فرحنا واحتفالنا بذكرى مولد النبي
بقلم: الكاتب والداعية الأزهري سيد سليم سلمي محمد
كلما هل شهر ربيع الأول احتفل معظم المسلمين بذكرى مولد أفضل مولود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتتعدد صور الاتفالات، وتأخذ بعض الاحتفالات في القرى المصرية والريف عامة طابعاً جمالياً خاصاً حيث تقام الأذكار وتعقد مجالس العلم والندوات الخاصة بالمولد وسيرة أكرم الخلق وإنشاد المديح له صلى الله عليه وآله وسلم
كما يتزاور الأهل والأقارب فيما بينهم ويجعلون من يوم المولد موسماً إيمانياً يتقربون فيه بصلة الرحم عن طريق أداء ما يسمى (بالواجب) أو(النايب) للبنات والأخوات والعمات والخالات ـ النايب عبارة عن لحم وحلوى وفاكهة أحياناً تقدم لهؤلاء الأرحام في بيوتهن في يوم المولد نفسه أو قبله أو بعده ـ وكذا في العيدين والمناسبات الدينية المتنوعة. ومن هذا نتبين أن المولد مناسبة طيبة وسعيدة فأكرم بها من مناسبة بهذا الحال الجميل الطيب المبارك!
والفرح بذكرى مولد سيدنا رسول الله نوع من الفرح بفضل الله ورحمته وعطائه أن من علينا وعلى العالمين بإيجاده صلى الله عليه وسلم:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (58، يونس) وحبيب الله هو أكبر فضل مَنَّ الله به علينا، وأهم رحمة أهداها الله لنا.
إن الذين يقولون بأن الاحتفال بمولد النبي بدعةٌ معتمدين على أن النبي لم يفعل هذا، ولم يفعله السلف قد نسوا أن النبي أشار بأن من أسباب صومه يوم الاثنين أنه يوم وُلد فيه، وهذا شكر بنوع من العبادة (الصوم) وأن الشكر بالصوم، لا ينفي الشكر بغيره من العبادات والطاعات، كما أن الترك لا يثبت حكما أي أن ليس كل ما تركه النبي يكون حراما إلا إذا نص الله ورسوله على ذلك؛ فالقاعدة تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص على التحريم".
والاحتفال بالمولد إذا كان خاليا من المحرمات، ومشتملا على الطاعات كالذكر ودروس العلم ومحاضرات المحتفلين في السيرة، وبيان ما أكرم الله بها نبينا من الفضل، وإنشاد المدائح النبوية، وإطعام الطعام وصلة الأرحام، والإحسان والبر؛ فأنعم به من احتفال! ومعلوم أن كل هذه الطاعات مستحبة في أي وقت، وفي مواسم الخير؛ تكون أكثر استحبابا، ومن أعظم مواسم الخير مولده ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي علمنا وأمرنا بهذه الخيرات؛ فلنفرح بفضل الله وبرحمته.
وقد أجاز كثرة من أعلام العلماء وفحولهم الاحتفال بالمولد الشريف وإظهار البهجة والسرور في هذا اليوم ومن أقوالهم: (إن الفرح بمولد النبي قد نفع الجاحد لرسالته فكيف لا ينفع المؤمن المحب؟!)
أقوال أهل العلم في من جوَّز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف:
ـ الإمام السيوطي، حيث قال: "عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".
ـ الإمام ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: "من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".
ـ الإمام ابن حجر العسقلاني، حيث قال الحافظ السيوطي: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون, ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة".
ـ الإمام السخاوي، حيث قال عن المولد النبوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعدُ ثم لا زال أهل الاسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم".
ـ الإمام ابن الحاج المالكي، حيث قال: "فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد".
ـ الإمام ابن عابدين، حيث قال: "اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من أعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات".
ـ الحافظ عبد الرحيم العراقي، حيث قال: "إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهورنوررسول الله في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة".
ـ الحافظ شمس الدين ابن الجزري، حيث قال الحافظ السيوطي: "ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رُؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه - وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى اله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يُسَر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيمة".
ـ الإمام أبو شامة (شيخ النووي)، حيث قال: "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين".
ـ الإمام الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري)، حيث قال: "فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء".
الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي، حيث قال في كتابه المسمى (مورد الصادي في مولد الهادي): "قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي" .
من المتأخرين:
ـ المفسر محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة ومن أبرز علماء المالكية، أيّد الاعتناء بيوم المولد النبوي في قوله: "فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمَوَاقِيتِ الْمَحْدُودَةِ اعْتِبَارًا يُشْبِهُ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُتَجَدِّدِ، وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِبَارٌ لِلتَّذْكِيرِ بِالْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الْمِقْدَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] ، فَخَلَعَ اللَّهُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الَّتِي قَارَنَهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْفَضْلِ أَنْ جَعَلَ لِتِلْكَ الْمَوَاقِيتِ فَضْلًا مُسْتَمِرًّا تَنْوِيهًا بِكَوْنِهَا تَذْكِرَةً لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ سُنَّةَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَلَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأَظْهَرَ عَزْمَ إِبْرَاهِيمَ وَطَاعَتَهُ رَبَّهُ وَمِنْهُ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِيَوْمِ وِلَادَةِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ مِنْ هَذَا إِكْرَامُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ وَتَعْظِيمِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَائِمِينَ مَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ".
ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية، حيث قال: "إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة".
ـ محمد الفاضل بن عاشور من علماء تونس البارزين، في قوله: "إن ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالا وجلالا، ليأتي إليهم محمّلا من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً (أي عامتهم) يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد".
ـ الدكتور محمد الشاذلي النيفر، شيخ الجامع الأعظم في تونس، في قوله: "وَأَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ «ابْنِ حَجَرٍ» وَ«السّيُوطِيِّ» أَنَّ اللَّـهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ يَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالاحْتِفَالِ بِهِ بِمَا يُجِيزُهُ الشَّرْعُ الكَرِيم".
ـ إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي، حيث قال: "وإكرامًا لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها".
ـ المبشر الطرازي، شيخ علماء التركستان: حيث قال: "إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجبًا أساسيًا لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام".
ـ المحدث محمد علوي المالكي، حيث قال: "إننا نقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة والسلام عليه وسماع المدائح التي تُقال في حقه، وإطعام الطعام وإدخال السرور على قلوب الأمة".
ـ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث قال عن ذكرى المولد: "إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟".
ـ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قال: "الاحتفال بذكرى مولد رسول الله نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر، ولم تكن معروفة من قبل. ومن ثم لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد، كما لاينطبق على الندوات والمؤتمرات الدينية. ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات".
ـ المفكر الداعية عبد الله بن بيه، حيث قال: "فحاصل الأمر أن من احتفل به فسرد سيرته والتذكير بمناقبه العطرة احتفالاً غير ملتبس بأي فعل مكروه من النّاحية الشرعية وليس ملتبساً بنيّة السنّة ولا بنيّة الوجوب فإذا فعله بهذه الشروط التي ذكرت؛ ولم يلبسه بشيء مناف للشرع، حباً للنبي ففعله لا بأس به إن شاء اللهُ وهو مأجور".
ـ الشيخ نوح القضاة مفتي الأردن سابقاً، حيث قال: "ولا شك أن مولد المصطفى من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة؛ فحق لنا أن نفرح بمولده:.
ـ الدكتور علي جمعة مفتي مصر، حيث قال: "الاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له، ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان".
وهبة الزحيلي، حيث قال: "إذا كان المولد النبوي مقتصرًا على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولايكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله) وهذا إذا كان هذا الاتجاه في واقع الأمر لا يُعد من البدع".
ـ الشيخ محمد بن عبد الغفار الشريف، الأمين العام للأوقاف في الكويت، حيث قال: "الاحتفال بمولد سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أمر مستحب، وبدعة حسنة في رأي جماهير العلماء".
ـ الدكتور محمد راتب النابلسي، حيث قال: "الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت".
ـ الحبيب عمر بن حفيظ، حيث قال: "مجالس الموالد كغيرها من جميع المجالس؛ إن كان ما يجري فيها من الأعمال صالح وخير، كقراءة القران، والذكر للرحمن، والصلاة على النبي، وإطعام الطعام للإكرام ومن أجل الله، وحمد الله، والثناء على رسوله، ودعاء الحق سبحانه، والتذكير والتعليم، وأمثال ذلك مما دعت إليه الشريعة ورغبت فيه؛ فهي مطلوبة ومندوبة شرعاً".
ـ الشيخ عبد الملك السعدي، المفتي العام للعراق سابقًا: "لم يكن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف معروفاً في عصر الصحابة الكرام. ولكن لا يَلزم من عدم وجوده في عصر النبي - صلى الله عليه سلم - أو في عصر الصحابة كونه بدعة سيئة أو منافياً للشريعة، فالاحتفال بالمولد إن أُقيم على أساس أنَّه عبادة مشروعة - كالصوم والصلاة والعبادات الأخرى- : فهو بدعة. وكذا لا نسمِّيه عيدا، بل إحياء ذكرى؛ لأنَّه لا يوجد سوى عيدين في الإسلام. وإن أقيم على أساس إحياء ذكرى مولد سيد المرسلين وإعادة ذكريات سيرته العطرة وخلا من المنكرات واختلاط الرجال بالنساء والمبالغة في مدحه صلى الله عليه سلم فلا يعد بدعة".
قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشد:
إذا كان هذا كافراً جاء ذمه = وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً = يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي عاش عمره = بأحمد مسروراً ومات موحدا
ومن المعلوم أن لكل إنسان ميلادين هما: الميلاد الروحي النوراني السابق في عالم الذر والميلاد الجسدي الأرضي عن طريق الأبوين، وطبيعي أن يكون لسيد الخلق السبق في الميلاد الروحي وقد أورد الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى ما ملخصه عندما خلق الله الأرواح ـ قبل آدم ـ أخذ على أرواح النبيين العهد والميثاق أن يؤمنوا به عليه وعليهم الصلاة والسلام؛ نجد هذا في قوله تعالى:{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أ أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} (آل عمران81) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن الني صلى الله عليه وسلم قال:" كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث". وأخرج الحاكم والبيهقي والطبراني في الصغير وأبو نعيم وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب بحق محمد لما غفرت لي قال:وكيف عرفت محمداً قال:لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك قال: صدقت يا آدم ولولا محمد ما خلقتك " ولذلك قال المحققون بهذه الآية الكريمة يكون نبينا نبياً للأنبياء جميعاً وبالتالي نبياً لأممهم ومنها نفهم عموم رسالته واستغراقها للزمان والمكان.كما أنه خاتمهم في عالم الجسد حيث لا نبي بعده صلى الله عليه وآله وعليهم وآلهم وصحبه وصحبهم وجميع المحبين، ومن شعري:
هو السابق هو اللاحق نبياً = ونور البدء مع مسك الختام
سراج نوره من فيض ربي = أضاء الكون من غسق الظلام
له آل وأصحاب تساموا = يغار لنورهم بدر التمام
ومن عجبٍ أن معظم علماء الأمة في معظم البلاد أجازوا الاحتفال، والأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن من يلقبون أنفسهم بأنهم (سلف) وهذا لقب كاذب؛ لأن السلف هم القرون الثلاثة الأولى فقط، ومن بعدهم خلف.
كنت في حوار مع شيخ شهير (يدعي أنه سلفي) من المنكرين على المحتفلين، وقال أباهلك أن المولد بدعة سيئة؛ فأجبته بأن الموضوع ليس موضوع مباهلة، إنما سوء فهم للبدعة والسنة الحسنة، وقد ذكرت له ما أوردة أهم إمام عندهم ـ ابن تيمية ـ وأوردت له ما جاء في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) في معرض حديثه عن البدع، ومنها قوله: ".. كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً". فقال هذا لأهل النية الحسنة؛ فقلت له: إن المحتفلين بمولد الحبيب هم من هذا النوع؛ لأنهم يفرحون بذكرى ميلاده؛ صلى الله عليه وآله وسلم.
إن احتفالنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود علينا بالنفع الكثير حيث البر والصلة والود والرحمة فما أجمله من احتفال، وما أنفع السير على طريق صاحبه! اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين؛ اللهم صلِ على الحبيب وآله وارزقنا في الدارين حُسنَ وصاله وآله.
بقلم: الكاتب والداعية الأزهري سيد سليم سلمي محمد
كلما هل شهر ربيع الأول احتفل معظم المسلمين بذكرى مولد أفضل مولود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتتعدد صور الاتفالات، وتأخذ بعض الاحتفالات في القرى المصرية والريف عامة طابعاً جمالياً خاصاً حيث تقام الأذكار وتعقد مجالس العلم والندوات الخاصة بالمولد وسيرة أكرم الخلق وإنشاد المديح له صلى الله عليه وآله وسلم
كما يتزاور الأهل والأقارب فيما بينهم ويجعلون من يوم المولد موسماً إيمانياً يتقربون فيه بصلة الرحم عن طريق أداء ما يسمى (بالواجب) أو(النايب) للبنات والأخوات والعمات والخالات ـ النايب عبارة عن لحم وحلوى وفاكهة أحياناً تقدم لهؤلاء الأرحام في بيوتهن في يوم المولد نفسه أو قبله أو بعده ـ وكذا في العيدين والمناسبات الدينية المتنوعة. ومن هذا نتبين أن المولد مناسبة طيبة وسعيدة فأكرم بها من مناسبة بهذا الحال الجميل الطيب المبارك!
والفرح بذكرى مولد سيدنا رسول الله نوع من الفرح بفضل الله ورحمته وعطائه أن من علينا وعلى العالمين بإيجاده صلى الله عليه وسلم:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (58، يونس) وحبيب الله هو أكبر فضل مَنَّ الله به علينا، وأهم رحمة أهداها الله لنا.
إن الذين يقولون بأن الاحتفال بمولد النبي بدعةٌ معتمدين على أن النبي لم يفعل هذا، ولم يفعله السلف قد نسوا أن النبي أشار بأن من أسباب صومه يوم الاثنين أنه يوم وُلد فيه، وهذا شكر بنوع من العبادة (الصوم) وأن الشكر بالصوم، لا ينفي الشكر بغيره من العبادات والطاعات، كما أن الترك لا يثبت حكما أي أن ليس كل ما تركه النبي يكون حراما إلا إذا نص الله ورسوله على ذلك؛ فالقاعدة تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص على التحريم".
والاحتفال بالمولد إذا كان خاليا من المحرمات، ومشتملا على الطاعات كالذكر ودروس العلم ومحاضرات المحتفلين في السيرة، وبيان ما أكرم الله بها نبينا من الفضل، وإنشاد المدائح النبوية، وإطعام الطعام وصلة الأرحام، والإحسان والبر؛ فأنعم به من احتفال! ومعلوم أن كل هذه الطاعات مستحبة في أي وقت، وفي مواسم الخير؛ تكون أكثر استحبابا، ومن أعظم مواسم الخير مولده ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي علمنا وأمرنا بهذه الخيرات؛ فلنفرح بفضل الله وبرحمته.
وقد أجاز كثرة من أعلام العلماء وفحولهم الاحتفال بالمولد الشريف وإظهار البهجة والسرور في هذا اليوم ومن أقوالهم: (إن الفرح بمولد النبي قد نفع الجاحد لرسالته فكيف لا ينفع المؤمن المحب؟!)
أقوال أهل العلم في من جوَّز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف:
ـ الإمام السيوطي، حيث قال: "عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".
ـ الإمام ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: "من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".
ـ الإمام ابن حجر العسقلاني، حيث قال الحافظ السيوطي: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون, ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة".
ـ الإمام السخاوي، حيث قال عن المولد النبوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعدُ ثم لا زال أهل الاسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم".
ـ الإمام ابن الحاج المالكي، حيث قال: "فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد".
ـ الإمام ابن عابدين، حيث قال: "اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من أعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات".
ـ الحافظ عبد الرحيم العراقي، حيث قال: "إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهورنوررسول الله في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة".
ـ الحافظ شمس الدين ابن الجزري، حيث قال الحافظ السيوطي: "ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رُؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه - وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى اله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يُسَر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيمة".
ـ الإمام أبو شامة (شيخ النووي)، حيث قال: "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين".
ـ الإمام الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري)، حيث قال: "فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء".
الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي، حيث قال في كتابه المسمى (مورد الصادي في مولد الهادي): "قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي" .
من المتأخرين:
ـ المفسر محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة ومن أبرز علماء المالكية، أيّد الاعتناء بيوم المولد النبوي في قوله: "فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمَوَاقِيتِ الْمَحْدُودَةِ اعْتِبَارًا يُشْبِهُ اعْتِبَارَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُتَجَدِّدِ، وَإِنَّمَا هَذَا اعْتِبَارٌ لِلتَّذْكِيرِ بِالْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الْمِقْدَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] ، فَخَلَعَ اللَّهُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الَّتِي قَارَنَهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي الْفَضْلِ أَنْ جَعَلَ لِتِلْكَ الْمَوَاقِيتِ فَضْلًا مُسْتَمِرًّا تَنْوِيهًا بِكَوْنِهَا تَذْكِرَةً لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ سُنَّةَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَلَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأَظْهَرَ عَزْمَ إِبْرَاهِيمَ وَطَاعَتَهُ رَبَّهُ وَمِنْهُ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ الْمُوَافِقِ لِيَوْمِ وِلَادَةِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ مِنْ هَذَا إِكْرَامُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ وَتَعْظِيمِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَائِمِينَ مَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ".
ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية، حيث قال: "إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة".
ـ محمد الفاضل بن عاشور من علماء تونس البارزين، في قوله: "إن ما يملأ قلوب المسلمين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل عام من ناموسِ المحبة العُلوي، وما يهزّ نفوسهم من الفيض النوراني المتدفق جمالا وجلالا، ليأتي إليهم محمّلا من ذكريات القرون الخالية بأريج طيب ينمّ عما كان لأسلافهم الكرام من العناية بذلك اليوم التاريخي الأعظم، وما ابتكروا لإظهار التعلّق به وإعلان تمجيده من مظاهر الاحتفالات، فتتطلع النفوسُ إلى استقصاء خبر تلك الأيام الزهراء والليالي الغراء؛ إذ المسلمون ملوكاً وسوقةً (أي عامتهم) يتسابقون إلى الوفاء بالمستطاع من حقوق ذلك اليوم السعيد".
ـ الدكتور محمد الشاذلي النيفر، شيخ الجامع الأعظم في تونس، في قوله: "وَأَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ «ابْنِ حَجَرٍ» وَ«السّيُوطِيِّ» أَنَّ اللَّـهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْنَا تَعْظِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ يَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالاحْتِفَالِ بِهِ بِمَا يُجِيزُهُ الشَّرْعُ الكَرِيم".
ـ إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي، حيث قال: "وإكرامًا لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والابتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها".
ـ المبشر الطرازي، شيخ علماء التركستان: حيث قال: "إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أصبح واجبًا أساسيًا لمواجهة ما استجد من الاحتفالات الضارة في هذه الأيام".
ـ المحدث محمد علوي المالكي، حيث قال: "إننا نقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة والسلام عليه وسماع المدائح التي تُقال في حقه، وإطعام الطعام وإدخال السرور على قلوب الأمة".
ـ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث قال عن ذكرى المولد: "إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟".
ـ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قال: "الاحتفال بذكرى مولد رسول الله نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر، ولم تكن معروفة من قبل. ومن ثم لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد، كما لاينطبق على الندوات والمؤتمرات الدينية. ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات".
ـ المفكر الداعية عبد الله بن بيه، حيث قال: "فحاصل الأمر أن من احتفل به فسرد سيرته والتذكير بمناقبه العطرة احتفالاً غير ملتبس بأي فعل مكروه من النّاحية الشرعية وليس ملتبساً بنيّة السنّة ولا بنيّة الوجوب فإذا فعله بهذه الشروط التي ذكرت؛ ولم يلبسه بشيء مناف للشرع، حباً للنبي ففعله لا بأس به إن شاء اللهُ وهو مأجور".
ـ الشيخ نوح القضاة مفتي الأردن سابقاً، حيث قال: "ولا شك أن مولد المصطفى من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة؛ فحق لنا أن نفرح بمولده:.
ـ الدكتور علي جمعة مفتي مصر، حيث قال: "الاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له، ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان".
وهبة الزحيلي، حيث قال: "إذا كان المولد النبوي مقتصرًا على قراءة القرآن الكريم، والتذكير بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وترغيب الناس في الالتزام بتعاليم الإسلام وحضّهم على الفرائض وعلى الآداب الشرعية، ولايكون فيها مبالغة في المديح ولا إطراءٌ كما قال النبي (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله) وهذا إذا كان هذا الاتجاه في واقع الأمر لا يُعد من البدع".
ـ الشيخ محمد بن عبد الغفار الشريف، الأمين العام للأوقاف في الكويت، حيث قال: "الاحتفال بمولد سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أمر مستحب، وبدعة حسنة في رأي جماهير العلماء".
ـ الدكتور محمد راتب النابلسي، حيث قال: "الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت".
ـ الحبيب عمر بن حفيظ، حيث قال: "مجالس الموالد كغيرها من جميع المجالس؛ إن كان ما يجري فيها من الأعمال صالح وخير، كقراءة القران، والذكر للرحمن، والصلاة على النبي، وإطعام الطعام للإكرام ومن أجل الله، وحمد الله، والثناء على رسوله، ودعاء الحق سبحانه، والتذكير والتعليم، وأمثال ذلك مما دعت إليه الشريعة ورغبت فيه؛ فهي مطلوبة ومندوبة شرعاً".
ـ الشيخ عبد الملك السعدي، المفتي العام للعراق سابقًا: "لم يكن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف معروفاً في عصر الصحابة الكرام. ولكن لا يَلزم من عدم وجوده في عصر النبي - صلى الله عليه سلم - أو في عصر الصحابة كونه بدعة سيئة أو منافياً للشريعة، فالاحتفال بالمولد إن أُقيم على أساس أنَّه عبادة مشروعة - كالصوم والصلاة والعبادات الأخرى- : فهو بدعة. وكذا لا نسمِّيه عيدا، بل إحياء ذكرى؛ لأنَّه لا يوجد سوى عيدين في الإسلام. وإن أقيم على أساس إحياء ذكرى مولد سيد المرسلين وإعادة ذكريات سيرته العطرة وخلا من المنكرات واختلاط الرجال بالنساء والمبالغة في مدحه صلى الله عليه سلم فلا يعد بدعة".
قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشد:
إذا كان هذا كافراً جاء ذمه = وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً = يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي عاش عمره = بأحمد مسروراً ومات موحدا
ومن المعلوم أن لكل إنسان ميلادين هما: الميلاد الروحي النوراني السابق في عالم الذر والميلاد الجسدي الأرضي عن طريق الأبوين، وطبيعي أن يكون لسيد الخلق السبق في الميلاد الروحي وقد أورد الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى ما ملخصه عندما خلق الله الأرواح ـ قبل آدم ـ أخذ على أرواح النبيين العهد والميثاق أن يؤمنوا به عليه وعليهم الصلاة والسلام؛ نجد هذا في قوله تعالى:{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أ أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} (آل عمران81) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن الني صلى الله عليه وسلم قال:" كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث". وأخرج الحاكم والبيهقي والطبراني في الصغير وأبو نعيم وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب بحق محمد لما غفرت لي قال:وكيف عرفت محمداً قال:لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك قال: صدقت يا آدم ولولا محمد ما خلقتك " ولذلك قال المحققون بهذه الآية الكريمة يكون نبينا نبياً للأنبياء جميعاً وبالتالي نبياً لأممهم ومنها نفهم عموم رسالته واستغراقها للزمان والمكان.كما أنه خاتمهم في عالم الجسد حيث لا نبي بعده صلى الله عليه وآله وعليهم وآلهم وصحبه وصحبهم وجميع المحبين، ومن شعري:
هو السابق هو اللاحق نبياً = ونور البدء مع مسك الختام
سراج نوره من فيض ربي = أضاء الكون من غسق الظلام
له آل وأصحاب تساموا = يغار لنورهم بدر التمام
ومن عجبٍ أن معظم علماء الأمة في معظم البلاد أجازوا الاحتفال، والأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن من يلقبون أنفسهم بأنهم (سلف) وهذا لقب كاذب؛ لأن السلف هم القرون الثلاثة الأولى فقط، ومن بعدهم خلف.
كنت في حوار مع شيخ شهير (يدعي أنه سلفي) من المنكرين على المحتفلين، وقال أباهلك أن المولد بدعة سيئة؛ فأجبته بأن الموضوع ليس موضوع مباهلة، إنما سوء فهم للبدعة والسنة الحسنة، وقد ذكرت له ما أوردة أهم إمام عندهم ـ ابن تيمية ـ وأوردت له ما جاء في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) في معرض حديثه عن البدع، ومنها قوله: ".. كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً". فقال هذا لأهل النية الحسنة؛ فقلت له: إن المحتفلين بمولد الحبيب هم من هذا النوع؛ لأنهم يفرحون بذكرى ميلاده؛ صلى الله عليه وآله وسلم.
إن احتفالنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود علينا بالنفع الكثير حيث البر والصلة والود والرحمة فما أجمله من احتفال، وما أنفع السير على طريق صاحبه! اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين؛ اللهم صلِ على الحبيب وآله وارزقنا في الدارين حُسنَ وصاله وآله.