أ. خالد الزبون
بَائع القَهْوَة
بقلم: أ. خالد الزبون - كاتب وباحث فلسطيني
تشققات يَدَيْه المرتجفتين تَدُلَّانِ عَلَى شَقَاء وَألَم دَفِين، فِي
الْعَقْد الثَّالِث مِنْ عُمْرِهِ وَاِشْتَعَل الرَّأْس شَيْبًا، وَمَع
أَذَانِ الْفَجْرِ يَبْدَأ عَمَلَهُ حَامِلًا مَعَه الْكَانُون وَالْفَحْم
وابريق القَهْوَة وَبَاقِي الْمُعَدَّات لتحضيرها وَبَيْعِهَا، رَائِحَتُهَا
الزَّكِيَّة كَرُوح صَاحِبِهَا لَا تكل وَلَا تَمَلّ، كغيمة تَزُور الْأَرْض
بمطرها فتزهر الْبَسَاتِين وُرُودًا وَبِهَاء وَدَلاَلا، يُكْمِل أَبُو
مَحْمُودٌ عَمَله بِكُلّ عِنَاد وَهُوَ يَقُولُ حَارَب مِنْ أَجْلِ احلامك
وَأَخْبَر الْعَالِم بِأَنَّنِي أَعِيش عَلَى قَيْدِ الْأَمَل، فنكهة
القَهْوَة جُزْء مِنْ الْوَطَنِ، فَقَدْ أَصْبَحَ رَجُلاً مَشْهُورًا فِي
الشَّارِعِ،
كُلَّ يَوْمٍ التقِيه
فَأَنَا أُحِبُّ شُرْبِ القَهْوَةِ
وَرُؤْيَتُهَا وَهِي تَغْلِي مَرَّة تِلْوَ الأُخْرَى
حَيْثُ أَرَى
السَّعَادَة وَالْفَرَح يَمْلَأ مُحَيَّاه وَقَلْبه، يَقُولُ لِي مُنْذُ
سِنِينَ أَقِفْ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِبَيْع القَهْوَة، هِي رِزْقِي
الْوَحِيد الَّذِي أَعيل بِه عائلتي وَتَعْلِيم الْأَبْنَاء، هِي الظُّرُوف
الْقَاسِيَة الَّتِي تجبرني أَنْ أَبْدَأَ بالتحضير مِنْ الثَّالِثَةِ
فَجْرًا، فَقَد اعْتَدَّت عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةَ بَلْ أَصْبَحَتْ سَاعَتِي
البيُولُوجِيَّة تدفعني إلَى مُحَارَبَة النَّوْم وَالِاجْتِهَاد لِلْوُصُولِ
إلَى الْمَكَانِ الَّذِي اِرْتَبَطَ بِهِ عَمَلِي، فَلَا حَرَارَة الصَّيْفِ
الَّتِي تَجْتَاح الْجَسَدِ وَلَا بَرْد الشِّتَاء الَّذِي يَتَسَلَّلُ إِلَى
الْعِظَامِ يُعْتَرَض طَرِيقِي، هِي الْمُعَانَاة الَّتِي تَوَلد مِنْ
رَحِمَ السِّنِين بِكُلّ الْأَلَم الْجَارِح فَلَنْ أَكُونَ عَالَةً عَلَى
أَحَدٍ وَلَا أُرِيدُ أَنْ يَطْرُقَ أَحَدُهُم بَاب مَنْزِلِي لِتَقْدِيم
مُسَاعَدَة لَا تُغْنِي وَلَا تُسَمن مِنْ جُوعٍ ، أُرِيدُ أَنْ أَعِيشَ
بشموخ وَإِن تَسْكُن فِكْرِي وَقَلْبِي كَرَامَة شُعَب يُقَدَّم أَغْلَى مَا
يَمْلِكُ لِتَبْقَى جَبْهَتِه تَعَانَق الكَواكِب وَالنُّجُوم، وَهُو
يَنْهَمِكُ فِي تَحْضِيرِ كاسات القَهْوَة يُوَزَّع الابتسامات أمَام عربته
الَّتِي تضج بِالْحَيَاة.
مَاذَا تُرِيدُ ؟
القَهْوَة
وَقَبْلَ أَنْ أُجِيبَ يَسْتَرْسِلَ فِي الْحَدِيثِ، أَكِيدٌ تُرِيدُهَا
مَرَّة وثقيلة كَالْحَيَاة،
وَأَقُول لَهُ بِكُلِّ تَأْكِيدٌ!!
يَبْتَسِم فَجْأَة حَتَّى تَظْهَرَ نَوَاجِذُه،
إن اِرْتِشَاف قهوتي
كَأَنَّك تَطُل مِن نَافِذَتِي عَلَى شَاطِئِ هَادِئ ورمال يَعْكِس مِيَاه
بَحْرهَا زُرْقَة السَّمَاء، كاغنية تَرْحَل مَعَهَا مَعَ مَنْ تُحِبُّ،
وَبَعْدَ أَنْ أَنْهَيْت شُرْب القَهْوَةِ
تَمَنَّيْت لَهُ رِزْقًا وَحَيَاة
سَعِيدَة
فَمَنْ يُقَدَّمُ هَذَا الْجَمَالُ مِنْ الْعَمَلِ الشَّاقّ هُوَ
انْسَانٌ يُقَاتِلَ مَنْ أَجْلِ الصمود فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ.
بقلم: أ. خالد الزبون - كاتب وباحث فلسطيني
تشققات يَدَيْه المرتجفتين تَدُلَّانِ عَلَى شَقَاء وَألَم دَفِين، فِي
الْعَقْد الثَّالِث مِنْ عُمْرِهِ وَاِشْتَعَل الرَّأْس شَيْبًا، وَمَع
أَذَانِ الْفَجْرِ يَبْدَأ عَمَلَهُ حَامِلًا مَعَه الْكَانُون وَالْفَحْم
وابريق القَهْوَة وَبَاقِي الْمُعَدَّات لتحضيرها وَبَيْعِهَا، رَائِحَتُهَا
الزَّكِيَّة كَرُوح صَاحِبِهَا لَا تكل وَلَا تَمَلّ، كغيمة تَزُور الْأَرْض
بمطرها فتزهر الْبَسَاتِين وُرُودًا وَبِهَاء وَدَلاَلا، يُكْمِل أَبُو
مَحْمُودٌ عَمَله بِكُلّ عِنَاد وَهُوَ يَقُولُ حَارَب مِنْ أَجْلِ احلامك
وَأَخْبَر الْعَالِم بِأَنَّنِي أَعِيش عَلَى قَيْدِ الْأَمَل، فنكهة
القَهْوَة جُزْء مِنْ الْوَطَنِ، فَقَدْ أَصْبَحَ رَجُلاً مَشْهُورًا فِي
الشَّارِعِ،
كُلَّ يَوْمٍ التقِيه
فَأَنَا أُحِبُّ شُرْبِ القَهْوَةِ
وَرُؤْيَتُهَا وَهِي تَغْلِي مَرَّة تِلْوَ الأُخْرَى
حَيْثُ أَرَى
السَّعَادَة وَالْفَرَح يَمْلَأ مُحَيَّاه وَقَلْبه، يَقُولُ لِي مُنْذُ
سِنِينَ أَقِفْ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِبَيْع القَهْوَة، هِي رِزْقِي
الْوَحِيد الَّذِي أَعيل بِه عائلتي وَتَعْلِيم الْأَبْنَاء، هِي الظُّرُوف
الْقَاسِيَة الَّتِي تجبرني أَنْ أَبْدَأَ بالتحضير مِنْ الثَّالِثَةِ
فَجْرًا، فَقَد اعْتَدَّت عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةَ بَلْ أَصْبَحَتْ سَاعَتِي
البيُولُوجِيَّة تدفعني إلَى مُحَارَبَة النَّوْم وَالِاجْتِهَاد لِلْوُصُولِ
إلَى الْمَكَانِ الَّذِي اِرْتَبَطَ بِهِ عَمَلِي، فَلَا حَرَارَة الصَّيْفِ
الَّتِي تَجْتَاح الْجَسَدِ وَلَا بَرْد الشِّتَاء الَّذِي يَتَسَلَّلُ إِلَى
الْعِظَامِ يُعْتَرَض طَرِيقِي، هِي الْمُعَانَاة الَّتِي تَوَلد مِنْ
رَحِمَ السِّنِين بِكُلّ الْأَلَم الْجَارِح فَلَنْ أَكُونَ عَالَةً عَلَى
أَحَدٍ وَلَا أُرِيدُ أَنْ يَطْرُقَ أَحَدُهُم بَاب مَنْزِلِي لِتَقْدِيم
مُسَاعَدَة لَا تُغْنِي وَلَا تُسَمن مِنْ جُوعٍ ، أُرِيدُ أَنْ أَعِيشَ
بشموخ وَإِن تَسْكُن فِكْرِي وَقَلْبِي كَرَامَة شُعَب يُقَدَّم أَغْلَى مَا
يَمْلِكُ لِتَبْقَى جَبْهَتِه تَعَانَق الكَواكِب وَالنُّجُوم، وَهُو
يَنْهَمِكُ فِي تَحْضِيرِ كاسات القَهْوَة يُوَزَّع الابتسامات أمَام عربته
الَّتِي تضج بِالْحَيَاة.
مَاذَا تُرِيدُ ؟
القَهْوَة
وَقَبْلَ أَنْ أُجِيبَ يَسْتَرْسِلَ فِي الْحَدِيثِ، أَكِيدٌ تُرِيدُهَا
مَرَّة وثقيلة كَالْحَيَاة،
وَأَقُول لَهُ بِكُلِّ تَأْكِيدٌ!!
يَبْتَسِم فَجْأَة حَتَّى تَظْهَرَ نَوَاجِذُه،
إن اِرْتِشَاف قهوتي
كَأَنَّك تَطُل مِن نَافِذَتِي عَلَى شَاطِئِ هَادِئ ورمال يَعْكِس مِيَاه
بَحْرهَا زُرْقَة السَّمَاء، كاغنية تَرْحَل مَعَهَا مَعَ مَنْ تُحِبُّ،
وَبَعْدَ أَنْ أَنْهَيْت شُرْب القَهْوَةِ
تَمَنَّيْت لَهُ رِزْقًا وَحَيَاة
سَعِيدَة
فَمَنْ يُقَدَّمُ هَذَا الْجَمَالُ مِنْ الْعَمَلِ الشَّاقّ هُوَ
انْسَانٌ يُقَاتِلَ مَنْ أَجْلِ الصمود فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ.