الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القواعد العسكرية وخطط العمليات العدوانية ضد سيادة وتقدم أقطار الشرق الأوسط للدكتور ضرغام الدباغ

تاريخ النشر : 2023-01-06
القواعد العسكرية وخطط العمليات العدوانية ضد سيادة وتقدم اقطار الشرق الأوسط للدكتور ضرغام الدباغ

هذه دراسة عن مكانة القواعد العسكرية حتى السبعينات (أي قبل نحو خمسين عاماً) في الاستراتيجية الأمريكية، التي تتواصل بمبادئ لم تتغير تقريباً، فقط المعطيات الثانوية هي التي تتغير، فيما يتواصل النهج العدواني القائم على التدخل وإثارة الحروب.

هذا البحث هو جزء من اطروحة دكتوراه قدمت لجامعة لايبزغ / ألمانيا في السبعينات بعنوان " سياسة التوسع الأمريكية في الشرق الأوسط ".

ـــــــــــــــــــــــ

طرح تطور اللإمبريالية العالمية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تغيرات جذرية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد اتسم ذلك من خلال تعمق التناقضات الحاد بين القوى الاستعمارية ذاتها.

وكان لانتصار الاتحاد السوفيتي والتحالف الدولي المناهض للنازية قد أدى لخلق ظروف مناسبة للقوى التقدمية والوطنية والقومية المعادية للإمبريالية وقد تجلى ذلك من خلال:

1. نهاية النظام الرأسمالي على مساحات واسعة من أوربا وآسيا.

2. الصراعات الحادة في مناطق اخرى من آسيا وأوربا مثل الصين واليونان.

3. بداية تطور ونمو الاشتراكية كنظام عالمي.

وكان ذلك يعني أن موقف المعسكر الرأسمالي السياسي والاقتصادي والعسكري قد اعتراه الضعف. ففي الشرق الأوسط كانت الإمبريالية تسعى إلى أن تكسب الاستعمار الجديد أشكالاً جديدة فيما يخص البلدان النامية المستقلة حديثاً، وتحويل القوات المسلحة لهذه الدول إلى أداة لسياستها الاستعمارية وفي ذلك أتبعت سياسات حديثة تنطوي على تقديم الاسلحة والمعدات الحربية في إطار فعاليات مساعدة وتنسيق وإرسال خبراء وعناصر تأهيل وتدريب الكادر العسكري وبناء القواعد العسكرية والمعسكرات على أراضي هذه البلدان وخرق سيادتها واستقلالها تحت شعارات الحماية ومكافحة الشيوعية. (1)

وتلعب الاحلاف والائتلافات العسكرية وكذلك القواعد العسكرية دوراً مهماً في الاستراتيجية الامريكية الشاملة، إذ تمثل وسائل لتوطيد إرادتها التوسعية في مختلف أرجاء العالم التي تمثل لها أهمية اقتصادية وسياسية وعسكرية / استراتيجية. وتستخدم الولايات المتحدة القواعد والقوات العسكرية للممارسة سياسة القوة وفرض الأمر الواقع تجاه الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية وأيضاً لإملاء إرادتها لاسيما في البلدان النامية التي تسير في ركابها، أو في تلك البلدان الرجعية التي تحتاج إلى الدعم أو التعاون وتجاهل إرادة شعوبها وقمع الإرادة الوطنية وقوى التحرر.

وتحتاج الأوساط العسكرية والتوسعية إلى القواعد العسكرية من أجل شن الاعتداءات ضد بلدان أخرى والتجسس والتحريض الآيديولوجي بالإضافة إلى العديد من الفعاليات الإمبريالية المعادية للشعوب. (2)

وقد بدا بوضوح أن توجه الولايات المتحدة نحو أهدافها الاستراتيجية إنما تعتمد بالدرجة الأولى على الوسائل والسبل العسكرية وليس على المجهودات الدبلوماسية، لذلك فإن القواعد العسكرية قد تأسست بناء على أهميتها من حيث عامل المدى والامكانية التي توفرها وقت استخدامها في رفع درجة انجازية الحركات الجوية، وهو ما يتمتع بأهمية بالغة في الاستراتيجية الامريكية الشاملة، بل ومن أجل تواصل العلاقة بين الأهداف العسكرية والسياسية التي تمتاز بها والتي تتضمن تحقيق التفوق العسكري والاحتفاظ به، وهي اهداف لا يتم التوصل إليها إلا عبر مجموعة من الإجراءات: أحلاف، وقواعد فيما وراء البحار، ونقاط حماية وخطط عمليات. (3)

وفي الشرق الأوسط، حققت الولايات المتحدة هذه الفقرة من الاستراتيجية في الواقع العملي بأشكال مختلفة. ففي المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإلى نهاية الخمسينات، كانت الأساليب الكلاسيكية هي السائدة في الحضور العسكري الأمريكي، وأبدت وزارة الخارجية الأمريكية اهتماماً كبيراً فيما يسمى ب " الحزام الشمالي " وبجيوش المنطقة ووجدت لها ألأهمية في أن تساهم فيما أطلقت عليه بخطر الاتحاد السوفيتي، وكان ينطوي أيضاً على توفير سبل مكافحة الحركات الوطنية والتحررية. وإذن في واقع الأمر بناء تحالف متين لمكافحة الحركات الوطنية التي كانت نشطة في تلك الحقبة.

وقد وجدت هذه السياسة ترجمتها العملية في تأسيس حلف بغداد 1954، المؤلف من : العراق وتركيا وإيران والباكستان، وبريطانيا، والذي سمي بعد انسحاب العراق منه بحلف المعاهدة المركزية السنتو (SENTO)، ثم التحقت الولايات المتحدة فيما بعد بالعضوية الكاملة، وكانت الدولة الرئيسية التي تمتد الحلف بالسلاح . (4)

وفي النصف الثاني من عقد الخمسينات، تمكنت حركة التحرر الوطني والقومي العربية تحقيق منجزات مهمة تمثلت بصمود مصر في وجه العدوان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي (حرب السويس 1956) والثورة الشعبية الجزائرية، الثورة اللبنانية 1958، ثم الوحدة المصرية السورية، وتأميم قناة السويس، الثورة العراقية 1958، وكانت هذه مؤشرات ومنجزات مهمة في النضال ضد الاستعمار والاستعمار الجديد في المنطقة.

وقد ادت هذه النجاحات إلى ردود فعل بين الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة. ففي 5/1/1957، صادق الكونغرس الأمريكي على مبادئ أيزنهاور (Eisenhower Doktrin)، الذي كان يتضمن " حق " الولايات المتحدة استخدام قواتها المسلحة لحماية مصالحها والحكومات أعوانها ". (5)

وكانت جميع خطط وفعاليات تنفيذاً لسياسة القوة التي اتبعتها الولايات المتحدة تجاه الأنظمة الوطنية والحركات التحررية بأشكال وأساليب مختلفة، تهدف جميعها إلى قمع إرادة التحرر السياسي والاقتصادي وبناء مستقبل حر، واستخدام هذه البلدان وموقعها الاستراتيجي في سياستها وأهدافها المحيطية، ومن تلك الفعاليات:

1. الانقلاب الذي دبرته وخططت له وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ضد حكومة الدكتور مصدق في إيران 1954 وإعادة نظام الشاه الموالي لها.

2. المؤامرة ضد النظام القومي في سوريا 1955 رداً على إقامتها علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع البلدان الاشتراكية. (6)

3. قدمت تركيا قواعدها العسكرية وقواتها المسلحة لتهيئة عدوان مسلح على سوريا، ولكن الغزو المرتقب لم يتم بسبب مساندة الاتحاد السوفيتي لسوريا. (7)

4. إنزال القوات الامريكية(الأسطول السادس) في تموز 1958 في لبنان لضرب الثورة الشعبية.

5. طورت الولايات المتحدة وجودها في حلف بغداد من عضو مراقب، إلى كامل العضوية والمجهز الرئيس للحلف والموجه السياسي لأهدافه.

إذن أي أهمية استراتيجية كانت للقواعد العسكرية في الشرق الأوسط ....؟

يمكننا معرفة ذلك من خلال الأرقام والاحصائيات. ففي المرحلة 1945ـ 1975 كان للولايات المتحدة أكثر من 2000 قاعدة عسكرية في أكثر من 30 بلد في أرجاء العالم تضم 600,000 عسكري ومنها أقطار الشرق الأوسط. (

الجدول رقم 12: القواعد الإمبريالية في الوطن العربي(نهاية الخمسينات). (9)

القطر القاعدة الدولة الاستعمارية

العراق الحبانية ـ الشعيبة بريطانيا

مصر السويس بريطانيا

ليبيا طبرق ـ ويلس فيلد الولايات المتحدة

تونس بنزرت الولايات المتحدة

المغرب نوافيرـ بني كريرـ القنطرة الولايات المتحدة

السعودية الظهران الولايات المتحدة

البحرين قاعدة جوية وبحرية الولايات المتحدة

عمان قاعدة جوية وبحرية الولايات المتحدة

جيبوتي قاعدة جوية وبحرية فرنسا

إن السياسة الاستعمارية الهادفة إلى إقامة القواعد العسكرية ونقاط الارتكاز، واجهت الرفض والإدانة من الحكومات الوطنية والحركات التحررية والرفض بالانضمام إلى سياسة الاحلاف العسكرية في حملة ثقافية وإعلامية وطنية، إذ كان من الصعب إقناع شعوب الشرق الأوسط بالخطر السوفيتي في الوقت الذي كانت فيه أجزاء من الوطن العربي ترزح تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي عدا إسرائيل، والدعم الذي تقدمه إليها الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية. (10)

ولدى إجراء مقارنة بين أعداد القواعد العسكرية الامريكية (ولا سيما الأمريكية) في العالم العربي في الخمسينات عنها في الوقت الحاضر(مطلع الثمانينات) نلاحظ أن هناك تناقصاً ملحوظاً في العدد والسبب الرئيسي في ذلك هو انجازات الحركة الوطنية والقومية، منها على سبيل المثال: العراق، ليبيا، مصر، وكذلك إلى تحرير كامل التراب الجزائري من الاستعمار الفرنسي، وجنوب اليمن من الاستعمار البريطاني، ودون أن تكون بسبب تراجع الإمبريالية عن سياستها العدوانية وسياستها في تأسيس القواعد.

والسبب الرئيسي الذي أدى إلى تحديث سياسة القواعد ونقاط الارتكاز هو الاتجاهات الحديثة في الاستراتيجية الامريكية، فقد تخلت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عن 200 قاعدة عسكرية، أو كان ينبغي التخلي عنها لصعوبات سياسية أو اقتصادية، ولكنها أقامت الجديد منها على سبيل المثال قاعدة دييغو غارسيا (Diego Garcia) في المحيط الهندي. والبواعث الامريكية في سياسة القواعد كانت:

1. الاحتفاظ بالقواعد الحالية وتطويرها من أجل تأمين النفوذ الامريكي.

2. العمل على تطوير وتجديد القواعد المتوفرة حالياً وتحديد قيمتها من خلال الاسلحة المتواجدة فيها، واحتمالات الموقف الجيوبولتيكي، وذلك بسبب تطور تكنولوجيا السلاح الذي أدخل مفاهيم جديدة إلى استراتيجية استخدام القواعد وأهميتها ومدى فاعليتها.

وفي هذا الاطار، فإن التكنولوجيا الحديثة المتطورة في مجالات الاتصالات والإنذار الالكتروني والاستشعار البعيد ونظم السيطرة قد توسعت وما تزال في منجزاتها. فعلى سبيل المثال محطة الإنذار المبكر في سيناء والتي هي إحدى ثمرات كمب ديفيد، وبالمقارنة مع الوسائل الامريكية ليست هناك تغيرات جوهرية بل هي ملائمة من التطور فحسب وبسبب الظروف المتغيرة. (11)

وقد وجدت الولايات المتحدة في اعوام السبعينات، وأكثر من ذلك في الثمانينات، أنها مضطرة إلى تحديث استراتيجيتها الخاصة بالعمل ضد الانظمة الوطنية والحركات التحررية، وأن تهتم إلى جانب قواعدها العسكرية العاملة بتقوية قواعدها وتطويرها وسلاحها البحري في المنطقة، وتهيئة وحدات التدخل السريع التي تلقت تدريبات خاصة على التضاريس الجغرافية المحتملة وتعزيز الأسطول الأمريكي السادس الذي مقر تواجده الدائمي هو البحر الأبيض المتوسط.

وفي دراسة سرية لحلف الناتو، فإن البحر الأبيض المتوسط يعتبر مسرح عمليات حربية رقم (1) لذلك فإن الولايات المتحدة بذلت مجهودات عديدة لحماية نفوذها وبنفس الوقت جنوب حلف الناتو. وتهدف الفعاليات الامريكية إلى:

1. حماية وتأمين البلدان الصديقة للولايات المتحدة.

2. حماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط بصفة عامة. (12)

وقد جسدت الولايات المتحدة استراتيجيتها الشاملة في اعوام السبعينات بأشكال حديثة لمبادئ أيزنهاور، مع أن الولايات المتحدة كانت تسعى في تحالف مصر وإسرائيل ودعمهما بالسلاح لأن تحقق لنفسها قوة ونفوذ في الشرق الأوسط، ذلك أن الأساليب التي تهدف إلى تقوية الوجود العسكري الامريكي في الشرق الأوسط وفي محيط الخليج العربي لم يعد يكتفي بشكل مساعدات عسكرية وقروض، ولكن بدلاً عن ذلك تقوية الحلفاء المحليين ليقوموا بأدوارهم. وقد قدمت الولايات المتحدة ما قيمته أربعة مليارات دولار اسلحة إلى مصر وإسرائيل التي ستستخدم جزء منه في بناء مطارات عسكرية.(13)

وقد استنبطت الولايات المتحدة الامريكية في إطار سياستها لمواجهة حركة التحرر الوطني وسائل جديدة، إذ أرسلت 300 خبير عسكري إلى اليمن الشمالي من أجل إيجاد ثغرة في الخلاف بين دولتي شطري اليمن. (14)

وفي تحليل هذه الحقائق ومقارنتها بالأساليب القديمة، نجد أن الاستراتيجية العسكرية الامريكية تهدف إلى:

1. التوصل إلى بناء قواعد جوية وتجسسية لمراقبة حدود الاتحاد السوفيتي وتأسيس حلقة من القواعد التي تغطي مجال مراقبة حدود الاتحاد السوفيتي من إيران حتى المحيط الهندي بما في ذلك المناطق السوفيتية في بحر قزوين وبحر آرال.(15)

2. مكافحة حركات التحرر الوطنية وإسقاط الأنظمة الوطنية .

3. حماية المصالح والنفوذ الامريكي.

وفي تحليل للعقيدة العسكرية الامريكية، نلاحظ أنها تهدف حماية مصالحها الاساسية والتمسك بالمبادرة في الشرق الأوسط، وإن الانسحاب من العديد من القواعد العسكرية لم يكن في الواقع إلا انسحاباً مرغماً، أي أنها لم تنسحب باختيارها، وأن العناصر التي أرغمتها كان تطور المد التحرري الوطني الذي أدى لتصفية العديد من القواعد، بالإضافة إلى التطور التكنيكي الذي ألغى الحاجة لبعضها، وأدى لتقليص عدد من القواعد مقابل التطور التكنيكي الذي ضاعف من أهمية ومدى قواعد أخرى مثل دييغو غارسيا.

وفي إطار سياسة الاحلاف والتحالفات الاستعمارية الجديدة، تكتسب المصالح السياسية والعسكرية في الاستراتيجية الامريكية الشاملة صفة التلاحم والتماسك، ولفترة طويلة كان مصطلح الحلف يشمل عدداً كبيراً من البلدان التي تسير في ركاب هذه السياسة، وتضع قدراتها في خدمة تحقيق الاهداف السياسية للحلف.

في هذه الحالة فإن الخطر بالنسبة للقوى الوطنية والقومية وللأنظمة المتحررة لا يكمن في القوات المسلحة للولايات المتحدة الامريكية فقط، بل بالآلة العسكرية والقوى العسكرية للدول المتحالفة معها في خدمة تنفيذ مصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها.

وتحت شعار تهويلي: " الخطر السوفيتي " الذي يستهدف محاصرة الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، صاغت الولايات المتحدة مجموعة من الاحلاف والارتباطات والتي كانت في الشرق الأوسط تعني أيضاً العمل ضد حركة التحرر الوطني في هذه البلدان من أجل فرض الإرادة والتصور الامريكي على الصعيد السياسي. وتطرح دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة جورج تاون بوضوح تام " ليس هناك سوى امكانية السيطرة على العالم اما سوفيتية أو أمريكية، وإن ذلك يعني أن لابد من تراجع النفوذ الشيوعي، وأن البلدان الاشتراكية لابد من تصفيتها في النهاية ". (16)

إن هذه الاهداف التوسعية تخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة السياسة المعادية للاشتراكية وإن العناصر الغير مباشرة تتمثل بالتنظيم والدعم وإسناد عناصر قوى الثورة المضادة وقيادة الحرب النفسية وإلى التعامل العسكري العدواني، والتفاعل يكمن في مراحل قد تم التخطيط لها وهي عبارة عن تناسق بين الأدوات والوسائل للعمل المباشر أو غير المباشر.

وتحتل القوة السلطة مكانة واسعة في السياسة الخارجية، ويورد البروفسور ريتشارد نيوستات (R. Newstaat) وهو الذي كرسي مادة الدولة الامريكية في جامعة كولومبيا يورد ما نصه: " إن السلطة هي إقناع، والإقناع يمكن أن يكون مساومة. وهذه الاستنتاجات يتوصل إليها كل من يتابع السياسة الخارجية الامريكية. (17)

وتدرك الولايات المتحدة كسلطة قيادية بين النظم الرأسمالية، أنها ما لم تنجح في تحديث سياستها وأساليبها فأنها سوف لن تتمكن من أن تلعب دور الدركي في العالم إلى ما لا نهاية، وإن مبادئ التدخل المباشر لا سيما بعد نتائج الحرب العدوانية في فيثنام التي أدت إلى فضيحة كاملة للولايات المتحدة، كما قاد التدخل المباشر إلى أنهاك الاقتصاد الأمريكي ودافعي الضرائب، وتشير المعطيات إلى حجم الخسائر الأمريكية في فيثنام كما يلي: (1965ـ 1969)

• 47,000 رجل (قتيل ــ جريح ــ أسير) بما في ذلك جنود كوريا الجنوبية واستراليا.

• 155 مليار دولار، خسائر معدات.

• 115,000 رجل قتيل من جيش سايغون.

• 1429 طائرة.

• 1122 معدات نقل عسكرية. ..................(18)

إن هذه الحقائق كانت بلا شك كافية للولايات المتحدة من أجل العمل على تحديث استراتيجيتها في اعوام السبعينات وفي اتجاه التعاون الدولي وإقامة التحالفات المحلية بين الحكومات الصديقة والمدعومة من قوة الولايات المتحدة العظمى ". (19)

وضعت هذه المبادئ موضع التنفيذ تحت شعار " الحفاظ على توازن القوى في العالم وتذليل للمصاعب المشتركة " (الولايات المتحدة والأنظمة الصديقة والحليفة لها) والمقصود بذلك هو مواصلة العمل ضد الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، والبلدان المتحررة والأنظمة الوطنية.

ومن خلال تنفيذ هذه السياسة على الصعيدين السياسي والعسكري وفي إطار من الدبلوماسية المرنة " تحالف وتكوين كتلة من البلدان الصديقة والتنسيق في المساعي المشتركة، وليس هناك صيغة نهائية للتحالفات، بل التلائم مع ما يناسب المصالح الامريكية ". (20)

وعند تحليل هذه المعطيات والحقائق، يتبين لنا بوضوح أن الاستراتيجية الامريكية الشاملة لم تتراجع عن صفاتها، وأن العدوان والتوسع أستمر كصفة جوهرية للسياسة الامريكية، بل واكتسبت صفة جديدة ألا وهي قدرتها على التغيير لتحقيق أهدافها وتلائمها مع الظروف المتغيرة السياسية منها والاقتصادية والعسكرية في البلدان النامية ومنها أقطار الشرق الأوسط. وقد استفادت من دروس الحرب الفيتنامية واستخدامها لطائفة من الأساليب التي بمجموعها تحقق المصالح الأمريكية. ومن تلك الأساليب:

1. استخدام القواعد العسكرية التقليدية مثل دييغو غارسيا.

2. التواجد العسكري المباشر بواسطة الاساطيل الامريكية، مستشارين، خبراء، زيارات لوحدات جوية وبحرية امريكية.

3. قواعد للتجسس والتصنت والإنذار المبكر كما في قاعدة سيناء للإنذار المبكر.

4. تحالفات جديدة لها وظائف سياسية / عسكرية كما في اتفاقية كمب ديفيد.

وفي مجال سياسة التحالفات فإن الولايات المتحدة تعمل بحذر رغم علمها بأن البلدان النامية هي بحاجة إلى التنمية أكثر مما هي بحاجة إلى الأحلاف، ولكنها قابلت مساعي البلدان النامية وحركات التحرر الوطنية بتكثيف مساعيها وفعالياتها من أجل ما تراه يتفق مع أهدافها ومصالحها تحت شعارات ومصطلحات مثل: استقرار، أمن، تعاون. (21)

وتفسر الأوساط الأمريكية هذه الشعارات والمصطلحات بما يتلائم مع مصالحها والتي تصعد من قدراتها العسكرية ورفع أعداد السفن في اساطيلها وأعداد الطائرات وحاملات الطائرات في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وتكثيف العلاقات الدبلوماسية وتنشيط سياسة " المساعدات الأمريكية " وإلى فعاليات أخرى منها زيارات المسؤولين الأمريكان وزيارات وزراء الدفاع ووزراء الخارجية ومستشارو الأمن القومي. (22)

ومن أبرز منجزات المساعي والمجهودات السرية والعلني ذات النتائج الصعبة هي اتفاقية كمب ديفيد مع ملاحقها: الاتفاقية المصرية ــ الإسرائيلية، والمذكرة الامريكية ــ الإسرائيلية وفقراتها التي تشكل أرضية لحلف سياسي / عسكري والتي تعني تهديداً حقيقياً لأمن واستقرار بلدان المنطقة. (23)

وتتغير الاستراتيجية الامريكية (ومنها الاستراتيجية العسكرية) وتتكيف في أساليب تحقيقها بحسب الظروف الدولية وبحسب انجازات البلدان النامية وحركات التحرر العالمية والبلدان الاشتراكية، وقد أرغمت هذه التغيرات الأوساط الاستراتيجية على تغير خططها فيما يخص القواعد العسكرية في السبعينات والثمانينات ومن أبرز تلك المتغيرات:

1. تمكن الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية من المضي قدماً في سياسة التعايش السلمي في العلاقات بين الدول ذات الانظمة المختلفة والاستفادة من الظروف المتوفرة في تطوير وضعها الاقتصادي وزيادة نفوذها في الحياة الدولية.

2. احتدام وتعمق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين البلدان الرأسمالية.

3. انتصار عدد كبير من الشعوب في نضالها ضد الإمبريالية( فيثنام، كمبوديا، أثيوبيا، أنغولا، موزمبيق، زمبامبوي، وصمود كوبا، وانتصار شعب نيكاراغوا في اميركا اللاتينية.

وفي الشرق الأوسط، فكانت ابرز المؤشرات:

1. سقوط النظام الملكي الإيراني 1979.

2. تطور نضال حركة التحرر الوطنية لا سيما منظمة التحرير وتزايد الاعتراف الدولي بالحقوق الفلسطينية.

3. تصاعد احتياجات الولايات المتحدة إلى النفط الخام ولا سيما نفط الشرق الأوسط، قادت إلى أزمة طاقة في الولايات المتحدة التي وصفها الرئيس الامريكي كارتر بأنها " كارثة قومية " فقد أوضح على سبيل المثال بلهجة حاسمة " إن استقلالنا السياسي والاقتصادي في خطر متصاعد ". (24)

هذه المعطيات وغيرها أدت إلى إدخال عناصر جديدة في السياسة الامريكية والاستراتيجية الشاملة إذ انطوت على اضرار بالسلام العلمي والتعايش السلمي من خلال التصعيد المستمر لسياسة المجابهة العسكرية.

وفي اواسط ديسمبر / 1979 أكد الرئيس الامريكي كارتر في خطاب أمام اقطاب الاحتكارات المالية في القصر الأبيض، أن الولايات المتحدة ستعود إلى " سياسة القوة في العالم " .(25)

وهذا التصريح يؤكد " أن اعتراف المعسكر الرأسمالي بمبادئ التعايش السلمي لم يكن سوى محاولة تلاؤم مع الظروف والمعطيات الجديدة على مسرح العلاقات الدولية ".(26)

وتؤكد هذه المقولة للرئيس الامريكي أن أهداف السياسة الخارجية الامريكية تتناقض مع سياسة التعايش السلمي، وأنها تواصل محاولة عزل الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية عن العالم وحركات التحرر خاصة، وعندما لا يتسنى لها ذلك، يعترف الرئيس الامريكي " ينبغي أن نعي أن ليس كل حالة من حالات العنف فيثنام " وقد علق مسؤول أمريكي على هذا التصريح " إن كلمات كارتر هذه تعني نهاية عقدة فيثنام في سياسة الولايات المتحدة " .(27)

في الشرق الأوسط، بدأت الولايات المتحدة بتوجهات استراتيجية عسكرية جديدة، ومرحلة جديدة بتأسيس قواعد عسكرية ووضع خطط للتدخل والتهديد بشن العدوان، خطط تنطوي على عواقب لها مخاطر على استقلال وتنمية التطور الاجتماعي لأقطار الشرق الأوسط. وتأتي على رأس هذه التحويرات في السياسة الامريكية سياسة كامب ديفيد والتي تمثل سياسة امريكية جديدة حيال اقطار الشرق الأوسط، تهدف إلى تعزيز السيادة الامريكية في ظل الظروف المتغيرة في العلاقات الدولية وهي تهدف إلى تأسيس تحالف بين إسرائيل ومصر.

وبمساعدة الولايات المتحدة للحلف ودعمه بالسلاح والمواقف السياسية، وتأسيس القواعد العسكرية، أتخذ هذا الحلف على عاتقه التصدي لأعداء السياسة الامريكية، وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كانت الظروف تظهر مخاطر السياسة الأمريكية واضحة وظاهرة للعيان.

1. أستمر التحالف الذي توج باتفاقية كمب ديفيد، اتفاقاً منفصلاً بين إسرائيل ومصر بقيادة وإشراف الولايات المتحدة، بينما كانت الأوساط الامريكية قد خططت لأن يكون هذا التحالف بداية ومقدمة إلى تحالف يضم عدداً أكبر من بلدان الشرق الأوسط وإلى ما يسمى بحلف دفاع الشرق الأوسط (Middle East Tready Organisation METO) من أجل التصدي لحركة التحرر الوطنية، وهو ما لم يحدث. (28)

2. سقوط النظام الملكي في إيران، وعلى الرغم من غموض الخط الاجتماعي والسياسي للثورة، إلا أن الاحتمالات مفتوحة على أكثر من خيار.

3. انتصار القوى الديمقراطية في افغانستان.

هذه ومعطيات أخرى، تستفز عدوانية الولايات المتحدة التي تجد إعلاناً صريحاً في مبادئ كارتر (Carter Doktrin) التي لا تختلف جوهرياً عن مبادئ أيزنهاور، التي تنص "بحق" لجوء الولايات المتحدة إلى كافة الوسائل بما في ذلك استخدام القوات المسلحة للولايات المتحدة الامريكية من أجل الدفاع عما يسمى " المصالح الحيوية الأمريكية ". (29)

وإيفاء للالتزامات الولايات المتحدة حيال حلفاءها في الإطار العسكري لوحظ:

1. تصاعد ميزانية وزارة الدفاع الامريكية للسنوات القادمة.

2. اهتمام الولايات المتحدة المتزايد بتهيأة قوات مسلحة للتدخل السريع في المناطق البعيدة.

3. تزايد وتقوية الوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهندي، واهتمامها بخلق نقاط ارتكاز لها في مصر والصومال والمحيط الهندي.

4. تأكيد (الالتزام الأمريكي في باكستان وفقاً لاتفاقية الأمن المبرمة عام 1959 بين البلدين).

5. السعي لخلق تحالف دفاعي بيت أقطار الشرق الأوسط. (30)

وهذه السياسة التي جرى تنفيذها بجدية صادفت النجاح والإخفاق، فالنجاحات كانت:

ـ استعداد إسرائيل، مصر، مصر، الصومال، عمان لتقديم القواعد والتسهيلات اللوجستية ومعدات للقوات المسلحة الأمريكية.

ـ تنسيق سياسات الدول الرجعية في المؤتمر الإسلامي في إسلام آباد 1980، فقد طرحت هذه الدول وجهات نظر الولايات المتحدة داخل المؤتمر ومثلت مصالحها.

ولكن هذه السياسة لاقت الكثير من المتاعب والتناقضات خلال تنفيذها، ومن ذلك : لا تستطيع الولايات المتحدة أن تدعم وتسلح بعض الدول دون أن يمثل ذلك استفزازاً لدول أخرى، فعلى سبيل المثال فإن تقوية باكستان عسكرياً، يمثل استفزازاً للهند، وتدهوراً للسلم والاستقرار في المنطقة. (31)

تشير هذه المعطيات إلى أن الولايات المتحدة وهي تمضي إلى تصعيد سياسة المواجهة، وكنتائج في هذا المجال، تأثير للتسليح الكثيف كان له تأثيرها الكبير على الاوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة من حيث تصاعد حجم التضخم حيث تصاعدت في النصف الأول من عام 1980 بمقدار 13%. (32)

وهناك مؤشر يستحق التمعن، فحجم الفعاليات العسكرية خارج الولايات المتحدة يعكس مكانة القوة المسلحة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية ويعبر عن أهدافها. وحتى نهاية عقد السبعينات كان للولايات المتحدة 429 قاعدة عسكرية كبيرة، و2,297 قاعدة صغيرة في الخارج، وهي تعتزم الآن بناء نظام قواعد، ويخدم وأحد من كل أربعة جنود أمريكان خارج الولايات المتحدة. والرئيس الأمريكي يعد كافة أقاليم العالم لا سيما تلك الثرية بالنفط كمناطق نفوذ حيوية للولايات المتحدة تستحق التدخل بالقوات المسلحة الأمريكية. (33)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش 2ـ3

1. شيكيفيتش، ت: الماركسية اللينينية وقضايا الحرب والعسكرية، موسكو 1974، ص231

2. بيلاشنكو,ت: قواعد الإمبريالية أداة العدوان، موسكو 1978، ص6

3. لويس، بيلتير: الجغرافية العسكرية، بغداد 1975، ص9

4. Gallman, W.: Iraq under Genral Nuri, Meryland USA 1964, P. 21

5. Eisenhower, D: Wagnis Für den Frieden, Düsseldorf 1966, S. 170- 171

6. Ebenda: S. 189

7. النعيمي، أحمد: السياسة الخارجية التركية، بغداد 1976، ص 252

8. Simanjan, R.: Gefährliche Aufmärsche , in Krasnja Sved, vom 02.03.1974

9. الجدول من عمل الباحث استناداً إلى مصادر شتى

10. Agrayschew, A: NASSER . Berlin 1977. S. 157

10. منجال: خدام الإمبريالية، في المجلة العسكرية السوفيتية، موسكو 1977، العدد 7 ، ص45

12. ناطق بأسم وزارة الخارجية الأمريكية، صحيفة الجمهورية بغداد 16/ 1/1979

13. ND: vom 16. März 1979 Berlin

1. BZ: Berlin vom 15. März. 1979

15. Konzelmann, G.: Die Reichen aus dem Morgenland, München 1975, S. 44-45

16. بالدوين، هانسون: استراتيجية للغد، القاهرة 1970، ص277

17. نيوستات، ريتشارد: سلطة الرئيس ، القاهرة 1963، ص63

18. خاك فين، نغودين: عجز التقنية الامريكية في فيثنام، بيروت 196، ص46

19. بالدوين، هانسون: استراتيجية للغد، القاهرة 1968، ص46

20. بالدوين، هانسون: نفس المصدر، ص 278

21. Thomas, S: Jimmy Carter, From Peanuts to Presidency, Montereal 1978, P.90

22. بيان وزارة الخارجية في اليمن الديمقراطية، في صحيفة الثوري، عدن 10/3/1979

23. صحيفة الثوري، نفس المصدر

24. كارتر، جيمي: خطاب إلى الأمة بتاريخ 18/4/1977، في مجلة النفط والتنمية، بغداد 1977، العدد 9، ص171

25. Schwarz, W.Ö Brandstifter als Feurwehr, in Horizont Nr. 15, Berlin 1980

26.Sanakojev, S. , Kaptschenko, N., Theorie der Außenpolitik der Sozialismus, Berlin 1979, S. 96

27. Schwarz, W.Ö Brandstifter als Feurwehr, in Horizont Nr. 15, Berlin 1980

28. النشرة الاستراتيجية: مركز دراسات العام الثالث، لندن 1979، العدد 2

29. النشرة الاستراتيجية: مركز دراسات العام الثالث، لندن 1979، العدد 1

30. النشرة الاستراتيجية: نفس المصدر

31. النشرة الاستراتيجية: نفس المصدر

32. ND, vom 14.02.1980

33. Honecker, E., Die Einheit der Revoolutionären Hauptstürme festigen , in Probleme der Friedens und des Sozialismus, Berlin 1981, S. 3
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف