بين ماسينيون ولطفى جمعة: أسرار جديدة بقلم: د. إبراهيم عوض
تاريخ النشر : 2007-10-02
بين ماسينيون ولطفى جمعة: أسرار جديدة

بقلم د. إبراهيم عوض

القراء الكرام، وصلتنى هذه الرسالة من الدكتور لطفى رابح جمعة الأستاذ بجامعة عين شمس، وهو ابن المستشار والشاعر والناقد المعروف الأستاذ رابح لطفى جمعة، وحفيد الكاتب السياسى والأديب والمفكر الإسلامى محمد لطفى جمعة أحد الذين ردوا على طه حسين فى معركة الشعر الجاهلى سنة 1926م بكتابه الذائع الصيت: "الشهاب الراصد" فأفحمه. وها هى ذى الرسالة بنصها وفصها، ورمضان كريم، وكل عام وجميعكم بصحة طيبة وفى سعادة وراحة بال:ـ

Date: Mon, 1 Oct 2007 22:52:01 +0100 (BST)

From: "lotfi gomaa" Add to Address Book Add Mobile Alert

Yahoo! DomainKeys has confirmed that this message was sent by yahoo.com. Lea
more

Subject: أستاذنا العزيز

To: "ibrahim awad"

أعلى النموذج

أسفل النموذج

بسم الله الرحمن الرحيم

أستاذنا و حبيبنا العزيز د. إبراهيم عوض متعه الله بالصحة وراحة البال:



كل عام و أنتم بخير ... رمضان سعيد عليكم و على الأسرة الكريمة..

آسف لتأخري في الرد على رسالتكم التي حرَّكت السواكن في مكامن فؤادي.. و لعل سبب هذا التأخير هو قضائي معظم الصيف خارج القاهرة لقضاء بعض المصالح و الإلتزامات المتراكمة. و عند عودتي وجدت رسالتكم الإلكترونية، فسعدت بها أيما سعادة... و أنا لم أنصرف عن وصل حبل الإتصال بيننا كما لاح في رسالتكم و لكنها قسوة الإلتزامات الحياتية التي هي في الحقيقة سوط يلهب طاقات أي إنسان... فأرجو قبول عذري ... فحبل المودة موصول معكم و لا انفصام لعروة المحبة و الإعتزاز التي تربطني بأحب أحباب الوالد رحمة الله عليه...

بخصوص علاقة ماسينيون بلطفي جمعة فسوف يتم نشرها إن شاء الله في أحد فصول كتاب (هو تحت الطبع الآن) من تأليف الوالد، رحمة الله عليه، إسمه "تونس في كتابات محمد لطفي جمعة"... هذا الكتاب قام الوالد بتأليفه سنة 1984 و قد وجدته ضمن ما عندي من تراثي الجد و الوالد... و لولا إلتزاماتي القانونية مع الناشر لأرسلت لكم كامل الكتاب في بريدكم الإلكتروني لتنشروا منه ما تشاؤون.. و لكنني مع ذلك سوف أرسل لكم بملخص علاقة لطفي جمعة بماسينيون.

يقول لطفي جمعة، رحمة الله عليه:

" إن هذا الرجل (يقصد ماسينيون) بدأ الاتصال بى على أثر مقالات نشرتها فى مجلة الرابطة العربية لصاحبها أمين سعيد سنة 1937 فى القاهرة عن الإمام منصور الحلاج ، فجاء ماسينيون زائراً فى البيت سنة 1940 وزرته فى المعهد الفرنسى بالقاهرة وقدمت إليه بعض مؤلفاتى هدية ، وفى عودته من الشام زارنى مرة أخرى .. وبعد ذلك لفت نظرى نفوذ ماسينيون فى سوريا وقوته السياسية إلى أن تمكن من خلق المجمع اللغوى بدمشق ثم تدخل فى السياسة وعين صديقه محمد كرد على وزيراً للمعارف".

و عندما سافر لطفي جمعة إلى بلاد الشام فى صيف سنة 1946 قابل الشاعر خليل مردم كما قابل سامي العظم إبن عم رفيق العظم. و قد تحدث معهما عن ماسينيون حديثاً طويلاً.

مجمل حديث خليل مردم عن ماسينيون:

يقول لطفي جمعة:

تكلمنا عن ماسينيون فقال لى خليل مردم :

" والله يا أخى ماسينيون هذا أمره عجيب ما نفهمه ! ثم قال لى : إننا نعرف أنه اشتغل بالتبشير فى جبل العلويين ونقل بعضهم من الإسلام إلى المسيحية وهؤلاء قوم جهلاء أهل اللاذقية وأصلهم نصيرية . فلما سمعت هذا الكلام من خليل مردم فجعت فى الرجل الذى يتظاهر أمامى بخدمة الإسلام والمسلمين".... ولما عُدت من سوريا وزارنى ماسينيون فى نوفمبر سنة 1946 صارحته بما سمعته وكانت قد ظهرت فضيحة كبرى وهى ظهور"سلمان المرشد" مدعى الألوهية ومحاكمته وثورته فى جبال العلويين ، فهاج ماسينيون وماج واضطرب وأخذ يبصق على الأرض ويصف الفرنسويين المستعمرين بأنهم نفايات قذرة (كذا)، ثم أخذ ماسينيون يدافع عن نفسه ضد التهم التى وجهت إليه فى الشام ولم أكن أعلم بها ، ومنها أنه ضابط فى المحكمة السرية السياسية العسكرية العليا وأنه حاكم بعض السوريين وحكم عليهم ، فأقر لى أنه فعلاً قابل بعضهم فى وزارة الخارجية والحربية بباريس ولكنه لم يحقق معهم ، ولابد أن هذا الرجل كان على اتصال بالمفتى "أمين الحسينى" وكان سبباً فى خلاصه وفراره إلى مصر كما كان سبباً فى فرار "رشيد الكيلانى" العراقى المعادى لإنجلترا" .



حديث سامى العظم عن ماسينيون :

فى يوم 6 مارس سنة 1947 إجتع لطفي جمعة (أثناء زيارته الشام) بسامي العظم إبن عم رفيق العظم.. يقول لطفي جمعة:

" فتكلمنا عن ماسينيون فقال لى أنه مستعمر وأول عدو للاسلام ويكره تقدم المسلمين ويحب الملحدين ويكره المتمسكين بالشريعة وقد رأيته سنة 1912 بأسطنبول وكان كثير من عظماء العرب أحياء فى الآستانة ومنهم المرحوم عبد الكريم قدرى خليل أحد الوطنيين السوريين الذين شنقهم جمال باشا فقلت لماسينيون : ياعم ! إذا كنت محباً للإسلام كما تقول ومحباً للحرية بحكم أنك فرنسى من أهل الثورة الفرنسية فلماذا لا تنصح لقومك أن ينصفـوا المسلمين فى شمال أفريقيا مراكش وتونس والجزائر بدلاً من قتلهم وأخذ أرزاقهم باسم المدنية والاستعمار ؟ يا عمى بلا تصوف بلا بطيخ !! فصمت ماسينيون ولم يتكلم وامتقع لونه".



و حدث أن شن لطفي جمعة هجوماً عنيفاً بقلمه على فظائع الفرنسيين في شمال إفريقيا فاهتمت السفارة الفرنسية بهذا الهجوم و طلبت من ماسينيون بحث هذا الموضوع مع لطفي جمعة. و ذهب ماسينيون لمقابلة لطفي جمعة لهذا الغرض... و في هذا الصدد يقول لطفي جمعة:

"ثم فاجأنى ماسينيون بأنه قرأ مقالاتى فى الدستور دفاعاً عن شمال أفريقيا (المغرب وتونس والجزائر) وطعناً فى مظالم فرنسا فَبُغِتُّ وأدركت أنه زارنى هذه المرة ليواجهنى بهذه المسألة وانشغال السفارة الفرنسوية بها ، ولكننى أجبته على الفور :

أنت تخدم وطنك بكل الوسائل وأنا أخدم الإسلام ووطنى بالدفاع عن المسلمين فى شمال أفريقيا ، ولا أظن فى هذا عيباً ، ثم انك تظن أننى أخذت أقوالك وأفرغتها فى مقالتى ولكن لا ، إننى قرأت مقالاً فى مجلة نوفيل ليترير . وعلى كل حال أنا مسلم ووطنى ومحب للحرية فى بلاد الإسلام فانتقدتُ ما تقوله أنت أنك انتقدته من أهل بلدك وهو أعمال الظلم والقسوة فى شمال أفريقيا . ثم أن لى أصحاباً كثيرين فى تلك البلاد مثل المرحوم الثعالبى وشاعـر مراكش ابن باديس وابن على فخار وعبد الكريم الخطابى وعلال الفاسى ، فعلىّ حقوق لهم أن أدافع عنهم وعن الحق .

وفى النهاية ظهر لى السر وهو أن كل مستشرق مسيحى أوربى لابد أن يكون جاسوساً لوطنه ولا عيب عليه ، ولكن العيب على غفلتنا ، بل له الفخر ويُلام فقط لأنه يستغل الثقة التى توجد فى قلوبنا فى كل شخص يقول أمامنا الله ورسوله فنخدع به .

وعلى كل حال فأننى أحترم ماسينيون ولكن لا أحبه وأعجب بمهارته وسعة إطلاعه وخدمته للحلاج ، وأفهم الآن أسباب صلاته بأهل العلم فى الشرق وهو أن يكتب تقارير مطولة بصفته موظفاً كبيراً فى وزارة الخارجية الفرنسوية عن سياحته فى الشرق ويقدمها للحكومة فتتسع خططه فى السياسة لأنه يعرف اللغات العربية والتركية والفارسية وله أصدقاء فى القاهرة وبغداد وأنقرة وتونس ومراكش والجزائر ودمشق وبيروت بوصفه عالماً مستشرقاً ، فهو جزء من الحكومة الفرنسوية متنقل فى ربوع الشرق"



هذا مختصر علاقة لطفي جمعة بماسينيون... أرجو يا عزيزنا الغالي أن تجد فيها ما يستحق النشر أو التعليق أو التحقيق... و أنا أتابع ما تنشره الأهرام من أحاديثكم و كنت أتمنى أن أرى إسم حبيبك "لطفي جمعة" بين سطور لقاءك الأخير المنشور في جريدة الأهرام و الخاص بالمستشرقين... و لكنني على ثقة بأن حبكم لجدي و تقديركم له قادر على أن يحرك فيكم أجمل مما كنت أتمنى...

لكم كل محبتي و إخلاصي و تمنياتي و كل عام و أنتم بخير و صحة و في أسعد حال...

محبكم و المتشرف بأخوتكم

لطفي رابح جمعة...