الأخبار
صحف أمريكية: حماس خططت لإسقاط ناطحة سحاب في تل أبيبالهلال الأحمر الفلسطيني يبدأ الاثنين حملة تطعيم ضد شلل الأطفال ويعزز المناعة بفيتامين "أ""الصحة" تعلن انطلاق الجولة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزةشهداء وجرحى بقصف إسرائيلي وسط وشمال القطاعضباط وعسكريون: حكومة نتنياهو تخطط للضم التدريجي لاجزاء كبيرة من قطاع غزةواشنطن: إسرائيل حددت أهدافا لضرب إيرانلتوسيع العملية البرية.. الاحتلال يدفع بفرقة جديدة إلى الجنوب اللبنانيطهران تبلغ دول عديدة أنها ترد على أي هجوم إسرائيلي ضدهاهدف ريال مدريد يرغب بالانتقال لبرشلونةاستشهاد أسير من بيت لحم في مستشفى (سوروكا)طقس فلسطين: أجواء غائمة جزئياً ولا تغير على الحرارةارتفاع الدولار مقابل الشيكل.. أسعار العملات الأحدالاحتلال يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة ويعزل آلاف العائلاتإعلام عربي: القاهرة تسعى لتنظيم اجتماع للفصائل الفلسطينية الأسبوع المقبلالرئاسة الفلسطينية تعقب على تشديد الاحتلال حصاره وعدوانه على شمال غزة
2024/10/13
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إضراب الوكالة وسمات الإضراب الناجح

تاريخ النشر : 2023-05-29
إضراب الوكالة وسمات الإضراب الناجح

ناجح شاهين

إضراب الوكالة وسمات الإضراب الناجح

بقلم: ناجح شاهين

يبلغ عدد العاملين في تويوتا 400 ألف عامل وإداري ومهندس. ويبلغ إنتاجها الشهري من السيارات حوالي 8 ملايين سيارة. ولو فرضنا أن متوسط ثمن السيارة هو عشرة آلاف دولار لا غير لكانت المبيعات الشهرية 80 مليار دولار، ومعنى ذلك أن شل العمل مدة شهر يعني خسارة هذا الإنتاج الهائل. ولو فرضنا أن العاملين طلبوا زيادة في الراتب تصل إلى ألف دولار فإن ذلك يعني تكبد الشركة فاتورة مقدارها 400 مليون دولار أي أقل من مليار. وهكذا فإن فاعلية الإضراب واضحة ولا لبس فيها.
 
عندما يضرب العاملون في قطاعات مثل التعليم، فإن الضغط الشعبي على الحكومة هو المفتاح للنجاح، وإذا غاب ذلك وأبدى الجمهور اللامبالاة، فإن قوة الضغط تنخفض كثيراً. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة وفي السنوات القليلة الماضية عدم استجابة حكومة السلطة الفلسطينية لأكثر من إضراب قوي خاضه المعلمون للمطالبة بتحسين ظروفهم المالية وإصلاح وضعهم النقابي.

وعندما يتعلق الأمر بإضراب العاملين في وكالة الغوث فإن إمكانية التأثير تبدو أضعف كثيراً لأن الوكالة ليست جزءاً من الجسم الفلسطيني، ولا تتأثر بالاعتبارات المعنوية والشعبية التي يمكن أن تؤثر في السلطة. قيادة الوكالة تقع خارج الضفة في القدس، ورئاستها العليا تقع خارج فلسطين كلها، وهي مؤسسة دولية تخضع للهيمنة الغربية والأمريكية ولا يهمها بداهة الرأي الشعبي الفلسطيني، كما أن خدماتها تؤثر في الفلسطينين تحديداً، ولذلك فإن أي نقص في خدمات الوكالة الصحية أو التعليمية يؤثر في الفلسطينيين، ولا يؤثر في أي طرف آخر. 

لذلك لسوء الحظ الإضراب هنا يمكن أن يساوي أن تطلق النار على قدميك. ولعل من المؤلم أنه لا يوجد طريقة جدية فاعلة للضغط المؤثر على صانع القرار في الوكالة علماً أن السنوات الأخيرة شهدت لغطا كثيرا حول تصفية أعمالها نهائيا، وهو ما يزيد من صعوبة الموقف بالنظر إلى تدني مواردها، وتعمق عجزها المالي مع إمكانية استغلال الصعوبات المتصلة بالإضراب لرفع أصوات المطالبين بإنهاء أعمالها وتحويل الأموال إلى الدوال المضيفة لتتولى المسؤولية بما يسدل الستار على مسؤولية الجماعة الدولية عن اللاجئين، وهو ما يتصل بالبعد السياسي لصداع قضية اللاجئين التي يتمنى الأسرائيليون التخلص منها بأي ثمن.

بسبب المحاذير أعلاه لا بد من الانتباه إلى العناصر التالية عند اتخاذ القرار بتصعيد النضال النقابي من قبل العاملين في الوكالة:

1. توحيد العمال: يجب أن يكون هناك توحيد وتضامن قوي بين العمال الذين يشاركون في الإضراب. يجب أن يكونوا متحدّين في أهدافهم ومستعدين للتضحية والتحمل لتحقيق هذه الأهداف.
2. تنظيم قوي: يجب أن يتم تنظيم الإضراب بشكل جيد ودقيق وفعال، بما في ذلك تحقيق توافق بين العاملين بدرجة كبيرة، وعلى رأسهم المدراء ومدراء الأقسام والمراكز الحساسة الأخرى. ولا بد من وجود خطة واضحة للإضراب، بما في ذلك تحديد المطالب وتحديد موعد بدء ونهاية الإضراب.

3. التأييد الجماهيري: يجب أن يحظى الإضراب بتأييد ودعم صفوف المجتمع على اتساعها، بما في ذلك الجمهور ووسائل الإعلام. يمكن تحقيق ذلك من خلال توضيح الأسباب المشروعة والعادلة للإضراب وتوعية الناس بالتأثير الإيجابي المتوقع من تحقيق المطالب.

4. المطالب المشروعة: يجب أن تكون المطالب التي يقدمها الإضراب واضحة، بما في ذلك قضايا الرواتب وظروف العمل والحماية الصحية والسلامة. ويجب أن يكون هناك أدلة ووثائق تدعم المطالب.

الآن نسأل: هل صحيح أن النهايات محكومة بالبدايات، أو كما يقول العرب أنت تزرع ما تحصد؟ وهل صحيح أن المعركة التي لا تستطيع أن تربحها يجب أن تبذل الوسع والغاية كي لا تدخلها؟ يبدو أن الرد هو بالإيجاب. لكن من ناحية أخرى اعتقد كثيرون أنه لم يكن ينقص إضراب موظفي وكالة الغوث الدولية الكثير ليحقق بعضاً من أهدافه الأساس، إن لم يكن جميعها، لكنه في الواقع الراهن يعاني كثيراً، ويعاني العاملون إحباطاً متصاعداً. ربما أن العبرة يجب أن تستخلص من الأسابيع الطويلة التي مرت حتى الآن، لأخذ القرار الشجاع المناسب، والتفكير في تطوير طرق النضال المستقبلي.

كان المشهد في فلسطين مفتوحاً على أكثر من مصراعيه ليكشف أحداثاً جساماً تتناوب على فلسطين. وكان صمت مريب يخيم على المشهد الكلي. الضحايا تعودوا على الشاشة وتعودت عليهم، حتى أنهم لم يعودوا يلفتون نظر أحد. لقد أصبح مشهد دعاية عطر نسائي فاخر أكثر طرافة من أخبار الضحايا. الواقع أن هنا بيت القصيد؛ فالدم الفلسطيني طازج، لكنه لم يعد يسلي الجمهور، ولا يقدر على كسر روتين حياته المجدبة. ولذلك فهو لم يعد يكترث له أو يهتم حتى بمتابعته على شاشة الفضائية، وذلك أضعف الإيمان. خضر عدنان استشهد دون أن يتحرك أحد، وغزة قصفت دون سبب أو ذريعة ولم يتمكن أحد من إظهار الاحتجاج ولو بمظاهرة جدية واحدة. الناس تعيش حالة صمت وحياد مريبة.
 
ربما أن علينا اللجوء إلى هذه الحيلة لكي نفهم لماذا وكيف يتم الصمت على كل شيء. ومنه ننطلق لفهم سلس لمرور إضرابات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين مرور الكرام دون أن تستوقف الناظرين. لقد أدى تجاهل الأمعاء الخاوية والصحة المتردية للمعتقلين إلى استشهاد خضر عدنان أمام أعيننا وتحت مراقبة الكاميرات في هذا الزمن المريع المكشوف للعيان. إن إضراب الجوع كما هو معلوم لا يؤذي أحداً من الناحية المباشرة الفجة إلا من يقوم به. وتكمن قوته في صعوبة تجاهل موت الناس من الناحية الأخلاقية. ولما أصبح موت الناس، عفواً أقصد العرب أمرا سائغاً ومقبولاً، فإن الإضراب لم يعد له أية ملامح قوة. لكن معلمي الوكالة فكروا أن إضرابهم عن الطعام قد يكون وسيلة ضغط. هيهات، هيهات؛ إذا كان إضراب الأسرى عن الطعام وصولاً للموت لا يثمر، فكيف يمثر إضراب عامل يريد حقوقه وإن تكن مشروعة؟!

جاء إضراب العاملين في الوكالة في السياق الموصوف أعلاه. وكان في خطة القائمين عليه على الأرجح أن " العالم " سوف يتمزق ألماً لرؤية عيادات المخيمات مغلقة أو رؤية الأطفال في الشوارع بدل المدارس. كانت الفكرة ساذجة من الألف إلى الياء، وقد انعكست سذاجتها في سلوك فعاليات الإضراب التائهة بكل معنى الكلمة. وقد تخلى عنهم حتى مراسلو الفضائيات التي تلهث عادة وراء الخبر. كان الدم يسيل غزيرا في غزة ونابلس ومدن الضفة الأخرى، وما كان أحد من الأعراب أو الفرنجة ليكترث لما يجري. في الحارة العربية كانت الاهتمامات الرمضانية تطغى على كل ما عداها: كان لابد من إعداد القطايف ومتابعة المسلسلات الجديدة. ولقد كان موظفو الوكالة مثل من " يرقص في العتمة " بكل معنى الكلمة. ولكنهم مع ذلك لم يتنبهوا إلى صعوبة أن يعتمدوا الإعلام وسيلة للكفاح، واستمروا يتجاهلون أن الزمن ليس زمن الجعجعة الإعلامية. لكن ليس لأحد أن يلومهم، فنحن معشر العرب برعنا من يومنا في خطابة تغني عن كل معركة فعلية. وليس لنا إلا أن نستعيد كيف واجه العرب معاركهم منذ عام 1948 لكي لا نعود إلى التاريخ الأقدم.

ربما أن قيادة العاملين في الوكالة كان لديها بعض من بصيص أمل على الرغم من سوء الأوضاع وتردي فرص المقاومة في هذا الزمن الذي يندر فيه الأصدقاء ويكثر الأعداء والمتربصون. لكنها لم تساعد نفسها أبداً. كان من الواجب العمل على تمتين القاعدة وترسيخ إيمانها بعدالة الصراع وضرورة التضحية، علماً أن سيف الرواتب التي لم تنزل في موعدها كان مصلتا على رقاب الموظفين المساكين. ولعله كان بالإمكان عبر نشاطات متنوعة توجه للداخل وليس للاستهلاك الخارجي أن تعزز تعاطف ودعم المجتمع المحلي في المخيمات مع مطالب العاملين واتحادهم. ولكن الفكرة تظل للأسف تتجه للخارج بدل الاعتماد على الداخل. 

ومرة أخرى نود أن نؤكد أن ليس من السهل لوم الاتحاد لأن البلاد كلها تعتمد الخارج إطاراً مرجعياً يقدم المال والأفكار والبوصلة التي تحدد الاتجاه، فلماذا يشذ قادة الإضراب عن القاعدة! لقد بدت استهانتهم بزملائهم ومجتمعهم نموذجا يحتذى لسيطرة تفكير تبعي يقلل من قيمة الذات ويرفع من قيمة الآخر، وفي لحظة الحسم يجد الاتحاد نفسه محروماً من أي إسناد شعبي. بل إنه للأسف يجد نفسه الآن منهكاً وضعيفاً ومعزولا عن قاعدته المضربة التي تتساءل في حيرة عما يجري بالفعل فلا تجد جواباً. 

إنه شيء مؤسف بالفعل أن السيرورة النقابية في مجتمعنا لا تختلف عن سيرورة السياسة إذ يشعر القائد بأنه مطلق الصلاحيات وأن الحكمة وحسن التصرف تتطلب منه تجاهل القاعدة والتعالي عليها وعدم الرجوع لها أو مناقشتها أو البقاء في حضنها. وكما يحصد القائد السياسي العربي لحظة الحسم اللامبالاة وعدم الاكتراث، تحصد قيادة إضراب العاملين في وكالة الغوث الحصاد المر ذاته. ومثلما ترك الناس خضر عدنان وتركوا غزة لمصيريهما، تجد قيادة الإضراب نفسها وحيدة وتركض وراء سراب الوسطاء من السلطة أو غيرها.
 
ولعل من المفاجئ بالفعل أن لجان المخيمات الشعبية في مخيمات مخضرمة في تجاربها النضالية المقاومة مثل الدهيشة وبلاطة وطولكرم والأمعري والجلزون تقف موقف المتفرج، بل إن البعض يبتاهى بأنه ضد الإضراب.

يفاجئني من ناحية أخرى أن بعض الناس يظن وكالة الغوث منظمة إنسانية، ولا يجوز أن تعامل وكأنها رب عمل عادي يحق الإضراب ضده..الخ ولكن قصة إنسانية الوكالة هي جزء من الإدعاء أن قضية اللاجئين قضية إنسانية لا سياسية. والواقع أن هذا يفسر إلى حد كبير ما الذي جرى. إن أحدا لم يقم بجهد من أي نوع لتوعية الرأي العام المحلي أو تعبئته في صف الإضراب.

ونحن نصر على أن السبب يعود إلى توجيه الاهتمام نحو الخارج بدل الداخل كتعبير عن روح التبعية التامة في زمن الاعتقاد بأن القوة كلها موجودة في الخارج. هل سيقوم اتحاد العاملين في وكالة الغوث بإدارة نقاش علني مع جيش العاملين حول الفرص والإمكانيات الواقعية وكيفية التعامل معها؟ هل سنسمع عن عملية تحليل وتقييم نقدي لما جرى على امتداد ثلاثة أشهر من الإضراب؟ نتمنى أن يتم أخذ العبر لتحقيق أفضل ما يمكن مرحلياً والبناء عليه من أجل المستقبل.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف