هي أمي
نص: د. عبد الرحيم جاموس
هي أمي ..
رأيتها رأي العين ..
بعد رحيل وغياب قسري طويل ..
ممشوقة القامة كعهدها القديم ..
خدودها محمرة ..
قد لوحتها شمس تموز ..
أضحت وردية الألوان ..
تكسوها أوراق الشجر ..
والأزهار ..
كأنها حورية ..
قد هبطت للتو من السماء ..
أو وردة جورية جميلة الألوان ..
تمشي على الأرض ..
مشي الأنفة والكبرياء ..
تتهادى في مشيتها ..
تمعن النظر في الوجوه العابرة ..
تتفحص الأرض تحت أقدامها ..
تعرف أشجار الصنوبر والسرور ..
واللوز والزيتون ..
شجرة شجرة ..
مثلما تعرف أبنائها ..
رأيتها رأي العين ..
فما هوى الفؤاد مني ..
وما غوى ..
هي أمي تعرف الآباء ..
والأبناء والأحفاد ..
عرفتني من وشم ظاهر ..
فوق الجبين ..
لكنها رمقتني بنظرة عاتبة ..
وأبت التوقف ..
وآثرت السير ..
بين الحقول والبساتين ..
تبحث عن عشق قديم لها ..
قد غرسته بيديها الخشنتين ..
أسقته من دمع عيونها ..
وروته من أنفاسها ..
هي أمي ..
التي تناثرت حبات عرقها ..
فوق تراب كرمها ..
مثل تناثر أوراق الشجر ..
في فصل الخريف ..
منذ زمن بات لنا قديما ..
فوق هضاب كرمنا العتيق ..
المطل على ساحل البحر ..
وقت الغروب ..
لاذت بالصمت ..
كشجرة شيعت أوراقها ..
رياح الخريف ..
هي أمي رأيتها رأي العين ..!
......................................
التعليق على النص بقلم الناقد الأدبي الأستاذ الدكتور/ محمد صالح الشنطي:
صورة مشهدية، سرديّة مروية بنجيع الفؤاد، ولوحة مرسومة بمداد الحب، راسخة في ذاكرة الزمان والمكان. انتماء محفور في ملامح الكون زماناً ومكاناً، فصولاً وكواكب وكائنات، تمحو الفوارق بين الشعر وسائر الفنون، وبين الخيال والحقيقة، والحلم والواقع.
والدلالة المعجمية والمجازية، والرمزية والأسطورية.
يمليها الوجدان، وتشكّلها الذاكرة الوالهة، تستلّها من بين براثن النسيان.
حنينٌ تشعله وقدة العشق، وتوقٌ تلهبه جمرةُ الشوق.
ما أجمل الوطن حين تتماهى صورته مع ملامح الأم ويحتضنه الخيال متسامياً فوق كل حقائق الوجود.
سرديّة محفورة في جدار القلب، وقصيدةٌ منظومة بخفقاته ونبض الفؤاد.
لا فضّ فوك.
نص: د. عبد الرحيم جاموس
هي أمي ..
رأيتها رأي العين ..
بعد رحيل وغياب قسري طويل ..
ممشوقة القامة كعهدها القديم ..
خدودها محمرة ..
قد لوحتها شمس تموز ..
أضحت وردية الألوان ..
تكسوها أوراق الشجر ..
والأزهار ..
كأنها حورية ..
قد هبطت للتو من السماء ..
أو وردة جورية جميلة الألوان ..
تمشي على الأرض ..
مشي الأنفة والكبرياء ..
تتهادى في مشيتها ..
تمعن النظر في الوجوه العابرة ..
تتفحص الأرض تحت أقدامها ..
تعرف أشجار الصنوبر والسرور ..
واللوز والزيتون ..
شجرة شجرة ..
مثلما تعرف أبنائها ..
رأيتها رأي العين ..
فما هوى الفؤاد مني ..
وما غوى ..
هي أمي تعرف الآباء ..
والأبناء والأحفاد ..
عرفتني من وشم ظاهر ..
فوق الجبين ..
لكنها رمقتني بنظرة عاتبة ..
وأبت التوقف ..
وآثرت السير ..
بين الحقول والبساتين ..
تبحث عن عشق قديم لها ..
قد غرسته بيديها الخشنتين ..
أسقته من دمع عيونها ..
وروته من أنفاسها ..
هي أمي ..
التي تناثرت حبات عرقها ..
فوق تراب كرمها ..
مثل تناثر أوراق الشجر ..
في فصل الخريف ..
منذ زمن بات لنا قديما ..
فوق هضاب كرمنا العتيق ..
المطل على ساحل البحر ..
وقت الغروب ..
لاذت بالصمت ..
كشجرة شيعت أوراقها ..
رياح الخريف ..
هي أمي رأيتها رأي العين ..!
......................................
التعليق على النص بقلم الناقد الأدبي الأستاذ الدكتور/ محمد صالح الشنطي:
صورة مشهدية، سرديّة مروية بنجيع الفؤاد، ولوحة مرسومة بمداد الحب، راسخة في ذاكرة الزمان والمكان. انتماء محفور في ملامح الكون زماناً ومكاناً، فصولاً وكواكب وكائنات، تمحو الفوارق بين الشعر وسائر الفنون، وبين الخيال والحقيقة، والحلم والواقع.
والدلالة المعجمية والمجازية، والرمزية والأسطورية.
يمليها الوجدان، وتشكّلها الذاكرة الوالهة، تستلّها من بين براثن النسيان.
حنينٌ تشعله وقدة العشق، وتوقٌ تلهبه جمرةُ الشوق.
ما أجمل الوطن حين تتماهى صورته مع ملامح الأم ويحتضنه الخيال متسامياً فوق كل حقائق الوجود.
سرديّة محفورة في جدار القلب، وقصيدةٌ منظومة بخفقاته ونبض الفؤاد.
لا فضّ فوك.
د. محمد صالح الشنطي