الخرافة بين الذكاء الاصطناعي والأديان
بقلم: د. نزار محمود
كنا منذ عقود نقرأ بعض الروايات في الخيال العلمي وكذلك نشهد بعض الأفلام، نستمتع بها لكننا لم نصدقها تماماً. إن عدم تصديقنا لكثير مما يذهب اليه الخيال العلمي يقوم على محدودية الأسس العقلانية والمنطقية المبنية على العلم والمعرفة المثبتة، وهو ما تذهب اليه موسوعة ويكيبيديا في تعريفها للخرافة كونها الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة.
منذ بعض الوقت يتزايد الحديث عن تطور برامج الذكاء الاصطناعي وقدراتها المحتملة في الحساب والعمل وحتى الاحساس، والأخطر في امكانية تطويرها الذاتي لقدرات تخرج عن غايات وسيطرة مصممي تلك البرامج، وهو ما يحذر منه قادة مؤسسات تطوير برامج الذكاء الاصطناعي أنفسهم على وجود ومستقبل البشرية. اننا اذن ازاء امكانات لتلك البرامج تخرج عن تصوراتنا العقلية والمنطقية القائمة على ما متاح لنا من علوم ومعارف منتجة ومثبتة! لن تتوقف امكانات تلك البرامج عند حدود عملها الخوارزمي القائم على تعشيق وتحليل واعادة بناء البيانات والمعلومات المتاحة، وإنما تتعداها إلى انتاج علوم ومعارف وتطبيقات جديدة لا تقع ضمن تصوراتنا وسيطرتنا ورغباتنا، وهو ما ينذر بخطر المجهول فيها! ان ما يمكن أن يخرج به تطور تلك البرامج ما يزال يقبع في خانة المجهول الغيبي! بتعبير آخر لا يزال خرافة!
إن الخوف من المجهول والبحث من أجل الوقوف على ما يغيب عن الإنسان وبالتالي إرضاء حيرته وتقديم ما يهديه ويطمئنه مثلتها مهمة الأديان في روحانياتها وتعاليمها التي اعتقد بصحتها من آمن بها واتبعها دونما انتظار لاكتشاف واثبات جميع ما جاء فيها، واكتفائه بالاطمئنان الى صواب بعضها الخارج عن القدرات الادراكية النسبية للانسان المرتبطة بظروف الزمان والمكان وتطور علومه ومعارفه. هذه الحقيقة جابهت تسفيهاً من قبل متبني الفلسفة المادية والمواقف الالحادية التي لا تؤمن بالتفسير الروحاني والغيبي لقيام الكون وتدبير علاقات عناصره، ووصفت ما تدعيه الأديان من غيبيات بالخرافات والأوهام! من كان يصدق كثيراً مما انجزه التطور السريع والمذهل للعلوم والمعرفة خلال العقود القليلة الماضية، وما توصل اليه من تطبيقات وامكانات، لا يمكن الا ان تكون قد وصفت بأنها الخرافات والأوهام التي اسميناها بالخيال العلمي! ألا يمكننا اليوم أن نتخيل اننا نستطيع ان نرسل جنوداً على شكل اشعاعات تهبط من السماء وتهاجم أعداءها بالليزر وغيره!!
ماذا لو تمكنا من تفكيك جسد الإنسان رقمياً وارساله حزمة ضوئية، ومن ثم اعادة تجميعه في مكان بعيد آخر؟! أليس هذا اليوم ما يزال بحكم الخرافة العلمية؟! وبناء على ما تقدم اقول وانصح المتسرعين بالحكم على خرافات الأديان، وأخص بالذكر هنا الدين الإسلامي وما جاء في قرآنه المعجزة، بالتريث وعدم التسرع بالحكم والتسفيه على ما جاء من غيبيات لم يثبت بطلانها. كما أننا يجب ان نتذكر كم من نظرية علمية عاشت فينا صواباً واتباعاً عقوداً وربما قروناً من الزمان، وتبين لاحقاً انها لم تكن بذلك الصواب المطلق!