الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ورحل فارس الشعر والأدب الأديب فاضل خلف

تاريخ النشر : 2023-06-01
ورحل فاضل خلف.. فارس الشعر.. ورائد الإبداع الأدبي
1927 -2023

بقلم: علي عبد الفتاح القاهرة

تتكسر دمعات الكلمات .. تتسربل المعاني في ثوب الحداد .. والحروف تهوى من قصائدها .. وتغرق في بحار الحزن والعذاب .. وشجر الكويت يبكى .. وضفاف الخليج في إنتحاب .
إلى أين آيها الفارس الجميل ..؟ وكيف سيطول الغياب ؟ إلي أين آيها الفاضل.. وبعدك أرتعش بنيان القصيد .. وتكسرت أبيات الشعر .. وهوت من علٍ سحابات الإبداع .
ماذا أقول وكيف أصوغ عبارات الرثاء .. كما قال احمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:
المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مآتم والداني
أقسمتُ إنك في التراب طهارةُ ملكُ يهابُ سؤاله الملكان
او افضل ان اقول لك :
قدً كنتُ أوثرُ أن تقول رثائى يامنصفً الموتى منً الأحياءِ
لكن سبقتً وكلُ طولِ سلامةٍ قدرُ وكلُ منيةٍ بقضاءِ
كان فاضل خلف رحلة إبداعية تضيىء في آفاق الكويت .. والخليج .. وعالمنا العربي .. تميز بفن تصوير شخصيات الشعراء والأدباء من خلال كتبه الأدبية ودواوينة الشعرية بروح فياضة بالحب والنزعة الإنسانية.

لقد عشت مع فاضل خلف سنوات تجاوزت الثلاثون عاماً.. يحدثني كثيراً عن رحلته العلمية في انجلترا .. ورحلته الدبلوماسية في تونس .. وحياته الدراسية في الكويت وارتباطه بالشعر والأدب والفنون . وكيف تأثر برواد النهضة بالكويت حينما كان يتلقى تعليمه بالمدرسة المباركية وكان من أساتذته الراحل الأديب عبد الله زكريا الانصاري وعيسى مطر وعبد الله سنان وتذوق الشعر والأدب من خلال ثقافتهم وعلمهم.وعندما كان يصطحبني معه إلي ديوانية الأديب عبد الله زكريا الانصاري يذكر لي بعض من تلك المواقف مع استاذه وكيف عشق الشعر متأثراً بطريقة شرح الأستاذ والقاءه.

وأمضينا معا سنوات في جريدة الرأى العام لصاحبها المساعيد حيث كان مسؤولا عن الصفحة الثقافية وكنت أنا المحرر الأدبي معه وعندما سالته عن نظام العمل في الصفحه ..ابتسم وقال : - أنت المسؤول ولست أنا.وكان يأتي الجريدة صباحاً وأنا اكون في فترة المساء وأجد بعض رسائل منه مرفقة بقصيدة أحد الشبان الشعراء الكويتيين.

ويقول لي دائماً : علينا تشجيع الشباب على النشر والكتابة انهم المستقبل الذى يثري الواقع الأدبي.واتفقت معه على تنظيم ندوة للشعراء الشبان لمناقشة قضايا الشعر ودعوتهم للنشر في الصفحة الثقافية.

وكنا في الجريدة معاً يهتم بكل المحررين ولا يجلس في المكتب بل يزور قسم الترجمة ويتحاور معهم ويحدثهم عن أهمية الترجمة الصادقة دون زيف أو تحريف وكذلك يزور قسم المحليات ويسأل عن كل محرر ويناقشهم في أهم قضايا المجتمع الكويتي وارتباطه بالقضايا المعاصرة.

وكان هناك من يقوم بتقديم أكواب الشاى والقهوة لنا وكنت أقول له: أبو عمر.. قهوة للاستاذ فاضل وكوب شاى لي.. ولكن فاضل خلف كان يقول له : ياسيد أبو عمر.وعندما سألته لماذا لا تناديه مثلنا؟قال أفضل أن يجعله يشعر أنه مثلنا له شخصيته واحترامه وتعلمت أن اناديه :السيد أبو عمر.

وفي جريدة الرأي العام تعرفت على شاب كويتي مبدع في كتابة القصص القصيرة وكان فاضل خلف حريصاً على نشر هذه القصص في الصفحة الثقافية وهذا الشاب هو الأستاذ الأديب عبد اللطيف الخضر الذى يؤكد دائماً ان أستاذه الذى حفزه إلي الكتابة ودفعه إلي درب الأدب هو أستاذه فاضل خلف.

والنزعة القومية والإسلامية في شعر فاضل خلف تتجلى في كتاباته عن أبطال الفتح الإسلامي في الاندلس وقصائده عن أبطال التحرير في المغرب والجزائر ومصر وتونس وفلسطين وليبيا فلم يكن إلا شاعراً عالمياً مشاعره فياضة بعشق البطولات والفتوحات الإسلامية والانتماء للحضارة العربية ووطنه الكويت ويقول: لا أجد فرقاً في الكتابة عن يوسف بن تاشفين في المغرب أو ابو القاسم الشابي في تونس أو احمد السقاف بالكويت أو أحمد شوقي في مصر أو محمود درويش في فلسطين أو شعراء الخليج ولبنان فقد تشكل وجداني بعشق هؤلاء جميعًاً.

ومن قصائده عن فلسطين يقول:
يا فلسطين كأني بالحمى زلزل الارض على الخصم اللدود
فاعصفي بالقيد لا تنتظري وامحقي كيد اعاديك وزيدى
واصدحي ما شئت في رحب القرى واهتفي يا عزيمات العرب عودي
ويكتب عن مصر ويقول:
سيرى بعون الله سيرى سعيا الي النصر الكبير
سيرى ولا تتوقفي فالعز في هذا المسير
يا مصر ياارض البطولة ياربا المجد النضير
ويكتب عن الكويت ويقول:
ياصائغ الالحان في السحر هذى الكويت تميس في الضفر
بلغت من الامجاد ذروتها وسمت بذكر غير مندثر
راياتها الشماء قد خفقت فوق العلالي خفق منتصر
في كل ربع ذكرها عطر متفاوح من مجدها النضر

وهناك قصائد كثيرة حفل بها ديوانه"25 فبراير" عن الكويت واذكر أن قصيدته "درة الصحراء" قد ضمها أحد كتب اللغة العربية في المرحلة الثانوية وسألته إذا كان هذا يبعث السرور لديه فقال:
- شعراء الكويت لديهم كتابات جميلة تبعت الشعور الوطنى وتمجد الإنتماء للوطن والأرض والعروبة وليست قصيدتي فقط واتمنى أن ينشروا قصائد خليفة الوقيان والسقاف والسبيعى والسبتي وعبد الله الانصاري في مناهج الدراسة.

وذات يوم شكوت له موقف لي مع الصديق الراحل يحيى الربيعان حيث كنت أود نشر كتاب نقدى عن شعراء مصر الكبار فرفض الربيعان وسخر منى وقال : ولماذا لا تكتب عن شعراء وأدباء الكويت؟
 
وقال فاضل خلف مبتسماً : لقد صدق الربيعان لأن مهمة الكاتب أو الناقد لا يعيد ماكُتب من قبل ولكن عليه البحث عن الإبداع الجديد وطرح رؤيته حول الأدب المعاصر بالكويت حيث تلك فرصة طيبة وأنت تعيش بالكويت .وعندما شاهد مقالاتي عن "أعلام الشعر في الكويت " قال لي : أحسنت تستحق المقالات أن تكون كتاباً جديداً لك.

وفاضل خلف بلا شك كاتب بارع تميزت كتاباته باللغة الرصينة والمعالجة الموضوعية والخيال الخصب والأفق الواعي بقضايا مجتمعه وكذلك الفاظه وعباراته محكمة البناء سواء في مقالاته أو قصائده.

وذات يوم وجدت في مكتبة الربيعان كتاب عنوانه"في الادب والحياة" تأليف فاضل خلف واسرعت بالكتاب إليه فقال:هذا الكتاب لا أملك منه نسخة واحدة ولكنى سوف أهديه إليك فهو عبارة عن مجموعة من الخواطر في الأدب والحياة كتبت في أوقات متباعدة ومناسبات مختلفة منذ عام 1947-1955 ونشرت في الصحف ولم يدر بخلدي يوم كتابتها أننى ساجمعها وانشرها في كتاب ولو خطر لي ذلك الخاطر لحاولت أن أخرجها خيراً من هذا الإخراج.

ويوما أهداني كتابه عن الأديب المصري "زكى مبارك" ووجدت على الغلاف الخلفي للكتاب كلمة من الأديب طه حسين يقول فيها :سرني أن يكون أول كتاب يصدر عن الأديب المصري الدكتور زكى مبارك الاستاذ في الجامعة المصرية بقلم الأديب الكويتي فاضل خلف ومعنى ذلك أن أدباء الأقطار العربية الشقيقة يسابقون أدباء مصر في التعريف بادب مصر وبادباء مصر بكل اخلاص.

وكذلك كتاب "نقعة ابن خميس" من كتبه الطريفة التى تتماثل مع كتاب "زهرة العمر" لتوفيق الحكيم وماكتبه طه حسين في كتاب "الأيام" وماكتبه أحمد زكى في كتاب"حياتي" وماكتبه زكى نجيب مجمود في كتاب "حصاد السنين" .. حيث يقص فاضل خلف ذكريات طفولته وكيف كان يذهب الي البحر ويمارس الألعاب مع رفقاء الحى ويلبس"الوزار" أى ملابس السباحة ويصور لنا المجتمع الكويتي البسيط خلال تلك الفترة في عبارات طريفة وحكايات مشوقة. وقد كتب توفيق الحكيم عن هذا الكتاب وقال:امتعنى كتاب فاضل خلف الأديب الكويتي حيث عشت لحظات في الكويت القديمة وتخيلت معالمها القديمة.

وفاضل تميز في كتابات بالحس الانساني والمشاعر المرهفة بحيث ينسج من التفاصيل الدقيقة ملامح الكاتب أو الشاعر كما جاء في كتبه عن الشخصيات الادبية مثل:كتاب " الشعر والشاعرة" عن الشاعرة سعاد الصباح وكذلك كتبه العديدة عن فرحان راشد الفرحان وعبد الله سنان وابو القاسم الشابي واستطاع أن يبرز الملامح الإنسانية والإبداعية لدى كل شخصية كتب عنها.
واذكر عندما كنت معه في احتفال السفارة التونسية بأحد الأعياد وجدت كثيراً من أدباء تونس والنقاد يتحدثون عن دور فاضل خلف في الكتابة عن الأدب التونسي ولا شك في ذلك فقد عاش في تونس ملحقاً ثقافياً أكثر من أربعة عشر عاما وحصل على جوائز تقديرية من الحكومة التونسية.

وكنا في جريدة الرأي العام نستقبل شعراء من تونس ومن مصر ومن الخليج جاءوا لمصافحة فاضل خلف وتقديم له بعض من مؤلفاتهم في الأدب وكنت أقف مندهشاً كيف لهذا الأديب استطاع أن يحفر حبه وذاته في قلوب هؤلاء جميعاً.

وكان فاضل خلف يذكر دائماً قصيدته "إنسان وعالم الغد" ويقول لي : ذات مرة عام 1964 أعلنت الإذاعة البريطانية عن مسابقة في الشعر متاحة لكل شعراء العالم واشترك فيها أكثر من550 شاعراً عربياً ومعظمهم من الشعراء الكبار وفكرت أن اشترك في المسابقة وكتبت قصيدتي التي فازت بالمركز الأول على مستوى العالم ربما لمحوا فيها تلك الجوانب الإنسانية التي ركزت عليها وقلت في القصيدة:
ماأعجب الانسان في أمره قد بلغ الذروة من نصره
أمر يحار الفكر في كنهه وتعجب الألباب من سره
فبعد أن كان بغاباته يعيش مثل الوحش في وكره
يسير كالتائه في مهمة لا يعرف الذرة من أمره
يأوى مع الليل إلي كهفه يرتقب الأنوار من فجره
أصبح مثل الشمس في عزها يشع نور العلم من فكره
قد زاحم الطير بأجوائه وغاص للأمجاد في بحره

وعندما أهداني كتابه :الحقيبة الأدبية " الذى احتوى على مقالات نقدية كانت نشرت في جريدة الراى العام من قبل وسألني : هل تصفحت الكتاب؟ وقلت له اليوم سوف أطالع صفحاته كلها ففال لي هناك مفاجاة في الكتاب. ورحت أبحث عن تلك المفاجاة فوجدت عدة مقالات عن كتبي أنا منها كتاب " الغاضبون في الادب " وكتاب " شخصيات أدبية " وكتاب "أعلام الشعر في الكويت".. واحتواني سرور جميل وظللت اشكره لاهتمامه بما اكتب فلم أكن أتوقع أن يكتب عنى الأستاذ في كتابه الذى أحتوى مقالات عن كبار الشعراء والأدباء في العالم العربي.

وعندما كنت أودع الكويت ووجدني حزيناً للفراق المؤلم .. أهداني كتب من مكتبته عن شعراء الكويت وكلها كتب حديثة الإصدار وقال : لن تغيب عنك الكويت واصل كتاباتك عن شعرائها الذين أحببتهم وعشت معهم ونحن على تواصل دائم.

وسألني إن لو قرر الإقامة في مصر فأين يمكن أن يقطن ؟ أو يمضى أجازة طويلة حول ضفاف النيل لأنه في شوق إلي مصر التي زارها في عمر الشباب.

ووعدته ان يكون مسكنه بجوار كرمة ابن هانىء وهي بيت الشاعر احمد شوقي فضحك كثيراً وأكد اننا سوف نلتقي على ضفاف النيل .وظلت صداقتنا مزدهرة بعد رحيلى من الكويت ويهاتفنى دائماً ويرسل لي بعض الكتب والمؤلفات الجديدة.
وظللت أنتظر حضور الأستاذ الكبير الذى علمنى كيف أكتب وكيف أكون إنساناً في كل كتاباتي ومواقفي في الحياه.

حتى تلقيت صدمة وفاته من الصديق الأديب عبد اللطيف الخضر فقلت:
قدً كنتُ أوثرُ أن تقول رثائى يامنصفً الموتى منً الأحياءِ
لكن سبقتً وكلُ طولِ سلامةٍ قدرُ وكلُ منيةٍ بقضاءِ
ورحل فارس الشعر .. والأدب ..
ورحل فاضل خلف المعلم .. والأستاذ .. والإنسان ..
وتركنا خلفه بقايا دموع .. وركام من حطام ...!!!

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف