الاغتصاب ...الاسباب والدوافع بقلم:صادق ابو السعود
تاريخ النشر : 2007-09-01
الاغتصاب

مقدمة:

لو حاولنا أن نضع كلمة الاغتصاب في سلم الجرائم لاحتلت هذه الكلمة وبجدارة متناهية قمة سلم الجرائم الاخلاقية واكثرها بشاعة من بين تلك الجرائم التي يرتكبها الانسان بحق الانسان والمجتمع، والاغتصاب لا يقتصر على المراة فقط رغم انها تشكل الهدف الاول لهذه الجريمة الا ان هناك ايضا من هذه الجرائم ما يرتكب بحق الاطفال القاصرين وحتى البالغين احيانا، وعلي الرغم من ان جريمة الاغتصاب جريمة عالمية ولا تقتصر على مجتمع دون آخر ولا على فئة دون اخرى إلا أنها تزداد بشاعة في مجتمعاتنا العربية والتي تولي قوانينها أهمية كبيرة للمحافظة على الاعراض. كما أنها من اشد الجرائم قبحا والتي يمكن أن تتعرض لها الأنثى في العالم بشكل عام وفي منطقتنا بصورة خاصة لان ذلك يلحق بالأنثى ضررا جسديا ونفسيا بالغا ناهيك عن الإضرار بمستقبلها من جهة الإقلال من فرص زواجها إذا كانت عذراء أو حرمانها من حياة زوجية مستقرة وسعيدة إذا كانت متزوجة ويتضاعف الأذى إذا نجم عن ذلك الاغتصاب حمل الضحية والتي قد تقدم على الانتحار تخلصا من الفضيحة والعار في ظل مفاهيم اجتماعية قد تحمل الضحية المسئولية عن هذا الفعل. وهذا بالإضافة إلى صدمة الرأي العام التي تتولد عن حوادث الاغتصاب التي تطالعنا بها وسائل الإعلام وحالة الريبة والشك التي سوف تحيط بالأخلاقيات العامة والخاصة. وهناك بعض الآراء التي تتحدث عن الاغتصاب وتصفه بجريمة ناتجة عن الخلل الذي اصاب البنية الاجتماعية لمجتمعاتنا والاسرة على وجه الخصوص التي تشاهد تفككا ملحوظا وهي نسبة قابلة للارتفاع في ظل غياب المنهجيات الصحيحة لعلاج مثل هذه الظاهرة التي تغزو مجتمعنا وتكاد لا تخلو وسائل الاعلام العربية الجادة منها والصفراء من ذكر بعض حالات الاغتصاب في هذه الدولة او تلك وبصورة يومية.

تعريف الاغتصاب:

الاغتصاب في اللغة افتعال من غصب .

والغصب: أخذ الشيء ظلماً. يقال غصبه منه وغصبه عليه .

وغصب فلاناً على الشيء : قهره.

وغصب الجلد: أزال عنه شعره نتفاً.

وفي لسان العرب: ورد ذكرُ الغصب، وهو أخذ مال الغير ظلماً وعدواناً. وفي الحديث أنّه غصبها نَفْسَها: أراد أنّه واقعها كرهاً، فاستعاره للجماع. وهذا المعنى الأخير هو الذي شاع استعماله حتى غلب في العرف فصار الإكراه على الجماع يسمى اغتصاباً. وعليه فإن الاغتصاب هو الإكراه على الزنا واللواط. والاغتصاب هو اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا كاملا دون رضاها. ويطلق علي لفظ الاغتصاب في القانون المواقعة. وتتكون جريمة الاغتصاب من ثلاث أركان لابد من توافرهم حتى يمكننا القول بواقع جريمة اغتصاب وهم الاتصال الجنسي الكامل وانعدام رضا المجني عليها واتجاه إرادة المتهم لارتكاب الجريمة مع علمه بذلك. وهناك من يصف مجرد ملامسة الأنثى في بعض أجزائها الحساسة ودون رضاها هو عملية اغتصاب.

جرى تعريف الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضمن "عناصر الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية" بحيث يتم التركيز على الأفعال الإكراهية للجناة، بما في ذلك التهديدات والقمع النفسي، عوضاً عن التركيز على العنف الجسدي وحده. وعوضاً عن تعريف الاغتصاب على أنه إيلاج عضو الرجل قسراً في مهبل المرأة فحسب، فإن تعريف الاغتصاب محايد من حيث شموله للنوع الاجتماعي (حيث يعترف بأن الرجال والصبيان يمكن أن يغتصبوا أيضاً)، ويشير على نحو عام إلى اقتحام جسد الضحية، بما في ذلك عن طريق استخدام الأدوات أو الجنس القسري عن طريق الفم.

وتقول منظمة العفو الدولية انه لا يوجد تعريف قانوني دولي لما يشكل اغتصاباً، فهو يختلف من نظام قانوني جنائي إلى آخر. وتُعرِّف منظمة العفو الدولية الاغتصاب بأنه دخول جسم الإنسان "الاتصال الجنسي" قسرياً أو دون رضا صاحبه بواسطة القضيب أو أداة مثل هراوة أو عصا أو زجاجة.

ويعتبر الاغتصاب عمل من أعمال العنف والاعتداء والسيطرة التي تؤثر على المرأة بشكل مفرط وبصورة مختلفة عن العناصر الأخرى. وبالتالي تشكل عنفاً وكانت نقطة الخلاف الرئيسية هي ما اذا كان يمكن تفسير اغتصاب امرأة معتقلة من جانب أحد أفراد قوات الأمن أو الجيش أو الشرطة، في بعض الظروف، بأنه عمل "شخصي" أو خاص وبالتالي عبارة عن جرم عادي وليس تعذيباً. وقد قضى عدد من القرارات التي اتخذتها الهيئات الدولية والاقليمية بأن الاغتصاب الذي يرتكبه مثل هؤلاء الموظفين الرسميين يصل دائماً إلى حد التعذيب.

أشكال الاغتصاب:

وبعد أن تطرقنا لتعريف الاغتصاب لا بد من الحديث عن أشكال الاغتصاب فكما هو معروف أن هناك أنواعا متعددة للاغتصاب والتي تتمثل بالتالي:

- اغتصاب الرجل للفتاة القاصر أو المرأة وهو الأكثر شيوعا.

- اغتصاب الرجل لزوجته (ففي حالة الطلاق أو الانفصال المؤقت قد يقوم الرجل بإجبار زوجته على ممارسة الجنس).

- اغتصاب الرجل للغلام( أي الشذوذ)

- اغتصاب المرأة للمرأة وهذه المرأة تعرف بنموذج المرأة السحاقية.

- اغتصاب المرأة للرجل، وهذه الظاهرة على ندرتها قد أخذت بالارتفاع وهناك العديد من حوادث الاغتصاب سجلت ضد نساء واعترفن بالواقعة.

أسباب الاغتصاب:

ولا شك ان هناك العديد من الاسباب التي تقف وراء انتشار هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعاتنا وهي كما يلي:

• الأسباب الدينية: يشكل هذا العامل احد الاسباب والعوامل المهمة في انتشار ظاهرة الاغتصاب، ولا شك ان الجميع يعلم ان الدين الاسلامي كان له الاثر التربوي الكبير في محاربة هذه الظاهرة السلبية التي تحيط بمجتمعاتنا الاسلامية باتباعه اسلوبا تربويا يعالج هذه الظاهرة من جذورها من خلال منعه للاختلاط العشوائي ودون وجود الضابط الشرعي والذي يعتبر احد الابواب المهمة للانحراف، بالاضافة ايضا الى مظاهر العري التي تشكل حافزا للاثارة الجنسية لدى الشباب ومن هنا جاء حديث الاسلام عن اهمية الحجاب للمراة وهي بذلك تغلق بابا من ابواب الفتنة علما ان الحجاب احد اشكال العلاج المهمة لظاهرة الاغتصاب.

• الاسباب الاجتماعية: عند الحديث عن العوامل الاجتماعية التي رفعت من نسبة جرائم الاغتصاب في مجتمعاتنا فلا بد للحديث عن التفاوت الطبقي الملموس بين فئات المجتمع المختلفة الامر الذي خلق حالة من الاحباط والسخط الاجتماعي في وسط الشباب الذي يدرك غياب العدالة في التعامل مع القضايا التي تعنى بمشاكل الشباب، وهذا من شانه ان يخلق الاجواء المناسبة لكافة اشكال الجرائم والاغتصاب منها. وفي هذا الباب لا بد من تناول ظاهرة تعاطي المخدرات والكحول والتي خلقت حالة من الضياع يعيش بها الشباب وتسهل الطريق أمامهم نحو الانحراف، والكثير من جرائم الاغتصاب قد ارتكبت واصحابها قد تناولوا جرعة من المخدرات او كانوا في حالة سكر وهذا يؤكد الحقيقة التي تقول ان انتشار الادمان والمخدرات قد ساهما بارتفاع نسبة الجريمة والاغتصاب كان احد هذه الجرائم . ولا شك ان البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها مرتكبي جريمة الاغتصاب تلعب دورا مهما في ارتكاب هذه الجريمة البشعة حيث يعاني هؤلاء من تفكك اسري واضح، والعنف هو اللغة السائدة في مثل هذه الأسر، بالإضافة إلى غياب منظومة الدولة خلق بيئة عشوائية والذي من شانه أن يولد السلوك العشوائي وبالتالي وجود جيل لا يلتزم بالمعايير الاجتماعية والاخلاقية التي يسير على نهجها المجتمع وبالتالي فقدان الامن الاجتماعي. وتحدثت الكثير من البحوث عن غياب دور الأسرة والرقابة التي كانت تفرضها على أفرادها والتنشئة الاجتماعية الخاطئة وانشغال الوالدين بالعمل وتراجع القيم الأخلاقية لدى الأفراد.

• الأسباب الاقتصادية: حيث تلعب العوامل الاقتصادية دورا هاما في انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، حيث انتشار البطالة وقلة فرص العمل وارتفاع مستوى المعيشة الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان إقبال الشباب على الزواج وترافق ذلك مع ارتفاع المهور، وقد عملت هذه الأسباب على ارتفاع نسبة العنوسة بين الجنسين وارتفاع سن الزواج والكبت الجنسي الذي يترافق مع هذه الحالة لعب دورا كبيرا في انتشار مثل هذه الظواهر الخطيرة في المجتمع.

• الأسباب القانونية: كان لغياب القوانين الواضحة والرادعة التي تتعامل مع الاغتصاب دورا مهما في تنامي هذه الظاهرة، لغياب الآلية القانونية الواضحة للتعامل مع هذه الظاهرة وفي كثير من الأحيان ومع وجود محامي شاطر تتحول الضحية إلى سبب من أسباب اغتصابها وينجو الفاعل بفعلته لتبقى الضحية تجتر آلامها ونظرة المجتمع لها هذا إن لم تقتل. وبعض القوانين جعلت عقوبة الاغتصاب دفع غرامة مالية أو بالحبس لمدة أشهر، ومع وجود بعض القوانين التي تشددت في العقوبة والتي فرضت عقوبة السجن لمدة 15 سنة للذي يرتكب الاغتصاب ومع ذلك فالعقوبة الدينية هي الأشد قوة في هذا المجال حيث يرى الدين الاغتصاب إكراه على الزنا . والزنا حرام من المحرمات الظاهرة المعلومة بالضرورة . قال تعالى : )وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً% يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً % إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان 68 – 70). فإقامة الحد الإسلامي من أنجع الوسائل للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة .

• الأسباب الإعلامية: وفي هذا السياق تلعب بعض وسائل الإعلام دور المحرك للشهوات والغرائز بالإضافة إلى دورها بنقل بعض المفاهيم والقيم والعادات التي لا تتناسب مع المعايير العامة لمجتمعنا ولها الأثر الكبير على بروز مظاهر الفساد والتحلل الأخلاقي الذي يمكن مشاهدته بوضوح من السلوكيات التي تقوم بها بعض فئات المجتمع تحت شعار التقدم ولا للتخلف. وابتعدت الكثير من وسائل الإعلام ونحن في عصر الفضائيات والانترنت عن دورها التربوي وتكريس القيم الإسلامية والعربية الصحيحة وبدأت بنشر العديد من المواد وبث الكثير من البرامج التي عملت على شحذ القدرات الجنسية أدت إلى وجود فئة منحرفة غابت عنها كل الضوابط الدينية والاجتماعية والأخلاقية. ولا بد من التنويه أن غياب القضية العامة عن اهتمام الشباب جعل البعض منهم ينخرطون في نشاطات منافية للأخلاق. ففي الماضي كان الشباب يهتم بل يتفاعل مع الأحداث السياسية المحيطة به إلا أن هذا الاهتمام قد خفت بريقه إن لم يكن اختفى وخلق الشباب لأنفسهم مجالات اهتمام أخرى سواء من خلال الاستخدام السيئ للانترنت أو متابعة القنوات الفضائية المحركة للغرائز.

أساليب وأدوات علاج هذه الظاهرة:

لا بد هنا من الحديث عن الدور الجماعي الذي يمكن أن تلعبه كافة فئات المجتمع لعلاج هذه الظاهرة، ولا يمكن بل من الاستحالة بمكان أن تتحرك الأسرة بمعزل عن المؤسسات المجتمعية الأخرى ولا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تتحرك لمكافحة هذه الظاهرة دون أن تنسق جهودها مع الدولة لا سيما أن فعلة الاغتصاب تمس كافة أفراد المجتمع دون استثناء وهي بمثابة المساس بالدين والأخلاق والتقاليد العامة في المجتمع. ولن أقول أن على المؤسسة الدينية أن تفعل كذا وكيت أو المؤسسات المدنية لان الحديث عن الاغتصاب يمسنا جميعا لذلك لا بد من حملة وطنية على صعيد العالم العربي والإسلامي لمحاربة هذه الظاهرة تشترك فيها جميع القوى وباعتقادي أنها أهم من محاربة التدخين فلماذا لا تنشط المجتمعات في تنظيم مثل هذه الحملات لمناقشة سبل الوقاية ومكافحة الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع وتشكل سقوطا لأخلاقه. فالدولة معنية بوضع القوانين والقرارات التي تحد من هذه الظاهرة بالإضافة إلى دورها في معالجة المشاكل الاقتصادية ورفع مستوى معيشة الناس بما يمكنهم من الزواج وبناء أسرة، والمؤسسة الدينية يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في التنويه إلى الكثير من الظواهر السلبية مثل قضية غلاء المهور وغيرها من العوائق التي تمنع الزواج المبكر. ومؤسسات المجتمع المدني مثل جمعيات حماية الأسرة والاتحادات النسوية يجب أن تقوم بدورها من خلال التقائها بالأسر والتشديد على دورها في التعرف على مشاكل الأسرة وسبل معالجتها والعمل من خلال وسائل الإعلام وعقد الجلسات الحوارية التي تركز على العلاج ونشر المقالات والمواد الإعلامية التي تتعامل مع هذه الظاهرة بصورة ايجابية مبتعدة عن سبل الإثارة الجنسية والوسائل الرخيصة للصحافة الصفراء. وبكلمات أخيرة أتساءل عن المانع من إطلاق قناة فضائية بإشراف وزراء الإعلام العرب وتبتعد عن الإسفاف في التعاطي مع قضايا العائلة العربية والمسلمة كما هو حاصل مع الكثير من الفضائيات التي تتهم زورا بأنها قناة العائلة العربية.

صادق ابو السعود

نابلس

27 آب 2007