الرئيس محمود عباس:بين قيادة حركة و زعامة أمة بقلم:سالم احمد غانم
تاريخ النشر : 2007-08-27
الرئيس محمود عباس:

بين قيادة حركة و زعامة أمة

في آخر جلسات مجلس وزراء الاحتلال وضع أولمرت ضوابط صارمة على وزراءه بقصد أن تقلل من التسريبات المتعمدة للصحافة الإسرائيلية و التي كان آخرها تسريبات تحدثت عن خلل في شرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحول دون المضي في التوصل معه لتسويات و لو مؤقتة تخدم هدف الفلسطينيين و الإسرائيليين المرحلي في إقناع رعاة عملية السلام و هم كثر بجدية العملية التفاوضية بين الجانبين و أن الأمر ليس صحناً و حسب بل طحيناً.

فتح منذ استأثرت بقيادة منظمة التحرير و هي تقدم زعامات تاريخية للحركة و لكن مخرجات الوضع الفلسطيني يدلل على أن هذه الحركة فشلت حتى الآن في تقديم زعيم للأمة يقودها بمجموعها الوطني نحو غاياتها.

عباس له موقفه من المقاومة و من صواريخها و هو حتى ضد عسكرة الانتفاضة من أصله و هو رجل صريح مع نفسه و مع الآخرين و قالها في برنامجه الانتخابي و خارج برنامجه الانتخابي قبل رحيل عرفات و بعد رحيل عرفات.

و لكن الرجل لم يفعل ما يكفي لإقناع المجموع الفلسطيني خاصة أولئك الذين يرون في المقاومة مخلصهم من الاحتلال الذي يقتنع كثيرون منهم أنه لا يفهم غير لغة القوة و الرئيس عباس يدرك ذلك و لكنه يدرك انه يفتقر إلى القوة التي لا يفهم العدو غيرها.

و فشل الرئيس في هذا الاتجاه لا يعني أنه لديه الصلاحية المطلقة لحل فصائل المقاومة و تجريم أجنحتها المسلحة من ثقتها بنفسها ناهيك عن شرعيتها على الأقل في الشارع الفلسطيني ليجد في المراسيم الرئاسية ضالته لإنهاء ظاهرة المقاومة التي لم تنشأ أصلا بمرسوم رئاسي و أن يذهب بعيداً ليضمن احد أركان إدارته هذه المراسيم ضمن قائمة الشروط الطويلة و التعجيزية لبدء حوار مع حماس و هي شروط لمنع الحوار أكثر منها لبدئه.

الرئيس محق في إعلان حالة الطوارئ في المناطق الفلسطينية رغم أن شروط إعلان حالة الطوارئ توافرت قبل ذلك بزمن طويل و لكن سرعة تشكيلة حكومة رام الله بوتيرة سريعة و فريق متجانس في عداءه للمقاومة و كرهه لغزة و أهلها هو الأمر الذي يشير إلى أنها حكومة وفق شروط أوسلو و بغية إنعاش الاتفاقية التي ماتت منذ زمن طويل بشهادة قادة إسرائيل و ملوكها و التمهيد لسلة اتفاقيات لاحقة ضمن الشروط المرجعية المحددة في اتفاقية إعلان المبادئ و التي يصمم العدو على تطبيقها على قاعدة أن أرض فلسطين التاريخية هي أرض ميعاد ليهود العالم و تتجاوز في تطبيقاتها الحقوق الطبيعية لسكانها الطبيعيين بشكل سافر يفوق في ظلمه أكثر الوثائق ظلماً في تاريخ الشعب الفلسطيني " وعد بلفور"

أما دعوة لحماس للدخول تحت عباءة المنظمة و إظهارها بمظهر تنظيم خارج الشرعية فهو العرف ببواطن الأمور و أن منظمة التحرير فقدت كل ما تبقى لها كحركة تحرير وطني من خلال اعترافها غير المشروط بدوله إسرائيل و حقها في العيش بسلام و بكل قرارات الأمم المتحدة ( 242/388) و نبذ المقاومة و الكفاح المسلح كطريق لتحرير فلسطين و اعتبار كافة بنود الميثاق الوطني الداعية لتدمير دولة إسرائيل غير ذات صلة و الوعد بإلغاء ها ضمن السياق القانوني و عبر المجلس الوطني.

و حماس ليست بريئة في دعوتها لإصلاح المنظمة قبل الدخول فيها فهي تعرف أن عملية إصلاح المنظمة سوف تأتي بخلق جديد لا يمت بصلة إلى منظمة التحرير الحالية و عندها يصبح خيار السلطة الممتدة إلى الشتات أقوى ن خيار المنظمة الممتدة إلى الداخل و أكثر واقعية طالما أن السلطة و حسب أوسلو هي صاحبة الولاية في الضفة و القطاع " فلسطين الجديدة"

و اعتراف حماس بالمنظمة الحالية لا يقل عن اعترافها بإسرائيل من الناحية القانونية طالما أن المنظمة قد اعترفت بإسرائيل في مقابل اعتراف مشروط بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني طالما حافظت على التزاماتها المحددة في اتفاقية إعلان المبادئ و لا اعتقد أن الحركة مستعدة لارتكاب هذا الخطأ المميت.

حتى عملية إصلاح الأجهزة الأمنية و صياغتها على قاعدة المصالح الوطنية فهو أمر ممكن إذا تخلت السلطة في رام الله عن طريقتها الفظة في مواجهة شعبها لقاء الحفاظ على التزاماتها أمام الغير و الرئيس سيعلم أنه كان بالإمكان إدارة الأجهزة الأمنية للوفاء بالتزامات السلطة داخليا و خارجيا و دون هذا الكم الهائل من الأخطاء و الخطايا التي جعلت بقاء هذه الأجهزة على وضعها السابق للحسم العسكري أمراً مستحيلاً و أن حماس بحكم تحررها من قيود أوسلو كانت أكثر قدرة على الحسم مع هذه الأجهزة و كشفها على حقيقتها قبل فوات الأوان.

فهل يخطئ الرئيس عباس ثانية مثلما أخطأ سلفه و ينقل عدوى الأجهزة الأمنية في غزة إلى الأجهزة المدنية من وزارات و خدمات مسخرة لخدمة الناس حسب القانون الأساسي.

كل المؤشرات حتى الآن تصب في هذا الاتجاه و تعضده.

قد يكون من حق عباس بل من واجبة معاقبة حماس و لكن ضمن ضوابط قانونية و أخلاقية بحيث يقتصر العقاب على حماس و حسب. و هو الأمر الذي يبدو أن الرئيس لا يجيده رغم خبرته الطويلة في المشي على الحبال المشدودة في أكثر من مناسبة بعد أن أصبح رئيساً و قبل أن يصبح.

ما يحدث الآن من الرئيس يتعارض مع حرصه على إجراء الانتخابات البلدية و التشريعية و فتح باب المشاركة للجميع بمن فيهم حماس و السماح لحماس بتشكيل أول حكومة لها في فلسطين.

و لكن الملاحظ لأمور الرئيس هذه الأيام يرى أنه يعاقب غزة بكل من فيها و يلاحق حماس بكل من فيها و أنه لا يدخر وسيلة قانونية أو غير قانونية إلا و يسخرها في هذا العقاب:

حصار غزة أو السكوت عن حصارها الطويل مطولاً و إغلاق معابرها و منافذها حتى الآن و حرمانها من الكهرباء و من وزراء غير وزراء التشريفة الغزاوية في رام الله و التفكير في حرمانها من أموال السلطة و قصر الرواتب على عسكري السلطة و جلهم من فتح لولا معارضة الأوربيين و الأمريكان و العرب و حتى إسرائيل و الدعوة للقوة تدخل دولية في غزة و تدمير شرعية المجلس التشريعي و نقل صلاحيته إلى مجلس مركزي لولا معارضة إسرائيل و إًصرارها على التشريعي و لكن بدون حماس القوية لأن التشريعي هو أحد مكونات أوسلو و أحد شروطها المرجعية.

و طالما أن الاعتراف المتبادل قد تم فلماذا لم يتحدث الإعلان عن سيادة منظمة التحرير و أصر على إنشاء سلطة وطنية.

حتى حرمان موظفي السلطة من حماس هو أمر غير قانوني و غير أخلاقي فما بالك بحرمان من هم خارج حماس من هذا الحق و سحب المراسيم الرئاسية و إلغاء اتفاق مكة في ظل ضعف سعودي وصل لدرجة الغياب كما قال السوريون و رفض أمريكي فإن المتضرر الوحيد هو غزة و أهلها الذين تركوا تحت رحمة أكوام القمامة و الظلام و اعتداءات إسرائيل المتكررة.

فمتى يصبح الرئيس عباس رئيساً لفتح و للشعب الفلسطيني و هو كفء لكل ذلك لو أخذ جانب شعبه في غزة و الضفة و الشتات و توقف عن أخطاء أسلافه الذين خلقوا لنا نموراً من ورق لم تحرس الغابة و فرت منها عند أو زئير.

سالم أحمد غانم

غزة فلسطين

‏26‏/08‏/2007