دولة الوعود بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2007-12-03
دولة الوعود بقلم: فادي فيصل الحسيني


دولة الوعود

فادي الحسيني



ها و قد انفض مؤتمر أنابوليس كما كان متوقعاُ بجملة من صور تذكارية رقيقة تشبه إلى حد كبير ما تم التقاطه في مؤتمرات احتفالية سابقة بدئاً بواشنطن 1993 مروراً بواي بلانتيشن ووصولاً إلى كامب ديفيد 2000، وقد تكون قد اختلفت الوجوه قليلاً أما الجديد هذه المرة هو ما نطق به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن دولة اليهود وهي أول مرة يتحدث بهذه الصراحة عن الصبغة اليهودية لدولة إسرائيل، ولا يرى المسئولين الأمريكيين خطأً يستحق المراجعة في هذا التصريح بإشارة منهم إلى قرار الأمم المتحدة 181 الذي تحدث عن دولة يهودية ودولة عربية، ولكنهم نسوا أن العرب رفضوا هذه القرار آنذاك رغم تمسكهم بحدود 1967 في يومنا هذا، وهو الأمر الذي أثار حفيظة وعروبة السعودية لتعبر صراحة عن رفضها لمثل هذا التصريح، بينما آثر الآخرون أن يلتزموا الصمت حياله عملاً بأحكام "الدبلوماسية والعقلانية". ورغم هذا التصريح المثير للجدل لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن أكثر المشاركين رأوا أن المؤتمر حقق نجاحاً ملموساً، والمثير أيضاً أنه مازال البعض يؤمن بوعد الدولة وفي أنها قادمة بلا شك بنهاية عام 2008.



لقد ذكرنا في مناسبة سابقة أنه وبسبب قناعة الجميع بأن مؤتمر أنابوليس سيكون فاشلاً فإن أي شيء يصدر عنه سيعتبر نجاحاً وهو ذا ما حدث بالفعل، ولكن النجاح الحقيقي في هذا المؤتمر يتمثل في تواجد 40 دولة ومنظمة وعدد من الدول العربية جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وتغييب وعزل طهران وحماس وحزب الله خاصة في ظل حضور سوريا الشكلي. من هنا نجد أن بداية عودة سوريا نحو "المعسكر المعتدل" بعيداً عن "محور الشر" هو نجاحاً خالصاً لمنظمي أنابوليس بلا أدنى شك، وربما كان الثمن الذي دفعه الأمريكيون هنا هو القبول بدور روسي في عملية السلام وكذلك إقامة مؤتمر مشابه لأنابوليس في موسكو لتجسيد فك ارتباط دمشق عن طهران وتدشين دوراً روسياً جديداً في السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط، ولتترك سوريا حزب الله يلاقي مصيره وحده بعد أن بدأت تتساقط أوراق الخريف من حوله لتنذر بتغير مناخي كبير ومحتمل في أجواء الشرق الأوسط "الجديد". لنضع القضية الإقليمية جانباً ونتحدث عن القضية الفلسطينية والمفاوضات والدولة، ففي حين يرى بعض المراقبون أن أحد أهم إنجازات هذا المؤتمر هو تدشين مفاوضات "تاريخية" بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والاتفاق على إنجاز معاهدة سلام بنهاية عام 2008 وكذلك إيمان الجميع بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لاستقرار هذه المنطقة، أظهر آخر استطلاع رأي للشارع الإسرائيلي بأن 83 % من الإسرائيليين لا يعتقد أنه سيتم توقيع اتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين مع نهاية 2008، فماذا لنا أن نتوقع في رأي الشارع الفلسطيني؟!!!



يبدو أن بوش انتظر حتى يزول عرفات وشارون عن الخارطة السياسية أو ربما كان ينتظر صفعة جنوب لبنان وغزة للإسرائيليين والفلسطينيين تباعاً لكي يستطيع أن يجلبهم إلى عقر داره ويسجل إنجازاً تاريخياً حين يتحدثوا عن معاهدة سلام وحلم دولة فلسطينية، ولكن كل ما حدث بالفعل هناك في أنابوليس لا يعدو أكثر من بيان مشترك غير ملزم حيث أن أحداً لا يستطيع أن يجزم إن كان أطراف البيان يعنون ما كتب فيه أم أنها فقط رغبة منهم بعدم رؤية وفودهم تعود من مؤتمر فاشل. الحقيقة الوحيدة هنا هو أن عدم وجود ضمانات أمريكية ملزمة في جميع الاتفاقات ومبادرات السلام السابقة أدى إلى فشلها وانهيارها بعد فترة قصيرة من الزمان ليعود الأطراف لمواقعهم أكثر تصلباً وعنفواناً. وإن تعمقنا أكثر في أهم نتائج المؤتمر المعلنة وهو التأكيد على ضرورة التوصل لاتفاق سلام دائم قبيل انتهاء 2008 يؤدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة، نجد أن هناك العديد من الحقائق والمعطيات الواجبة تدارسها.



إن صيغة الدولة الفلسطينية وليس الدولة الفلسطينية هي لب الخلاف بين الجانبين، فيبحث الفلسطينيون عن ثوابتهم الوطنية بدولة كاملة السيادة تنعم باستقلال سياسي واقتصادي وأمني والقدس عاصمة لها، وأرض خالصة للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بلا مستوطنات أو غيرها في حدود 1967 وقد تعنيهم المساحة أكثر من الموقع، مع ضمان حق عودة اللاجئين، بالإضافة لبعض القضايا الأخرى المدرجة أيضاً على جدول أعمال المفاوضات مثل قضية المياه والحدود والمعابر والمعبر الآمن. فلنقل أن طاقم المفاوضات الإسرائيلي وصل إلى حل وسط يرضي الفلسطينيين بتلبية الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية، هل لدى أولمرت شرعية التنازل عن مناطق ومستوطنات وغيرها في ظل ذلك الائتلاف الحكومي الهش؟!! الخطوة الأولى من تطبيق ما تم الاتفاق عليه في أنابوليس هو بدء الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بتنفيذ خطة خارطة الطريق والتي تشمل إخلاء إسرائيل لكل البؤر الاستيطانية غير القانونية وتجميد المستوطنات وإعادة الجيش إلى خطوط ما قبل الانتفاضة الثانية، وفي ذات الوقت يقول الوزير الإسرائيلي ليبرمان انه لن يفعل شيئا في الوقت الحاضر إلا إذا قام أولمرت بإخلاء حتى بؤرة استيطانية واحدة غير قانونية، فسيغادر في نفس اليوم. السقوط السياسي لهذا الائتلاف هو النتيجة الطبيعية إن سلك أولمرت هذا الدرب وخاصة في ظل تربص غرمائه السياسيين مثل باراك ونيتنياهو والمستعدين لتحطيم الحكومة في ذروة المفاوضات "التاريخية" في سبيل الوصول إلى سدة الحكم، ومن هنا فالمتوقع لأولمرت أن يقوم بتحركات فارغة المضمون لا تقود، ولا يمكن أن تقود إلى أي شيء سوى الاستمرار في منصب رئيس الوزراء.



أما وضع الطرف الآخر فليس بأحسن حال من وضع نظيره الإسرائيلي، فالشق المرتبط بالفلسطينيين يجبرهم على القيام بعدد من الترتيبات الأمنية أهمها جمع السلاح وتفكيك مجموعات المقاومة المسلحة في جميع أراضي السلطة الفلسطينية، ولقد شرع في تنفيذ التزاماته في الضفة الغربية، ولكن كيف له أن يطبق هذا الالتزام في قطاع غزة وهي خارج نطاق سيطرته ؟!! في ذات الوقت، إن قررت إسرائيل القيام بأي هجوم على غزة لأي سبب أمني (لوقف إطلاق الصواريخ) أو سياسي( للتغطية على تقرير فينغراد 2 والذي سيصدر نهاية هذا الشهر) فستظهر للشارع الفلسطيني وكأن إسرائيل تقوم بتنفيذ الالتزام الخاص بقطاع غزة بالنيابة وستكون خسارة الجانب الفلسطيني كبيرة وتراجع عظيم في شعبيته مقابل منافسيه المحليين. إن وضع جدول زمني لحل شامل خلال 2008 يضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب في آن واحد وخاصة في ظل عدم وجود ضمانات في وقت ستدخل أمريكا في مرحلة الانتخابات في 2008 وحينها تصبح الأولوية الملحة الفوز بالانتخابات (المحلية) بعيداً عن أي قضايا خارجية.



ذات يوم اختلف رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون مع ووزير خارجيتة موشيه شريت، حين اعتقد الأخير انه لولا قرار الأمم المتحدة في العام 1947 لما قامت دولة إسرائيل، بينما كان بن غوريون يرى أنه "فقط جسارة اليهود أقامت دولة إسرائيل". حقاً إن الكفاح يصنع الأحرار والوعود تجلب المزيد من الانتظار، ومازال من فينا يؤمن بأن وعد الدولة سيصدق وسننعم قريباً بالاستقرار، وكأنهم لم يشاهدوا وعد ديمقراطية العراق في الصحف أو في الأخبار، وتناسوا ما تعلمناه في كتب الأجداد وفي الأسفار، عن حكايات المقاومة والصمود والسقوط والنهوض والاستبسال وأساطير الكفاح الجبار، وأن الاستقلال لا يقدم وعداً أو منحة، لأن الحرية وجدت لتنتزع، والاحتلال خلق ليقتلع، وستكون دوماً هذه هي قصة كل الأحرار.

http://blog.amin.org/fadi/