
التيه الفلسطيني
شعر: معاذ أحمد العالم
أذكر يوما وأنا في عمر الورد صغيرا ذات مساء
قلت لأبي : ما بال من هجروا الديار ليسكنوا الخيام في العراء؟
يفترشون الأرض طاوين على الجوع ويلتحفوا السماء
يلفحهم حرّ الشّمس في الصيف والقرّ في فصل الشتاء
يقتاتون على فضل ما تجود به الأمم المضيفة من ماء وغذاء
سلبوا هويتهم منهم فغدوا بلا اسم وعنوان وجيوبهم خواء
وبالأفكِ رموهم فلم يعد لهم في أمة العرب خير أو رجاء
آشاح والدي بوجهه وهو يغالب الدمع ثم فاء*
ما زلت طفلا يا صغيري لتستوعب كنه هذه الأمور والأشياء
وكيف صار التيه في الأرض للشعب مصيرا وحياة وقضاء؟
وكيف ذاقوا المُر واقتاتوا الأسى والآلام صباحا ومساء؟
وكيف صارت الخيمة مأواهم والصبر لعِلتهم وغُصتهم دواء؟
وكيف سُرقت منهم الأسماء فأصبح الكل بلا اسماء؟
برغيف الخبز يحلمون بعد أن كانت معيشتهم حياة الأثرياء
وكيف عاش غيرهم عيش الكفاف وحال عيشهم كالأمراء؟
وكيف كان خيرهم يعم على الناس من شتى الأمصار والأرجاء؟
وكيف كانت تعمر بالخير الكثير مواسمهم عطاء وثراء؟
وكيف كانت اصواتهم تصدح بالميج والأوف ابتهاجا وانتشاء؟
وكيف كانت ديارهم تعمر بالأفراح والأعياد نهارا وعشاء ؟
********************
وفي ليلة من ليالي تشرين يا بني حالكة الظلمة حط وجاء
مركب من آخر الدنيا بأفواج من رجال غُرباء
هبطوا الشط وراحوا ينتشرون كانتشار الجراد في الأنحاء
غيلان يحملون الموت في راحات أيديهم شرورا وبلاء
قتلوا الشيوخ والنساء والأطفال فسالت في أزقتها الدماء
واشعلوا النار في شجر التين والزيتون وما رحموا شجيرات الفناء
وأشاعوا الرعب والنهب وذبحوا الآلاف من أهلنا الأبرياء
وما كان لهم نصير سوى الله فقد عزّ وخان الجبناء
فغدوا في بقاع الأرض تيها عُزَلا على حد سواء
وتعرّت من أهلها الأرض وساد فيها الغاصبون الدخلاء
ما نابهم من أمة العرب سوى الشماتة والجحود والبغضاء
ورميهم بمنكر القول ممن اسودت قلوبهم من حاقدين وجهلاء
وأصبحوا كبش فداء لكل حاكم يلهث خلف مجد وثناء
وما تزل ديارهم بعد غيبتهم تبكي وهل يجدي البكاء؟
هذه قصتهم يا بني فأذكرها وفي نفسك رددها صباحا ومساء
فلا خير يا بني في أمة يديرها عصبة من التجار والنخاس والعملاء
**********************
وها قد مر سبعون عاما يا بني وما يزالون في تيههم غرباء
وما تزال أرضهم منهوبة وما زال الكل بلا هوية... بلا اسماء
وإن تذمروا يوما ترى ألسِنة الشامتين تصخب بالصراخ وبالعواء
وما تزال كرامتهم تستباح في كل حين بلا ذنب وبلا حياء
وما تزال أمة العرب في سباتها كالأموات في اجساد أحياء
فاقرأ عليها يا بني الفاتحة وانثر على قبرها التراب فإن مصيرها الفناء
________________
* فاء : رجع لرشده
شعر: معاذ أحمد العالم
أذكر يوما وأنا في عمر الورد صغيرا ذات مساء
قلت لأبي : ما بال من هجروا الديار ليسكنوا الخيام في العراء؟
يفترشون الأرض طاوين على الجوع ويلتحفوا السماء
يلفحهم حرّ الشّمس في الصيف والقرّ في فصل الشتاء
يقتاتون على فضل ما تجود به الأمم المضيفة من ماء وغذاء
سلبوا هويتهم منهم فغدوا بلا اسم وعنوان وجيوبهم خواء
وبالأفكِ رموهم فلم يعد لهم في أمة العرب خير أو رجاء
آشاح والدي بوجهه وهو يغالب الدمع ثم فاء*
ما زلت طفلا يا صغيري لتستوعب كنه هذه الأمور والأشياء
وكيف صار التيه في الأرض للشعب مصيرا وحياة وقضاء؟
وكيف ذاقوا المُر واقتاتوا الأسى والآلام صباحا ومساء؟
وكيف صارت الخيمة مأواهم والصبر لعِلتهم وغُصتهم دواء؟
وكيف سُرقت منهم الأسماء فأصبح الكل بلا اسماء؟
برغيف الخبز يحلمون بعد أن كانت معيشتهم حياة الأثرياء
وكيف عاش غيرهم عيش الكفاف وحال عيشهم كالأمراء؟
وكيف كان خيرهم يعم على الناس من شتى الأمصار والأرجاء؟
وكيف كانت تعمر بالخير الكثير مواسمهم عطاء وثراء؟
وكيف كانت اصواتهم تصدح بالميج والأوف ابتهاجا وانتشاء؟
وكيف كانت ديارهم تعمر بالأفراح والأعياد نهارا وعشاء ؟
********************
وفي ليلة من ليالي تشرين يا بني حالكة الظلمة حط وجاء
مركب من آخر الدنيا بأفواج من رجال غُرباء
هبطوا الشط وراحوا ينتشرون كانتشار الجراد في الأنحاء
غيلان يحملون الموت في راحات أيديهم شرورا وبلاء
قتلوا الشيوخ والنساء والأطفال فسالت في أزقتها الدماء
واشعلوا النار في شجر التين والزيتون وما رحموا شجيرات الفناء
وأشاعوا الرعب والنهب وذبحوا الآلاف من أهلنا الأبرياء
وما كان لهم نصير سوى الله فقد عزّ وخان الجبناء
فغدوا في بقاع الأرض تيها عُزَلا على حد سواء
وتعرّت من أهلها الأرض وساد فيها الغاصبون الدخلاء
ما نابهم من أمة العرب سوى الشماتة والجحود والبغضاء
ورميهم بمنكر القول ممن اسودت قلوبهم من حاقدين وجهلاء
وأصبحوا كبش فداء لكل حاكم يلهث خلف مجد وثناء
وما تزل ديارهم بعد غيبتهم تبكي وهل يجدي البكاء؟
هذه قصتهم يا بني فأذكرها وفي نفسك رددها صباحا ومساء
فلا خير يا بني في أمة يديرها عصبة من التجار والنخاس والعملاء
**********************
وها قد مر سبعون عاما يا بني وما يزالون في تيههم غرباء
وما تزال أرضهم منهوبة وما زال الكل بلا هوية... بلا اسماء
وإن تذمروا يوما ترى ألسِنة الشامتين تصخب بالصراخ وبالعواء
وما تزال كرامتهم تستباح في كل حين بلا ذنب وبلا حياء
وما تزال أمة العرب في سباتها كالأموات في اجساد أحياء
فاقرأ عليها يا بني الفاتحة وانثر على قبرها التراب فإن مصيرها الفناء
________________
* فاء : رجع لرشده