الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في قصيدة "أغنية أمام السور" للشاعر حسن قطوسة

تاريخ النشر : 2023-01-23
قراءة في قصيدة "أغنية أمام السور" للشاعر حسن قطوسة

بقلم: باسمة صواف

قصيدة "أغنية أمام السور" للشاعر حسن قطوسة من قرية دير قديس غرب رام الله، حيث فاز بها في مسابقة "القوافي" في الشارقة لهذا العام 2023م.

الشاعر قطوسة كغيره من الشعراء الذين حملوا هم الوطن من خلال الكلمة، وساروا فيها سفراء عبر العالم في المحافل، والندوات من أجل نشر القضية الفلسطينية، والهم الوطني.
العنوان:
ما بين المعنى والدلالة نسج الشاعر عنوانه بدقة ليقف المتلقي أمام العنوان باحثا عن المؤول فيه، حيث وصف إمبرتو إيكو العنوان بأنه "مفتاح تأويلي للمتلقي"، لكن الشاعر هنا نسج عنوانه وأوله ليذهب المتلقي إلى ما بعد المؤول، ليتضح المضمر في أبيات شعره، ففي كلمة أغنية استبصار لمعنى كامن في "أمام السور" ، ليلج المتلقي بعد ذلك في أحشاء النص ويمسك بالتناغم الوجودي بينهما بلغة تتفرد بجمالها بما تحمله من إيحاءات، وصور شعرية، ودلالات.
 
فمن العنوان يضع الشاعر المتلقي في زاوية الدهشة والسؤال حول "السور"، ولكن من يعرف جنسية الشاعر يذهب بفكره إلى أسوار القدس، فالشاعر ترك كلمة "أغنية" نكرة مفتوحة على الاحتمالات، أما كلمة "السور" فجاءت معرفة، فالسور يعني الكثير في الثقافة والتراث الفلسطيني، فهو يعني الحماية والأمان، ولكن سور القدس المرتبط برمزية تاريخية وقداسة يقع في وضعية متناقضة: الأمان، والقلق.

ما جعل الشاعر يحلق بلغته ناظما قصيدته المتناغمة مع أحاسيسه في إزاحة تتداخل مع الممكن وفق رؤية تنزع الحاضر وتعيد الماضي في مساره الطبيعي بلغة تحمل في ثناياها المناجاة، والحوار، والروحانيات، ولوحات يرسمها بصوره الشعرية.


* المناجاة والحوار الذاتي:
ففي البيت الأول يحلق الشاعر بلغته، ويبني حوارا ذاتيا متعلقا بالمكان "القدس" دون أن يفصح باسمه، يناجيه بقلبه ويظهر مدى تعلقه فيه، وعدم قدرته على الوصول إليه بسبب الحواجز، لكنه خلسة بعيدا عن العيون يزوره في المنام، ويؤكد في البيت الثاني على زيارته دون تصريح وإذن، ويستنكر بقوله: أيؤذن لي فيك وأنت هيامي؟
 
ويكمل الشاعر خطابه لمحبوبته "القدس" بأنه زرعها نخلة في قلبه، ولم يكن الشاعر ليختار النخلة عبثا، فمن صفات النخيل بأنه معمر وباسق، وهكذا هي في قلبه، ثم يطلب منها متمنيا أن تكف عن لومه، وهو بذلك رسم لنا لوحة بلغة متدفقة يشوبها الحزن عن معاناته، ومعاناة كل فلسطيني على الحواجز، ومنعهم من زيارة القدس.

لَئن مَنَعت حَواجِزُهم مَرامي أَزوُركِ خِلسَةً لو في المَنام
أَزوُركِ دونَ( تصريحٍ) وإذنٍ أَيؤذَنُ لي وفيكِ ذُرى هُيامي ؟!
زَرعتُكِ نخلَةً في أرضِ روحي فَكُفّي يا حَبيبَةُ عن مَلامي

ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى الروحانيات بقوله:*
فَلي في الحبِّ مئذَنَةٌ تُصلّي ولي أشواقُ فلاحٍ عِصاميّ
تَوضَأَ بالنَّدى من كلِّ حقلٍ وأشعل نجمَةً بين الخِيامِ
تظهر جمالية اللغة عند الشاعر في استخدامه للاستعارة لإنتاج المعنى من خلال المئذنة التي تصلي مشيرا إلى المكان من خلال قوله "في الحب"، والمئذنة ترمز إلى "ارتفاع الصوت، وانطلاق الحناجر المدوية" في فضاء جغرافي والذي ولن يُكتم.
 
ثم يستكمل قوله: "ولي أشواق فلاح عصامي" شكل سماته بلغته مسقطا أل التعريف من كلمة "فلاح" ليظهر التخصيص دلالة على كل عصامي لا يترك أرضه، ويتوضأ بالندى من كل حقل، ويشعل نجمة بين الخيام، مشيرا بذلك إلى التمسك بجميع الأرض.

أما استحضاره للنجمة، فالعرب وظفوا النجوم في أشعارهم في الوصف، والغزل، والرثاء، والفخر، والمدح.
أما الشاعر هنا فقد استل معنى للنجمة من الفخر والمدح، لتصبح رمزا للنصر وللضياء.

الشاعر من المناجاة إلى الخطاب حيث يقول للقدس:*
سيشدو فوقَ سورِكِ فاسمَعيهِ وهذا الشدوُ في الدُّنيا مَقامي:
أَقيمي ما أَقمتِ بقَلْبِ صَبٍّ وَجودي بِالتَّحيَّةِ وَالسَّلامِ
اعدّي الجِسْرَ وانْتَظري عُبوري فَإِني قَدْ نَهَضُّتُ مِنَ الرُّكام
يطوع الشاعر اللغة من المناجاة إلى الخطاب بطريقة مرنه، فنراه يخاطب القدس ويخبرها بأنه سيشدو بترانيمه فوق سورها، ويطلب منها أن تبقي على عشقها، وتجود بالتحية والسلام والحب، فكما قال المتنبي: "إذا خامر الهوى قلب صب"، دلالة على أن المحب استولى على قلبه، كذلك الشاعر استولى حب القدس على قلبه، لذا يطلب منها أن تعدّ جسرا تمهيدا منه هنا لموضعة الواقع، وأن تنتظر عبوره، مؤكدا بذلك بقوله: "فإني قد نهضت من الركام"، وهنا إشارة ضمنية إلى طائر الفينيق رمز التجدد والخلود، فهو يحيا من ركامه ويتجدد تلقائيا، وهكذا هو كباقي الشعب الفلسطيني الذين سيحيون من ركامهم، ويجددون العهد مع القدس.

*يرجع الشاعر إلى أسلوب الحوار الذاتي:
يَطيرُ الشِعْرُ مِنْ وَجَعي حَماماً وَيَرْقُصُ بِالمَجازِ صَدى كَلامي
قَتلْتُ القُبحَ في وادي الرَّزايا وَعدتُ مِنَ المَعارِجِ بِانْسِجامِ
يعيش الشاعر حالة شعورية وجودية ليحدث التفاعل بينه وبين المتلقي؛ ليشعره بما يعانيه، ويصبح أكثر تذوقا لكلماته، ويحلق معه في صناعة المعنى، وكأنه شريك في بناء النص، وفي الألم الذي يسكنه، حيث يحلق شعره حماما، ويرقص على صدى كلامه "كما يرقص الطير مذبوحا من الألم".
 
نلاحظ بأن الشاعر وظف الحركة في البيت حيث شعرنا بها بين ثنايا الكلمات، والتي تشير إلى الاضطراب والاحتجاج، ما جعل اللغة تبدو قلقة.

ثم يصرح الشاعر بأنه قتل القبح في وادي الرزايا "المصائب"، وعاد من المعارج بانسجام.
لو وقفنا هنا عند كلمة "معارج"، فسنجد أن الشاعر استخدم التورية فكلمة "معارج" هي اسم سورة في القرآن الكريم، وتسمى أيضا بسورة "الواقع" كما ذكر السيوطي في كتابه "الإتقان"، وهي السورة الثامنة والسبعون من حيث النزول، والاحتلال في العقد السبعين من وجوده، والسورة أيضا تتوعد لمصير الكافرين.

والمعارج تعني أيضا المصاعد، وهي الأقرب وعيا للمعنى المراد من حيث المقابلة ما بين الوادي والصعود، وبين القتل والانسجام، ليكتمل المشهد بتأويلاته، وتباينه ما بين قتل القبح لتحقيق الانسجام النفسي والوجودي.

وأذكُرُ حضرَةَ الأستاذِ لمّا دعا فوضى الطُفولَةِ للنَّظامِ
فَسرنا خلفَهُ أسرابَ طيرٍ نُغرَّدُ باسمها والقلبُ ظامي
وصلى ركعَةً للعشقِ فيها وَقبَّلَ أرضَها قبلَ القِيامِ
وأرسَلَ صرخَةً في كلِّ ركنٍ لنوقِدَ زيتَها في كلِّ عامِ
تستمر اللغة لدى الشاعر في تدفقها من خلال الحوار الذاتي، والإيحاءات عند استحضاره لطفولته بحضور أستاذه راسما لنا لوحة تشكيلية من اللغة؛ ليحدث تناغما كونيا ما بين الطفولة وسرب الطير، وما بين الركوع والقيام، بألوان من المشاعر المتدفقة في حب القدس. مطلقا صرخة في كل ركن فيها ليبقى زيتها موقد في كل عام. مستخدما التناص الديني "مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ"، دلالة على حفظ مكانتها، كما شجرة الزيتون التي ذكرت في سورة النور، وجبال القدس مليئة بأشجار الزيتون المباركة.

يعود الشاعر إلى أسلوب المخاطبة مشكلا (لوحة وجودية)*
هُنا بابُ العَمودِ تَذكَروهُ سَيفتَحُ للعِناقِ بِلا خِصامِ
فرحتُ أُقابِلُ الساحاتِ فرداً لأبصِرَ في مَعالِمِها التئامي
أوَسِّعُ رُقْعَةَ الْمَنْفى غِناءً وَأهْتِفُ باِلنَّوارسِ وَاليَمامِ
"هنا باب العمود" يتشكل لدى المتلقي صورة الشاعر واقفا يشير إلى باب العمود بصوت يخرج من قاع روحه فاسم الإشارة "هنا" للقريب، والشاعر قريب منه ليستكملها بقوله: سيفتح الباب للعناق بلا خصام، وهي إشارة منه للنصر الذي سيذيب أي خصام، مظهرا ثقافته الوطنية، وانسجام سيكولوجيته تجاه شعبه ما بعد فتح باب العامود، من خلال الإيحاءات المخفية في "بلا خصام".

ثم تكتمل اللوحة الوجودية من وصف الشاعر لنفسه: يركض في ساحاتها ليبصر تعلقه والتئامه معها، وهذا يدل على شده شوقه لها، فهو كالعطشان من شدة الحر لا يرويه غير رؤيتها هو ومن بالمنفى مشيرا بذلك إلى النوارس واليمام. فالنوارس تستميت في سبيل إبعاد الطيور عن أعشاشها، واليمامة ترمز إلى السلام، لذا لم يأت الشاعر بذكر النوارس واليمام عبثا.

* لوحة الهوية والانتصار
أنا ابْنُ القُدسِ تَعْرِفُني رُباها يَمانيٌّ ومِصْريٌّ وشامي
نَقَشْتُ القُدْسَ في جَسَدي شِعاراً وَفي بَغدادَ أذْبَحُ مِنْ غَرامي
ولي ظِلٌّ عَلى الْأسوارِ غافٍ سَيَنْهَضُ كَالْبِلادِ مِنَ الْحُطامِ
يَمُرُّ عَلى الْمَدارِجِ دونَ خَوفٍ وَيُوْمِيءُ لِلْحِجارَةِ :لا تَنامي
وَيَركُضُ في الْأَزِقَةِ فَاحْفَظيهِ لِيَقْطِفَ نَجْمَةً فيها اضْطِرامي
وَيُبْصِرُ خوذَةً حَمْقاءَ تَعوي فَيَأْنَسُ بِالأَحِبَّةِ في الزِّحامِ
يَلوذُ بِبابِ عَطّارٍ قَديمٍ لَهُ (هالٌ) تَغَلْغَلَ في عِظامي
فَيُوْقِنُ أنَّ رَتلَ الجُنْدِ وَهْمٌ تُبَدِّدَهُ السَّماءُ بِلا غَمام
يعلن الشاعر صراحة في البيت السابع عشر أنه من القدس، وبأن ربا القدس تعرفه، مشكلا وحدة جغرافية بذكر بعض الدول العربية التي تشير إلى بلاد الشام، والمغرب العربي، وشبه الجزيرة العربية باستحضاره للكلمات: يماني،مصري، شامي مشكلا امتدادا روحيا مع بغداد، حينما قال بأنه نقش القدس في جسده، وفي بغداد يذبح من غرامه؛ لتكتمل الوحدة الجغرافية والوجدانية مع الدول العربية.

ثم يتحدث عن ظله المتواجد دائما على أسوار القدس الذي سينهض يوما ما، ويمر بالمدارج دون خوف، ويركض بالأزقة التي يحبها مشيرا للحجارة بألا تنام، وحينما يسمع خوذة جندي تعوي فلن يخاف؛ لأنه سيأنس بازدحام الناس وهم يحتفلون بخروجهم، وحينما يدخل من باب العطارين سيوقن بأن الجنود وهم ستبدد وجودهم السماء دون غمام، دون حزن عليهم.

رسم لنا الشاعر في الأبيات السابقة لوحة مليئة بالتفاصيل من خلال الولوج في عالمه وبمنطق ما يجب أن يكون وسيكون بلغة تزهر بالجمال.

*حث القدس صمودا
فَزيدي يا جِبالَ القُدسِ طولاً وَغَنّي الآنَ لِلأهْلِ الْكِرامِ
وَغَنّي لِلْفَتى(اليَمْشي )بِقيدٍ فَيُرْبِكُ جَمْعَهُم بِالابْتِسامِ
لَهُ في الْقُبَّةِ الصَّفْراءِ شَمْسٌ سَتُشْرِقُ رَغْمَ عَجْرَفَةِ الظَّلامِ
لَهُ في المَسْجِدِ الأقْصى صَلاةٌ يُؤَدي بَعْضَها وَالمَوْتُ حام
يَقولُ لِوَرْدَةٍ قُذِفَتْ إِلَيْهِ: خذي عني الخطى قبل الختام
ينهي الشاعر قصيدته بحث جبال القدس بأن تزداد طولا وتغني لأهلها، كناية عن الفرح القادم، وتغني للفتى المكبل الذي يجره الجنود فيربكهم بابتسامته، فله في القبة الصفراء("قبة الصخرة) شمس ستشرق رغم عجرفة الظلام كناية عن الاحتلال، وله أيضا صلاة في المسجد الأقصى يصلى فيها والموت يحيط به وبمن حوله.

ويختم القصيدة: يقول الفتى لوردة قذفت إليه بأن تسير على نفس الخطى. وهي رسالة لكل فلسطيني بأن يكمل مسيرة من سبقه بالنضال؛ ليتحقق النصر والصلاة بطمأنينة دون موت في القدس.

قصيدة "أغنية أمام السور"، قصيدة تحمل الهم والحلم الفلسطيني بتحرير القدس، وتحرير الوطن جميعا، محملة بإيحاءات ومشاعر وجدانية تدفع المتلقي لتذوق النص بمعانيه ودلالاته، فتعيش الكلمات بتناغم، وتدفق دون تكلف، تشعرك بقدرة الشاعر على امتلاك اللغة وتطويعها.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف