فك الخط أم فك الفكر 16/11/2207
بقلم : حمدي فراج
لا أعرف عنوانين الكتب التي منعتها وزارة الثقافة الكويتية في معرض الكتاب السنوي ،والتي بلغت مئتي كتاب ، لكن الأسباب التي أعلنت تتعلق بالشأنين الديني والسياسي، كالعادة ، في كافة أصقاع وطننا العربي الكبير عبر تاريخه الحديث والقديم على حد سواء .
إن منع الكتاب يعني بالضبط حجب الفكر ومنع التفكير ، وبعبارة أخرى تكريس عدم التفكير الذي يرادفه الجهل والتجهيل ، لكن وزارات الثقافة العربية لا تدرك انها بذلك لا تمنع المفكرين من الاستمرار في فكرهم وإن كانت تحجب نتاجهم الفكري وأفكارهم عن العامة الى حين .
لم تستطع تلك الوزارات ان تمنع سقراط من الاستمرار في تفكيره ، الا بعد ان وضعت حدا لحياته ، وها هي فلسفته وأفكاره يتم تدريسها في الجامعات حتى اليوم ، لكن الوزير الذي منعه والجلاد الذي سفحه ليس له ذكر الا جريمته . عبد الله بن المقفع الذي ترجم كلية ودمنه والذي ضربه السلطان علي يديه حتى تقفعت ، لجأ في عطاءاته وتواصل أفكاره ان يكتب على لسان الحيوانات ، وكذلك العالم العربي ابن الهيثم عالم الضوء والفلك والذي حبسه الخليفه الفاطمي الحاكم بأمر الله ولم يتحرر من قيده الا بعد موت الخليفة ، كان قد أمضى في سجنه عشر سنوات ، لكنه بعد ذلك واصل تفكيره وابداعاته في انكسار الضوء وعلم العدسات والفلك وطب العيون ، وأصبح يطلق عليه اسم أمير النور .
المفكرون لا يتوقفون بمجرد محاولات منعهم وحجبهم ، بل لربما يهجرون بلادهم في الحد الأقصى ، وهذا ما يطلق عليه هجرة الأدمغة ، وهي في بلادنا كما هو معروف في إتجاه واحد ، فلا يبقى عندنا الا المانعين والممنوعين ، أي القانعين بما يقسّمه لهم الحاكم بأمره .
وتكمن المفارقة العجيبة في أن المانعين للفكر عدا عن انهم لا ينتمون له الا لماما ، ويتبوأون أعلى مناصبه وناصياته ، يبررون المنع والحجب لأسباب دينية ، متجاهلين بذلك عن قصد او غيره ، ان الله قد بدأ أنزال محكمه على حبيبه بكلمة "إقرأ" فتجد أن الأمة هي الأقل قراءة وتفكيرا وإبداعا من بين جميع الأمم .
ليتني أعرف عناوين الكتب التي منعت في معرض الكويت للكتاب ، كنت ذهبت لاقتنائها وقراءتها بغض النظر عن موافقتي على ما يجيء فيها ام لا ، فأنا لم يرسلني أبي الى المدرسة والجامعة كي أفك الخط فقط ، وأنا على يقين ان الكثيرين من ابناء الكويت وكذلك كافة الأقطار العربية يفكرون هكذا ، يفكون الخط الذي يريدون فكه ، لا فقط الذي يخطه لهم الحاكم بأمره ، في حين أن الحاكم بأمرنا كلنا يقول لنا شيئا مغايرا .
فك الخط أم فك الفكر بقلم : حمدي فراج
تاريخ النشر : 2007-11-16