باقي من الزمن ساعة
قراءة سياسية للرواية
بقلم: علاء الدين حسو
الباقي من الزمن ساعة، رواية مدهشة من كاتب مدهش. يقرأ روح العصر، ويفهم تغير الزمن وسرعة الأحداث واختلاف وسائط المعرفة. ربما لو عاش اليوم لكان اتبع الروايات القصيرة، ولكن ثمة ما يؤكد بأن مصر ستبقى كما هي. كما يوحي إليه العنوان ومن الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية فإن ثمة ثوابت لا تتغير، وهنا يدفع القارئ الذي يدرك بأن مصير الدول العربية والمنطقة مرتبطة مع بعضها البعض لا تتغير أيضًا.
رواية مكثفة. أربعة أجيال بأقل من مئتي صفحة، من عام ١٩٣٦ حتى نهاية عهد السادات. بنيت لتقرأ في جلسة واحد ة. لا فصول ولا تبويب من بدايتها حتى نهايتها المفتوحة. تكاد لا تخلو جملة من حرف العطف الواو. سلسلة متصلة من شخص لآخر. تشعر فيها بأن نجيب محفوظ وفدي لم يتغير. تحكي التحولات التي طرأت على الأفراد منذ عهد الانتداب حتى نهاية عهد السادات. تجد فيها الإخواني والوفدي والناصري والشيوعي. تجد الرمزية والواقعية والفنتازيا والنفسية والتاريخية. الانتهازي والبراغماتي والمتزمت والمغلوب على أمره لم يتغير، ذات النظام وذات الدورة وإن بشكل أخر.
هي رواية سياسية بامتياز، يستعمل النوبيلي العربي الوحيد حتى الآن، المظلة الاجتماعية كعادته. بربط بين التحولات السياسية والمتغيرات الاجتماعية في علاقة جدلية. وهذه طبيعة نجيب محفوظ حيث يتناول الحياة وقد تغيرت وفق تغير الحالة السياسية في البلاد.
هي رواية مختصرة، جامعة لمعظم روايات نجيب محفوظ، يقول لك بأن مصر لم تتغير، والنهاية المفتوحة تشير إلى أنّها لن تتغير. الشخصيات المعروفة والمشهورة تعود بصورة جديدة، لكنها تبقى كما هي في الجوهر، تجد ميرامار والكرنك والسراب، وتحضر الثرثرة والثلاثية والقاهرة الجديدة وخان الخليلي.
في الثلاثية، نجد الابن كمال يعاشر خليلة والده أحمد عبد الجواد، وهنا تجد الحفيد (علي) يعاشر الزوجة الثانية لجده حامد برهان. حامد برهان هو أحمد عاكف خان الخليلي في شبابه وهو أحمد عبد الجواد في كهولته. الثرثرة في العوامة، تنتقل هنا الى بيت ميرفت الانجليزية التي عشقها الجد وتزوجها، واستقبلت فيما بعد حفيده.
الأم الطيبة الحنون (سنية المهدي) التي يهمها البيت وحمايته والمحافظة عليه هي ذاتها كما في كل روايات نجيب هي (أمينة) زوجة أحمد عبد الجواد في الثلاثية، هي مصر النقية الحنون المسامحة دائما والحاضنة والغافرة لكل زلات الزوج وشقاوة الاولاد.
الشخصيات الذكورية ما هي إلا السلطات والتيارات الحزبية والايديولوجية المتصارعة، والأمهات يمثلن الوطن والغانيات يمثلن المستعمر والأفكار الهجينة والكنز الذي يتصارع عليه الرجال.
ما هو الجديد إذن في الرواية ؟
الجديد في هذه الرواية موقف الراوي من عبد الناصر، يظهر لك صدمة الوفاة المفاجئة وموت من ظنوا أنه لا يموت، تشعر بأنه رافض للتأليه، وهذه جرثومة عربية ربما شرق أوسطية.
والجديد في الرواية الحركة الدائرية العقيمة من تدوال سلطة الأفكار والأدلجة، لذلك تسلم سهام إحدى الحفيدات -هي ابنة الابن محمد الذي تحول من وفدي إلى إخواني وتزوج من إلفت ربيبة زوجة والده الثانية الإنجليزية- جسدها للتقدمي الذي اشترط عليها ذلك كبرهان على أنها حداثية. وهذه الحالة اللايكية لست حصرًا على المجتمع المصري، بل نجد ذلك عند الأتراك أيضًا، وتناول هذه الحالة اللايكية النوبيلي التركي الوحيد حتى الآن، أورهان باموق في عدد من رواياته، حيث الأسرة تفتخر بالعلاقة الجسدية غير الرسمية ويعتبرها من شروط الحداثة المجتمع اللايك. ومصر وتركيا من أكثر الدول في الشرق الأوسط شهدت صراعًا بين الأدلجة في القرن العشرين.
وهذا ما يدفعنا إلى السؤال الأهم وماذا عن دول المنطقة؟ سوريا على سبيل المثال لا الحصر، فما حدث ويحدث الآن في شمال وشرق وجنوب ووسط سوريا يبدو أنه مستمر في الحدوث حتى سقوط من لم يسقط حتى الآن.
قراءة سياسية للرواية
بقلم: علاء الدين حسو
الباقي من الزمن ساعة، رواية مدهشة من كاتب مدهش. يقرأ روح العصر، ويفهم تغير الزمن وسرعة الأحداث واختلاف وسائط المعرفة. ربما لو عاش اليوم لكان اتبع الروايات القصيرة، ولكن ثمة ما يؤكد بأن مصر ستبقى كما هي. كما يوحي إليه العنوان ومن الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية فإن ثمة ثوابت لا تتغير، وهنا يدفع القارئ الذي يدرك بأن مصير الدول العربية والمنطقة مرتبطة مع بعضها البعض لا تتغير أيضًا.
رواية مكثفة. أربعة أجيال بأقل من مئتي صفحة، من عام ١٩٣٦ حتى نهاية عهد السادات. بنيت لتقرأ في جلسة واحد ة. لا فصول ولا تبويب من بدايتها حتى نهايتها المفتوحة. تكاد لا تخلو جملة من حرف العطف الواو. سلسلة متصلة من شخص لآخر. تشعر فيها بأن نجيب محفوظ وفدي لم يتغير. تحكي التحولات التي طرأت على الأفراد منذ عهد الانتداب حتى نهاية عهد السادات. تجد فيها الإخواني والوفدي والناصري والشيوعي. تجد الرمزية والواقعية والفنتازيا والنفسية والتاريخية. الانتهازي والبراغماتي والمتزمت والمغلوب على أمره لم يتغير، ذات النظام وذات الدورة وإن بشكل أخر.
هي رواية سياسية بامتياز، يستعمل النوبيلي العربي الوحيد حتى الآن، المظلة الاجتماعية كعادته. بربط بين التحولات السياسية والمتغيرات الاجتماعية في علاقة جدلية. وهذه طبيعة نجيب محفوظ حيث يتناول الحياة وقد تغيرت وفق تغير الحالة السياسية في البلاد.
هي رواية مختصرة، جامعة لمعظم روايات نجيب محفوظ، يقول لك بأن مصر لم تتغير، والنهاية المفتوحة تشير إلى أنّها لن تتغير. الشخصيات المعروفة والمشهورة تعود بصورة جديدة، لكنها تبقى كما هي في الجوهر، تجد ميرامار والكرنك والسراب، وتحضر الثرثرة والثلاثية والقاهرة الجديدة وخان الخليلي.
في الثلاثية، نجد الابن كمال يعاشر خليلة والده أحمد عبد الجواد، وهنا تجد الحفيد (علي) يعاشر الزوجة الثانية لجده حامد برهان. حامد برهان هو أحمد عاكف خان الخليلي في شبابه وهو أحمد عبد الجواد في كهولته. الثرثرة في العوامة، تنتقل هنا الى بيت ميرفت الانجليزية التي عشقها الجد وتزوجها، واستقبلت فيما بعد حفيده.
الأم الطيبة الحنون (سنية المهدي) التي يهمها البيت وحمايته والمحافظة عليه هي ذاتها كما في كل روايات نجيب هي (أمينة) زوجة أحمد عبد الجواد في الثلاثية، هي مصر النقية الحنون المسامحة دائما والحاضنة والغافرة لكل زلات الزوج وشقاوة الاولاد.
الشخصيات الذكورية ما هي إلا السلطات والتيارات الحزبية والايديولوجية المتصارعة، والأمهات يمثلن الوطن والغانيات يمثلن المستعمر والأفكار الهجينة والكنز الذي يتصارع عليه الرجال.
ما هو الجديد إذن في الرواية ؟
الجديد في هذه الرواية موقف الراوي من عبد الناصر، يظهر لك صدمة الوفاة المفاجئة وموت من ظنوا أنه لا يموت، تشعر بأنه رافض للتأليه، وهذه جرثومة عربية ربما شرق أوسطية.
والجديد في الرواية الحركة الدائرية العقيمة من تدوال سلطة الأفكار والأدلجة، لذلك تسلم سهام إحدى الحفيدات -هي ابنة الابن محمد الذي تحول من وفدي إلى إخواني وتزوج من إلفت ربيبة زوجة والده الثانية الإنجليزية- جسدها للتقدمي الذي اشترط عليها ذلك كبرهان على أنها حداثية. وهذه الحالة اللايكية لست حصرًا على المجتمع المصري، بل نجد ذلك عند الأتراك أيضًا، وتناول هذه الحالة اللايكية النوبيلي التركي الوحيد حتى الآن، أورهان باموق في عدد من رواياته، حيث الأسرة تفتخر بالعلاقة الجسدية غير الرسمية ويعتبرها من شروط الحداثة المجتمع اللايك. ومصر وتركيا من أكثر الدول في الشرق الأوسط شهدت صراعًا بين الأدلجة في القرن العشرين.
وهذا ما يدفعنا إلى السؤال الأهم وماذا عن دول المنطقة؟ سوريا على سبيل المثال لا الحصر، فما حدث ويحدث الآن في شمال وشرق وجنوب ووسط سوريا يبدو أنه مستمر في الحدوث حتى سقوط من لم يسقط حتى الآن.