الأخبار
2024/5/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حَسَنْ وَالسَّعَادَة

تاريخ النشر : 2023-07-02
حَسَنْ وَالسَّعَادَة
حَسَنْ وَالسَّعَادَة

قِصَّةً قَصِيرَةً

بقلم: أ. خَالِدْ اَلزَّبُونِ

يَتَحَدَّثُ مَعَ وَالِدَيْهِ بِحِدَّةٍ ، يُرِيدَ أَنْ يُغَادِرَ
اَلْقَرْيَةَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ ، يُرِيدَ أَنْ يُسَافِرَ وَيَرَى
اَلْعَالَمُ ، لَقَدْ سَئِمَ مِنْ حَيَاةِ اَلرَّتَابَةِ وَالرِّيفِ ،
مَرْيَمْ أُخْتَهُ فِي اَلصَّفِّ اَلسَّابِعِ تَدْرُسُ فِي مَدْرَسَةِ
اَلْقَرْيَةِ ، وَوَالِدَيْنِ يَعِيشَانِ بِنَقَاءِ اَلْحَيَاةِ وَأَصَالَةِ
وَبَرَاءَةِ أَهْلهَا ، فِي مَزْرَعَةٍ كَبِيرَةٍ تُغْدِقُ عَلَيْهِمْ
بِخَيْرَاتِهَا ، لَمْ يَبْخَلْ وَالِدَيْهِ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَوْفِير كُلِّ
مَا يَحْتَاجُهُ ، فَقَدْ كَانَ أَمَلُ اَلْأَبِ أَنْ يُسَاعِدَهمْ حَسَن فِي
إِدَارَةِ شُؤُونِ اَلْمَزْرَعَةِ فَهِيَ سَتَكُونُ لَهُ وَلَنْ يَتَرَدَّدَ
حَتَّى تَسْجِيلِهَا بِاسْمِهِ ، لَكِنَّ اَلْإِصْرَارَ اَلَّذِي اِمْتَلَأَ
بِهِ قَلْبُ حَسَنْ عَلَى اَلْمُغَادَرَةِ لَا يَتَوَقَّفُ ، لَقَدْ تَعْرف
عَلَى أَصْدِقَاء فِي اَلْجَامِعَةِ وَزَيَّنُوا لَهُ أَنَّ اَلْعَالَمَ
اَلْمُتَحَضِّرَ وَحَيَاةَ اَلرَّفَاهِيَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْحُرِّيَّةِ
لَا تَكُونُ إِلَّا خَلْفَ أَسْوَارِ اَلْقَرْيَةِ وَمَزْرَعَتهَمْ ، فَقَدْ
حَزَمَ أَمْرهُ وَوَدَّعَ وَالِدَيْهِ اَللَّذَيْنِ لَمْ يَمْنَعْ رَجَائهمَا
أَنْ يَبْقَى ، غَادَرَ بِدُمُوعِ اَلْأُمِّ وَمَرْيَمْ اَلَّتِي كَانَتْ
تَحْدُثُ نَفْسُهَا عَنْ اَلسِّنْدِ وَالْقُدْوَةِ وَالْأَمَلِ وَالسُّرُورِ
عِنْدَمَا كَانَتْ تَنْتَظِرُه نِهَايَةَ اَلْأُسْبُوعِ لِتَقِفَ عِنْدَ
اَلْقِطَارِ فِي اِنْتِظَارِ عَوْدَتِهِ مِنْ اَلْجَامِعَةِ وَتَجْرِي وَهِيَ
بِأَعْلَى صَوْتِهَا تُنَادِي حسن تَارِكَةٍ اِنْدِهَاشًا كَبِيرًا لَدَى
اَلْمُتَوَاجِدِينَ ، كَانَتْ تَشْعُرُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهَا أَنَّ شَيْئًا
فِي قَلْبِهَا قَدْ تَحَطَّمَ ،
وَلَكِنْ مَاذَا عَلَيْهَا أَنْ تَعْمَلَ ؟
سِوَى أَنْ تَتَحَمَّلَ مَسْؤُولِيَّةُ اَلِاعْتِنَاءِ بوالِدَيْهَا رَغْم
صِغَرِ سِنِّهَا ، وَتَدُورَ عَجَلَةُ اَلسَّاقِيَةِ وَتَدُورُ مَعَهَا
اَلْحَيَاةُ وَيَتَقَلَّبُ اَلزَّمَنُ وَحسنٌ يَتَنَقَّلُ مِنْ مَدِينَةٍ
إِلَى أُخْرَى بَحْثًا عَنْ سَعَادَةٍ رَسَمَهَا فِي أَحْلَامِ اَلْيَقَظَةِ ،
فَقَدَ عَمَلٌ فِي اَلْبِنَاءِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْفَنَادِقِ وَالْأَسْوَاقِ
، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ يَبْتَسِمُ فِي وَجْهِهِ وَمَا يَحْصُلُ
عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ لَا يَكْفِيهُ لِمَعِيشَتِهِ ، وَعِنْدَمَا يَشْعُرُ
بِالْمَرَضِ لَا يَجِدُ مِنْ يَعْتَنِي بِهِ ، وَبَدَأَتْ نَفْسُهُ
تَحَدُّثُهُ بَعْدَمَا طردَ مِنْ اَلشَّقَّةِ لِتَأَخُّرِهِ فِي دَفْعِ
اَلْأُجْرَةِ ، يَا لَسُخْرِيَة اَلْقَدْر مِنْ أَمِيرٍ لَدَى وَالِدَيْهِ
وَمَزْرَعَةِ كَبِيرَةٍ إِلَى رَجُلٍ أَشْبَهَ بِالْمُتَسَوِّلِ اَلَّذِي لَا
يُرِيدُ إِلَّا قوت يَوْمِه وَمُسْتَقْبَل مَجْهُول لَا يَدْرِي أَيَّ ضِفَافٍ
سَيَرْسُو بِهَا ، تَذكّر أُمِّه وَدُعَائهَا مَعَ فَجْرِ كُلِّ يَوْمِ
وَعَبَاءَةِ وَالِدِهِ اَلَّتِي كَانَتْ تظلّهُ وَمَرْيَم اَلْجَمِيلَة
اَلَّتِي كَانَتْ تَقْفِزُ فَرَحًا لِرُؤْيَتِهِ ،
لَحَظَات مَعَ نَفْسِهِ وَشَرِيطُ اَلذِّكْرَيَاتِ يَعُودُ بِهِ إِلَى
اِبْتِسَامَاتٍ كَانَ يَتَلَقَّاهَا كُلّ يَوْمِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْل
قَرْيَتِهِ اَلطَّيِّبِينَ ، وَفَجْأَة أَدْرَكَ أَنَّ اَلسَّعَادَةَ اَلَّتِي
كَانَ يَبْحَثُ عَنْهَا ، مَعَ عَائِلَتِهِ اَلَّتِي اِفْتَقَدَهَا مُنْذُ
أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ ، ومَعَ سَاعَاتِ اَلْمَسَاءِ وَفَجْرِ يَوْمٍ جَدِيدٍ
كَانَ يَشُدُّ اَلْخَطَا لِيَكُونَ اَللِّقَاء بِالشُّكْرِ لِلَّهِ
وَالدُّمُوعِ اَلَّتِي تَقُصُّ حِكَايَةَ اَلسَّعَادَةِ فِي أَنْفَاسِ خُيُوطِ
اَلشَّمْسِ اَلَّتِي تَتَسَلَّلُ إِلَى اَلْقُلُوبِ فِي بَهْجَةِ الوالدين...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف