مقارعة الأوهام في أحاديث السلام بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2007-11-05
مقارعة الأوهام في أحاديث السلام بقلم: فادي فيصل الحسيني


مقارعة الأوهام في أحاديث السلام

فادي الحسيني



أكان تزامن مؤتمر مدريد عام 1991 مع الحرب الأممية على العراق بعد غزو الكويت صدفة؟ أكانت خطة خارطة الطريق عام 2002 قبل احتلال العراق صدفة أيضاً؟ أهي أيضاً من دواعي الصدفة أن يدعو بوش لمؤتمر أنابوليس هذا العام وفي هذا التوقيت بالذات؟ !!! جملة من أسئلة تبادرت إلى ذهني بعد أن بدأت تتسارع وتيرة ترتيبات مؤتمر الخريف، مع استمرار الزيارات غير المنقطعة لوزيرة الخارجية الأمريكية لمنطقتنا لتعطي إيحاءاً بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأحوج والأكثر جدية تجاه هذا المؤتمر عن الأطراف الأصيلة في هذا الصراع، فما بين مدريد 1991 مروراً بأوسلو وخطة خارطة الطريق ووصولاً لمؤتمر أنابوليس 2007 العديد من القراءات و الدروس والكثير من العبر لمن يعتبر.



عندما انطلقت الأبواق معلنة عن بدء الاستعدادات لمؤتمر مدريد، توسم جميع المراقبين خيراً ليس لعلمهم المسبق بأن القضية الفلسطينية ستكون ثمناً مقابل حرب تحرير الكويت وتكسير العظام العراقية، بل لسببين آخرين: الأول هو أن المؤتمر سيشمل أطرافاً عربية جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين حيث أن الصراع في الشرق الأوسط عربي إسرائيلي، وبالتالي فإن الوفود العربية تمتلك العديد من أوراق الضغط والكثير مما يمكن أن تعطيه مقابل تسوية شاملة تعيد الأراضي العربية التي احتلت في 1967، أم السبب الثاني فهو وجود توازن في رعاية هذا المؤتمر بوجود روسيا إلى جانب الأمريكيين مما يقلل الشك في نزاهة الدول الراعية لهذا المؤتمر. ولكن منظمة التحرير الفلسطينية أسقطت هذين العاملين لتقبل بتوقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 متخلية عن أي وجود عربي في هذه التسوية راسمة شكلاً جديد يوحي بـأنه صراع إسرائيلي فلسطيني منفرد بعيداً عن بقية العرب وتكون اتفاقية إسرائيلية فلسطينية بحته، ومكتفية برعاية دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن الأخيرة هي أقوى دولة في العالم ولكنها في ذات الوقت عرفت أيضاً بانحيازها التام للكيان الإسرائيلي أو بلغة أكثر دبلوماسية ' تتفهم بشكل كبير مواقف وأفعال الطرف الإسرائيلي'. ورغم كل سلبية في اتفاق أوسلو إلا أن الجميع تقبل الأمر بصدر رحب لأنه اعتبره اتفاق مرحلي مؤقت وغير دائم، وقد تكون فرصة مواتية لكي نكرس واقع فلسطيني جديد على الأرض إلى أن يأتي موعد الاتفاق النهائي، غير أن واقع الحال كان مغايراً تماماً، وكانت إسرائيل هي السباقة لتكريس الأمر الواقع على الأرض بمستوطنات جديدة ووتيرة متسارعة لتهويد القدس في ظل غيبوبة فلسطينية استمرت 6 سنوات.



ومع الفشل الذريع في كامب ديفيد الثانية واندلاع انتفاضة الأقصى، بدأت تنهال المبادرات من كل صوب وحدب، تارة جنيف وتارة أخرى خطة تينيت ثم خطة خارطة الطريق 2002، وبطبيعة الحال جميعها برعاية أمريكية فقط وبعيداً عن الأشقاء العرب لأننا قبلنا بهذين المبدأين منذ بداية طريق أوسلو بعد أن صبغنا الصراع بصبغة فلسطينية منفردة. بدا واضحاً وكأن جميع هذه المبادرات ما هي إلا استعداداً وتمهيداً لعدوان جديد على بلد عربي بنفس المنطق السابق في مؤتمر مدريد، أما الضحية هذه المرة فكان العراق أيضاً حيث تم احتلاله في مارس 2003 لأن ضربة 1991 لم تكن كافية ومقنعة للبيت الأبيض بانتهاء الخطر العراقي على حد زعمهم. لم يكن لهذه المبادرات أي نصيب إلا من الفشل والانتكاس في ظل تعنت الطرف الإسرائيلي وعدم قدرة راعي السلام 'الولايات المتحدة الأمريكية' على إجبار الإسرائيليين على تنفيذ التزاماتهم ووقف إجراءاتهم التعسفية بحق الأرض والشعب. ثم جاءت دعوة الرئيس بوش لمؤتمر أنابوليس بظروف لا تختلف عن سابقاتها من حيث إعداد المنطقة وشعوبها لعدوان جديد والضحية هذه المرة إما شامية أو فارسية وقد تكون مجموعات فلسطينية أو لبنانية. وفي مثل هذه الظروف وكالعادة يبدأ رواد البيت الأبيض بتذكر حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة لما له من أثر إيجابي في تهدئة وتهيئة النفوس العربية لعدوان ثمنه 'وعد' بدولة فلسطينية.



وإن تعمقنا أكثر في مؤتمر أنابوليس، نجد أن الطرف الفلسطيني مازال يستند لما استندنا إليه في أوسلو بالاكتفاء براعي سلام واحد ومنحاز للطرف الإسرائيلي، بالإضافة لإخراج القضية الفلسطينية من إطارها العربي، فنجد أنه لم يتم التطرق حتى اللحظة للمبادرة العربية لا من قريب أو من بعيد، وهي المبادرة التي أجمع عليها العرب لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي لتوفر قوة دعم وأساس يستند إليه المفاوض الفلسطيني، بل بدأ الحديث يتجه صوب خطة خارطة الطريق التي فشلت منذ مرحلتها الأولى حين لم تلتزم إسرائيل بالشق المنوط بها. من ناحية أخرى، نجد أن الجانب الفلسطيني يكرر كثيراً ويستند إلى مقولة 'رؤية السيد بوش بدولة فلسطينية'، ولكن ألم يكن بوش هو أيضاً من أرسل وعداً صريحاً لشارون بعدم التخلي عن الكتل الاستيطانية الكبرى، فما هو شكل تلك الدولة التي يراها السيد بوش، وماذا سنفعل حين يخرج السيد بوش من البيت الأبيض بلا عودة؟!! لقد كرر الجانب الفلسطيني مراراً رغبته في الوصول إلى جدول زمني ملزم لتطبيق الاتفاق مداه 6 إلى 9 شهور ولكن رغبة الطرف الفلسطيني قوبلت برفض إسرائيلي وقبله أمريكي. إن قمنا بالنظر لظروف عقد مؤتمر أنابوليس نجد أن الفلسطينيون منقسمون بعد أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة بالقوة، ونجد في إسرائيل حكومة ضعيفة بسبب الخلافات السياسية الداخلية والائتلاف الهش، بالإضافة لرئيس وزراء يرفض أن تكون حكومته ثمناً للسلام في حين دفع رابين حياته ثمناً له، ثم نجد أن ولاية الرئيس الأمريكي تقترب من نهايتها، فهل تكون الظروف بالفعل مواتية للسلام؟!!! لقد أجابها أولمرت صراحة حين قال أن هذا ليس مؤتمر سلام بل لقاء دولي هدفه خلق أجواء مناسبة لاستمرار المحادثات.



يذهب الكثير من المحللين والمراقبين إلى الجزم بأن مؤتمر الخريف (أنابوليس) سيكون فاشلاً بلا ريب، ولكن في ذات الوقت نجد أن الجانب الفلسطيني والإسرائيلي يتحركون بخطى ثابتة نحوه إدراكاً منهم بأن القليل مما يمكن الحصول عليه في ظل حجم التشاؤم هذا سيعتبر نجاحاً. وفي ظل هذا القدر العظيم من التشاؤم تجاه نتائج المؤتمر وبعد أن استبعدنا الوجود العربي من خلال غض الطرف عن المبادرة العربية وفي ظل وجود راعي السلام الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية، قد تعطي إسرائيل للفلسطينيين مكافآت ليست بالسخية ولكنها كافية لأن توصل رسالة للفلسطينيين بأنكم يمكن أن تحصلوا على شيء من خلال المحادثات، ولن تحصلوا سوى على الدمار إن فكرتم بالعنف. أما الجانب الفلسطيني، فقد يسعى لتحقيق أي نجاح وتقدم على الأرض وإن لم يكن تسوية نهائية لتعديل بعض الخلل الواضح في المعادلة الداخلية، فقد يقبل بانسحاب من بعض المناطق الفلسطينية ورفع عدد من الحواجز وإفراج عن عدد من الأسرى وفي أفضل الأحوال تفكيك بعض المستوطنات العشوائية وفقاً للمرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق. هو مكسب للشعب إن حصلنا على أي انسحاب من أرض فلسطينية، وفرحة كبيرة بلا شك إن أفرج عن عدد من أسرانا البواسل، وبالطبع سعادة جمة إن تم تفكيك عدد من المستوطنات الجاثمة على أرضنا، ولكن الشيء المؤكد هو أنه من عظيم مصلحتنا ألا نوقع اتفاقاً نهائياً في ظل الظروف المقيتة التي تمر بالشعب الفلسطيني والأمة العربية، وألا نعقد الكثير من الأمال بعد أن صارعنا أوهام السلام على مركل هذه الأعوام.

http://blog.amin.org/fadi/