الأخبار
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فاغنر.. صفحة قاتمة تجاوزتها الأحداث.. ما الذي جرى؟

تاريخ النشر : 2023-06-27
فاغنر.. صفحة قاتمة تجاوزتها الأحداث.. ما الذي جرى؟

د. سمير الددا

فاغنر.. صفحة قاتمة تجاوزتها الأحداث.. ما الذي جرى؟

بقلم: د. سمير الددا

استأثرت روسيا طيلة العام والنصف الماضية بصدارة الاهتمامات العالمية والأحداث الدولية وخصوصاً بعد ان شرعت قواتها المسلحة فيما أطلقت "عملية عسكرية خاصة في اوكرانيا" بينما اسماها الغرب "حرب روسيا على اوكرانيا", هذه الحرب افرزت وقائع واحداث وتغيرات عالمية ضخمة وفي الوقت ذاته اطلقت اسماء شخصيات عديدة في الفضاء الدولي ولعل من أبرز الأسماء التي لمعتها الحرب وغدت شهرتها عالمية تملأ الافاق اسم يفغيني بريغوجين رئيس مجموعة مرتزقة فاغنر المثيرة للجدل....وكما هو معروف هناك مستفيدون من الحرب, وبريغوجين كان من أهم من يسمونهم لوردات الحروب.

في اليومين الماضيين اتجهت كل الأنظار في الشرق والغرب على السواء نحو روسيا وتحديداً نحو مدينة رستوف جنوب غرب روسيا ما فعله هناك بريغوجين باستيلاء قواته على مقر قيادة الجيش الروسي في تلك المدينة والتي تشرف على العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا, وإعلانه ما يشبه التمرد على القيادة الروسية وطلبه حضور كلا من وزير الدفاع ورئيس الاركان الروسيين لمقابلته في رستوف ومن ثم شروع قواته بالتوجه نحو العاصمة موسكو, وما رافق ذلك من احداث حبس العالم انفاسه مرتقباً ما ستسفر عنه هذه التطورات الخطيرة, قبل ان يعلن الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكه انتهاء هذا الكابوس الذي ارق العالم ونجاح جهود الوساطة التي قام بها باقناع بريغوجين بانهاء تمرده والانتقال الى بيلاروسيا مقابل ضمان سلامته واسقاط التهم الجنائية التي رفعت ضده, وهذا ما قبل به ايضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تربطه بقائد فاغنر علاقات وطيدة منذ حوالي 3 عقود.

أخذت هذه المجموعة اسمها من الاسم الحركي لمؤسسها وقائدها الفعلي ديمتري أوتكين، وهو ضابط عسكري متقاعد اختار لنفسه اسم "فاغنر" وهو لقب عائلة الموسيقار والكاتب المسرحي الالماني الشهير الذي عاش في القرن التاسع عشر "ريتشارد فاغنر", وذكرت عدة مصادر ان الزعيم الالماني الشهير اودلف هتلر كان معجباً بأعمال فاغنر الفنية ويعشق موسيقاه.

محاولة التمرد التي قام بها بريغوجين نادرة جداً في التاريخ الروسي, وهذه اعادت الى الاذهان التذكير بالانقلاب الفاشل الذي قام به اعضاء بارزين في القيادة السوفيتيىة على الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عشية انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينات والبعض قارنها بالثورة البلشفية بقيادة فلاديمير لينين عام 1917.

بعض الصيادين في الماء العكر أعتقدوا ان عدم تصدي الجيش الروسي لمليشيات فاغنر مؤشر على عدم رضا جنرالات الجيش على قرار الرئيس بدخول الحرب مع اوكرانيا او الاستمرار فيها, وينسى هؤلاء ان بريغوجين كان قد طلب عزل القيادة العسكرية كشرط لانهاء حركته وتحديداً وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان, وهؤلاء هما بالتحديد من اصدرا الاوامر بالامتناع عن التعامل مع قوات فاغنر بالسلاح, لسببين رئيسيين كما جاء في بيان صادر وزارة الدفاع, الاول لحقن دماء روسية, فمجموعة فاغنر قوات روسية ومحسوبة بشكل او باخر على القطاع العسكري الروسي وأي خسارة بين اعضائها يعتبر خسارة لهذا القطاع.

والثاني أن قوات فاغنر قامت بأعمال مهمة جداً لصالح الوطن كما قال البيان وخصوصاً نجاحها في السيطرة على مدينتي سوليدار وباخموت الاستراتيجتين وكانت معركة باخموت بمثابة نقطة تحول كبيرة في سير العملية العسكرية الروسية ونصراً كبيراً للقوات الروسية وخيبة امل كبيرة للقوات الاطلسية التي منيت بخسائر فادحة في تلك المعركة وفقاً لمصادر غربية.

بريغوجين دخل السجن مبكراً, فقد كان في الثامنة عشر من عمره حين صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 13 سنة لارتكابة عدة جرائم سرقة, ثم عمل بعد خروجه من السجن في بيع النقانق في غرفة صغيرة تابعة لاسرته في مدينة سانت بطرسبيرغ ثم اصبح شريكاً في محل سوبرماركت ثم اسس في اواخر التسعينات مطعماً راقياً في جزيرة فاسيليفسكي التي تعتبر اهم مركز جذب سياحي في سانت بطرسبيرغ وهنا تعرف على كثير من الشخصيات الروسية ومن بينهم فلاديمير بويتن الذي كان يرتاد المطعم برفقة عمدة هذه المدينة التاريخية العريقة اناتولي سوبتشاك والذي كان بوتين حينها مساعداً له, وكان أغلب الاحيان يطلب من بريغوجين ان يعد له طبقه المفضل بنفسه, لذا اطلقوا عليه طباخ بوتين.

من هنا بدأت علاقة بريغوجين ببوتين, وتوطدت أكثر بعد وصول بوتين إلى سدة الحكم في روسيا فأسس بريغوجين شركة كونكورد والتي فازت بعقود حكومية لتوفير طعام لمدارس حكومية في موسكو وصلت قيمتها لاكثر من 250 مليون دولار, وتطورت اعمال بريغوجين الى ان فاز بعقود لتوريد الطعام للجيش الروسي تجاوزت قيمتها المليار دولار وربع المليار دولار.

وتطورت أعمال بريغوجين إلى أن قام عام 2014 بتأسيس أو شراء (ان صح التعبير) مجموعات مسلحة اسمها "فاغنر" يديرها كقطاع خاص على اسس تجارية يقوم بتقديم خدمات عسكرية محددة للحكومة الروسية مقابل أجر محدد ومتفق عليه, وفي هذا الاطار قامت بالعمل خارج روسيا, وخصوصاً في سوريا وليبيا والسودان وغيرها واصبح لها سمعة سيئة, وفي هذا السياق يمكن التخمين بارتباطات ومرجعيات بريغوجين من خلال التدقيق في ارتباطات ومرجعيات حلفائه في تلك البلدان, وخصوصاً حفتر وحميدتي.. "المرء على دين خليله"....!!

في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصية في اوكرانيا في شهر فبراير العام الماضي وافقت الحكومة الروسية على طلبه تجنيد السجناء الخطيرين ذوي الأحكام العالية في مليشياته والانخراط في الحرب الدائرة في شرق اوكرانيا مقابل حريتهم, وبالفعل وصل عدد اعضاء مجموعته لحوالي 25000 عنصر يتقاضى كل منهم في المتوسط راتباً شهرياً يقدر بحوالي 10 الاف دولار بالاضافة الى بعض المزايا الاخرى, وهذه بمثابة فرصة ذهبية لسجناء كانت حياتهم بلا قيمة تقريباً وهذا هو سر قبول كل هذا العدد من السجناء الانخراط في العمل مع مجموعة فاغنر وبهذا الحماس الملفت.

يرى بعض المحللين أن بريغوجين ادرك نهاية دوره ودور مجموعته على الساحة الروسية, وهذا الدور هو الذي كان يمده بالنفوذ الكبير الذي مكنه من ان يتجرأ على توجيه انتقادات حادة واحياناً شتائم واتهامات بالتقصير والفشل لقمة القيادة العسكرية الروسية وخصوصاً وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان, ومعروف عن هؤلاء انهم لا يسامحون او يتساهلون مع من يتجرأ على المساس بهيبتهم وهيبة المؤسسة العسكرية الروسية التي ينتمون اليها وخصوصاً في ظل هذه الظروف الدقيقة التي تخوض فيها القوات الروسية حرباً ضروساً على جبهات طويلة مع حلف الاطلسي.

بريغوجين يدرك ذلك جيداً, لذا استشرف مصيره القاتم في ظل الاجواء الملبدة التي تخيم على علاقاته بالقادة العسكريين الروس نتيجة الحماقات التي صدرت عنه, ويعلم جيداً مدى قسوة الانتقام الذي ينتظره عندما تحين الفرصة لمن تطاول عليهم ووجه لهم اهانات شخصية وعلى رأسهم وزير الدفاع او رئيس الاركان, ويعلم ايضاً انهم سيقتلوه, فلجأ الرجل لهذه المغامرة باعتبار انه "ميت", لعل وعسى ان تحدث معجزة ويحصل على فرصة للنجاة, ويبدو ان ذلك ما حصل فعلاً, فقد انتقل الرجل الى بيلاروسيا بعد ان توسط له رئيسها لوكشانكو واسقط عنه القضايا الجنائية المرفوعة ضده بعدما ضمن امنه ومن معه, وهكذا انتهت اسطورة فاغنر, وهذا ما أكده الرئيس الروسي في كلمته المتلفزة مساء الاثنين قائلاً ان بإمكان عناصر مجموعة فاغنر التعاقد مع وزارة الدفاع الروسي او الذهاب الى بيلاروسيا ايضاً.

 آخر الكلام:

ردود فعل الدول الغربية كان يدعو الى الشفقة, فوسائل اعلام هذه الدول سارعت في ركوب الموجة بنقل بيانات عن النخب السياسية والامنية في تلك الدول وكأنها هي وراء حركة زعيم فاغنر, وعلى الارجح انهم فوجؤا بها كبقية الناس, وما يعزز هذا الانطباع تصريح لانطوني بلينكن وزير الخارجية الامريكي قال فيه "هذا الفصل ليس الاخير" وكأن الرجل يمسك بزمام الامر, ويقدم فصوله حسب مزاجه وهذه مصيبة, اما اذا كانت المخابرات الامريكية وراء ذلك التمرد الفاشل كما يحاول المسؤولون الامريكيون الايحاء, فها هو وزير الخارجية يكشف عن مستقبل هذه الخطة السرية بأن لها فصول قادمة, وهنا تكون المصيبة أعظم.!!

بعد خطاب الرئيس بوتين مساء الإثنين, بات مؤكداً أن ذلك كان الفصل الأخير في قصة ميليشيات فاغنر, وبات مؤكداً ايضاً ان الوزير الامريكي جانبه الصواب كما جانب رئيسه وحلفائهم في الغرب الذين شعروا بخيبة امل واحباط كبيرين, وعلى عكس توقعاتهم او تمنياتهم اثبتت روسيا انها والصين التي دعمتها في الحدث الاخير هما اعمدة النظام العالمي القادم, شاء بايدن وشركاه لم يشاءوا..!!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف