
د. سمير الددا
حاضر العلاقات السعودية الأمريكية في الواقع الدولي المتغير
بقلم: د. سمير الددا
الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ما زالا يحلمان بجر الرياض إلى خارج سياقها العربي والاسلامي من خلال تطبيع علاقات مع الكيان الغاصب, في حين أن المملكة العربية السعودية أعلنت مراراً وتكراراً أن شرط حصول ذلك هو قيام دولة فلسطينية على الأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلها الكيان المحتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتسوية قضية اللاجئين وفقاً للقرارات الدولية ومبادرة السلام السعودية التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.
المستغرب أنه رغم هذا الموقف السعودي الشديد الوضوح يستمر المسؤولون الامريكيون في التوافد إلى الرياض منذ زيارة الرئيس جو بايدن العام الماضي، وأن هذا الموضوع كما ذكرت وسائل إعلامية أمريكية بند دائم على جدول زياراتهم واهمين بتحقيقه على طريقة الكاوبوي متناسين أن العالم يتغير وموازين القوى في العالم تتغير هي الأخرى، وفي غير صالح الولايات المتحدة التي خسرت الكثير من نفوذها وقدرتها على التأثير في مناطق واسعة من العالم لصالح خصميها اللدودين روسيا والصين وخصوصاً في الشرق الأوسط ولم تعد لإملاءاتها بالفاكس (كما قال متندراً ذات مرة حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق) تلك السطوة التي كانت لها قبل سنوات, وهناك عدة أدلة على تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
من هذه الأدلة على سبيل المثال, التنسيق الفعال بين المملكة وروسيا وقد بزر ذلك جلياً إبان إقدام منظمة أوبك بلس على خفض سقف انتاج النفط في أكتوبر الماضي, رغم التحذيرات الأمريكية الشديدة اللهجة التي أطلقها الرئيس جو بايدن وكبار اركان ادارته واعضاء بارزين في الكونجرس من مغبة الاقدام على هذه الخطوة التي تلحق ضرراً بالغاً بمصالح الولايات المتحدة وتدعم موقف خصمها روسيا وتضخ في موازنة الاخيرة مليارات اضافية من الدولارات تمكنها من تمويل علمياتها العسكرية في اوكرانيا كما ادعى الامريكيون في ذلك الوقت وهددوا بأنهم سيتخذوا اجراءات عقابية ضد المملكة التي اتهموها بانها ورسيا كانتا خلف القرار وذلك رداً على هذا القرارالذي نتج عنه ايضاً رفع اسعار المحروقات في الولايات المتحدة الى مستويات قياسية حينها مما أضر بالاقتصاد الامريكي كما أضر بالموقف الانتخابي للحزب الديمقراطي المسيطر حينها على البيت الأبيض وعلى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب في الانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي اي بعد حوالي شهر من قرار اوبك بلس.
ودليل آخر على فقدان واشنطن مساحة من نفوذها في الشرق الاوسط, يتمثل في الحضور الملموس لعدوها اللدود "الصين" في المنطقة والذي تتوج بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة في شهر ديسمبر الماضي ولقائه بالزعماء الخليجيين والعرب ومراسم الاستقبال المهيبة التي حظي بها مقارنة بالاستقبال الباهت للرئيس الأمريكي بايدن عند زيارته للملكة في شهر يونيو الماضي.
ودليل إضافي على تآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة الاتفاق المدوي الذي تم التوصل اليه بين المملكة وايران لاعادة العلاقات بينهما وخصوصاً انه كان برعاية صينية بكل ما يحمله ذلك من اشارات وما يعنيه من معاني..!
دليل إضافي, زيارة الخصم اللدود للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الى المملكة يوم الاثنين اي اليوم السابق لوصول وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن, وعلاقات مادورو بواشنطن شبه مقطوعة منذ اتهامه لها بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي استهدفت نظامه في شهر ابريل عام 2019, في تربطه علاقات وطيدة جداً ترقى إلى مستوى التحالف مع روسيا, فهي التي لعبت دور رئيسياً في احباط هذه المحاولة.
ودليل عام يشير إلى وهن قوة الولايات المتحدة المالي على وجه الخصوص, هو حجم الدين التي ترزح تحته الولايات المتحدة والذي وصل الى حوالي 31.4 تريليون دولار وهو مبلغ قياسي وتاريخي, هذا وقد شهدت الاوساط الامريكية المختصة الشهر الماضي معارك ناعمة (ولكنها مريرة) بهدف الاختيار ما بين الابقاء على السقف الدين العام الحالي وعدم تجاوزه وبين رفع السقف, وكان الاختيار بين الأمرين في منتهى الصعوبة فالخيارين احلاهما مر, ففي حالة الابقاء على السقف الحالي, هذا يعني عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها لاول مرة في تاريخها مما سيترتب عليه كوارث اقتصادية وتاكل مصداقية الدولة صاحبة اكبر اقتصاد في العالم, بالاضافة الى امكانية انهيار مؤسسات مالية عملاقة ناهيك عن حرمان شريحة كبيرة من الامريكيين الحصول على مستحقاتهم المالية وبالتالي تقليص القدرة الشرائية مما كان سيقود الى ركود اقتصادي.
أما في حالة الموافقة على رفع سقف الدين, فهذا يعني ارتفاع رقم الدين الامريكي المرعب الى مستوى قياسي وتاريخي أعلى وهذا يشكل ارهاقاً اضافياً وضغطاً أثقل على الاقتصاد الامريكي.
لم يكن الاختيار سهلاً, فقد كان مخاضاً عسيراً, تمخض عن موافقة الكونجرس مطلع الشهر الجاري على السيناريو الثاني اي رفع سقف الدين العام.
هذا, وقد قرأت المملكة العربية السعودية المستجدات الدولية التي يعيشها العالم اليوم جيداً ونجحت في توظيفها لرسم علاقات دولية متوازنة مع الغرب والشرق على حد السواء ومكنتها من التعامل مع الولايات المتحدة وفقاً لهذه المعادلة الدولية الجديدة وفي هذا السياق استلمت واشنطن في هذه الظروف العالمية الدقيقة رسالة سعودية قوية وحازمة وفهمها المسؤولون الامريكيون جيداً بما فيهم الرئيس بايدن, فأبتلعوا كل تحذيراتهم وتهديداتهم ولم يجرؤ أي منهم على تنفيذ اي اجراء قد يمس المملكة ولو من بعديد.
وهذا ما أشارت له صحيفة واشنطن بوست الجمعة 9 يونيو بتسريبها لوثيقة سرية جاء فيها أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رد على التهديدات الامريكية بمعاقبة المملكة على قرارها بخفض انتاج النفط بإنه "لن يتعامل مع الإدارة الأمريكية بعد الآن ولمح بفرض عقوبات اقتصادية مؤثرة على واشنطن في حال اقدمت على اتخاذ اي اجراء من شأنه ان يمس المملكة, فما كان من الامريكيين الا أن ابتلعوا تهديداتهم وها هي اكثر من 8 شهور على قرار اوبك بلس ولم يحدث شئ مما هددوا به كما أوردت الصحيفة, بل وجد المسؤولون الامريكيون انفسهم يتوافدون على الرياض خطباً لودها وتفادياً لغضبها, يبدو ان اليوم الذي يمكن فيه فرض عقوبات على الدولة "العظمى" التي تفرض عقوبات من كل الاشكال والالوان على الكثير من دول العالم بدون رقيب أو حسيب, بات قريباً.. سبحان مغير الأحوال..!
في السياق ذاته, جاءت زيارة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام للمملكة منتصف شهر ابريل الماضي, وغراهام من اكبر المؤيدين للصهاينة في الكونجرس وهو عنصري شديد الكراهية للعرب والمسلمين ومن اشد المتحاملين على المملكة على وجه الخصوص وقد سبق ان هددها وتوعدها عدة مرات وقال غير مرة بحقها كلاماً وضيعاً يقطر بالعنصرية والغطرسة والحسد والحقد تمنعنا اللباقة من مجرد الاشارة اليه, وها هو يأتيها مستجدياً لصفقات وعطايا.
تزامنت زيارة السيناتور غراهام للمملكة مع زيارة كبير مستشاري البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين اللذاين وصلا إلى الرياض في نفس الوقت الذي يتواجد فيه غراهام في المنطقة وفي الاغلب للغرض ذاته.
تجدر الاشارة إلى أن زيارات المسؤولين الأميركيين إلى المملكة جاءت بعد حوالي شهر من اعلان كلاً من بكين والرياض وطهران الى التوصل الى اتفاق بين السعودية وايران بوساطة الصين بموجبه يتم تطبيع وإستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد سنوات من التنافس المرير الذي أذكى التوتر في منطقة الخليج وفي الشرق الأوسط عموماً, وهذا الذي افقد الصهاينة عقولهم, فقد كانوا يحلمون بان يكون التطبيع معهم, وليس مع عدوهم اللدود, وهذا ما دفعهم لممارسة ضغوطهم على الموالين لهم في واشنطن (وابرزهم غراهام) لتكثيف محاولاتهم مع الرياض لعل وعسى.
وفي هذا السياق جاءت زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي للمملكة الشهر الماضي, وزيارة وزير الخارجية انطوني بلينكن الثلاثاء الماضي كما سبقت الاشارة, وذكرت الصحافة الامريكية وخصوصاً وول ستريت جورنال ان احد بنود كلا من الزيارتين هذا الموضوع الذي يبدو انه اصبح بنداً دائماً في اجندة المسؤولين الامريكيين اينما حلوا او ارتحلوا, وكانهم مأجورين عند الكيان الصهيوني, غير ابهين بألام الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة بسبب الاحتلال العسكري الصهيوني ونهبه لبلادهم ومقدراتهم والتي تؤيده واشنطن وتشجع عليه منذ اكثر من ثمانين عاماً وما كان ليستمر طوال هذه المدة لولا الدعم المالي والعسكري والسياسي الامريكي اللامحدود.
وكذلك كان ملفتاً تكرار الوزير بيلنكن اثناء الزيارة "مصطلح التطبيع" وكانه غير مبالي بالتصريحات السعودية الرسمية التي تعكس الموقف الرسمي للمملكة شديد الوضوح, ومتجاهلاً لبنود مبادرة السلام السعودية التي قدمتها المملكة وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي تنص بكل وضوح أن الاعتراف بالكيان الصهيوني يكون فقط بعد حل القضية الفلسطينية على اساس المرجعيات الدولية واقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية على الاراضي الفسطينية المحتلة عام 1967 وتسوية مشكلة اللاجئين وفقاً لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة, وهذا ما اعاد التأكيد عليه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود بن فرحان في مؤتمر صحفي مع بلينكن في جدة الثلاثاء.
تجدر الاشارة إلى أن وزير الخارجية الامريكية بلينكن (يهودي) استبق زيارته للمملكة بتصريح مستفز في اليوم الذي سبقها امام لجنة ايباك (اقوى لوبي داعم للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة) قال فيه ان تطبيع علاقات الكيان الصيهوني مع المملكة "مصلحة امريكية", وتجاهل رئيس الديبلوماسية الامريكية الموقف السعودي المعلن بأن التطبيع لن يكون الا بعد انسحاب الصهاينة من الاراضي الفلسطينية التي اغتصبوها بالقوة العسكرية عام 1967 وحل القضية الفلسطينية وفقاً لقرارت الشرعية الدولية بما فيها مقررات مبادرة السلام العربية في قمة بيروت والتي هي في الاصل مبادرة سعودية كما سبقت الاشارة واقامة دولة فلسطينية في تلك الاراضي وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم وارضهم وفقاً لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة, ولكن بلينكن شأنه شأن المسؤولين الامريكيين المتغطرسين اخذته العزة بالإثم فهو لا يرى الا مصالح بلاده فقط وحتى لو كان ذلك على حساب المصالح العربية وعلى حساب قضية العرب الاولى, ولكنه ايضاً تجاهل الظروف الدولية التي يمر بها العالم اليوم والتي تشير الى انحسار النفوذ الامريكي حول العالم وانتهاء الظروف التي كانت الولايات المتحدة تفرض املاءتها على جميع الدول وارغامها مراعاة المصالح الامريكية ولو على حساب مصالحهم, بل اصبح الكثير من الدول التي تحررت من سطوة الامبريالية الامريكية لها مسار مخالف للارادة الامريكية, وقد أوردنا ادلة على ذلك في صدر المقال.
الملفت أن زيارات المسؤولين الأمريكين المتوالية إلى المملكة بما فيها زيارة الرئيس جو بايدن قبل حوالي العام لم يقابلها أي زيارة لمسؤول سعودي الى الولايات المتحدة, وهذا يعكس الثقل والاهمية الفعلية لكل من طرفي المعادلة السعودية الامريكية في هذه الظروف العالمية تحديداً والتي تشهد تحولات دولية كبيرة من الواضح انها ليست لصالح واشنطن, وخصوصاً تزايد دور الصين في المنطقة وتزايد الحديث عن إعادة الاصطفاف الجيوسياسي في تلك المنطقة وهو أمر يثير قلق الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وفي المقابل يرى الكثير من المراقبين ان ترطيب العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والمملكة هو الدافع الرئيسي لتوافد المسؤولين الامريكان الى المملكة ادراكاً منهم مدى أهمية ومكانة المملكة في محيطها الخليجي والعربي, وكذلك وهو الاهم الدور الحاسم الذي يمكن ان تقوم به للتأثير على توجه الدول الخليجية والعربية وتحديد موقفها من المتغيرات الدولية التي يشهدها العالم وبالتالي تمحورها في المنظومة العالمية قيد التشكيل.
هذا ويعتبر ساسة امريكيون أن مجرد استمرارية الاتصالات بين الطرفين هي علامة صحية بحد ذاتها وقد ينتج عنها تخفيف حدة التوترات في العلاقات القديمة بين الطرفين والتي اججتها حدة المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة وحالة الاستقطاب او الانسجام بين الجمهوريين والمملكة التي أضحت لازمة تميز العلاقة الامريكية السعودية.
التوتر الحالي الذي تشهده علاقة البلدين اللذين ربطتهما شراكة استراتيجية طويلة امتدت لاكثر من ثمانين عاماً بدأ مبكراً في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما الذي اقدم على عقد اتفاق نووي مع ايران رأت الرياض حينها انه لا يخدم مصالحها وامنها وقد زادت وتيرة هذا التوتر عندما تخلت واشنطن عن التزاماتها ولم تقدم على اتخاذ اي اجراء رداً على هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدف منشآت نفطية سعودية عام 2019.
آخر الكلام:
توافد المسؤلين الأمريكيين على المملكة بهذه الكثافة يعكس قلقهم الشديد من تحول الولاءات بعدما اخلت واشنطن بالمعادلة التي حكمت العلاقات بين البلدين طيلة اكثر من 8 عقود, امدادات نفط دائمة مقابل دعم وتدريب ومساعدة القوات المسلحة السعودية بهدف حماية حدودها وأمنها.
الوضع الطبيعي أن تكون العلاقات طبيعية بين الرياض وطهران, المفروض أن يحصل منذ سنوات بين بلدين تربطهما أواصر الدين والجغرافيا ولهما رؤى مستقبلية تكاد تكون متطابقة وبينهما الكثير من المصالح المشتركة, ولكن كيان معاد للعرب والمسلمين ويغتصب ارضهم وينتهك اقدس مقدساتهم ويرتكب أبشع الجرائم في حق خيرة ابنائهم يومياً ويخالفهم في الدين واللون والعرق واللغة وغريب عنهم في كل شئ, ومع ذلك يتبجح ويستميت على أن يتقرب منهم, هذا هو غير الطبيعي وغير المنطقي ويخالف كل الاعراف والنواميس ومستبعد جداً وفقاً لكافة المعطيات الحالية.
في هذا المقام يجب التذكير بأن واشنطن كانت السباقة إلى إبرام اتفاق مع طهران عام 2015 ابان فترة اوباما - بايدن, وكان هذا الاتفاق لايوافق التوجه السياسي السعودي في ذلك الحين, ورغم ذلك تفهمت الرياض ذلك وتعاملت معه على أنه مصلحة امريكية كما كان يقول الرئيس اوباما ونائبه حينها جو بايدن, ومن اللياقة في فضاء العلاقات الدولية ان تتوقع الرياض من واشنطن ان تتفهم قرارها الاتفاق مع طهران كونه مصلحة سعودية وخصوصاً ان العوامل التي تربط بين المملكة وايران اكثر من تلك التي تفرقهما... كالعوامل الجغرافية والامنية والاقتصادية والنفطية والدينية وغيرها..
واخيراً, السؤال الذي يطفو على سطح المشهد الحالي, هل ستتفهم واشنطن قرارات الرياض وتغير طريقة تعاطيها معها لتصبح وفقاً لمبدأ الشراكة والندية وتدرك ما يمكن إدراكه...؟
أم ستجبر الأولى الثانية على البحث عن بديل يتفهم قراراتها ويتعاطى معها على أساس المصالح المشتركة.؟.... يبدو أن هذا ما آل إليه واقع الحال..
بقلم: د. سمير الددا
الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ما زالا يحلمان بجر الرياض إلى خارج سياقها العربي والاسلامي من خلال تطبيع علاقات مع الكيان الغاصب, في حين أن المملكة العربية السعودية أعلنت مراراً وتكراراً أن شرط حصول ذلك هو قيام دولة فلسطينية على الأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلها الكيان المحتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتسوية قضية اللاجئين وفقاً للقرارات الدولية ومبادرة السلام السعودية التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002.
المستغرب أنه رغم هذا الموقف السعودي الشديد الوضوح يستمر المسؤولون الامريكيون في التوافد إلى الرياض منذ زيارة الرئيس جو بايدن العام الماضي، وأن هذا الموضوع كما ذكرت وسائل إعلامية أمريكية بند دائم على جدول زياراتهم واهمين بتحقيقه على طريقة الكاوبوي متناسين أن العالم يتغير وموازين القوى في العالم تتغير هي الأخرى، وفي غير صالح الولايات المتحدة التي خسرت الكثير من نفوذها وقدرتها على التأثير في مناطق واسعة من العالم لصالح خصميها اللدودين روسيا والصين وخصوصاً في الشرق الأوسط ولم تعد لإملاءاتها بالفاكس (كما قال متندراً ذات مرة حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق) تلك السطوة التي كانت لها قبل سنوات, وهناك عدة أدلة على تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
من هذه الأدلة على سبيل المثال, التنسيق الفعال بين المملكة وروسيا وقد بزر ذلك جلياً إبان إقدام منظمة أوبك بلس على خفض سقف انتاج النفط في أكتوبر الماضي, رغم التحذيرات الأمريكية الشديدة اللهجة التي أطلقها الرئيس جو بايدن وكبار اركان ادارته واعضاء بارزين في الكونجرس من مغبة الاقدام على هذه الخطوة التي تلحق ضرراً بالغاً بمصالح الولايات المتحدة وتدعم موقف خصمها روسيا وتضخ في موازنة الاخيرة مليارات اضافية من الدولارات تمكنها من تمويل علمياتها العسكرية في اوكرانيا كما ادعى الامريكيون في ذلك الوقت وهددوا بأنهم سيتخذوا اجراءات عقابية ضد المملكة التي اتهموها بانها ورسيا كانتا خلف القرار وذلك رداً على هذا القرارالذي نتج عنه ايضاً رفع اسعار المحروقات في الولايات المتحدة الى مستويات قياسية حينها مما أضر بالاقتصاد الامريكي كما أضر بالموقف الانتخابي للحزب الديمقراطي المسيطر حينها على البيت الأبيض وعلى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب في الانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي اي بعد حوالي شهر من قرار اوبك بلس.
ودليل آخر على فقدان واشنطن مساحة من نفوذها في الشرق الاوسط, يتمثل في الحضور الملموس لعدوها اللدود "الصين" في المنطقة والذي تتوج بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة في شهر ديسمبر الماضي ولقائه بالزعماء الخليجيين والعرب ومراسم الاستقبال المهيبة التي حظي بها مقارنة بالاستقبال الباهت للرئيس الأمريكي بايدن عند زيارته للملكة في شهر يونيو الماضي.
ودليل إضافي على تآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة الاتفاق المدوي الذي تم التوصل اليه بين المملكة وايران لاعادة العلاقات بينهما وخصوصاً انه كان برعاية صينية بكل ما يحمله ذلك من اشارات وما يعنيه من معاني..!
دليل إضافي, زيارة الخصم اللدود للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الى المملكة يوم الاثنين اي اليوم السابق لوصول وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن, وعلاقات مادورو بواشنطن شبه مقطوعة منذ اتهامه لها بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي استهدفت نظامه في شهر ابريل عام 2019, في تربطه علاقات وطيدة جداً ترقى إلى مستوى التحالف مع روسيا, فهي التي لعبت دور رئيسياً في احباط هذه المحاولة.
ودليل عام يشير إلى وهن قوة الولايات المتحدة المالي على وجه الخصوص, هو حجم الدين التي ترزح تحته الولايات المتحدة والذي وصل الى حوالي 31.4 تريليون دولار وهو مبلغ قياسي وتاريخي, هذا وقد شهدت الاوساط الامريكية المختصة الشهر الماضي معارك ناعمة (ولكنها مريرة) بهدف الاختيار ما بين الابقاء على السقف الدين العام الحالي وعدم تجاوزه وبين رفع السقف, وكان الاختيار بين الأمرين في منتهى الصعوبة فالخيارين احلاهما مر, ففي حالة الابقاء على السقف الحالي, هذا يعني عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها لاول مرة في تاريخها مما سيترتب عليه كوارث اقتصادية وتاكل مصداقية الدولة صاحبة اكبر اقتصاد في العالم, بالاضافة الى امكانية انهيار مؤسسات مالية عملاقة ناهيك عن حرمان شريحة كبيرة من الامريكيين الحصول على مستحقاتهم المالية وبالتالي تقليص القدرة الشرائية مما كان سيقود الى ركود اقتصادي.
أما في حالة الموافقة على رفع سقف الدين, فهذا يعني ارتفاع رقم الدين الامريكي المرعب الى مستوى قياسي وتاريخي أعلى وهذا يشكل ارهاقاً اضافياً وضغطاً أثقل على الاقتصاد الامريكي.
لم يكن الاختيار سهلاً, فقد كان مخاضاً عسيراً, تمخض عن موافقة الكونجرس مطلع الشهر الجاري على السيناريو الثاني اي رفع سقف الدين العام.
هذا, وقد قرأت المملكة العربية السعودية المستجدات الدولية التي يعيشها العالم اليوم جيداً ونجحت في توظيفها لرسم علاقات دولية متوازنة مع الغرب والشرق على حد السواء ومكنتها من التعامل مع الولايات المتحدة وفقاً لهذه المعادلة الدولية الجديدة وفي هذا السياق استلمت واشنطن في هذه الظروف العالمية الدقيقة رسالة سعودية قوية وحازمة وفهمها المسؤولون الامريكيون جيداً بما فيهم الرئيس بايدن, فأبتلعوا كل تحذيراتهم وتهديداتهم ولم يجرؤ أي منهم على تنفيذ اي اجراء قد يمس المملكة ولو من بعديد.
وهذا ما أشارت له صحيفة واشنطن بوست الجمعة 9 يونيو بتسريبها لوثيقة سرية جاء فيها أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رد على التهديدات الامريكية بمعاقبة المملكة على قرارها بخفض انتاج النفط بإنه "لن يتعامل مع الإدارة الأمريكية بعد الآن ولمح بفرض عقوبات اقتصادية مؤثرة على واشنطن في حال اقدمت على اتخاذ اي اجراء من شأنه ان يمس المملكة, فما كان من الامريكيين الا أن ابتلعوا تهديداتهم وها هي اكثر من 8 شهور على قرار اوبك بلس ولم يحدث شئ مما هددوا به كما أوردت الصحيفة, بل وجد المسؤولون الامريكيون انفسهم يتوافدون على الرياض خطباً لودها وتفادياً لغضبها, يبدو ان اليوم الذي يمكن فيه فرض عقوبات على الدولة "العظمى" التي تفرض عقوبات من كل الاشكال والالوان على الكثير من دول العالم بدون رقيب أو حسيب, بات قريباً.. سبحان مغير الأحوال..!
في السياق ذاته, جاءت زيارة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام للمملكة منتصف شهر ابريل الماضي, وغراهام من اكبر المؤيدين للصهاينة في الكونجرس وهو عنصري شديد الكراهية للعرب والمسلمين ومن اشد المتحاملين على المملكة على وجه الخصوص وقد سبق ان هددها وتوعدها عدة مرات وقال غير مرة بحقها كلاماً وضيعاً يقطر بالعنصرية والغطرسة والحسد والحقد تمنعنا اللباقة من مجرد الاشارة اليه, وها هو يأتيها مستجدياً لصفقات وعطايا.
تزامنت زيارة السيناتور غراهام للمملكة مع زيارة كبير مستشاري البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين اللذاين وصلا إلى الرياض في نفس الوقت الذي يتواجد فيه غراهام في المنطقة وفي الاغلب للغرض ذاته.
تجدر الاشارة إلى أن زيارات المسؤولين الأميركيين إلى المملكة جاءت بعد حوالي شهر من اعلان كلاً من بكين والرياض وطهران الى التوصل الى اتفاق بين السعودية وايران بوساطة الصين بموجبه يتم تطبيع وإستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد سنوات من التنافس المرير الذي أذكى التوتر في منطقة الخليج وفي الشرق الأوسط عموماً, وهذا الذي افقد الصهاينة عقولهم, فقد كانوا يحلمون بان يكون التطبيع معهم, وليس مع عدوهم اللدود, وهذا ما دفعهم لممارسة ضغوطهم على الموالين لهم في واشنطن (وابرزهم غراهام) لتكثيف محاولاتهم مع الرياض لعل وعسى.
وفي هذا السياق جاءت زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي للمملكة الشهر الماضي, وزيارة وزير الخارجية انطوني بلينكن الثلاثاء الماضي كما سبقت الاشارة, وذكرت الصحافة الامريكية وخصوصاً وول ستريت جورنال ان احد بنود كلا من الزيارتين هذا الموضوع الذي يبدو انه اصبح بنداً دائماً في اجندة المسؤولين الامريكيين اينما حلوا او ارتحلوا, وكانهم مأجورين عند الكيان الصهيوني, غير ابهين بألام الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة بسبب الاحتلال العسكري الصهيوني ونهبه لبلادهم ومقدراتهم والتي تؤيده واشنطن وتشجع عليه منذ اكثر من ثمانين عاماً وما كان ليستمر طوال هذه المدة لولا الدعم المالي والعسكري والسياسي الامريكي اللامحدود.
وكذلك كان ملفتاً تكرار الوزير بيلنكن اثناء الزيارة "مصطلح التطبيع" وكانه غير مبالي بالتصريحات السعودية الرسمية التي تعكس الموقف الرسمي للمملكة شديد الوضوح, ومتجاهلاً لبنود مبادرة السلام السعودية التي قدمتها المملكة وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي تنص بكل وضوح أن الاعتراف بالكيان الصهيوني يكون فقط بعد حل القضية الفلسطينية على اساس المرجعيات الدولية واقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية على الاراضي الفسطينية المحتلة عام 1967 وتسوية مشكلة اللاجئين وفقاً لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة, وهذا ما اعاد التأكيد عليه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود بن فرحان في مؤتمر صحفي مع بلينكن في جدة الثلاثاء.
تجدر الاشارة إلى أن وزير الخارجية الامريكية بلينكن (يهودي) استبق زيارته للمملكة بتصريح مستفز في اليوم الذي سبقها امام لجنة ايباك (اقوى لوبي داعم للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة) قال فيه ان تطبيع علاقات الكيان الصيهوني مع المملكة "مصلحة امريكية", وتجاهل رئيس الديبلوماسية الامريكية الموقف السعودي المعلن بأن التطبيع لن يكون الا بعد انسحاب الصهاينة من الاراضي الفلسطينية التي اغتصبوها بالقوة العسكرية عام 1967 وحل القضية الفلسطينية وفقاً لقرارت الشرعية الدولية بما فيها مقررات مبادرة السلام العربية في قمة بيروت والتي هي في الاصل مبادرة سعودية كما سبقت الاشارة واقامة دولة فلسطينية في تلك الاراضي وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم وارضهم وفقاً لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة, ولكن بلينكن شأنه شأن المسؤولين الامريكيين المتغطرسين اخذته العزة بالإثم فهو لا يرى الا مصالح بلاده فقط وحتى لو كان ذلك على حساب المصالح العربية وعلى حساب قضية العرب الاولى, ولكنه ايضاً تجاهل الظروف الدولية التي يمر بها العالم اليوم والتي تشير الى انحسار النفوذ الامريكي حول العالم وانتهاء الظروف التي كانت الولايات المتحدة تفرض املاءتها على جميع الدول وارغامها مراعاة المصالح الامريكية ولو على حساب مصالحهم, بل اصبح الكثير من الدول التي تحررت من سطوة الامبريالية الامريكية لها مسار مخالف للارادة الامريكية, وقد أوردنا ادلة على ذلك في صدر المقال.
الملفت أن زيارات المسؤولين الأمريكين المتوالية إلى المملكة بما فيها زيارة الرئيس جو بايدن قبل حوالي العام لم يقابلها أي زيارة لمسؤول سعودي الى الولايات المتحدة, وهذا يعكس الثقل والاهمية الفعلية لكل من طرفي المعادلة السعودية الامريكية في هذه الظروف العالمية تحديداً والتي تشهد تحولات دولية كبيرة من الواضح انها ليست لصالح واشنطن, وخصوصاً تزايد دور الصين في المنطقة وتزايد الحديث عن إعادة الاصطفاف الجيوسياسي في تلك المنطقة وهو أمر يثير قلق الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وفي المقابل يرى الكثير من المراقبين ان ترطيب العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والمملكة هو الدافع الرئيسي لتوافد المسؤولين الامريكان الى المملكة ادراكاً منهم مدى أهمية ومكانة المملكة في محيطها الخليجي والعربي, وكذلك وهو الاهم الدور الحاسم الذي يمكن ان تقوم به للتأثير على توجه الدول الخليجية والعربية وتحديد موقفها من المتغيرات الدولية التي يشهدها العالم وبالتالي تمحورها في المنظومة العالمية قيد التشكيل.
هذا ويعتبر ساسة امريكيون أن مجرد استمرارية الاتصالات بين الطرفين هي علامة صحية بحد ذاتها وقد ينتج عنها تخفيف حدة التوترات في العلاقات القديمة بين الطرفين والتي اججتها حدة المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة وحالة الاستقطاب او الانسجام بين الجمهوريين والمملكة التي أضحت لازمة تميز العلاقة الامريكية السعودية.
التوتر الحالي الذي تشهده علاقة البلدين اللذين ربطتهما شراكة استراتيجية طويلة امتدت لاكثر من ثمانين عاماً بدأ مبكراً في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما الذي اقدم على عقد اتفاق نووي مع ايران رأت الرياض حينها انه لا يخدم مصالحها وامنها وقد زادت وتيرة هذا التوتر عندما تخلت واشنطن عن التزاماتها ولم تقدم على اتخاذ اي اجراء رداً على هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدف منشآت نفطية سعودية عام 2019.
آخر الكلام:
توافد المسؤلين الأمريكيين على المملكة بهذه الكثافة يعكس قلقهم الشديد من تحول الولاءات بعدما اخلت واشنطن بالمعادلة التي حكمت العلاقات بين البلدين طيلة اكثر من 8 عقود, امدادات نفط دائمة مقابل دعم وتدريب ومساعدة القوات المسلحة السعودية بهدف حماية حدودها وأمنها.
الوضع الطبيعي أن تكون العلاقات طبيعية بين الرياض وطهران, المفروض أن يحصل منذ سنوات بين بلدين تربطهما أواصر الدين والجغرافيا ولهما رؤى مستقبلية تكاد تكون متطابقة وبينهما الكثير من المصالح المشتركة, ولكن كيان معاد للعرب والمسلمين ويغتصب ارضهم وينتهك اقدس مقدساتهم ويرتكب أبشع الجرائم في حق خيرة ابنائهم يومياً ويخالفهم في الدين واللون والعرق واللغة وغريب عنهم في كل شئ, ومع ذلك يتبجح ويستميت على أن يتقرب منهم, هذا هو غير الطبيعي وغير المنطقي ويخالف كل الاعراف والنواميس ومستبعد جداً وفقاً لكافة المعطيات الحالية.
في هذا المقام يجب التذكير بأن واشنطن كانت السباقة إلى إبرام اتفاق مع طهران عام 2015 ابان فترة اوباما - بايدن, وكان هذا الاتفاق لايوافق التوجه السياسي السعودي في ذلك الحين, ورغم ذلك تفهمت الرياض ذلك وتعاملت معه على أنه مصلحة امريكية كما كان يقول الرئيس اوباما ونائبه حينها جو بايدن, ومن اللياقة في فضاء العلاقات الدولية ان تتوقع الرياض من واشنطن ان تتفهم قرارها الاتفاق مع طهران كونه مصلحة سعودية وخصوصاً ان العوامل التي تربط بين المملكة وايران اكثر من تلك التي تفرقهما... كالعوامل الجغرافية والامنية والاقتصادية والنفطية والدينية وغيرها..
واخيراً, السؤال الذي يطفو على سطح المشهد الحالي, هل ستتفهم واشنطن قرارات الرياض وتغير طريقة تعاطيها معها لتصبح وفقاً لمبدأ الشراكة والندية وتدرك ما يمكن إدراكه...؟
أم ستجبر الأولى الثانية على البحث عن بديل يتفهم قراراتها ويتعاطى معها على أساس المصالح المشتركة.؟.... يبدو أن هذا ما آل إليه واقع الحال..