر كافراً ولا تقبل منه صلاة إذا فر هارباً من سيده ولم يحافظ على العهد والطاعة , وهذا من أولى دواعي الاستقرار والتماسك الاجتماعي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ويعتق ويتحرر كغيره ويبقى الولاء لمن أعتقه كما أسلفنا .


2. باب حق صلة الرحم :

صلة الرحم هي حق هام من حقوق الإنسان ذي القرابة لترابط أسرة بأكملها من أولها إلى آخرها في الماضـي والحاضر والمستقبل وحث عليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كثيراً .

/ 233 / (( عن أنس بن مالك أن رسول الله () قال : من أحب أن يبسط له في رزقه , وينسأ له في أثره , فليصل رحمه )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 234 / (( عن جبير بن مطعم أنه سمع رسول الله () يقول : لا يدخل الجنة قاطع )) . [ 15 و 17 ] ( )

3 . باب حق الميراث :

لقد سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نظام الميراث الذي وضعه الخالق عزّ وجل بأدق وأحسن ما يكون للإنسان ذكوراً وإناثاً واعتبره حقاً للإنسان من ذوي القربى حتى تقوى روابط صلة الرحم قبل الممات وبعده ، ولتستمر العائلة في الطريق الذي سار عليه الأجداد في العمل والمال فلا ينقطع رزقهم ويحتاجون الصدقة ويتحول حالهم من غنى إلى فقر كما ذكرنا في الحديث/190/ سابقاً وغيره :

/ 235 / (( عن أبي هريـرة : أن رسول الله () كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين , فيسأل : هل ترك لدينه من قضاء . فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه , وإلا قال : صلوا على صاحبكم . فلما فتح الله عليه الفتوح قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم , فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه , ومن ترك مالاً فهو لورثته )) . [ 17 و 15 ] ( )

والآيات القرآنية عن الميراث وتنظيمه كثيرة وخاصة في سورة النساء : الآية 33 وعمل بها رسول الله() كلها .



4 . باب حق الرضاعة :

أن ترضع المرأة ولداً غير ولدها لضرورة ألمت به كغياب أمه في موت أو مرض أو فاقة هي حالة إنسانية متميزة بالعطف والمحبة والكرم لتنشأ رابطة قوية بين هذه المرأة وهذا الرضيع كرابطة النسب تماماً كما ميزها الله ورسوله .

/ 236 / (( عن عائشة أنها سألت رسول الله () فقالت : يا رسول الله لو كان فلان حياً _ لعمها من الرضاعة _ دخل علي ؟ قال رسول الله () : نعم , إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة )) . [ 17 ] ( )

وبهذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم المجال للاعتراف بحق من حقوق الإنسان حاصل بتلقي طفل رضاعة من أم غير أمه ويهب هذه الأم ابناً غير أبنائها ليوسع نطاق الحب والألفة بين البشر خارج دائرة رابطة النسب والرحم .

وحتى تحصل هذه الرابطة القوية نظمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مقدارها .

/ 237 / (( عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن : ( عشر رضعات معلومات يحرمن ) ثم نسخن بخمس معلومات , فتوفي رسول الله () وهي فيما يقرأ من القرآن )) . [ 17 ] ( )

5 . باب حق الجار :

لقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار حقوقاً لم يعطها إيّاه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فبالإضافة لما ذكر عن حقوق الناس جميعاً كانت هناك حقوق خاصة بالجار تجب مراعاتها طاعة لله ورسوله ، لما للجار من ميزات في قربه من أخيه الإنسان لاحتكاكه الدائم به وما يراه أو يسمعه منه . فقد يجد ما يسرّه منه ويصبح كالأخ أو القريب نسباً أو يجد ما يزعجه منه فتصبح الحياة بجواره لا تطاق .

ولذلك أول ما نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر الهام في المجتمع الإسلامي المتماسك هو الملاك جبريل عليه السلام بوحي من الله عز وجل .

/ 238 / (( عن ابن عمر قال : قال رسول الله () : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) . [ 15 , 17 ] ( )

ثم نبه رسولنا الكريم المؤمنين جميعاً لذلك في أحاديث شريفة كثيرة سأذكر أهمها :

/ 239 / (( عن أبي شريح : أن النبي () قال : والله لا يؤمن , والله لا يؤمن , والله لا يؤمن , قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 240 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) . [ 15 و 17 ]( )

6 . باب حق إفشاء السلام :

يعتبر السلام بين البشر حق من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان وهو الخطوة الأولى للمحبة والسلام بينهم .

/ 241 / (( عن عبد الله بن عمرو : أن رجلاً سأل النبي () : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف )) . [ 15 و 17 ]( )

/ 242 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنون حتى تحابوا , أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) . [ 17 ] ( )

وبين صلى الله عليه وسلم آداب السلام وأصوله ومن يبدأ السلام.

/ 243 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : يسلم الراكب على الماشي , والماشي على القاعد , والقليل على الكثير )) . [ 17 و 15 ] ( )

وبين كذلك وجـوب رد السلام لتحقيق الغاية المنشودة منه كما ذكرنا في الحديث/64 / السابق .

وأولى الناس بالله من بدأهم بالسلام للتشجيع على المبادرة به والتسابق عليه .

/ 244 / (( عن أبي أمامة صديّ بن عجلان الباهلي قال : قال رسول الله () : إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام )) . [ 26 ] ( )



7 . باب الحب في الله :

الحب بين البشر هو أساس القوة الإلهية التي تجعل الناس يهبون الحرية والحقوق لبعضهم البعض . فبعد أن نبّه الله إليه وبدأ بالوالدين ثم بالأخوة وذوي القربى والجيران والأصحاب عمم هذا الحب ليشمل كل عباد الله المؤمنين ، فلا يجد حلاوة الإيمان إلاّ إذا أحب المرء لا يحبه إلاّ الله .

/ 245 / (( عن أنس بن مالك قال : قال النبي () : لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله , وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله , وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )) . [ 15 و 17 ] ( )

وكذلك ذكرنا سابقاً في الحديثين الشريفين / 59 / و / 60 / أنه لا يؤمن المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن الله عز وجل يظل في ظله المتحابون بجلاله يوم لا ظل إلا ظله .

8 . باب حسن الخلق :

من حق الإنسان على أخيه الإنسان حسن الخلق والمعاملة وهي تشمل نواحي كثيرة في الحياة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً إيّاها مربياً صحبه وأهله أفضل تربية لبناء مجتمـع قوي متماسـك داخلياً على الحب و تقوى الله الذي ألّف بين قلوبهم بعزته وحكمته .

" وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " الأنفال : 63

و لحسن الخلق آداب كثيرة أهمها :

أ . حفظ اللسان :

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت وفي هذا أحاديث كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم يحث فيها على الكلمة الطيبة وينهى عن كلام السوء وبالإضافة لما ذكر في الحديث / 240 / والحديث / 155 / نذكر :


/ 246 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم )) .

[ 15 و 17 ] ( )

/ 247 / (( عن عدي بن حاتم عن النبي () أنه قال : اتقوا النار ولو بشق تمرة , فإن لم يكن فبكلمة طيبة )) . [ 15 و 17 ] ( )

ومن حفظ اللسان عدم السب والشتم لأن سباب المسلم فسوق كما ذكرنا في الحديث / 49 / .

وكذلـك عدم الغيبـة والنميمـة كما أمـر الله : (( ولا يغتـب بعضكـم بعضاً )) الحجرات :12[ 1 ]

/ 248 / (( عن ابن عبـاس قـال : مـر رســول الله () على قبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير , أما هذا فكان لا يسـتتر من بوله , وأما هذا فكان يمشي بالنميمة )) [ 15 ] ( )

والتحاسد والتدابر والتجسس والبغضاء من سوء الخلق وهي تباعد بين الناس والأخوة .

/ 249 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : إياكـم والظن فإن الظن أكذب الحديث , ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً )) . [ 15 ] ( )

والكبر أيضاً يودي بالمستكبر إلى النار كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديثين السابقين / 56 / و / 57 / وهذا الحديث :

/ 250 / (( عن حارثة بن وهب الخزاعي عن النبي () قال : ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضاعـف لو أقسم على الله لأبره , ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتلّ جوّاظ مسـتكبر )) . [ 15 و 17 ] ( )

وحذر صلى الله عليه وسلم من الغضب في أحاديث كثيرة لما له من آثار سلبية على حقوق الإنسان .

/ 251 / (( عن أبي هريرة أن رسول الله() قال : ليس الشديد بالصرعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 252 / (( عن أبي هريـرة أن رجلاً قال للنبي(): أوصني , قال : لا تغضب , فردد مراراً , قال : لا تغضب )) . [ 15 ] ( )

وعلى العكس من ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل الناس بالحلم ويكثر من الابتسام لهم كما ذكر ذلك عنه أصحابه وزوجاته أقرب الناس إليه :

/ 253 / (( عن جريـر قال : ما حجبنـي النبي () منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي )) . [ 15 ] ( )

/ 254 / (( عن عائشـة رضي الله عنها قالت : ما رأيت النبي () مستجمعاً قط ضاحكاً حتى أرى منه لهواته , إنما كان يبتسم )) . [ 15 ] ( )

ب . الصبر :

قال تعالى : " إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب " الزمر :10 [ 1 ]

فالصبر هو سر من أسرار النصر وحسن الخلق اتصف به الصالحون والأنبياء لما له من قيمة عظيمة في حفظ حقوق الإنسان .

/ 255 / (( عن عبد الله قال : قسم النبي () قسمة كبعض ما كان يقسم , فقال رجل من الأنصار : والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله , قلت : أما لأقولن للنبي () فأتيته وهو في أصحابه فساررته , فشق ذلك على النبي () وتغير وجهه وغضب , حتى وددت أني لم أكن أخبرته , ثم قال : قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر )) . [ 15 ] ( )

ج . تشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المرضى واتباع الجنائز :

كلها من صفات المسلمين وأخلاقهم التي تعتبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان وذكرت سابقاً في الحديث / 64 /

د . إكرام الكبير : لابد للصغير من احترام الكبير وإكرامه وهذا حق للكبير على أخيه الصغير حفظه له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

/ 256 / (( عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده قال : قال رسول الله(): ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا )) [ 26 ] ( )

هـ . الحياء :

إذا لم تستح فاصنع ما شئت . هذا ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

/ 257 / (( عن أبي مسـعود قال : قال النبي(): إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) . [ 15 ] ( )

فإذا أراد الإنسان صنع الخير لأخيه الإنسان فعليه بالحياء لأنه لا يأتي إلاّ بخير كما قال صلوات الله عليه

/ 258 / (( عن عمران بن حصين قال : قال النبي () : الحياء لا يأتي إلا بخير )) .

[ 15 و 17 ] ( )

واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان ليحث المؤمنين عليه

/ 259 / (( عن عبد الله بن عمر : مر النبي () على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول : إنك لتستحيي _ حتى كأنه يقول : قد أضر بك _ فقال رسول الله () : دعه , فإن الحياء من الإيمان )) .[ 15 ] ( )

9 . باب الكرم :

الكرم من صفات الله تعالى التي يجب على الإنسان أن يتحلّى به لما له من أثر إيجابي على زيادة محبة البشر لبعضهم البعض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا في ذلك .

/ 260 / (( عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى النبي () ببردة فقالت : : يا رسول الله , أكسوك هذه ؟ فأخذها النبي () محتاجاً إليها فلبسها , فرآها عليه رجل من الصحابة فقال : يا رسول الله , ما أحسن هذه فاكسنيها , فقال : نعم , فلما قام النبي () لامه أصحابـه , قالوا : ما أحسنت حين رأيت النبي () أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسأل شيئاً فيمنعه , فقال : رجوت بركتها حين لبسها النبي () لعلي أكفن فيها)) [ 15 ] ( )

وكان () يستعيذ من البخل كما ذكرنا في الحديث / 122 / ويأمر بإكرام الضيف كما ذكرنا في الحديث / 240 / السابق.

وإيتاء الزكاة والصدقات والنفقات وأداء الديون وإعادة اللقطة لأصحابها كلها تشجع على الكرم وذكرت فيها أحاديث شريفة كثيرة سأذكر بعضها للاختصار

/ 261 / (( عن حارثة بن وهب قال : سمعت رسول الله () يقول : تصدقوا , فيوشك الرجل يمشي بصدقته , فيقول الذي أعطيها : لو جئتنا بها بالأمس قبلتها , فأما الآن فلا حاجة لي بها , فلا يجد من يقبلها )) . [ 17 و 15 ] ( )

/ 262 / (( عن أبي هريرة : أن رسـول الله () قال : قال الله : أنفق يا ابن آدم أنفق عليك )) . [ 15 ] ( )

وذكرنا فرض الزكاة في الحديث / 141 / والحث على الصدقة في الحديث / 105 / .


10 . باب الصلح :

شجع الله ورسوله كثيراً على الصلح لما فيه من خير الإنسان لأخيه الإنسان حتى اعتبر حق من حقوق الإنسان في الإسلام .

فقال تعالى :

" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " النساء : 114

وقال رسوله الكريم :

/ 263 / (( عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله () يقول : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 264 / (( عن سهل بن سعد : أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة , فأخبر رسول الله () بذلك فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم )) [ 15 ] ( )

حتى أنّه صلى الله عليه وسلم قبل بصلح الحديبية رغم ما فيه من إجحاف بحقوق المسلمين من قبل المشركين أملاً منه بنيل حقوق المسلمين في أيامهم القادمة تلك وبفتح قريب .

/ 265 / (( عن البراء بن عازب قال : صالح النبي () المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : على أن من أتاه من المشركين رده إليهم , ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه , وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام , ولا يدخلها إلا بجلبّان السلاح : السيف والقوس ونحوه . فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم )) [ 15 ] ( )

وذكرنا في الحديث / 96 / أن الحاكم عليه أن يصلح بين الخصوم إن استطاع .

11 . باب العفو والإعراض عن الجاهلين :

حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً على العفو حتى لكأنّه صار حقاً أيضاً للإنسان على أخيه الإنسان وكان مثالاً وقدوة في ذلك طاعةً لأمر الله تعالى حيث قال: " خذ العفو وأمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين " الأعراف : 199

وقال أيضاً : " و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " النور : 22 [ 1 ]

والأمثلة كثيرة عن عفوه صلوات الله عليه

/ 266 / (( عن أنس بن مالك قال : : كنت أمشي مع رسول الله() وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة , قال أنس : فنظرت إلى صفحة عاتق النبي() وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته , ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك , فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء )) [ 15 ] ( )

/ 267 / (( عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي (): أنها قالت لرسول الله () : يا رسول الله , هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك , وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة , إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال , فلم يجبني إلى ما أردت , فانطلقت وأنا مهموم على وجهي , فلم أستفق إلا بقرن الثعالب , فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني , فنظرت فإذا فيها جبريل , فناداني فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك , وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم , قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي , ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك , وأنا ملك الجبال , وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك , فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله () : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) . [ 17 و 15 ] ( )

/ 268 / (( عن أبي هريرة عن رسول الله () قال : ما نقصت صدقة من مال , وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً , وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )) . [ 17 ] ( )

12 . باب الرحمة :

كل مخلوقات الله تحتاج للرحمة التي كتبها تعالى على نفسه وأراد رسوله الكريم أن تكون بقلوب الناس وعقولهم لتكون حقاً من حقوق الإنسان في الحياة الدنيا فحثّ كثيراً عليها ومن أقواله فيها كما ذكرنا سابقاً : من لا يرحم لا يُرحم _ الحديث / 186 /_

وكأنّه قرن الرحمة أو فسرها بالود والعطف لتسمو بها نفوس المؤمنين وتقوى شكيمتهم ووحدتهم كما قال في مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم في الحديث / 66 /

13 . باب التوبة :

اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطأ من صفات الإنسان الطبيعية وأن الرحمة والغفران من صفة الرحمن سبحانه وتعالى ... فشجع كثيراً المذنبين على التوبة وحثهم على إصلاح نفوسهم وعدم المضي قدماً والإمعان في الذنوب والجريمة وأكل حقوق الناس , ففتح باب الأمل على مصراعيه لكل من ندم وعاد إلى ثوابه ورشده فقال كثيراً من الأحاديث الشريفة في ذلك ولكأنه جعل التوبة حقاً من حقوق الإنسان على الله .

/ 269 / (( عن أبي بردة قال : سمعت الأغر _ وكان من أصحاب النبي () _ يحدث ابن عمر _ قال : قال رسول الله() : يا أيها الناس توبوا إلى الله , فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة )) . [ 17 ] ( )

/ 270 / (( عن أبي موسى عن النبي () قال : إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل , حتى تطلع الشمس من مغربها )) . [ 17 ] ( )

14 . باب الزهد :

الطمع هو أساس الحروب والصراعات بين البشر ومن حق الإنسان على أخيه الإنسان أن يتخلى عنه ليعم الوئام والسلام ولا سبيل للتخفيف من غلوائه إلا بالزهد الذي شجع عليه رسول الله() أصحابه وأهله وكان مثالاً في حياته للزاهدين .

/ 271 / (( عن عائشة رضي الله عنها قالت : توفي رسول الله () وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي , فأكلت منه حتى طال علي , فكلته ففني )) [ 17 و 15 ] ( )

/ 272 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : ليس الغنى عن كثرة العرض , ولكن الغنى غنى النفس )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 273 / (( عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله () : قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين , وإذا أصحاب الجد محبوسون , إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء )) . [ 17 و 15 ] ( )

/ 274 / (( عن عمرو بن الحارث ختنِ رسول الله () أخي جويرية بنت الحارث قال : ما ترك رسول الله () عند موته درهماً ولا ديناراً , ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة )) . [ 15 ] ( )

وكان دائماً يستعيذ من نفس لا تشبع كما ذكرنا سابقاً في الحديث الشريف / 121 / .

وحذر أصحابه كثيراً من التنافس على أمور الدنيا فتهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم في الحديث الشريف المذكور سابقاً / 118 / .



15 . باب الوصية بالنساء :

لم يكتف رسول الله () بالحفاظ على حق الأمومة بل تعداها إلى الحفاظ على حق المرأة بشكل عام منذ طفولتها وحتى شيخوختها ووفاتها .

فكان صلى الله عليـه وســلم يعتبرها كالرجل لها حقوق وحريات وعليها واجبات ومسؤوليات ، فكل الحقوق والحريات المذكورة سابقاً تشمل المرأة والرجل ما عدا خصوصية علاقة الزوج والطلاق وعلاقات أخرى ذكرت في حينها حيث حددت بالتفصيل في هذا القسم وضمن فيها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حق وحرية كل منهما دون ظلم لأي منهما .

ولكن نظراً لضعف المرأة وهضمها حقوقها في الجاهلية فقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصاة بها في كثير من أحاديثه وتميزت بذلك عن الرجال .

فمنذ ولادة البنت حرم الله ورسوله وأدها لأنها لم تقترف ذنباً يوجب القتل فقال تعالى :

"وإذا الموءودة سئلت . بأي ذنب قتلت " التكوير : 8 _ 9 [ 1 ]

وذكرنا قوله() عن تحريم وأد البنات في الحديث الشريف / 155 / .

وذكرت أحاديث شريفة كثيرة عن رسول الله() يوصي فيها بالنساء والبنات .

/ 275 / (( عن عائشــة زوج النبي() قالـت : جاءتني امـرأة معها ابنتان تسـألني , فلم تجـد عندي غير تمـرة واحدة فأعطيتهـا فقسـمتها بين ابنتيها , ثم قامت فخرجت , فدخل النبي() فحدثته فقال : من يلي من هذه البنات شيئاً , فأحسن إليهن كن لـه ستراً من النار )) . [ 15 ] ( )

/ 276 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : استوصوا بالنساء , فإن المرأة خلقت من ضلع , وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه , فإن ذهبت تقيمه كسرته , وإن تركته لم يزل أعوج , فاستوصوا بالنساء )) . [ 15 و 17 ] ( )

/ 277 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً , وخياركم خياركم لنسائهم )) . [ 26 ] ( )

/ 278 / (( عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله () : من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو _ وضم أصابعه _ )) . [ 17 ] ( )

وذكرنا سابقاً في الحديث / 190 / كيف أنه () نهى سعد بن أبي وقاص عن التصدق بأكثر من ثلث ماله حتى لا يحرم ابنته الوحيدة من الميراث .

وتكفي المرأة أمورمهرها ونفقتها الواجبة على زوجها أو أبيها أو أحد محارمها لتعينها على الحياة عندما لا تستطيع العمل والخروج من بيتها لإعانة نفسها ، وما أكثر الحالات التي تكون فيها ضعيفة ومحتاجة لمساعدة ولدرء الخطر عنها والجوع والفقر.

/ 279 / (( عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي () قال : إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة )) . [ 15] ( )

/ 280 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله , أو القائم الليل الصائم النهار )) . [ 15 و17 ] ( )

/ 281 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره )) . [ 15 و 17 ] ( )

وشملت وصيته () في حجة الوداع الوصية بالنساء في قسط وافر منها كما ذكرنا في الشاهد / 21 / السابق .

16 . باب حق اليتامى :

اليتيم إنسان ضعيف قاصر يحتاج لمن يحفظ لـه حقوقه ويرعاه ولذلك نهى الله تعالى ورسوله عن أكل مال اليتيم حتى يكبر ويبلغ أشده .

"ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده " الأنعام :152 [ 1 ]

/ 282 / (( عن سهل بن سعد عن النبي () قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا _ وقال بإصبعيه السبابة والوسطى _ )) [ 15 و17 ] ( )


17 . باب حق الفقراء والمساكين :

"والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم " المعارج 24 : _ 25 [ 1 ]

اعتبر الله تعالى ورسوله أنّ أموال الناس ليست كلها ملك لهم بل عليهم أن يقتطعوا منها حصة للفقراء والمساكين المحرومين وهذا منتهى العدل والرحمة . فهي بالتأكيد تفوق حاجتهم إذا بلغت نصاباً معيناً سمي بنصاب الزكاة وما نفع تكديسها وكنزها وآلاف الفقراء يتضورون جوعاً ويبيتون على الطوى .

فإذا لم يأمر الله ورسوله بهذا الحق لا أحد يرأف لحالهم ويعطيهم من ماله إلا ما ندر وإذا أعطاهم لا يعتبره حقاً لهم بل يمن عليهم بذلك .

ولكن الله ورسوله أمر بألا يتبع الصدقات المن والأذى فكان هذا الحق مصون ومحفوظ مادياً ومعنوياً لهؤلاء المساكين .

قال تعالى : " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكـم " البقرة : 271 [ 1 ]

وذكرنا عن رسول الله () الحديثين الشريفين / 86 / و / 141 / يحث فيهما على الصدقة وإخفائها .

18 . باب حق ضعاف العقول في الرعاية :

ضعاف العقول هم بشر لا يستطيعون نيل حقوقهم أو الاستفادة منها بمفردهم ويحتاجون لمن يرشدهم ويتولى أمرهم ولذلك حفظ الله تعالى حق السفهاء في أموالهم ورعايتهم بالحسنى :

"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً " النساء : 5 [ 1 ]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد أمر السفيه والضعيف العقل إذا لم يحسن التصرف بماله .

/ 283 / (( عن جابر أن رجلاً أعتق عبداً له ليس له مال غيره , فرده النبي() فابتاعه منه نعيم بن النحام )) . [ 15 و 17 ] ( )





19 . باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

هذا الباب يعتبر حقاً للإنسان على أخيه الإنسان أيضاً يرشده ويأمره بالخير وينهاه عن فعل الشر والمنكرات ما استطاع ، أليس المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ؟ كما قال الله تعالى :

"والمؤمنون والمؤمنات بعضهـم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "

التوبة : 71 [ 1 ]

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله بذلك :

/ 284 / (( عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله () يقول : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده , فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه , وذلك أضعـف الإيمان )) . [ 17 و 19 ] ( )

/ 285 / (( عن حذيفة عن النبي () قال : والذي نفسـي بيـده لتأمرن بالمعروف , ولتنهـون عن المنكـر , أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه , ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) . [ 26 ] ( )

وتنبأ () باستمرار طائفة من أمته ظاهرة على الحق حتى يأتي الله بأمره كما ذكرنا في الحديث / 142 / سابقاً .

20 . باب حق تعدد الزوجات :

منح الله ورسوله هذا الحق للزوج ووضع له قيود العدد المحدود في أربعة والعدل فيه لضرورات إنسانية يعلمها الله ورسوله و أولو النهى على مر العصور والأزمان فلا فوضى وزواج غير محدود وظلم كما كان يحدث في الجاهلية ولا إرغام الزوج على الاكتفاء بواحدة مهما كانت الظروف كما يحدث اليوم في الشرائع الأخرى الموجودة حالياً ، وما يسببه هذا الإرغام من هضم لحقوق الإنسان ودفعه إلى الزنى أو قتل الزوجة للخلاص منها وهي من مصائب البشرية التي لا تعترف بهذا الحق .


قال تعالى :

" وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )) النساء :3 [ 1 ]

ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إمكانية حب الرجل لامرأة أكثر من غيرها من نسائه لأن الحب من المشاعر الإنسانية التي لا يمكن للمرء أن يتحكم فيها بعقله وإرادته ، وهو لا يحمل الأذى والضرر للغير ولكن الإنسان يملك الحرية بحب من يشاء، ولا أحد له الحق في الاعتراض على ذلك .

/ 286 / (( عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي () قال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )) . [ 16 و 15 ] ( )

/ 287 / (( عن عائشة قالت : قال رسول الله () يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما أتاني الوحى في لحاف امرأة منكن إلا هي )) [16و 15 ] ( )



وبمقابل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمح أن تتكبر إحدى نسائه على الأخريات أو تتسبب لهن بأذى ولو كان يحبها أكثر منهن وهذا ما حدث بين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما

/ 288 / (( عن أبي المتوكل عن أم سلمة أنها يعنى أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله () وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فجمع النبي () بين فلقتي الصحفة ويقول كلوا غارت أمكم مرتين ثم أخذ رسول الله () صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة عائشة )) . [ 16 و15 ] ( )

والفهر في القاموس بالكسر حجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف . [ 16 ] ( )

وكذلك حـذر صلى الله عليه وسلم من الميل لإحدى النساء دون الأخريات وعدم العدل بينهن .

/ 289 / (( عن أبي هريرة عن النبي () قال : من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل )) . [ 16 ] ( )

21 . باب حق الدفاع عن النفس :

لابد من وجود هذا الحق لأن الله تعالى لا يرضى الغلبة لعدوه وعدو المسلمين الظالم المعتدي الذي يمنع الناس حقوقهم وحرياتهم ، ولابد أن تكون كلمة الله هي العليا دوماً

قال تعالى :

" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون " الأنفال : 60 [ 1 ]


وقال رسوله الكريم :

/ 290 / (( عن أبي موسى قال : جاء رجل إلى النبي () فقال : الرجل يقاتل للمغنم , والرجل يقاتل للذكر , والرجل يقاتل ليرى مكانه , فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )) . [ 15 و 17 ] ( )

والذي يدافع عن حقه في ماله ويقتل يصنف مع الشهداء الأبرار كما قال رسول الله ()

/ 291 / (( عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت النبي () يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد )) . [ 15 ] ( )

22 . باب حق تطبيق الحدود :

قال تعالى : "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون " البقرة : 179 [ 1 ]

كل مجتمع له قوانينه الخاصة به في الجرائم والجنح والعقوبات ، وقد تتشابه بعض هذه القوانين بين الدول أو تختلف .

فمثلاً القاتل العمد يقتل في أكثر الشرائع . أمّا إذا كان القتل خطأ فعقوبة القاتل في الدين الإسلامي أن يعتق رقبة مؤمنة ويعطي أهله ديةً إذا كانوا مسلمين أو معاهدين للمسلمين وإلاّ فعتق رقبة مؤمنة فقط .

كما قال الله تعالى في سورة النساء : 92

والزاني في الإسلام يختلف حدّه بين البكر والثيب وبين السّيد والعبد حكمةً منه تعالى ومن رسوله الكريم ()

/ 292 / (( عن عبادة بن الصامت عن النبي () أنه قال : خذوا عني , فقد جعل الله لهن سبيلاً : الثيب بالثيب , والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة , والبكر جلد مائة ثم نفي سنة )) . [ 17 و 15 ] ( )

/ 293 / (( عن أبي هريرة : أن رسول الله () سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال: إن زنت فاجلدوها , ثم إن زنت فاجلدوها , ثم إن زنت فاجلدوها , ثم بيعوها ولو بضفير )) . [ 17 و 15 ] ( )

أمّا السارق فتقطع يده في الدين الإسلامي إذا سرق أكثر من ربع دينار كما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه امتثالاً لأمر الله تعالى وحكمةً منه لاجتثاث هذا الخطر على أملاك الناس وحماية حق الملكية المذكور سابقاً .

قال تعالى :

" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم "

المائدة : 38 [ 1 ]

/ 294 / (( عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله() قال : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً )) . [ 17 و 15 ] ( )

وشارب الخمر يجلد أربعين جلدة كما سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لردعه عن المحرمات الضارة وحماية حقوقه وحقوق جميع الناس .


/ 295 / (( عن حضين بن المنذر أبي ساسان عن علي () أنه قال : جلد النبي () أربعين , وجلد أبو بكر () أربعين , وعمر () ثمانين , وكلّ سنّة , وهذا أحب إلي )) .

[ 17 و 15 ] ( )

سنّة : أي مشروع ومقبول [ 17 ]

/ 296 / (( عن أبي هريرة : أتي النبي () برجل قد شرب قال : اضربوه , قال أبو هريرة: فمنّا الضارب بيده , والضارب بنعله , والضارب بثوبه , فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله , قال : لا تقولوا هكذا , لا تعينوا عليه الشيطان )) . [ 15 ] ( )

هذا غيضٌ من فيض فكل كتب السّنة تنوء بحمل الأحاديث الشّريفة الكثيرة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمل بها لخير الإنسان في الدنيا والآخرة حتى ينال حقوقه وحرياته ما قلّ منها وما كثر ، التي تعتبر الأساس الراسخ الذي يجب أن تقوم عليه حقوق الإنسان العالمية في الحاضر والمستقبل . حتى المحرمات وتطبيق الحدود هي لمصلحة الإنسان العامة لمنع الضرر عن الأمة جمعاء والخاصة للتكفير عن ذنوبه وتعتبر حقاً من حقوق الإنسان فرضها الله تعالى ورعاها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حق الرعاية بالعدل بين كافة البشر فيها كما ذكرنا في الحديثين الشريفين / 25 / و / 84 / سابقاً .








الفصل الثالث :

حقوق الإنسان التي ذكرها الإعلان العالمي

لهذه الحقوق وترفضها السنة الشريفة

1 . باب المساواة التامة بين الرجل والمرأة :

/ ذكرت في المادة الأولى والثانية والسادسة عشرة /

لقد ذكرنا سابقاً في أبواب حق الأمومة والوصية بالنساء وحق الحرية وحق المساواة أنّ المرأة حظيت بحظ وافر من الحقوق والحريات تضمن لها حياة سعيدة حرة جنباً إلى جنب مع الرجل وجميع هذه الحقوق والحريات تشمل الجنسين المرأة والرجل وكذلك الواجبات والمسؤوليات .

ولكن هذا لا يعني أنّ المرأة كالرجل تماماً في كل شيء في تلك الحقوق والحريات . إذ خصها الإله بخصوصية في خلقها وتكوينها الجسمي والنفسي وميزها عن الرجل في مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقها وهي الأمومة والأنوثة فكان الطمث والحمل والولادة والرضاعة والنفاس ، فهي الابنة والزوجة والأم والأخت للرجل عليها واجبات ومسؤوليات كما لها حقوق وحريات.

_ سمح لها بلبس الحرير والذهب والزينة أمام محارمها خلافاً للرجل لضرورة العناية بأنوثتها وجمالها ، ولكن فرض عليها الحجاب أمام غيرهم حفاظاً عليها من الأذى ومن بشاعة التشبه بالرجال وذكرنا هذا سابقاً في الحديثين الشريفين / 119 / و / 167 / .

_ جعل لهـا من الميراث نصف ما للرجل ، ولكن لم يلزمها بالنفقة على أهلها كما ألزم الرجل .

قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله " النساء : 34 [ 1 ]

_ وضع عنها فرض الصلاة أثناء الحيض والنفاس حتى لا يشق عليها ورحمة بها .

/ 297 / (( عن معاذة أن امراة قالت لعائشة : أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ كنا نحيض مع النبي () فلا يأمرنا به , أو قالت : فلا نفعله )) . [ 15 و 17 ] ( )

_ لم يحرمها من الجهاد في سبيل الله ومرافقة الرجال ولكنه لم يفرضه عليها لضعف جسمها عن تحمل مشاقه كالرجال ولضعف قواها الجسدية بالنّسبة لهم ولو كانت في أوج صحتها وشبابها . بل على العكس أوصى رسول الله برعاية نساء المجاهدين وحرمتهم في غياب أزواجهم .

/ 298 / (( عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله () : حرمة نسـاء المجاهدين على القاعديـن كحرمـة أمهاتهـم , ومـا من رجل من القاعديـن يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم , إلا وقف له يوم القيامة , فيأخذ من عمله ما شاء , فما ظنكم )) . [ 17 ] ( )

/ 299 / (( عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : استأذنت النبي () في الجهاد فقال : جهادكن الحج )) . [ 15 ] ( )

/ 300 / (( عن الربيع بنت معوذ قالت : كنا نغزو مع النبي () فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة )) . [ 15 و 17 ] ( )

_ جعل شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل لعلم الله تعالى بإمكانية نسيانها وضلالها أحياناً انسياقاً وراء عواطفها أو ضعف حالتها الجسدية والنفسية في كثير من أمور الحياة كالحيض والنفاس والانشغال بأمور الرضاعة والأولاد والزوج .

قال تعالى :

" واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " البقرة : 282 [ 1 ]

_ فرض عليها العدة بعد الطلاق من زوجها ووفاته حفاظاً على أمور النسب بالدرجة الأولى وعليها بالدرجة الثانية لفوائد يعلمها الله ورسوله وأولو النّهى .

قال تعالى :

" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم " البقرة : 228

وقال تعالى أيضاً :

" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير " البقرة : 234 [ 1 ]

وقال رسوله الكريم () :

/ 301 / ((عن أم عطية : أن رسول الله () قال : لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً , ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب , ولا تكتحل ولا تمس طيباً , إلا إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار )) . [ 17 ] ( )

عصب : تعصبه أي تشده على مكان خروج الدم عند الحيض حتى لا يتلوث به .

نبذة : قطعة صغيرة , قسط وأظفار : نوعان من البخور أو الطيب

_ حرّم عليها السّفر لوحدها دون محرم لمصلحتها وحماية لها من الشّر والأشرار .

/ 302 / (( عن أبي هريرة قال : قال النبي () : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة )) . [ 15 و 17 ] ( )

_ في الأسرة الزوج هو رب الأسرة وراعيها والزوجة هي ربة الأسرة وراعيتها كما ذكرنا آنفاً ، ولكن طاعة المرأة لزوجها واجبة إذا لم يأمرها بمعصية الله تعالى ، ولابد من هذه الطاعة ليستقيم أمر الأسرة ويتولى أحدهما قيادتها وهو الرجل المسؤول عن حمايتها والنفقة عليها وعلى كل احتياجاتها ، فإذا لم تطع المرأة زوجها فهل يطيع الرجل زوجته ليستقيم أمر الأسرة وتستلم هي قيادتها ؟! و هل قيادة المرأة كقيادة الرجل ؟!

_ وإمام المسلمين في الصلاة رجل ولو كان وحده مع النّساء .

_ وإذا حضرت النساء صلاة الجماعة في المسجد فخير صفوفها آخرها عكس الرجال .

/ 303 / (( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله () : خير صفوف الرجال أولها , وشرها آخرها . وخير صفوف النساء آخرها , وشرها أولها )) . [ 17 و 15 ] ( )

والأفضل أن تقف النساء خلف الرجال وإذا وقفت المرأة بحذاء الرجل أو أمامه صحت صلواتهما إن كانت الجماعة رجالاً ونساءً لكن الأفضل أن تتأخر عنه كما ورد في الحديث السابق .[ 2 ] ( )

_ وكذلك لم تجبر المرأة على الصلاة جماعة في المسجد ولكنها لم تمنع عنها .

/ 304 / (( عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي () : إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها )) . [ 15 ] ( )

وهذا كلّه لا يضرّ المرأة شيئاً بل يكرّمها مع الرجل الذي يتقي الله في كل أمور الحياة .

وهكذا يتولى أمر المؤمنين رجل ، ولن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم كانوا رجالاً لأن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال كما ذكرنا في الحديث / 125 / السابق .

/305 / (( عن أبي بكرة قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله () أيام الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم , قال : لما بلغ رسول الله () أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) . [15 و 19 ] ( )

2 . باب حرية الردة عن الدين :

/ من المادة الثامنة عشرة /

الإسلام منح كما ذكرنا آنفاً كل إنسان حرية العقيدة ولم يكره أحداً على الدخول في الدين الإسلامي أو تغيير دينه ، ولكنه مقابل ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكفر بعد الإيمان كما ذكرنا في الحديث / 47 / .

والمرتدون عن الدين الإسلامي هم كافرون يحاربون عندما يحاربون المسلمين كبقية الكافرين وفي الحالات التي ذكرناها سابقاً في باب حرية العقيدة في الفصل الأول .

وهذا مثـل لكافرين مرتدين قتلة عاقبهم الرسول بشر أعمالهم كما ذكر في هذا الحديث الشريف :

/ 306 / (( عن أنس بن مالك : أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله() فبايعوه على الإسلام , فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم , فشكوا ذلك إلى رسول الله (). فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله , فتصيبون من أبوالهـا وألبانهـا . فقالـوا : بلى , فخرجوا فشـربوا من أبوالها وألبانها , فصحوا , فقتلوا الراعي وطردوا الإبل , فبلغ ذلك رسول الله () فبعث في آثارهم فأدركوا , فجيء بهم , فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم , وسمر أعينهم , ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا )) . [17 و 15] ( )

وبذلك لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفر للمسلمين بعدما جاءهم من الحق ، فحارب المرتدين القتلة الذين يفسدون في الأرض للحفاظ على حق الإنسان العام في الحياة والملكية وباقي الحقوق .

3 . باب التعليم الإلزامي :

/ من المادة السادسة والعشرين /

لم تذكر كتب السّنة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألزم أحداً على العلم والتعليم حفاظأ منه على حق الحرية في ذلك ولعلمه صلى الله عليه وسلم باختلاف مستوى الفهم والذكاء عند البشر في اكتساب المعارف والعلوم وكذلك لنجاح المتعلم طواعية في علمه أكثر من غيره .

فكما ذكرنا سابقاً في حق التعلم والتعليم حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه كثيراً مبيناً فوائده وأفضاله ومكانة العلماء عند الله تعالى العظيمة ثم ترك البشر أحراراً يتعلمون متى يشاءون ويعملون ما يحبون . وألزمهم فقط بالصلاة إذا بلغوا عشر سنوات لأنها عماد الدين ولاستطاعة كل من يبلغ هذا السّن أداءها حتى يعتاد عليها باكراً ويتخذها أساساً ونظاماً لحياته مستقبلاً كما ذكرنا سابقاً في الحديث / 201 / .

4 . باب الاستمتاع بالفنون المحرمة :

/ من المادة السابعة والعشرين /

ذكرنا سابقاً في الباب 17من الفصل الأول أنّ الفنون المترافقة مع ارتكاب المعاصي والفحشاء والمنكر أو الشرك بالله هي الفنون المحرمة وتحمل الشر والأذى للمسلمين والنّاس جميعاً وما عدا ذلك من الفنون فهو حلال .



5 . باب الزواج من كافر أو كافرة :

/ من المادة السادسة عشرة /

نهى الله تعالى عن الزواج من الكفرة حتى يؤمنوا ولو أعجبوا بهم وقال أنّ العبد المؤمن خيرٌ من السّيد الكافر وكذلك الأمة المؤمنة خيرٌ من السيدة الكافرة ... لما في ذلك من تفضيل للإيمان بالله على أي شيء في الزواج الصالح الذي يرضاه لنا الله ورسوله .

قال تعالى :

" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون "

البقرة : 221 [ 1 ]

وقال رسوله الكريم : فاظفر بذات الدين تربت يداك كما ذكرنا في الحديث / 13 / سابقاً


6 . باب إطلاق الحريات الشخصية إلى مرحلة الشذوذ الجنسي والرذيلة :

/ من المادة الثانية عشرة /

الحرية الشخصية ممنوحة لكل الناس داخل بيوتهم وأعمالهم وخارجها في الدين الإسلامي ولكنها مقيدة كباقي الحريات بالقيد المذكور في الباب 19 من الفصل الأول لضمان المصلحة العامة .

فمثلاً الشذوذ الجنسي بالزواج المثلي أو ممارسة اللواطة والسحاق _ زواج الذكور مع الذكور أو الإناث مع الإناث _ علناً أو سراً أو ارتكاب الزّنى المحرمة والفحشاء كلها أمور بدأت تعتبر من حرية الإنسان الشخصية وتتهاوى الدول الواحدة تلو الأخرى بالاعتراف بها على أنها حرية ممنوحة للإنسان وحق من حقوقه يفعل بنفسه وبمجتمعه ما يشاء .

ويشرفنا نحن كمسلمين متمسكين بديننا العظيم قرآن وسنة أن نرفضه ولا نعترف به حقاً من حقوق الإنسان . وعندما يعرف الحكماء والعلماء ما ستؤول إليه البشرية من مصائب وأهوال وأمراض مستعصية نتيجة هذا الشذوذ سيعودون عنه ويحذفونه من قائمة حقوق الإنسان وسيعتبرون الاعتراف به ظلماً للإنسان ولكن بعد فوات الأوان .

وقد يعترفون أولا يعترفون برفضنا هذا ولكن نور الله سيتم ويستمر ولو كره الكافرون . والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كالشمس تسطع والقمر يضيء في سماء المؤمنين المهتدين في كل زمان ومكان حتى فناء الأرض والإنسان .






الخاتمة :

وهكذا نستطيع أن نقول أن السنة النبوية الشريفة اعتنت بالإنسان وبحقوقه في كافة مجالات الحياة ، وكانت السباقة في هذا المضمار في كل أبوابها السابقة في الفصول الثلاثة من القسم الأخير .

فمن أبوابها ما اعترف العالم به وأقرّه في مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذكرت في الفصل الأول وهي :

1 . باب حق الحرية ( الحرية المطلقة للإنسان وحرية العقيدة وحرية الإنسان بحياته الخاصة الزواج والطلاق وحرية الإنسان بمسكنه وأسراره وبالتنقل من مكان إلى آخر والإقامة الحرة واللجوء إلى بلاد أخرى هرباً من الاضطهاد ) .

2 . باب حق الحياة وسلامة النّفس .

3 . باب حق المساواة وعدم التمييز .

4 . باب حق الأخوة بين البشر .

5 . باب حق الكرامة الإنسانية .

6 . باب حق الإنصاف والعدل في القضاء والقانون .

7 . باب حق الحماية من التعذيب ومعاملة الأسرى بالحسنى وأخلاق الحروب الإنسانية .

8 . باب حق التملك .

9 . باب حق إدارة الشؤون العامة والوظائف واختيار الحاكم .

10 . باب حق الضّمان الاجتماعي والدولي لضمان الحقوق والحريات .

11 . باب حق الضمان الاقتصادي والعمل والحق في الراحة .

12 . باب الحق بمستوى معيشة لائق بالإنسان .

13 . باب حق الأمومة .

14 . باب حق الطفولة .

15 . باب حق التعلم والتعليم والتمتع بالثقافة والتقدم العلمي .

16 . باب حق التربية الصالحة وعلاقة الآباء مع الأبناء .

17 . باب حق التمتع بالفنون .

18 . باب حق الانضمام إلى الجماعة والجمعيات .

19 . باب حق تقييد الحريات والحقوق والواجبات نحو المجتمع لضمان المصلحة العامة وحقوق الآخرين .

20 . باب حق عدم هدم الحريات والحقوق الواردة أو مناقضتها .

ومن أبوابها ما لم يهتد العالم إليه بعد ليقرها مع مواده و يذكرها كحقوق منسية وذكرت في الفصل الثاني وهي :

1. باب الحثّ على العتق وحقوق العبيد .

2. باب حق صلة الرحم .

2. باب حق الميراث .

4. باب حق الرضاعة.

5. باب حق الجار .

6. باب حق إفشاء السلام .

7. باب الحب في الله .

8. باب حسن الخلق ( حفظ اللسان والصّبر وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المرضى واتباع الجنائز وإكرام الكبير والحياء )

9. باب الكرم .

10. باب الصلح .

11. باب العفو والإعراض عن الجاهلين .

12. باب الرحمة .

13. باب التوبة .

14 . باب الزهد .

15. باب الوصية بالنّساء .

16. باب حق اليتامى.

17. باب حق الفقراء والمساكين.

18. باب حق ضعاف العقول في الرعاية .

19. باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .

20. باب حق تعدد الزوجات .

21. باب حق الدفاع عن النّفس .

22. باب حق تطبيق الحدود .

و أخيراً أبوابٌ أخطأ العالم بإعلانها حقوقاً للإنسان وسيعترف عاجلاً أم آجلاً بخطئه هذا ونأمل أن لا يكون ذلك بعد فوات الأوان وذكرت هذه الأبواب في الفصل الثالث وهي :

1. باب المساواة التامة بين الرجل والمرأة.

2. باب حرية الردة عن الدّين .

2. باب التعليم الإلزامي .

4. باب الاستمتاع بالفنون المحرمة .

5. باب الزّواج من كافر أو كافرة .

6. باب إطلاق الحريات الشخصية إلى مرحلة الشذوذ الجنسي والرذيلة .

والكلام التالي يبشر باعتراف أحدهم بقيمة الإسلام وتعاليمه في ترسيخ حقوق الإنسان بين البشر ويشجع العلماء المسلمين والباحثين على إعلانها ونشرها ليتعلم العالم ما هو مجهول منها وتلك أمانة في أعناق القادرين منهم على البحث والتلخيص والتمحيص والتعبير والإيضاح والنّشر . والكلام المقصود هو للسيد ماك برايد رئيس الوفد الذي ضم عدداً من المفكرين الأوروبيين وأساتذة القانون الكبار منهم: وزير خارجية ايرلندا ، ومدير المجلة الدولية لحقوق الإنسان التي تصدر في فرنسا ، وعدد من كبار المحامين في محكمة الاستئناف في باريس الذين حضروا الندوات الثلاث التي نظمتها وزارة العدل السعودية في شهر صفر من عام 1392 هـ (مارس 1972 م ) حيث قال السيد ماك برايد :

( من هنا ومن هذا البلد الإسلامي ، يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره ، وإنّه ينبغي على العلماء المسلمين أن يعلنوا للعالم عن هذه الحقوق المجهولة ) .

والتفقه بالدين هو فرض كفاية على المسلمين كما قال الله تعالى :

" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة : 122 [ 1 ]

وقال رسول الله (r) :

/ 307 / (( عن معاوية بن أبي سفيان قال : سمعت النبي(r) يقول : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) . [ 15 ] ( )

وأخيراً أحثّ جميع المسلمين على المحافظة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءتها وفهمها وتعليمها واتباع تعاليمها بدقة لأنها تكمل ما جاء في القرآن الكريم فهي إمّا مفسّرة أو موضحة له أو مسايرة وموافقة لآياته . وتعب السّلف الصالح كثيراً بجمعها وتدقيقها ، وهي متوفرة بإذنه تعالى بكثرة في جميع أصقاع الأرض سواء كانت على شبكة الانترنت العالمية في موقع الإسلام المذكور في المراجع والمصادر أو كتباً في المكتبات تنتظر من ينفض عنها الغبار ويفتحها ليسطع نورها ويضيء لـه ظلمات الجهل الحالكة فيهتدي بهديها ويصلي ويسلم على رسولنا الكريم أفضل الصلاة وأتم التسليم .

قال تعالى :

" قل إن كنتـم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " آل عمران : 31

و قال أيضاً :

" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " الأحزاب : 21 [ 1 ]

وقال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :

/ 308 / (( عن أبي هريرة أن رسول الله () قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى , قالوا : يا رسول الله , ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة , ومن عصاني فقد أبى )) . [ 15 ] ( )










اصطلاحات ورموز :

الحديث الصحيح : ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط ضبطاً تاماً عن مثله إلى منتهى السند من غير شذوذ ولا علة قادحة .

الحديث الحسن : هو ما رواه عدل قل ضبطه متصل السند غير معل ولا شاذ .

الحديث المسند : هو ما اتصل اسناده من راويه إلى النبي () .

متفق عليه : رواه البخاري ومسلم . [ 29 ]

" " : علامات بينها القرآن الكريم .

(( )) : علامات بينها السنة الشريفة أحاديث أو شاهد من سيرة ابن هشام .

[ ] : علامات بينها اسم المصدر أو المرجع .

() : صلى الله عليه وسلم .

() : رضي الله عنه.

/ / : علامات بينها رقم الشاهد من السنة النبوية , أو أرقام مواد حقوق الإنسان .

ص : صفحة

ملاحظة : لفظ الحديث المذكور مأخوذ من المصدر المذكور أولاً في الحاشية السفلية في حال تعدد المصادر .













المصادر والمراجع :



( حسب تسلسل ورودها في النص )

[ 1 ] القرآن الكريم

[ 2 ] فقه العبادات على المذهب الشافعي _ تأليف الحاجة درية العيطة _ الطبعة الرابعة 1985 م _ حقوق الطبع محفوظة للمؤلفة .

[ 3 ] حقوق الإنسان في الإسلام في العدالة والقضاء _ د. عمر فروخ _ لبنان 17 صفر 1408 هـ و 10 / 10 / 1987 م .

www.cdharp.net/text/bohoth/7.htm

[ 4 ] المعجم الوسيط / إخراج الدكتور ابراهيم أنيس ورفاقه _ الطبعة الثانية _ الجزء الأول _ القاهرة 1392 هـ / 1972 م .

[ 5 ] مجلة الدفاع _ مجلة القوات العربية السعودية المسلحة / 129 / اجتماعيات

المقدم الركن حمد بن محمد الغزي / حقوق الإنسان في الإسلام

www.al_difaa.com/Detail.asp?

[ 6 ] إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام _ مكتبة حقوق الإنسان / جامعة منيسوتا من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي , القاهرة 5 أغسطس 1990 م

www1.umn.edu/humanrts/arab/a004.html

[ 7 ] حقوق الإنسان في الإسلام / السبب التاريخي لوضع قواعد حقوق الإنسان في الغرب

www.al_islam.com/articles/articles.asp?.fname=ALISLAM_L82_A

[ 8 ] المنبر _ الملف العلمي لأحداث التفجير _ حقوق الإنسان في الإسلام _ الفصل الثالث _ مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية

www.alminbar.net/malafilmy/7kookensan/4.htm

[ 9 ] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان _ منظمة العفو الدولية _ الخطوات الأولى دليل تعليم حقوق الإنسان _ الجزء الأول :

www.amnesty_arabic.org

[ 10 ] نفس المرجع والموقع السابق [ 9 ] : الجزء الخامس

[ 11 ] السيرة النبوية لابن هشام _ تحقيق وضبط وشرح مصطفى السقا وابراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي _ دار الكتب العلمية _ بيروت _ لبنان _ المجلد الأول .

[ 12 ] صحيح البخاري من موقع الإسلام

Hadith.al_islam.com

[ 13 ] فتح الباري بشرح صحيح البخاري _ نفس الموقع السابق [ 12 ]

[ 14 ] السيرة النبوية لابن هشام _ نفس المرجع [ 11 ] _ المجلد الثاني .

[ 15 ] صحيح البخاري _ دار السلام للنشر والتوزيع _ الرياض _ الطبعة الثانية _ ذو الحجة / 1419 _ مارس / 1999 _ للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي رحمه الله تعالى _ تعريف عبد المالك مجاهد .

[ 16 ] سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي _ دار إحياء التراث العربي _ بيروت / لبنان

قرئت في المرة الأخيرة من التصحيح على صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسن محمد المسعودي المدرس بالقسم العالي بالأزهر _ الجزء السابع .

[ 17 ] مختصر صحيح مسلم للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري

حققه وعلق عليه وخرّج أحاديثه في صحيح البخاري ووضع فهارسه

الدكتور مصطفى ديب البغا _ أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة _ جامعة

دمشق _ عن دار العلوم الإنسانية _ دمشق / حلبوني

[ 18 ] سنن النسائي السابق [ 16 ] _ الجزء السادس .

[ 19 ] سنن النسائي السابق [ 16 ] _ الجزء الثامن .

[ 20 ] مسند أحمد / موقع الإسلام المذكور في المصدر [ 12 ] / الحديث الشريف

[ 21 ] سنن ابن ماجه / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف

[ 22 ] سنن الدارمي / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف .

[ 23 ] سنن الترمذي / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف .

[ 24 ] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف

[ 25 ] شرح سنن ابن ماجه للسندي / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف

[ 26 ] رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين _ الإمام الحافظ شيخ الإسلام محي

الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي وبهامشه موجز شرح أستاذ

المستفيدين محمد بن علان الصديقي الشافعي .

تحقيق وإعداد لجنة النشر والدراسات في دار الخير _ دار الخير

الطبعة الثالثة 1410 هـ _ 1990 م

دمشق _ ص . ب 13942 / بيروت ص . ب 5630 / 113 .


[ 27 ] صحيح مسلم / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف .

[ 28 ] صحيح مسلم بشرح النووي / موقع الإسلام السابق / الحديث الشريف

[ 29 ] رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين _ تأليف العالم العارف بالله محي الدين

أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي _ دار الكتب العلمية .




<اbr />
br />


الفهـرس

الموضوع الصفحة

القسم الأول :

مقدمات التعريف بالبحث :

أهمية الدراسة

هدف الدراسة

منهج الدراسة

تعاريف :

القسم الثاني

تاريخ حقوق الإنسان

حقوق الإنسان في الشرائع الوضعية القديمة

تطور حقوق الإنسان في الغرب

حقوق الإنسان في الإعلان العالمي

مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

القسم الثالث

عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان

مقدمة

الفصل الأول

حقوق الإنسان في السنة الشريفة المذكورة في الإعلان العالمي لهذه الحقوق

1ـ باب حق الحرية :

أ. حق الحرية المطلقة

ب. حرية العقيدة : التفكير والدين والرأي وممارسة الشعائر والتعليم

ج. حرية الإنسان بحياته الخاصة :

1ً . حرية الإنسان بالزواج

2ً . حرية الإنسان بالطلاق

3ً . حرية الإنسان بمسكنه وأسراره

4ً . حرية الإنسان بالتنقل من مكان إلى آخر والإقامة الحرة واللجوء إلى بلاد أخرى هرباً من الاضطهاد


الموضوع الصفحة

2ـ باب حق الحياة وسلامة النفس

3ـ باب حق المساواة وعدم التمييز

4ـ باب حق الأخوة بين البشر

5ـ باب حق الكرامة الإنسانية

6ـ باب حق الإنصاف والعدل في القضاء والقانون

7ـ باب حق الحماية من التعذيب ومعاملة الأسرى بالحسنى وأخلاق الحروب الإنسانية

8ـ باب حق التملك

9ـ باب حق إدارة الشؤون العامة والوظائف واختيار الحاكم

10ـ باب حق الضمان الاجتماعي والدولي لضمان الحقوق والحريات

11ـ باب حق الضمان الاقتصادي والعمل والحق في الراحة

12ـ باب الحق بمستوى معيشة لائق بالإنسان

13ـ باب حق الأمومة

14ـ باب حق الطفولة

15ـ باب حق التعلم والتعليم والتمتع بالثقافة والتقدم العلمي

16ـ باب حق التربية الصالحة وعلاقة الآباء مع الأبناء

17ـ باب حق التمتع بالفنون

18ـ باب حق الانضمام إلى الجماعة والجمعيات

19ـ باب حق تقييد الحقوق والحريات والواجبات نحو المجتمع لضمان المصلحة العامة وحقوق الآخرين .

20ـ باب حق عدم هدم الحريات والحقوق الواردة أو مناقضتها

الفصل الثاني

حقوق الإنسان في السنة الشريفة لم يذكرها الإعلان العالمي لهذه الحقوق

1ـ باب الحث على العتق وحقوق العبيد

2ـ باب حق صلة الرحم

3ـ باب حق الميراث

4ـ باب حق الرضاعة


الموضوع الصفحة

5ـ باب حق الجار

6ـ باب حق إفشاء السلام

7ـ باب الحب في الله

8ـ باب حسن الخُلُق

أ . حفظ اللسان

ب . الصبر

ج . تشميت العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المرضى واتباع الجنائز

د . إكرام الكبير

هـ . الحياء

9ـ باب الكرم

10ـ باب الصلح

11ـ باب العفو والإعراض عن الجاهلين

12ـ باب الرحمة

13ـ باب التوبة

14ـ باب الزهد

15ـ باب الوصية بالنساء

16ـ باب حق اليتامى

17ـ باب حق الفقراء والمساكين

18ـ باب حق ضعاف العقول في الرعاية

19ـ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

20ـ باب حق تعدد الزوجات

21ـ باب حق الدفاع عن النفس

22ـ باب حق تطبيق الحدود


الموضوع الصفحة

الفصل الثالث

حقوق الإنسان التي ذكرها الإعلان العالمي لهذه الحقوق وترفضها السنة الشريفة

1ـ باب المساواة التامة بين الرجل والمرأة

2ـ باب حرية الردة عن الدين

3ـ باب التعليم الإلزامي

4ـ باب الاستمتاع بالفنون المحرمة

5ـ باب الزواج من كافر أو كافرة

6ـ باب إطلاق الحريات الشخصية إلى مرحلة الشذوذ الجنسي والرذيلة

الخاتمة :

اصطلاحات ورموز هامة

المصادر والمراجع حسب تسلسل ورودها في النص





فهرس أوائل الأحاديث الشريفة الواردة في عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان



همزة الوصل

ابنة الجون لما أدخلت / 117 /

ابنة لعمر كان يقال / 75 /

ابن عمر طلق امرأته / 28 /

اتقوا الظلم / 89 /

اتقوا اللعانين / 170 /

اتقوا النار / 247 /

اجتنبوا السبع الموبقات / 109 /

ادعهم إلى شهادة / 141 /

اذهبوا بنا نصلح / 264 /

استوصوا بالنساء / 276 /

استووا ولا تختلفوا / 197 /

اسمعوا وأطيعوا / 138 /

اسمعوا وأطيعوا / 139 /

اشترى رجل من رجل / 96 /

اشتريها وأعتقيها / 231 /

اطلع رجل من جحر / 35 /

اعلم أبا مسعود / 226 /

اغسلنها وتراً / 81 /

البسوا من ثيابكم البياض / 73 /

امرأة قالت لعائشة / 297 /

انطلقا إلى هذا المسجد / 58 /

همزة القطع

أباه توفي وعليه دين / 117 /

أتي النبي برجل / 296 /

أتي بأبي قحافة / 72 /

أدرك خالداً فقل له / 103 /

إذا أبق العبد / 232 /

إذا استأذنت امرأة / 304 /

إذا أنفق المسلم / 279 /

إذا أنفقت المرأة / 281 /

إذا بويع لخليفتين / 131 /

إذا حرم الرجل عليه / 34 /

إذا حكم الحاكم / 134 /

إذا دعا الرجل امرأته / 23 /

إذا قاتل أحدكم أخاه / 68 /

إذا كفن أحدكم أخاه / 82 /

إذا كنتم ثلاثة / 218 /

إذا مات الإنسان / 200 /

إذنك علي أن يرفع / 37 /

أسلم وأبت امرأته / 192 /

أصدق كلمة قالها الشاعر / 211 /

أطعموا الجائع / 160 /

أكمل المؤمنين / 277 /

أما بعد أيها الناس / 22 /

أمرنا رسول الله () / 119 /

أمك / 183 /

أن الأمانة نزلت / 125 /

إن العبد إذا نصح / 230 /

إن العبد ليتكلم / 246 /

إن الله حرم عليكم / 155 /

إن الله عز وجل لا يقبض / 198 /

إن الله عز وجل يبسط / 270 /

إن الله عز وجل يقول / 60 /

إن الله لا ينظر / 56 /

إن الله يرضى لكم / 213 /

إن الله يعذب الذين / 98 /

إن المقسطين عند الله / 85 /

إن الملائكة لا تدخل / 209 /

أن النبي () كان يحتجر /173 /

أنا وكافل اليتيم / 282 /

إن أولى الناس بالله / 244 /

إن بني إسرائيل / 130 /

إن تطعنوا في إمارته / 124 /

إن تفعل فقد حل أجلها / 185 /

أن رجلاً سأل / 46 /

أن رجلاً سأل النبي () / 10 /

أن رجلين اختصما / 94 /

أن رسول الله () قضى / 92 /

أن رسول الله () نهاهم / 102 /

إن زنت فاجلدوها / 293 /

إن كان في شيء من أدويتكم / 179 /

إنكم ستحرصون على الإمارة / 127 /

إنما الأعمال بالنية / 151 /

إنما أنا بشر / 97 /

إنما كان فراش رسول / 174 /

إن مما أدرك الناس / 257 /

إن من أشر الناس / 20 /

إن من أكبر الكبائر / 205 /

إن من الشعر حكمة / 210 /

أن نفراً من أصحاب / 11 /

إن هذا الوجع رجز / 181 /

إن هذين حرام / 76 /

إنه ستكون هنات / 220 /

إنهما ليعذبان / 248 /

إني لم أدر أيد / 78 /

أول ما يقضى بين الناس / 48 /

إياكم والجلوس في الطرقات / 39 /

إياكم والظن / 249 /

أيما امراة استعطرت / 79 /

أيها الناس ما بال رجال / 40 /

همزة الاستفهام

أتأذن لي أن أعطي / 189 /

أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة / 118 /

ألا أخبركم / 250 /

ألا أدلكما على خير / 157 /

ألا تخرجون مع راعينا / 306 /

ألا كلكم راع / 133 /

ألا لا تجني نفس / 88 /

ألك أبوان ؟ / 204 /

حرف الباء

بايعنا رسول الله () / 87 /

بسم الله الرحمن الرحيم / 104 /

بسم الله الرحمن الرحيم / 106 /

بسم الله الرحمن الرحيم / 107 /

حرف التاء

تآخوا في الله أخوين / 62 /

تبايعوني على أن / 25 /

تصدق علي أبي / 55 /

تصدقوا فيوشك / 261 /

تطعم الطعام / 241 /

تنكح المرأة لأربع / 13 /

توفي رسول الله / 271 /

حرف الثاء

ثلاثة حق على الله عز وجل / 17 /

ثلاثة لا يكلمهم الله / 57 /

ثلاثة لا يكلمهم الله / 112 /

ثلاثة لا يكلمهم الله / 132 /

ثلاثة لهم أجران / 225 /

الثلث والثلث كثير / 190 /

حرف الحاء

حرمة نساء المجاهدين / 298 /

الحلال بين والحرام بين / 152 /

الحمى من فيح جهنم / 178 /

الحياء لا يأتي / 258 /

حرف الخاء

الخازن الأمين الذي / 153 /

خذوا عني / 292 /

خرجت وأنا أريد هذا / 50 /

خطب رجل امرأة / 15 /

خمس تجب للمسلم / 64 /

خيار أئمتكم الذين / 140 /

خير صفوف الرجال / 303 /

خيرنا رسول الله / 29 /

خير يوم طلعت عليه الشمس / 215 /

حرف الدال

الدنيا متاع / 14 /

دعه فإن الحياء / 259 /

دعوه فإن لصاحب الحق / 135 /

الدين النصيحة /9 /

حرف الذال

ذهبت بي خالتي / 187 /

حرف الراء

رجلاً أعتق عبداً / 283 /

رخص النبي () للزبير / 168 /

رغم أنفه ثم رغم أنفه / 207 /

رفاعة القرظي طلق / 33 /

حرف السين

الساعي على الأرملة / 280 /

سألت رسول الله () عن نظر / 38 /

سألت عائشة أكان رسول / 74 /

سألت عائشة زوج / 18 /

سألت عائشة عن الخيرة / 30 /

سألت عائشة ما كان النبي() / 156 /

سئل النبي () أي الأعمال / 150 /

سباب المسلم فسوق / 49 /

سبعة يظلهم الله / 86 /

السمع والطاعة على المرء / 136 /

حرف الصاد

صالح النبي المشركين / 265 /

صلاة الجماعة تفضل / 214 /

الصلاة على وقتها / 203 /

صنفان من أهل النار / 99 /

حرف العين

عرضني رسول الله () / 194 /

عشرة من الفطرة / 70 /

حرف الفاء

فإن الله تبارك وتعالى قد حرم / 47 /

فإني لو كنت متخذاً / 61 /

فراش للرجل / 175 /

فضلت على الأنبياء بست / 169 /

فضل عائشة على النساء / 286 /

فلما أذن الله تعالى في الحرب / 42 /

فلما رأى رسول الله () / 41 /

حرف القاف

قال الله أنفق / 262 /

قال الله ثلاثة أنا خصمهم / 1 /

قال يهودي لصاحبه / 8 /

قد أجرنا من أجرت / 3 /

قد أوذي موسى / 255 /

قمت على باب الجنة / 273 /

حرف الكاف

كافل اليتيم له أو لغيره / 193 /

كان أبو طلحة أكثر / 222 /

كان الناس يسألون / 219 /

كان النبي () إذا سافر / 91 /

كانت إحدانا إذا كانت / 24 /

كان سالم مولى أبي حذيفة / 123 /

كان فيما أنزل / / 237 /

كانت له جمة ضخمة / 71 /

كان يمشي مع رسول الله () / 188 /

الكبائر الإشراك بالله / 44 /

كل أمتي يدخلون الجنة / 38 /

كخ,كخ ارم بها / 202 /

كل مسكر خمر / 166 /

كلوا غارت أمكم / 288 /

كنا نغزو مع النبي () / 300 /

كنت أمشي مع رسول / 266 /

كنت في مجلس من مجالس / 36 /

حرف اللام

لا تحد امرأة / 301 /

لا تدخل الملائكة بيتاً / 208 /

لا تدخلون الجنة / 242 /

لا تزال طائفة / 142 /

لا تغضب / 252 /

لا تقطع يد السارق / 294 /

لا تنكح الأيم حتى تستأمر / 16 /

لا عدوى ولا طيرة / 180 /

لأن يحتطب أحدكم / 148 /

لا يبولن أحدكم في الماء / 171 /

لا يجد أحد حلاوة الإيمان / 245 /

لا يحكم أحد بين اثنين / 95 /

لا يحلبن أحد ماشية / 115 /

لا يحل دم امرئ / 26 /

لا يحل لامرأة / 302 /

لا يحل لرجل / 217 /

لا يدخل الجنة قاطع / 234 /

لا يؤمن أحدكم حتى / 59 /

لأن يحتطب أحدكم / 148 /

لئن يمتلئ جوف أحدكم / 212 /

لعن رسول الله () / 110 /

لعن رسول الله () / 167 /

لقد لقيت من قومك / 267 /

لكل داء دواء / 177 /

لما أخرج النبي () / 144 /

اللهم إني أبرا إليك / 5 /

اللهم إني أعوذ بك / 69 /

اللهم إني أعوذ بك / 121 /

اللهم إني أعوذ بك / 122 /

لن نستعمل على عملنا / 149 /

لن يفلح قوم / 305 /

لو كان رجلاً من الزنج / 53 /

لو لا أن أشق على المؤمنين / 80 /

لو يعطى الناس بدعواهم / 93 /

ليس الشديد بالصرعة / 251 /

ليس الغنى عن كثرة / 272 /

ليس الكذاب الذي / 263 /

ليس منا من / 256 /

لينتهين أقوام عن ودعهم / 216 /

حرف الميم

ما أكل أحد طعاماً / 146 /

ما أنزل الله داء / 176 /

ما بعث الله نبياً / 147 /

ما ترك رسول الله () / 274 /

ما حجبني النبي () / 253 /

ماذا عندك يا ثمامة ؟ / 100 /

ما رأيت النبي () / 254 /

ما زال جبريل يوصيني / 238 /

ما عاب النبي () / 159 /

ما قام رسول الله () / 105 /

ما من مسلم يغرس / 172 /

ما من مصيبة تصيب / 182 /

ما نقصت صدقة / 268 /

ما هذا يا صاحب الطعام / 111 /

مثل المؤمنين في توادهم / 66 /

مروا أولادكم بالصلاة / 201 /

المسلم أخو المسلم / 90 /

المسلم من سلم الناس / 45 /

من اتبع جنازة مسلم / 83 /

من أحب أن / 206 /

من أحب أن يبسط له / 233 /

من أخذ شبراً من الأرض / 113 /

من اقتطع حق امرئ / 114 /

من أعتق رقبة مؤمنة / 223 /

من أكل فلا يقربن / 163 /

من خرج عن الطاعة / 221 /

من خرج في طلب العلم / 196 /

من رأى من أميره / 137 /

من رأى منكم منكراً / 284 /

من سلك طريقا ً يلتمس / 195 /

من سئل عن علم / 199 /

من شرب الخمر / 165 /

من ضرب غلاماً له / 227 /

من عال جاريتين / 278 /

من قاتل لتكون كلمة الله / 290 /

من قتل دون ماله / / 291 /

من قتل عبده / 229 /

من قتل نفساً معاهدة / 145 /

من قتل نفسه بحديدة / 51 /

من كانت له أرض / 63 /

من كان له امرأتان / 289 /

من كان يؤمن بالله / 240 /

من لا يرحم لا يرحم / 186 /

من يرد الله به خيراً / 307 /

من يلي من هذه البنات / 275 /

المؤمن أخو المؤمن / 19 /

المؤمن للمؤمن كالبنيان / 65 /

المؤمن يأكل في معي / 164 /

مؤمن يجاهد في سبيل الله / 143 /

حرف النون

نعم إن الرضاعة تحرم / 236 /

نعمتان مغبون فيهما / 158 /

نهى رسول الله() أن تحلق / 77 /

حرف الهاء

هذا سبي بني العنبر / 222 /

هل ترك لدينه / 235 /

هم إخوانكم / 228 /

حرف الواو

والذي نفسي بيده / 285 /

واستأجر النبي() / 154 /

واستوصوا بالنساء خيراً / 21 /

والله لا يؤمن / 239 /

وإنه من أسلم من يهودي / 7 /

ودعا رسول الله () علي /126 /

ولينصر الرجل أخاه / 67 /

حرف الياء

يا أبا أسيد اكسها / 32 /

يا أبا ذر إنك ضعيف / 128 /

يا أبا هريرة / 161 /

يا أسامة إنما هلكت / 84 /

يا أم سلمة / 287 /

يا رسول الله أي الذنب / 191 /

يا رسول الله لو وجدت / 27 /

يا رسول الله هلك الوالد / 101 /

يا عبد الرحمن لا تسأل / 129 /

يا علي اخرج إلى هؤلاء / 6 /

يا غلام سمّ الله / 162 /

يا معشر الشباب من استطاع / 12 /

يا معشر النساء / 120 /

يا معشر قريش ما ترون / 2 /

يا نبي الله إن صفوان / 4 /

يتبع الميت ثلاثة / 108 /

يد المسلمين على من سواهم / 52 /

يسلم الراكب / 243 /

يوشك أن يكون خير مال / 43 /

يؤم القوم أقرؤهم / 54 /