"رواية لاعب الشطرنج، تحليل ورؤية"
بقلم: محمد شحاتة حسين آل عمار الشريف - شاعر وكاتب جمهورية مصر العربية محافظة أسيوط
رواية لاعب الشطرنج، هي رواية قصيرة متكاملة كتبها ستيفان زفايغ، ولن أدخل في التفاصيل، بل سأحاول شرح إسقاط ما تلمسته من خلال قراءة هذه الرواية.
يمثل السيد "ب" رجلا من سلالة أسرة لها علاقة وطيدة بالملكية وإدارة شئونها المالية في النمسا، وبعد الإجتياح النازي، وقع كغيره الكثيرين في أسر الجستابو، وتعرض لأسلوب من الضغط النفسي جعله يتقن لعبة ملكية، ألا وهي الشطرنج خلال فترة حبسه.
أما .زينتوفيك فهو رجل خاوي من أي فكرة غير أنه بطل العالم في الشطرنج.
وهو ابن أناس عاديين وتربى في ظروف أقل من عادية، كخادم عند قس تعلم لديه بالصدفة كل ما يخص لعبة الشطرنج حتى تفوق فيها على الجميع.
إننا أمام سيد جديد في اللعبة الملكية، سيد شعبي من قرى الدانوب، بينما السيد" ب" ليس سوى رجل ملكي بلا ملكية.
وفي السفينة مسرح الأحداث، حيث السفينة بعيدة عن كل سياسات العالم، اجتذب شخص زينتوفيك رجل الأعمال شديد الثراء السيد ماك كونور والمثقف صاحب الرواية، فالملكية تجذب الأثرياء وتجعلهم يحاولون خوضها دون تردد. وأمام رفض زينتوفيك أن يلعب بلا مقابل، ازداد الثري تحمسا، بينما تراجع المثقف، فالمال داء الملكية الدفين، وإذا ما ظهرت أعراضه فعلى المثقف أن يبتعد، بينما أصر الثري على الدفع للملك الجديد، ابن الشعب العادي الذي لا يحمل أي فكر سوى معرفته كيف تدار اللعبة ذات الأربعة وستين مربعا.
اصطحب الثري المثقف معه ليخوضا دورا مشتركا أمام بطل العالم، فالمثقف لا يعنيه اللعب قدر ما كان يعنيه أن يعرف كنه الملك الجديد.
وبعد أن تم سحقهمها على يد زنتوفيك ، ظهر فجأة ظل يرشدهما دون أن يلعب بنفسه، فتعادلا مع الملك الشعبي.
وهذا الرجل السيد "ب" الذي راح يقص حكايته على المثقف، نعرف أنه تعلم الشطرنج من خلال سرقة كتاب تعليم الشطرنج من معطف جندي نازي، فالجنود يهتمون بتعلم اللعبة الملكية.
ورغم شعور السيد " ب" بالغيظ الشديد حين عرف أن الكتاب هو كتاب شطرنج تمنى لو كانت نافذة غرفته مفتوحة ليلقى به منها.
فقد مل كل ما هو ملكي، فهي التي أتت به إلى قبضة الجستابو.
ووصل به الأمر أن أصيب بمرض نفسي شديد، نتاج لعبه المتكرر الطويل لأدوار الشطرنج طوال فترة حبسه. حتى حذره الطبيب منها بعد أن هرب في نوبة عصبية شديدة من قبضة الجستابو.
وكانت المفاجأة أن لعب السيد " ب" بنفسه دورا أمام زينتوفيك. بطل غرف الجستابو أمام بطل العالم، والمفاجأة أن فاز بالدور الأول. ولكن سريعا ما عاد إلى مرضه العصابي الشديد، وظهرت عليه أعراضه المخيفة. حتى عاد إلى وضعه القديم في تخيل أدوار الشطرنج حين كان يلعب مع نفسه ضد نفسه ، فحرك حركة من دور في خياله مغايرا تماما للدور الواقعي، من ثم استعاد وعيه، بعد أن فطن أن الدور مغاير تماما لخياله، وانتهت اللعبة ،والتي صرح بعدها بطل العالم زنتوفيك أنه لو استمر لكان من الممكن أن ينتصر.
لقد تخلى السيد " ب" عن كل مظاهر الملكية ، التي حين مارسها على نفسه وصلت به إلى الجنون، ولما راح يمارسها مع غيره، اضطربت أحواله ولم يعد كما كان.
إن ستيفان زفايغ هنا يعبر عن فكرة غامضة، هل تصلح الملكية للعودة؟ في رأيه نعم ولا، هل الملكية جيدة؟ في رأيه نعم فها هو البطل الجديد الذي لا يمثل أي فكر ينعم بالأموال والترحاب، وفي رأيه لا فحين مارس السيد " ب" الملكية مع نفسه ضد نفسه حين كان وحده في غرفته في محبس الجستابو أودت به إلى اضطراب لازمه طوال حياته، حتى أنه ما عاد ينفع أن يمارسها مع غيره.
فهناك فلسفة تناقضية عميقة، ديالكتيك فكري طرحه ستيفان زفايغ، ولا عجب أن انتحر ستيفان بعد كتابة هذه الرواية. فهي وغيرها وربما أحداث في حياته صار فيها يرى الظلمة في النور والنور في الظلمة، وصار يمكنه أن يثبت أمرا بنفس القدر الذي يمكنه فيه أن ينفيه.
إن هذا الصراع الذي يشبه رجلين تشابكا متصارعين ضد بعضها البعض حتى سقط في البحر يسحب كلاهما الآخر إلى الأعماق ظنا منه أنه سيغرق خصمه من ثم يعود هو إلى السطح، بينما في الواقع قد غرق كلاهما في صراع رهيب مكتوم في الأعماق.
بقلم: محمد شحاتة حسين آل عمار الشريف - شاعر وكاتب جمهورية مصر العربية محافظة أسيوط
رواية لاعب الشطرنج، هي رواية قصيرة متكاملة كتبها ستيفان زفايغ، ولن أدخل في التفاصيل، بل سأحاول شرح إسقاط ما تلمسته من خلال قراءة هذه الرواية.
يمثل السيد "ب" رجلا من سلالة أسرة لها علاقة وطيدة بالملكية وإدارة شئونها المالية في النمسا، وبعد الإجتياح النازي، وقع كغيره الكثيرين في أسر الجستابو، وتعرض لأسلوب من الضغط النفسي جعله يتقن لعبة ملكية، ألا وهي الشطرنج خلال فترة حبسه.
أما .زينتوفيك فهو رجل خاوي من أي فكرة غير أنه بطل العالم في الشطرنج.
وهو ابن أناس عاديين وتربى في ظروف أقل من عادية، كخادم عند قس تعلم لديه بالصدفة كل ما يخص لعبة الشطرنج حتى تفوق فيها على الجميع.
إننا أمام سيد جديد في اللعبة الملكية، سيد شعبي من قرى الدانوب، بينما السيد" ب" ليس سوى رجل ملكي بلا ملكية.
وفي السفينة مسرح الأحداث، حيث السفينة بعيدة عن كل سياسات العالم، اجتذب شخص زينتوفيك رجل الأعمال شديد الثراء السيد ماك كونور والمثقف صاحب الرواية، فالملكية تجذب الأثرياء وتجعلهم يحاولون خوضها دون تردد. وأمام رفض زينتوفيك أن يلعب بلا مقابل، ازداد الثري تحمسا، بينما تراجع المثقف، فالمال داء الملكية الدفين، وإذا ما ظهرت أعراضه فعلى المثقف أن يبتعد، بينما أصر الثري على الدفع للملك الجديد، ابن الشعب العادي الذي لا يحمل أي فكر سوى معرفته كيف تدار اللعبة ذات الأربعة وستين مربعا.
اصطحب الثري المثقف معه ليخوضا دورا مشتركا أمام بطل العالم، فالمثقف لا يعنيه اللعب قدر ما كان يعنيه أن يعرف كنه الملك الجديد.
وبعد أن تم سحقهمها على يد زنتوفيك ، ظهر فجأة ظل يرشدهما دون أن يلعب بنفسه، فتعادلا مع الملك الشعبي.
وهذا الرجل السيد "ب" الذي راح يقص حكايته على المثقف، نعرف أنه تعلم الشطرنج من خلال سرقة كتاب تعليم الشطرنج من معطف جندي نازي، فالجنود يهتمون بتعلم اللعبة الملكية.
ورغم شعور السيد " ب" بالغيظ الشديد حين عرف أن الكتاب هو كتاب شطرنج تمنى لو كانت نافذة غرفته مفتوحة ليلقى به منها.
فقد مل كل ما هو ملكي، فهي التي أتت به إلى قبضة الجستابو.
ووصل به الأمر أن أصيب بمرض نفسي شديد، نتاج لعبه المتكرر الطويل لأدوار الشطرنج طوال فترة حبسه. حتى حذره الطبيب منها بعد أن هرب في نوبة عصبية شديدة من قبضة الجستابو.
وكانت المفاجأة أن لعب السيد " ب" بنفسه دورا أمام زينتوفيك. بطل غرف الجستابو أمام بطل العالم، والمفاجأة أن فاز بالدور الأول. ولكن سريعا ما عاد إلى مرضه العصابي الشديد، وظهرت عليه أعراضه المخيفة. حتى عاد إلى وضعه القديم في تخيل أدوار الشطرنج حين كان يلعب مع نفسه ضد نفسه ، فحرك حركة من دور في خياله مغايرا تماما للدور الواقعي، من ثم استعاد وعيه، بعد أن فطن أن الدور مغاير تماما لخياله، وانتهت اللعبة ،والتي صرح بعدها بطل العالم زنتوفيك أنه لو استمر لكان من الممكن أن ينتصر.
لقد تخلى السيد " ب" عن كل مظاهر الملكية ، التي حين مارسها على نفسه وصلت به إلى الجنون، ولما راح يمارسها مع غيره، اضطربت أحواله ولم يعد كما كان.
إن ستيفان زفايغ هنا يعبر عن فكرة غامضة، هل تصلح الملكية للعودة؟ في رأيه نعم ولا، هل الملكية جيدة؟ في رأيه نعم فها هو البطل الجديد الذي لا يمثل أي فكر ينعم بالأموال والترحاب، وفي رأيه لا فحين مارس السيد " ب" الملكية مع نفسه ضد نفسه حين كان وحده في غرفته في محبس الجستابو أودت به إلى اضطراب لازمه طوال حياته، حتى أنه ما عاد ينفع أن يمارسها مع غيره.
فهناك فلسفة تناقضية عميقة، ديالكتيك فكري طرحه ستيفان زفايغ، ولا عجب أن انتحر ستيفان بعد كتابة هذه الرواية. فهي وغيرها وربما أحداث في حياته صار فيها يرى الظلمة في النور والنور في الظلمة، وصار يمكنه أن يثبت أمرا بنفس القدر الذي يمكنه فيه أن ينفيه.
إن هذا الصراع الذي يشبه رجلين تشابكا متصارعين ضد بعضها البعض حتى سقط في البحر يسحب كلاهما الآخر إلى الأعماق ظنا منه أنه سيغرق خصمه من ثم يعود هو إلى السطح، بينما في الواقع قد غرق كلاهما في صراع رهيب مكتوم في الأعماق.