د. صالح الطائي
تدوير أم إعادة بناء؟
بقلم: د. صالح الطائي
كل شيء في عراقنا الحبيب غير مألوف من اختلاف درجات الحرارة الكبير بين الصباح والظهيرة، والصيف والشتاء، إلى البخل والكرم، والرحمة والقسوة، والطبيعي والتطرف، ونقاء البياض وشدة السواد.
حتى الإنسان في عراقنا غريب، لا يشبه خلق الله أجمعين، غريب في سلوكه، وفي تدينه، وفي علاقته بالحكام، وفي الأرباب الوهميين الذين يصنعهم ثم يسجد لهم؛ وبعدها يئن ويشكو من احتقارهم له.
كلنا بلا استثناء، بجميع أجناسنا وقومياتنا ومذاهبنا ومعتقداتنا ومناطقنا وأصولنا وألوان بشرتنا، ننطوي على تناقضات غريبة عجيبة، لا يمكن لأي شعب أو لأي مجتمع في العالم كله أن يوفق بجمعها سوية في إناء واحد مثلما فعلنا، ونجحنا بامتياز كبير، أدهش القاصي والداني.
أما كيف وفقنا لجمعها سوية مثل من يجمع بين الماء والنار، فلا الماء يطفئ النار، ولا النار تبخر الماء؟ فذلك هو سر الأسرار الذي لا يُدرك، والذي يستعصي فهمه على أعظم حواسيب العالم وأكثرها تطورا، وأكبر علماء العالم وأكثرهم فهما وعلما.
المشكلة أن نسيج الفانتازيا اللامألوف هذا بغرائبيته المدهشة، أوقعنا في مشاكل وإشكالات لا تحصى، مشاكل وإشكالات مع أنفسنا، وفيما بيننا، وبيننا وبين الآخر القريب منا والبعيد عنها، تسببت في عرقلة نمو بلدنا وتطوره، ووقفت عائقا أمام إمكانية عيشنا بسلام وهدوء وراحة بال، فنحن على استعداد للتضحية بأنفسنا من أجل إنقاذ طفل يغرق لا نعرفه، في وقت لا ترمش لنا عين، ولا ترجف لنا يد إذا ما ذبحنا مائة إنسان من أهلنا وأصدقائنا وأبناء جلدتنا، لمجرد أننا نختلف معهم في الرأي. فأي غرائبية هذه؟
ونحن ممكن أن نبيع ملابسنا ونستر عوراتنا بورقة توت، ونحرم عوائلنا وأطفالنا من الملبس والمأكل، من أجل توفير المال لإكرام ضيف لا نعرفه، وفي الوقت ذاته لا نلتفت ولو بعين الرحمة إلى عشرين طفلا جائعا يتضورون أمام أعيننا؛ ولو بكسرة خبز.
إن هذا التناقض العجائبي هو ما جعلنا (شعب التناقضات) بامتياز، وتسبب في كل تلك المأساة التي حلت بنا منذ زمن طويل، ولا زالت تتجدد بأشكال وألوا ما أنزل الله بها من سلطان.
وهو الذي يدفعنا لنسأل أنفسنا، أو يدفع العقلاء منا ليسألوا: لكي نستعيد توازننا ووضعنا الطبيعي، ماذا يجب أن نعمل؟
هل نجلس ونستكين ونسكت باعتبار أن تلك إرادة الله التي لا راد لها، فنصبح من الجبريين الجامدين؟
أم نستكين لواقعنا باعتبار أن ما يحدث هو قدرنا، لننضم إلى مجاميع القدريين المساكين؟
أم أن هناك خطأ في تكويناتنا الجينية والخلقية والأخلاقية، هو الذي يتسبب بمعاناتنا؟
والسؤال الأهم: كيف يمكن لنا أو للعالم أن يعالج وضعنا، وهل معنى ذلك أننا نحتاج إلى مجرد إعادة بناء (Reconstruction)، وتقوية الأسس؟
أم أن حالتنا صعبة جدا، وأصعب مما نتصور ويتصور غيرنا، ولا حل لها إلا بعملية إعادة تدوير (Recycling) شاملة دون عزل، أي أن نسمح لكافة الألوان والأحجام أن تختلط سوية في ماكينة الثرم العملاقة، لتعطينا عجينة جديدة، لا يهم أن يكون لونها قبيحا، يكفي أن تجمع شيئا بسيطا من كل شيء موجود، لتخلق كائنا آخر لا علاقة له بأصله؟
وغير هذا وذاك، هناك السؤال الأصعب الذي ينطلق من الواقع المرعب: يا ترى سواء اخترنا هذا أم ذاك، هل سنجد بعد ذلك الراحة والاستقرار، أم أننا سنبتكر أساليب جديدة لنعيد القديم، طالما أننا تطبعنا على أن نحصر أنفسنا في تاريخ دائري، ندور معه حيث دار، والدائرة مثلما هو معروف ليس لها قرار؟
وأن خلاصنا الحقيقي هو أن نخرج من أسر دائرة التاريخ إلى دنيا الواقع ونستلهم تجارب الشعوب دون أن نفكر أن أجدادنا هم من علم الكون التحضر، فواقعنا المزري لا علاقة له بالتحضر لا من قريب ولا من بعيد.!
بقلم: د. صالح الطائي
كل شيء في عراقنا الحبيب غير مألوف من اختلاف درجات الحرارة الكبير بين الصباح والظهيرة، والصيف والشتاء، إلى البخل والكرم، والرحمة والقسوة، والطبيعي والتطرف، ونقاء البياض وشدة السواد.
حتى الإنسان في عراقنا غريب، لا يشبه خلق الله أجمعين، غريب في سلوكه، وفي تدينه، وفي علاقته بالحكام، وفي الأرباب الوهميين الذين يصنعهم ثم يسجد لهم؛ وبعدها يئن ويشكو من احتقارهم له.
كلنا بلا استثناء، بجميع أجناسنا وقومياتنا ومذاهبنا ومعتقداتنا ومناطقنا وأصولنا وألوان بشرتنا، ننطوي على تناقضات غريبة عجيبة، لا يمكن لأي شعب أو لأي مجتمع في العالم كله أن يوفق بجمعها سوية في إناء واحد مثلما فعلنا، ونجحنا بامتياز كبير، أدهش القاصي والداني.
أما كيف وفقنا لجمعها سوية مثل من يجمع بين الماء والنار، فلا الماء يطفئ النار، ولا النار تبخر الماء؟ فذلك هو سر الأسرار الذي لا يُدرك، والذي يستعصي فهمه على أعظم حواسيب العالم وأكثرها تطورا، وأكبر علماء العالم وأكثرهم فهما وعلما.
المشكلة أن نسيج الفانتازيا اللامألوف هذا بغرائبيته المدهشة، أوقعنا في مشاكل وإشكالات لا تحصى، مشاكل وإشكالات مع أنفسنا، وفيما بيننا، وبيننا وبين الآخر القريب منا والبعيد عنها، تسببت في عرقلة نمو بلدنا وتطوره، ووقفت عائقا أمام إمكانية عيشنا بسلام وهدوء وراحة بال، فنحن على استعداد للتضحية بأنفسنا من أجل إنقاذ طفل يغرق لا نعرفه، في وقت لا ترمش لنا عين، ولا ترجف لنا يد إذا ما ذبحنا مائة إنسان من أهلنا وأصدقائنا وأبناء جلدتنا، لمجرد أننا نختلف معهم في الرأي. فأي غرائبية هذه؟
ونحن ممكن أن نبيع ملابسنا ونستر عوراتنا بورقة توت، ونحرم عوائلنا وأطفالنا من الملبس والمأكل، من أجل توفير المال لإكرام ضيف لا نعرفه، وفي الوقت ذاته لا نلتفت ولو بعين الرحمة إلى عشرين طفلا جائعا يتضورون أمام أعيننا؛ ولو بكسرة خبز.
إن هذا التناقض العجائبي هو ما جعلنا (شعب التناقضات) بامتياز، وتسبب في كل تلك المأساة التي حلت بنا منذ زمن طويل، ولا زالت تتجدد بأشكال وألوا ما أنزل الله بها من سلطان.
وهو الذي يدفعنا لنسأل أنفسنا، أو يدفع العقلاء منا ليسألوا: لكي نستعيد توازننا ووضعنا الطبيعي، ماذا يجب أن نعمل؟
هل نجلس ونستكين ونسكت باعتبار أن تلك إرادة الله التي لا راد لها، فنصبح من الجبريين الجامدين؟
أم نستكين لواقعنا باعتبار أن ما يحدث هو قدرنا، لننضم إلى مجاميع القدريين المساكين؟
أم أن هناك خطأ في تكويناتنا الجينية والخلقية والأخلاقية، هو الذي يتسبب بمعاناتنا؟
والسؤال الأهم: كيف يمكن لنا أو للعالم أن يعالج وضعنا، وهل معنى ذلك أننا نحتاج إلى مجرد إعادة بناء (Reconstruction)، وتقوية الأسس؟
أم أن حالتنا صعبة جدا، وأصعب مما نتصور ويتصور غيرنا، ولا حل لها إلا بعملية إعادة تدوير (Recycling) شاملة دون عزل، أي أن نسمح لكافة الألوان والأحجام أن تختلط سوية في ماكينة الثرم العملاقة، لتعطينا عجينة جديدة، لا يهم أن يكون لونها قبيحا، يكفي أن تجمع شيئا بسيطا من كل شيء موجود، لتخلق كائنا آخر لا علاقة له بأصله؟
وغير هذا وذاك، هناك السؤال الأصعب الذي ينطلق من الواقع المرعب: يا ترى سواء اخترنا هذا أم ذاك، هل سنجد بعد ذلك الراحة والاستقرار، أم أننا سنبتكر أساليب جديدة لنعيد القديم، طالما أننا تطبعنا على أن نحصر أنفسنا في تاريخ دائري، ندور معه حيث دار، والدائرة مثلما هو معروف ليس لها قرار؟
وأن خلاصنا الحقيقي هو أن نخرج من أسر دائرة التاريخ إلى دنيا الواقع ونستلهم تجارب الشعوب دون أن نفكر أن أجدادنا هم من علم الكون التحضر، فواقعنا المزري لا علاقة له بالتحضر لا من قريب ولا من بعيد.!