الأخبار
تنديد عربي واسع بتصريحات إسرائيلية تدعو لفرض السيادة على الضفة الغربيةبريطانيا تحظر منظمة "بالستاين أكشن" المناصرة لفلسطينوزارة الأوقاف بغزة توضّح بشأن نفاد القبور في معظم مناطق القطاعأميركا تدرس تسليح إسرائيل بقاذفات الشبح "B-2" في خطوة غير مسبوقةمفاوضات غزة.. واشنطن ستدعم التمديد بعد هدنة 60 يومًا في هذه الحالةوزير إسرائيلي: مؤشرات إيجابية على اختراق قريب في مفاوضات غزةسوريا: مقتل وإصابة مدنيين بانفجار صهريج وقود في حماةالحكومة الفلسطينية: جهود مستمرة لوقف العدوان والإفراج عن أموالنا المحتجزةتقنيات أمان البيتكوين: كيف تحافظ على أموالك؟تفاصيل مقتل جندي إسرائيلي وإصابة ثمانية آخرين بكمائن في حي الشجاعيةمن جديد.. نتنياهو يتعهّد بـ"القضاء" على حماس واستعادة الأسرىسويسرا تبدأ إجراءات لإغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" في جنيف(حماس): نجري مشاورات وطنية لمناقشة مقترحات الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار بغزةارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إدارياً في سجون الاحتلال إلى 22غزة: 142 شهيداً و487 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
2025/7/3
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دراسة نقدية على قصيدة نينوى للشاعر الكبير وليد الصراف من العراق من ديوان (تاسع أهل الكهف)

تاريخ النشر : 2023-05-25
دراسة نقدية على قصيدة نينوى للشاعر الكبير وليد الصراف من العراق من ديوان (تاسع أهل الكهف)
دراسة نقدية على قصيدة نينوى.. للشاعر الكبير وليد الصراف من العراق من ديوان (تاسع أهل الكهف)

سمر الغوطاني

مقدمة:

في يوم 10 يونيو/حزيران 2014 سيطر تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) ليتخذها منطلقا لضم مساحات واسعة من البلاد، هذه المرحلة العصيبة مابين ٢٠١٤ و٢٠١٧من تاريح العراق التي تميزت بالدموية وكثرة الضحايا والنزوح والدمار وسلب الآثار والخيرات ...إثر تمركز العصابات الداعشية التي سمت نفسها بتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) معلنة قيام دولة إسلامية جديدة مدعومة من قوى الرجعية تريد زرع التناحر والفتنة في نسيج الدولة الواحدة لإضعاف العراق سياسياً واقتصاديا وبالتالي كل الدول العربية خطوة فخطوة لتحقيق مشروعها الإرهابي بتأجيج نار الحروب مابين ابناء الشعب وبين الحكومات بحجة الثورات المزعومة لتغيير الانظمة و(الربيع العربي المزعوم.)المحفوف بالدمار والدماء ..شان العراق كشأن كل الدول التي حلّت فيها تلك العصابات وتزامنت ايضاً مع أحداث سوريا وأزمتها وكذلك فلسطين وتونس وليبيا.....فكانت الفاجعة الكبرى بتناحر الأخوة في ذات البلد وكيل الاتهامات المتبادلة وإلقاء اللوم على بعضهم البعض وكيل العداوات واللحاق بالمصالح الفردية والسياسية والاقتصادية الخ على وهم انها مصلحة عامة وتغيير افضل والنتيجة وقوع الشعوب في المحظور وشرك العصابات التكفيرية والداعشية التوسعية حيث ارادت السيطرة على كل البلاد والتمركز وفق عد ة قواعد خدمة للقوى الرجعية والدول المتصهينة.... وقد رصد شاعرنا الكبير وليد الصراف هذه المأساة الدموية بمظاهرها واسبابها وراح يستنهض همم أبناء شعبه ووطنه الحبيب بكل حرقة قلبه وفوران وجدانه ليخلق الحماسة وليحوّل النكبة إلى قوة بالنضال ضد التهاون والتراخي والاستسلام ......فكانت من أجمل القصائد ودرر الشعر الحديث...

يقول الشاعر د وليد الصراف:
لمّانوى سفرا عنها أكان درى
عن نينوى ام إليها قد نوى السفرا؟
لمّا تزل طيف شاطيها يلوح له
ماأترع الكأس أو ما داعب الوتر
أيدّعي أن هذا القلب من حجر
والله هذي بلادٌ تنطق الحجرا
تصالح النهر والصحراء خيمتها
سماحةً وتؤاخي البدو والحضرا
حدودها دونما البلدان أجمعها
تمتدّ كي تتخطّى الشمس والقمرا
هل من بلاد سواها في البلاد زها
على الثريّا بها في الليل محض ثرى
ياليلها العذب ياشمساً قد اختبأت
من الديوك وأخفت وجهها حذرا
جبالك الشّم ماضاقت بمن درجوا
وظلُّ واديكِ لم يطرد من انحدرا
والقوم من يوم قابيل إذا اشتجروا
يحكمونك فما بينهم شجرا
 
بدأ الشاعر قصيدته بالاستفهام مجردا من نفسه طيفاً يحادثه ويسأله بتعجب عن سبب النزوح عن مدينته الحبيبة الموصل في نينوى( الكل) فهي مدينة الجمال والسلام والقوة لاتُهجر أويُنزح عنها احد ....وأم التسوية وظفها الشاعر بعد السؤال التعجبي كي يؤكد ذلك فهي مدينة لا ينزح أو سافر عنها إلا إليها..فالقصيدة بدأت بسؤال تعجبي قصد الشاعر من ورائه مدح مدينة نينوى العريقة ،وأكمل في وصفها ومدحها...مستحدماً ظرف الزمان الذي يدل على استمرارية دخول الماضي في الحاضر ( الحاضرالممتد نحو جهتين) (الماضي والمستقبل لمّا تزل) فالشاطئ يرويك من خمرة الجمال بالنشوى وكذلك النهر( الحضر) والصحراء( البدو) تحت خيمة من ( سماحة والتآخي)
فهي ليست حجر اً او تضاريس مجردة بل هي قلب ينبض بالمحبة وينطق فيها الجمال بوضوح..
فعراقتها تمتدُّ إلى البعيد وليست محصورة بين جدرانها بل تجاوزت حدَّ الشمس والقمر....حتى الليل فيها منير مبتهج وله مظهر مختلف لديها....فكأنّه بهجة للناظر لايود أحد أن ينتهي فكأن سطوع أنوار الليل وبهجته شمسٌ تخال معها ان النهار طلع لكنّ الشّمسَ مختبئةٌ عن عيون الديكة كي لايعلنوا بدء النهار بصياحهم فيزعجوا السمار....
(ياليلها العذب ياشمساً قد اختبأت
من الديوك واخفت وجهها حذرا)
شبه الليل بالشمس....وتابع في وصف المستعار بعد ان صرّح به( ياشمساً) وهذا من البلاغة التي تختزل التعبير بإيجاز وإتقان( ياليلها العذب ياشمسا.......)
ولاينسى في كل لمحة طبيعية كالجبال والوديان..أن يدلّل على كرم ونبل سكان هذه المدينة بقوله:( لم يطردمن انحدرا ،وماضاقت بمن درجوا)
وحتى الخلافات والشجارات بين الناس لم تكن عائقا امام تسامح سكانها.. فاختلاف وجهات النظر وتداخل الآراء يسودها الاحتكام إلى الحق كما تقتضي الرسالات السماوية وسنة النبي عليه السلام) يقول تعالى( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم) وجاء في الحديث( إياكم وماشجر بين أصحابي) اي ماوقع بينهم من الاختلاف...
 
((مازلت أمشي على مهل القصيدة في
دروبها وورائي يلهث الشعرا
وقمقم صدته من شطّ دجلتها
وقال عفريته لي عند ما ظهرا
( شبيك لبيك) فاطلب آت ٍ قلت فجيء
بضجة السوق طبق الأصل....فاعتذرا
يامن حارت الأحلام وارتبكت
والصخور ريب فلم يعرف لها عمرا
حجارة السور قالت : عمرها حقب
لم يقضِ فيهن منها غاصبٌ وطرا
وقال بل هي حتى الآن ماولدت
ركب الربيع الذي قد أردف الزهرا
زيارتان له في العام بعدهما
ظل الربيع وراء السور منتظرا
ودجلة عاد محزونا فهل خفرا
عن موجه نفرت في الليل ام صعرا
أمّ الربيعين أماها فيالهما
من واردين ولما يفطما صدرا
حسناء بسمتك الدور التي برقت
من الضفاف تحيي كلّ من عبرا
وجلدك المسك من يسمع بضوعته
ولم يكن شمَّ من نفحه سكرا
تنفستْ ألف فردوس به وسرت
أنفاسها حاملات ضوعك العطرا
ودجلة ريقكَ الصافي وصوتك من
خريره تسكت الأطيار لو هدرا
قد حاك ثوبك من خيط الرؤى فغدا
يشفُّ كالحلم منه من به ائتزرا
وقرطك الفضة البيضاء يسكبها
نجم لأجلك حتى الفجر قد سهرا
لثغتِ بالراء كالأطفال فالتبست
بالحبّ حرجا وأعيا قصدك الفكرا
على فراقك أيّوبا لما صبر
إذا أزاح خمار الليل فجرك كي
يرى الذي كان عنه منك مستترا
كل المساجد في سحر تلبّسها
تكبّر الله مماقد رأت وترى
فرشتِ سجادة عشب الضفاف لنا
وراح يتلو عليناسروك السُورا
يلقى الهجير فيبدي وارفاً عبقا
من الظلال ويخفي حاجما نَغِرا
ومثلما واقفا أمَّ الصلاة بنا
فواقفاً في الوغى من أجلك احتضرا
لم يستبن رشدهم قوما قومي أمرتهمو
امري وراعوا لمن بالغي قد أمرا
وكنت أنذرتهم ألفاً وأنذرهم
غيري ولكنهم لم يسمعوا النُذرا
لا أدّعي عين زرقاء اليمامةبل
أنا امرؤ افقدتني أدمعي البصرا
وربّ راء بعين الصقر ماسبرت
عيناه افقاً وأعمى لايرى سبرا ))

القصيدة عند شاعرنا تختا ل في وجدانه وعلى لسانه حين تمسُّ مديح نينوى فكل الشعر دونها لاهثٌ وراء معناه كي يصل إلى جمالها وقيمتها.فقد قيل الكثير من الشعر و القليل لشأنها وبقي الأكثر مما يقال...( وورائي يلهث الشعرا) قد انسن الشِعر على سبيل الاستعارة المكنية.... وعلى ضفاف دجلة اراد الشاعر ان يتمنى
فلجا إلى قصة القمقم الذي ظهر في خياله وطلب من المارد (العفريت) ان يحقق له أمنية ..ولما سمع العفريت لأوامره واراد التنفيذ لم يستطع ذلك ...فاعتذرمن شاعرنا لصعوبة الطلب:(فجئ بضجة السوق طبق الأصل.....فاعتذرا) النقاط بعد الطلب تدل على المدة والانتظار وتدل على محاولة العفريت غير المجدية و غير البسيطة..ليصل إلى الاعتذار المباغت بالفاء.. تتالي أفعال الأمر بين فعل ورد فعل( اطلب آتِ ،قلت فجىء) منح الصورة عامل الحركة ضمن مشهدية تصويرية نقلت الحدث نحو خيال المتلقي كأنه يراقبه ببصره ويتفاعل معه بدهشة لكن هذه الخيبة جعلت الدهشة قصيرة الأمد
اذاً كل أحلام سكان نينوى مرتبكة وقلقة بعد صحو إثر غشاوة من النكبات استمرت لأكثر من عقدين انعدمت فيهما الحياة تماما وعانت من الحروب كثيراً حتى أنهكت ولم ينل عدوها مأربه ومع أنها ام الربيعين لكنهاتنتظر ربيعها الذي لمّا يولد بعد فهي لم تعد بعدُ إلى سابق عهدها من ازدهار ( ضجة السوق : هي الحياة المفعمة بالازدهار والحيوية وامتلائها بحركة التجارة والحركة المعيشية ) فسكان الموصل عرفوا منذ القديم بنشاطهم وحبهم للعمل واجتهادهم الكبير الذي لامثيل له...وقد توقفت حياتهم إثر الحروب والنكبات ...وهاهم ينتظرون ليس مهرجان الربيع فقط التي كان يقام على أرض الموصل أواخرنيسان بل ينتظرون الربيع نفسه وراء سور منعتها وصمودها كي يعيد لها الازدهار البشري والاقتصادي بعد التحرر
ونجد ذلك في قول الشاعر:
(وقال حتى الآن ما ولدت
ركب الربيع الذي قد اردف الزهر
زيارتان له في العام بعدهما
ظل الربيع وراء السور منتظرا)
والزيارتان قصد بهما الشاعر :ان الربيع يزور الموصل في فصل الخريف و فصل الربيع لذلك سميت ام الربيعين ، فهو يريد لها الربيع الأشمل وهو عودة الحياة المزدهرة والغنى والخصب الحقيقي للمعيشة.وحيوية السكان وسلامهم ..( الزهر :هو السلام والازدهار)
وقد رأى الشاعر ان دجلة يعتريه الحزن فماؤه كثير
لكنه يخشى ان يكون الربيع قد خفر عهده معه ويخاف ان ينفر موجه ويذهب سدىً فأم الربيعين هي التي ولدت دجلة والربيع ولمّا تفطهما بعدُ، فإن كانت هي بخير كانا هما ايضاً ، فالمسألة مسالة وجود وانتماء، وعراقة قديمة..لاانفكاك فيها ولاخلل...فصور الشاعر تنهمر في احتواء جمله الشعرية بترابطٍ يشدّ من أزر بعضه البعض ..ترابطٍ محكم لايقبل إلا أن يقودنا إلى حيث يريد شاعرنا بقوة بيانه وجمال تخلّصه..وانتقاء لفظه وقوة السبك المحكم وتفنن بالأساليب..مابين خبري وإنشائي لتكتمل الصورة بالاستعارات الجميلة وأنسنة الاشياء الجامدة لخلق الحيوية والروح التي( تشعر وتخاف وتعشق وتلد وتحلم.)....
وفي التشبيه البليغ لبسمة الموصل الحسناء نجد أنها هي( الدور )ذاتها التي تسكن ضفاف دجلة ولأنها منيرة متوهجة فهي تبرق كالمبسم لتلك الحسناء بل هي البسمة ذاتها....قد حذف الشاعر اداة التشبيه لأنه اراد مطابقة المشبه به على المشبه مطلقاً :(حسناء بسمتك الدور ) وهذه الصورة استندت على استعارة تصريحية من كلمة حسناء وهي وصف لنينوى لكنه لم يصرح بالمشبه( نينوى) بل تابع في وصف المشبه به ( الحسناء) فراح الشاعر يسرد لنا ببلاغة ورقة نواحي جمالية في هذه الحسناء فأجمل كل صفاتها فيها( بسمتها تحيي..وجلدها المسكُ نفحهُ يسكرُ من يسمع بها فضلا ًعمن يعرفه وألف فردوس يسكن فيها.أنفاسُها عطر.،ريقها صافٍ ، صوتها خرير الماء الذي يسكت من جماله الأطيار المغردة، ثوبها مصنوع من خيوط الخيال الجميل..فهي حلم لكل مريد..في اذنيها قرط من الفضة البيضاء التي تتدلّى من يد نجم سمائها يسلّم ضوءها إلى الفجر فهو بذلك يكنّي عن سطوعها الدائم ليل نهار...ولم يكتفِ بهذا الوصف البليغ والجميل للمدينة بل جعلها تلثغ بالراء لأنها مازالت طفلة حييّة تخجل( حرجاً) من كلمات الحب لفرط نضارتها وعفتها حتى الفكر اعجزته عراقتها فلم يصل إلى عمقها وحضارتها مهما قصد إلى ذلك...(أعيا قصدك الفكرا)
وثمة من يقول للشاعر( تصبّر) فهو ليس يصبر على فراقها لأن ايوب عليه السلام نفسه الذي اشتهر بقوة صبره لن يقوى على احتمال هجرها والتصبر على فراقها ( على فراقك ايوب لمّاصبرا)
وهنا استعان الشاعر بأداة الشرط غير الجازمة التي تفضي إلى الظرف الزماني ليبين الحال :( إذا أ زاح خمار الليل فجرك) هذا الشق الأول من الشرط ...أمّا الجواب فهو : ( يرى الذي كان عنه منك مستترا)
ماذا يعني هذا؟ القصد من هذا الشرط غير الجازم لأن الشاعر لم يؤكد حدوث فعل الانزياح المقترن بالليل، فهو لم يحدث بعد ...اما في حال حدوثه سينجلي العتم والغشاوة المؤلمة بالنكبات ليطلع الفجر الذي هو النور والحقيقة والحرية،هذا النور الذي كان مختفياً يغطيه الظلم والظلام.... فإذا ظهر الحق وزهق الظلام والباطل سيرى الجميع ان المساجد التي ترفع الآذان كان قد مسّها سحر السلفية فجنت العقول من حيث ركوبهم موج الأوهام وسوء فهم معتقداتهم الدينية بعد غزو التكفيريين لهم وهذا الفهم الخاطيء للإسلام كائنٌ من ادران السلفية والرجعية والتخلف والجهل عندها ستظهر الحقيقة وتعبد الله حق عبادته التي أمر بها لفرط دهشة العقول من هذه الادران التي علقت بها عندها ستعرف الله حق معرفته وترتل قرآنه وتسبح باسمه دون شك او شرك. عندها سيذكر السرو الذي يحيط ضفاف دجلة معجزات الله في نينوى يعني :( يعم السلام والصفاء الروحي) فالسرو ينادي بالسلام وسوف يرمي حر ارة المأساة والحروب والنكبات ويلتفع بظلال الحرية والسلام وعبقها ويخفي الأحقاد والضغائن التي تسبب الشغب والشجارات( استعان الشاعر بلفظ بليغ (النغر) وهو اسم فاعل من الفعل نَغرَ الذي يعني كثير الغيظ والحقد وغلو الجوف.. و(الجاحم) ايضا معنى مرادف للنغر وهو المستشيط غضبا وثورة ومنه قولنا (جحمت النار): يعني عظمت وتأججّت.. والسرو قد عبد الله فيك وقد أمّ في صلوات ابنائك وكان قدوة لهم في علوّه وشموخه وكذلك ظل شامحاً رغم الحروب والتعديات ليدافع في ساحات المعارك مستبسلا ًحتى الموت( فواقفا في الوغى من اجلك احتضرا) لكن القوم لم ينتبهوا لتلك المخاطر ولم يعوا عواقب النعرات والحروب فوقعوا في المحظور
البلاغة والجزالة في التمكّن من التركيب الشعري المحكم دون زيادة او نقصان فهو خيّاط ماهر ومهندس بارع يقيم اركان نصه ويحكم نسجه بخيوطه البديعة في غزل مدهش يبهر السامع والناظرإليه فيصعب تقليده..هذه سمات النظم الشعري الطروب والحكيم والبليغ لدى شاعرنا المبدع د .وليد الصراف..( مثلما واقفا امّ الصلاة بنا
فواقفا في الوغى من أجلك احتضرا
لم يستبن رشدهم قوما قومي أمرتهمو
أمري وراعوا لمن بالغي قد أمرا
وكنت انذرتهم الفاً وأنذرهم
غيري ولكنهم لم يسمعوا النذرا)
جعل الشاعر السرو إماماً يخطب في القوم للصلاة ويحذر من عاقبة التناحر والفتنة بين ابناء الشعب الواحد ..مستخدماً الجذر اللغوي الواحد للحفاظ على وقع الجرس الموسيقي الذي ينيّه العقل ويلفت النظر إلى مايقول ( قوما قومي)( أمرتمو أمري ..امرا) )واقفا ،فواقفا)( أنذرتهم وانذرهم ، النذرا)
فهذه الدهشة في المفارقات التي تصنعها الحروف مابين فعل ورد فعل ..مابين المتوقع واللامتوقع...ليتبين المعنى في تعاقب الحركة والحركة او تعاقب الحركة مع مفارقة السكون...
إلى ان يصل إلى ماخشي منه فالتحذير( النذر) لم تفلح في درء المصيبة لأن المتلقي غاب وتنكر للإجابة فزرقاء اليمامة بحدسها العميق وبصيرتها ادركت الخطر في عصرها ونبهت قومها لكن لم يطيعوا :
(( فهي شخصية عربية جاهلية من أهل اليمامة كانت مضربًا للمثل في حدِّة النظر وجودة البصيرة إذ قيل أنها كانت تبصر الأشياء من مسيرة ثلاثة أيام وبهذه القدرة أنذرت قومها بأن وفود حسان بن تبع الحميري وجموعه قادمة إليهم مستترة بالأشجار تريد غزوهم ولكنهم اتهموها بالخرف ولم يصدقوها فاجتاحهم الأخير وقضى عليهم. ))
لكن الحكمة التي أرادها الشاعر انّ الإنسان حتى لو لم يمتلك بصيرة زرقاء اليمامة عليه أن يضع احتمالات كثيرةويتوقع نتائج كثيرةعند اي تصرف غير محسوب إذ إن الصقر بقوة نظره قد يخطيء هدفه ولايسبر عمق المدى والأبعاد جيداً وربمايكون من يقود القوم اعمى في بصيرته لايدرك حجم الأمور وتبعاتها
((رب راء بعين الصقر ماسبرت
عيناه افقاً واعمى لايرى سبراً ))
والاعمى هنا قد يكون (المتلقي والسابر معاً )....فتصيب القوم وذوي القرار فيهم.. ويستمر الشاعر في نبوءة الزرقاء ليسقط ماجرى مع قومها على مايحدث لقوم الشاعر في العراق ..فالدسائس والفتنة تتخفى وراء أشخاص ضمن المجتمع العراقي يكمون حقدهم وعدائهم ليحتالوا فيتمكنوا من اهدافهم ولماجاءت التحذيرات( صرخت) لم يبال احد بها وسخروا( هاهاها يرى شجرا) فالشجر كناية عن العدو المستتر بين نسيج المجتمع بهيئة غير هيئته الحقيقية
يقول شاعرنا:
((إني ارى شجراً يمشي صرخت بهم
فقهقه القوم هاهاها يرى شجرا
حتى إذا فاجأتهم عاصفاتُ لظىً
ماأوفدتْ قبل أن تجتاحهم شررا
فنوا ومااعتبروا منها لأنّهمو
لم يبقَ من أحدٍ منهم ليعتبرا ))
وكانت المفاجأة للقوم بأنّ رياح الحرب عصفت قوية حارقة لكل شيء ولم يشعروا لو بإنذار بسيط ليحتاطوا فراح القوم جرّاها قتلى فأفنت الكثير الكثير ...ويلتقي شاعرنا د.وليد مع شاعرنا الكبير صالح هواري فقد أخذ كلاهما رمز زرقاء اليمامة ليعبرا فيه عن اسباب وقوع الحرب الأهلية بين الأخوة الأشقاء وتربص العدو فيهم عن طريق الخدعة ..لكن دكتور وليد ساق هذا الرمز بكامل الحدث والدلالات أما شاعرنا صالح هواري أخذه من جانب واحد هو عدم ادراك الفخ المنصوب للفدائيين حيث اندس اصحاب الفتنة بينهم ليحرفوهم عن قضية النضال ضد الصهاينة بالاقتتال فيمابينهم على المناصب والاحزاب ب٠ينما الدماء تهرق سدىً بفعل الفتنة وتخلي الأشقاء العرب عنهم فيقول في نصه المعنون (تقول زرقاء السياسة):
((تقول زرقاء السياسة :
تخرج الأنهار عن انهارها الأولى
ويحترق الشعاع
تصير كل حماسة شركاً
ويغني النهر مرتبكاً
وتنسى الأرض ماكتب الهواء
ألا افتحي عينيك أكثر يادمائي
أنت شمسي للجليل
وأنت بوصلتي...دليلي ..)).
وننابع قصيدة نينوى عندما يقول شاعرنا د وليد الصراف معبراً عن صدق الشرفاء من العراقيين وأصالة مبدئهم رامزاً لهم بدجلة...وجعل أناه الفردية في أناهم
الجمعية...
((إنّي كدجلة لم يكذبْ على أحد
ولم يسمّ الحصى في جُرفه دُررا
ولم يعد مركبا لم يحتسب خطرا
والريح ساكنة إن يأمن الخطرا
ولم يقل راكبْ عن موجه: غد را
ولم يجرّب عليه شاربٌ كدرا ))
فهو كباقي الشرفاء لاينافقون و(إني) قصد بها أهل الفطنة الشرفاء وأصحاب نبوءة الحرب ...يتحدث الشاعر بأنا فردية بقصد الجمع... لايعني نفسه... فالنبوءة صادقة لأن الاصيل لايخون ولايكذب وهو صاف وشفاف كنهر دجلة...ودجلة رمزبه للشعب العربي العراقي الأصيل..
فهم لايغدرون ولايسّمون الأشياء بغير مسمياتها ولايمدحون رياء ومن يتهور في قراراته ينل جزاء اختياراته... وهم لاينكرون المعروف ....فكل صفات دجلة صفات لهم. وإذا عدنا إلى الشاعر الكبير امل دنقل رحمه الله في رائعته البديعة ((البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)) نجد انه وظّف هذا الرمز لتوصيف حال العربي نفسيا ًوسياسياً ووطنياً داخليا وخارجياً أكمل توصيف ..فأخذ الرمز دوراً مثالياً في كونه قد تنبأ بكل الحقائق الواقعية ..فرأى مالم يره الجميع لأمد بعيد وأخذ الشاعر دور لسان حال المجتمع كله ،ولنتذكر ماقاله امل دنقل في قصيدته وكأنه يستشرف المستقبل بكل مايحدث اليوم للشعوب العربية وماحدث من قبل ( تطبيع . ،ماساة فلسطين نكبات العصابات الإرهابية وربيع الدم والحرب _ تناحر طائفي، خيانة الأشقاء،بيع الحقوق والدول والدماء الخ من مزادات ومراهنات ونكبات اقتصادية وسياسية وأخلاقية الخ.. .)) وعاطفته كانت معبأة بالحزن والقنوط والانكسار والشعور بالخيبة والخذلان ...إذ يقول:

((أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
أسأل يا زرقاء ..
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
كيف حملتُ العار..
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
تلعقَ من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان))
فشاعرنا الدكتور وليد الصراف عبّر عن غضبه من الخانعين الصامتين الذين يعيشون على الأوهام وينتظرون من غيرهم أن يحلّ مشاكلهم وينهي مآسيهم....فخاطبهم بالضمير أنت على نية الكل بالمنادى غير المقصود أو المحدد فقال:
((وأنت ياقابعاً في الظل مقتنعاً
بأنه بعد عين قد غدا أثرا
مجنّحاً لم يطر يوماً وظلّ كما
هو المقيم على أوهامه عصرا
مسمّرا في الطلول الدُرس غادرهُ
من واقفوه وأنهى السامر السمرا
سمّاك ياايها الثور المجنّح
بالثور المجنح من لم يمعنوا النظرا))  عنى الشاعر أن الخانع ينتظر من هذه الأطلال الدراسة أن تنقذه  وتثور لألمه ومصابه لكنه بقيت صامتة لأنهاأطلال لاتثور ولاتطير وتنتظر من يحيي أمجاد البلاد ويحررها لا أن ينتظر المتخاذل حدوث المستحيل ومعجزات الخرافة.فحتى الشعراء  لم يعودوا يقفون على الأطلال لمناجاتها..(أنهى السامر  السمرا..)
فالثور المجنح :
((كان يرمز إلى القوة والحكمة والشجاعة والسمو، وقد اشتهرت الحضارة الآشورية بالثيران المجنّحة ولاسيما مملكة آشور وقصور ملوكها في مدينة نينوى وآشور في شمال بلاد ما بين النهرين والذي غدا رمزاً من رموز هذه الحضارة التي كانت تعتمد القوة كمبدأ في سياستها وانتشارها.))
ويتكون الثور المجنح من رأس إنسان وأجنحة نسر وجسم ضخم لثور، ليجمع مزيجا من أقوى المخلوقات وأكثرها شراسة في المنطقة. فمن ينظر إلى الثور المُجنح فإنه يرى جسم ثور وله رأس إنسان مع خمس أرجل وجناحين ويرتدي القلنسوة العالية مع حزام....
(سمّاك ياايّهاالثور المجنح
بالثور المجنّح من لم يمعن النظر)..ببلاغة وإيجاز الند للند والمفارقة في استخدام الأنداد ..كيف ذلك؟
الثور المجنح في الشطر الأول يعني هو كل ماأوردته من شرحي وتعريفي السابق به...باختصار( هو كينونة وعراقة وقوة نينوى وشعبها)
الثور المجنح الثاني قصد منه الشاعر :أن مايحدث مع العراقيين لايجب أن يكسرهم ولايضعف من قوتهم لأنه باختصار زعمٌ كاذب وخرافةمستحيلة فكل مافي الأمر أنهم لم يقدروا عواقب الأمور ولم يحذروا الخطر.....واراد الشاعر ايضاً
بقوله( مجنحاً لم يطر وظل كما
هو المقيم على أوهامه عصرا)) اراد أن يصيب أصحاب الوهم والاحلام المستحيلة بسهمه كي يستفيقوا على واقع متردٍ نسفت فيه جميع الطموحات وأنهكت فيه جميع القوى والشرائح المجتمعية فالقابع اللامبالي المنتظر فرجاً من المسحيل او من أوهامه القديمة لن يفيده شيء إلا النهوض بالعمل والكفاح الحقيقي ومحاربة الفساد..((ياقابعاً...........حتى قوله السمرا) فالوقوف على الأطلال الدارسة لايجدي نفعا ولايعيد الماضي المجيد
وهناك من القوم مازال نائما غافلاً عمايجري والقيامة قد قامت من حوله لكنه لم يبعث من رقاده ولم يشعر بالخطر القائم الذي دمر البلاد بمدائنها وقراها وافنى الأخضر واليابس..فنارُ الضغينة والحرب والاقتتال والتناحر بين الفئات بفعل المندسين أصحاب الفتنة جعلت الدمار في كل شيء والنهب والسرقة طالت الأوابد الأثرية( حلس المتاحف....... ..الصورا))
((يانائماً دق طبلٌ للوغى وهوى
على الرعية ماشادت وماشعرا
ياميتا صاح إسرافيل ينشر من
ماتوا فقاموا وهو مانشرا
أتراك تاسع اهل الكهف انت صحواً
بينا تغطّ وحيداً من طويل كرى
حلس المتاحف من سوح الوقائع قد
هجّرت كي تسكن التمثال والصورا
كم دمعة في المنافي سوف نذرفها
تضاف من قبل للدمع الذي انهمرا؟
كم قطرة من دم أخرى سننزفها
لكي تحسّ بما يجري لنا وجرى؟
لاثرت لاطرت هل حقاً مسخت كما
قال الأحباء او قال العدا حجرا؟!))
فهذا النائم الغافل شبهه الشاعر بأصحاب الكهف الذي هربوا من الطاغوت بالنوم والاختباء بعيدا عن أعين العدو إلى مئات السنين على أمل أن يموت عدوهم وتتغير المعتقدات الشِركية لكن هيهات هنا أن يحدث ذلك ..فالتغيير لايتمّ بالجبن والتخفي والانتظار لأن عاقبة الغفلة والتهاون وخيمة لأنها ستفني البلد والشعب في ظل التناحرات الطائفية والدسائس القاتلة واعمال الشغب والتخريب والقتل والنهب.....فلا الماضي التليد سيعود بالأوهام والشعارات الفارغة والخطابات الكاذبة ولا الصبر على الفساد حكمة فكأن هذه الأمجاد صارت مجرد أحجار في متاحف او صور خالدة في المعارض فقط...(لا ثرت ولاطرت هل حقاُ
مسخت كما قال الأحباء اوقال العدا حجرا؟!))
اعتمد الشاعر على الاستفهام الاستنكاري ليعبر عن شعور الحزن والغضب الثائر في وجدانه...فكرر السؤال بكم الاستفهامية مستعينا بها في أسلوبه الإنشائي الذي لجأ إليه ليستنهض الهمم ويضع النقاط على الحروف في هذه المأساة الوطنية.. فأهل الكهف لم يكونوا تسعة والعلم عندالله لكن الشاعر اراد هذا الرقم فضلا عن الارقام الواردة في القرآن الكريم .ومازال الشاعر يستنهض الغافل كي ينتبه إلى هذه الكارثة التي احرقت الأخضر واليابس في كل مكان فتهدمت الحياة المدنية الحضارية بسياسة القطيع المعممة بواسطة غسيل الادمغة فاتسعت القرى وكثر عدد تابعيها...فنار الحقد أكلت كل شيء وانهدم البنيان وعمت الفوضى تناحرت الطوائف وتقاتلوا إلى ان افنوا بعضهم البعض فصار معتقدهم بدل دينهم (شريعة الغاب ) واتبعواوسياسة القطيع ومبدأ التكفير والتخلف الذي اعاد الشعوب إلى الجاهلية فعادت للتمسك بحجة الثارات القديمة فادى إلى التناحر بين الاحزاب الدينية كما كانت بعد عهد الرسول فقال مستعيناً بفعل الأمر ليعبر بنبرة حادة عمايجيش في صدره من غليان:
قم إن قومك قد مادت مدائنهم
بهم وضاقت على راعي الشياه قرى
ودينهم ذهبت فيهم مذاهبه
بعد الهدى نحو شرع يقتل البشرا
ويومهم مسرح نأبى ستارته
تزاح إلا على الأمس الذي غبرا
فكلّ من غاب ممن قبره اندثرا
حيّا بتاراته في يومهم حضرا
ويكرر فعل الأمر( قم) بقصد استمراراستثارة الحماسة لدى أبناء وطنه كي ينتبهوا لمايفعله عدوهم فيهم فقد أوقد الخونة وأصحاب الفتنة نار الحرب بإيعاز من العدو كي يضعف الشعب وتماسكه ويعيده إلى التنازع الطائفي والمذهبي وإدراك ثارات فني أصحابها. فالدسائس تحاك في الخفاء( إن عدوك أورى ألف معركة) والمصيبة أنها حرب أشقاء وليست حرباً مع العدو:
(قم إن خصمك أورى ألف معركة
بين الأشقاء فيها وحده انتصرا
ابن المدينة وابن القرية اصطرعا
والنازحون ومن لم ينزحوا اشتجرا
والسرو شاتم نخلاً والحمام وشى
بالغصن والغصن ادنى للعدى الثمرا)
ليست المأساة فقط بعداوة الأخوة لبعضهم البعض إنما بتقريب العدو الحقيقي ووهبه خيرات البلاد لقمة سهلة وتسهيل الأمر عليه ...وكنى الشاعر عن ادعياء السلام بالحمام الواشي( الحمام وشى إلى الغصن)...والغصن كناية عن فروع شجرة المجتمع واركانه ( السرو شاتم نخلا) كناية عن شجارات الانداد من علية القوم .. وايضاً انتشار تنافر القبائل وشتم بعضهم البعض وانشغالهم بتحقير بعضهم البعض مع أنهم من ذات المنبت والأصول
( (وعامر بالخنا قد عيّرَمضرا
وتغلبُ تستضيف الروم موقدةً
كي يهتدوا الزيت في الظلماء نار قرى
السيد اليوم من لص القوافل أو
من أرهب اومن منهمو سخرَ ))
السارق والإرهابي والمرتشي هوالغني والخونة ( تستضيف الروم) الذين يسهلّون الدرب للعدو ويطبعون معه وينيرون اتجاهاته كي يحقق مطامعه وغاياته وتعدياته على أبناء جلدتهم..
والذي يصطاد في الماء العكر ما شاء من مصالح ( منهمو سخرَ)
فالناس احسّت بالقيود والضيق فقد حوصرت الناس حصارا نفسياً وجسدياً وحدت بهم الظروف إلى الفرار والنزوح عن مواضعهم من كثرة القتل والخطف والسلب ..
((وأنت مازلت مأسوراً ولا أحد
في الناس يدري متى وأين أسرا
حلفتُ بالناس لولا قال أشرفهم
من يول حلفاً بغير الله قد كفرا
بأن سجنك وهمٌ يعتريك فلا
قفلٌ ليفتح أوقيد لينكسرا (((
القيود المقصودة هنا الجبن والتخاذل بسبب تلك الحروب الطائفية التي جعلت الناس محصورون في طوائفهم لايستطيعون ان يثوروا على هذا التخلف بسبب القتل وازمة الحروب الداخلية التي ضاعت فيها الطاسة فاختلط الجيد بالسيء والمسالم بالعدواني...فساد القلق والخوف والترقب وهذا اسرٌ وهمي استنكره الشاعر ودعا للخروج منه لأن المقاتل العراقي أسد شجاع لايهاب أحداً وعليه ان يعتمد على قوته
.( فلاقفل ليفتح او قيد لينكسرا)
(قم إن شاة ثغت في البوق اوهمنا
ثغاؤها الفخم أن الليث قد زأرا
لا ليث غيرك فازأر تنهدم جدر
فمن زجاج اقاموا حولك الجدرا
وزلزل الباب وامحق حوله حرساً
فهُم دمىً واهدم الأسوار فهي فرى
وحطّم الحجر المقصيك في صنم
نحاتُه مزق اللوحات والأطرا
واخرج من المتحف المخفيكَ من حقب
إلى الشوارع وابدأ ثور ة الفقر
على العواصم كبرى في خرائطها
وفي الضمير تناهى حجمها صغرا)))
(على العواصم كبرى في خرائطها) كناية عن الإقليمية التي حاولت القوى الرجعية دعمها من خلال عصابات التكفير لخلق شرخ بين المحافظات ضمن الدولة الواحدة.و(ثورة الفقر) ترمز إلى الاشتراكية...
( شاة ثغت) كناية عمن يخوّف الشعوب بخطابات وإعلام يزرع الرعب والجبن في قلوب الناس كي لايقاوموا فيهول عليهم قوة المعتدي وشراسته وهو في حقيقته اغنام تثغي ضمن سياسة القطيع والتبعية
وهنا يزيل الشاعر الخوف من نفوس الناس بتحقير العدو والناطقين الإعلاميين باسمه أو من يروّج لقوته من ادواته الرخيصة..
( ثغاؤها الفخم) قصد فيه التهويل الحاصل من العملاء للعدو...
فالشاعر يضع العدو ضمن مقداره وحجمه فهو ليس سيدا او قويا او محصناً ...فالزجاج الشفيف محيطه وهو متكشفٌ بضعفه ولا اساس يرتكز عليه فهو يعيش على افكار متحجرة لامعنى لها لأنها تماثيل وهمية صنعها التخلف وعصور الانحطاط.....لكن العراق قوية بشعبها وشرفائها وعزمها بل كانت سحابة سوداء مرت بها بسبب المتآمرين عليها وليس من عادتها ان تضعف...قال عنها الشاعر صالح هواري في قصيدته( بغداد)
(بغداد ذاهبة إلى بغداد
....مجروحةٌ.. ونزيفها قد زادا
فتح الطغاة جراح فتنتها
ولم يترك لها المتآمرون ضمادا)
إلى ان يقول:
((ادمى الرصاص جناحها مااستسلمت
بالصبر راحت تجلد الجلّادا
هزت بنخلة دمعها فاساقطت
جمراً عصيّا يحرق الأوغادا
بغداد سيف الشمس في غمد الضحى
لن تنطفي مهما الظلام تمادى))
فالنبض العربي باق في ضمائر الشرفاء وبغداد الحبيبة والشقيقة والأصيلة سند للعروبة وركن قوي من اركانها...
يقول شاعرنا صالح هواري وقد تناهى نبضه الفلسطيني في نبض العراق قائلاً:
(لك ياعراقُ محبتي..قيثارتي
أنتَ الذي علمتها الإنشادا
جرح الفلسطيني جرحك واحدٌ
الحبُّ يجمعنا فدى وجهادا
إلى ان يختتم قصيدته بقوله:
(بغداد في بغداد باقية ونيرون الذي حرق الكنائس بادا)

وفي أفياء شعر د وليد الجميلة نقبس غرة البهاء والنصاعة في اللفظ مع التمكن السبكي المحكم وليس امامنا إلا ان نفتح بين حين وحين قواميس اللغة العربية كي نستوعب روعة اللفظ الذي يوظفه شاعرنا د.وليد في قصائده أفضل توظيف في عصر حديث بتنا نخاف فيه على لغة الشعر وأصالة العربية من الادران والإسفاف والتداخل والأشباه لكن مع هذا الشاعر نطمئن على الشعر العربي فوليد الصراف امتداد للمتنبي وابي تمام وامريء القيس وأبي فراس فماأشبه الشعر بالشعر والقدرة بالقدرة على اختلاف العصر وانعكاسات مقتضى الحال والاجواء الثقافية المؤثرة...
فالزجاج أراده الشاعر دون جميع التشبيهات ليثبت هشاشة اركان العدو فهو يحيط نفسه بحماية صنعت من الرمال ،فحجر واحد من الشرفاء العقلاء يهدم هذه الأبهةالكاذبة، والزعم بالقدرةعلى تغيير الشعوب ونقض المعتقدات وإلى ماهنالك من تعبئة الأدمغة بالترهات والأصنام وتأليه الهياكل وكأنهم يعيدونهم إلى عصر الجاهلية وشعارات الدين الفارغة من اي دين او محاسبة فيكفرون الناس وينصبون ميزان الحساب ويعينون أنفسهم خلفاء لله على الارض ونجاستهم تشهد على كفرهم وخلوهم من اي خلق نبيل ومن أي اعتقاد بأي كتاب مقدس، فينشئون إماراتهم على دم الأبرياء فهم لايخفون على أيّ عاقل حصيف بأنهم شر خلق الله..فالزجاج يدلّ تماما على هشاشتهم وركاكة مبتغاهم لأنه يتكسر إن لمسه احد
فالرمل الهش النفوذ المتحرك الذي لايختزن شيئا في داخله هو عمادالزجاج والزجاج ليس له قدرة على حماية اي شيء داخله وليس فيه قوة ليحمي نفسه من الانهيار..فهو اختيار لفظي بليغ....( فمن زجاج اقاموا حولك الجدرا
(زلزل الباب وامحق حوله الحرسا
فهم دمى واهدم الأسوار فهي فرى.).
(الفرى) هي جمع تكسير (فرية) وهي الكذب يعني ((هي أسوار من الأوهام والكذب...
حطم الحجر المقصيك في صنم
نحاته مزّق اللوحات والأطرا
واخرج من المتحف المخفيك من حقب
إلى الشوارع وابدأ ثورة الفقر ))
(المتحف المخفيك حقب): كناية عن الحضارات القديمة
( الحجر المقصيك في صنم): الافكار المتحجرة االرجعية التي تنادي بالثارات والعصبيات القبلية والطائفية
(إلى الشوارع) الخروج: إلى العلن بثورة حقيقية شاملة لطرد الفاسدين والقضاء على الإرهاب وسالبي الخيرات..
(تناهى حجمها صغرا) :هانت الحضارات والمدائن العريقة على الغازين والخونة
ويلقي الشاعر فلاشات ضوئية ليعري صفات الخونة والأعادي بحيث يصور لنا اخلاقهم الرديئة وأسلوبهم الوحشي
(تلك التي تطلق الأيدي لتسرقنا
هي التي توثق الأيدي لمن نحرا)
فالخونة يقومون بتكتيف الضحية للعدو كي يذبحها دون ان يرف له جفن
وتعطي الإذن لمن اراد نهب البلاد وتطلق يده
((على الذي جاره السبعون جاع في
صواعه زاد آلاف قد احتكرا
واستجوب البحر عن غرقى وعن درر
وأسأل عن السيل لمع البرق والمطرا
ومن يصرّح في الطوفان من جبل
آوى إليه الفلك الذي ابتكرا))
(صواعه) حجة يوسف عليه السلام لاسترجاع اخيه بنيامين وهي قصة وردت في القرآن الحكيم .و(بنيامين )بريء من السرقة ...لكن السارقين في النص هم أرباب المصالح وتجار الحرب وسارقوخيرات الوطن في الوقت العصيب ...يصيدون الأعذار اصطيادا ً كي يغتنوا بالثروات ويحتكروها لأنفسهم...
وقد ذهب الكثير من الضحايا إثر النزوح عن طريق البحر منهم من قضى نحبه فخسره وطنه واهله
ومنهم من التجأ إلى بلاد غريبة وكان خسارة لوطنه واخص أصحاب الادمغة العلمية والمثقفين الأذكياء ..ذلك النزوح او الهجرة بسبب النكبات السياسية والعسكرية والحروب الاهلية
اما من أغرق الضحايا والوطن في بحر الدماء فهم الوصوليون مجرمو الحرب والمستفيدون منها اذ يعتلون مكانا بعيدا جدا عن ساحات المعارك ويحرّضون على الحرب والقتال بينما هم في مأمن من الشر ..لايهمهم خراب البلاد وقتل الأبرياء
(آوى إلى الفلك الذي ابتكرا) دلالة على أنه افتعل الغرق والمصائب وصنع لنفسه طريقة للنجاة
..فالأساليب واحدة في كل ازمة عربية  فهذا منهج أصحاب الفتنة والأعداء ..التحريض من الخارج والتنصل من الكلّ وادعاء لوطنية ثم الفرار بالذات بعد غرق السفينة وسيل من الدماء والحرائق وهنا إشارة إلى قصة نوح عليه السلام( التنبؤ بالطوفان وابتكار طريقة النجاة) لكن النجاة هنا فردية وليست لمن آمن بالله ..لأنّ الطوفان مصطنع والسفينة والأشخاص مصطنعون محضّرون مسبقاً يعني (يخترعون الداء والدواء له)
اما في قوله:
((وازجر غرابين حاما فوق مذبحة
وهدهدا يرتشي كي يعلن الخبر
وافتح لتفضح من غالوا ومن حفروا
قبراً لطفلٍ بداجٍ حالكٍ حفُرا
وحاكم الليل إن أخفى جريمتهم
وشاهد الزور نجما كان او قمرا
وقل لمن ثار إن الشمس مدركةٌ
ثأراً من الليل طال الليل او قصرا))
( الغرابان) وردا في قصةهابيل وقابيل ..حيث اقتتلا بالقرب من جثة هابيل وقام احد الغرابين بحفر حفرة ليدفن فيها الغراب الذي قُتل...عندها اوحي لقابيل ان يدفن جثة آخاه .فالشاعر لايريد مزيدا من قتال الأخوة والتناحر الأهلي ( ازجر فعل امر بمعنى امنع ) تلاحق أفعال الامر يتطلبّه الشعر الثوري
(الهدهد المرتشي ) الإعلام المغرض المدفوع نحو تغطية الحقائق والتعتيم على الخبر الصحيح وحجم الكوارث ومايجري في الخفاء
وهذه إشارة إلى قصة هدد سليمان عليه السلام..
لكن هدهد سليمان يتكلم بمايرى فعلا ويسبر الأحداث عن كثب وينقل الخبر صادقا...والشاعر اراد العكس لذلك عطف بواو العطف بقصد تكرار فعل (ازجر)
و(افتح) قصد فيه الشاعر عطفا ومتابعة للنسق المعنوي واللفظي (( فلاقفل ليفتح)
حطم الحجر، زلزل الباب
اخرج))
(افتح لتفضح من غالوا) الثورة على الظلم وكشف الحقيقة وفضح جرائم الخونة والإرهابين ،والمتمظهرين بالوطنية...(غالوا) من الغلواء المتطرفون المتشددين في فكرهم الرجعي..ممن ساهموا بحدوث الكثير من حوادث القتل فلم يرحموا حتى الأطفال و(داج حالكٍ ): (الظلاميون التكفيريون) أصحاب مؤامرات العتمة والجهل

(حاكم الليل) هو: الخائن المتآمر غير المرئي الذي يصطاد في الظلام مصالحه ويخفي ظلم المعتدين ويحميهم ويلمّع صورتهم.
أما شاهدد الزور فهو في الليل المدلهم كالنجم والقمر يضيء مايريد ويعطي المعرفة والخبر الذي يريده كمايملي عليه اسياده لإخفاء الحقيقة وتدليسها

لكن من ثار بوجه الظلم وعرّاه من الكذب سيستبشر يوما بزوال الظلام والظلاميين لأنّ الشمس  (الوضوح والحق والعدالة والحرية) لابد ان تسطع بعد غيوم الشر المكدسة واندحار ظلمة الباطل بالحق .(.إن الباطل كان زهوقا) لابد للفرج أن يشق جدار الحزن ..وتنهض العنقاء من رمادها...ليل المعتدي يزول بالانتصار والكفاح..

المجد للوطن وللعروبة كل الأناشيد وللحرية كل الأرواح قرابين ...يظل فضاء شاعرنا د وليد الصراف هو الاكمل والأجمل والابلغ من كل الكلام فشعره آيات من الجمال واطواق من الدرر الفريدة التي تزين جيد الادب العربي وتثري صحائف البلاغة باللطائف البديعة والقلوب والعقول بخفق الدهشة والمحبة والطرب. فهو خازن الشعر ومبدعه..

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف