الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

السياسي في رواية "جنوبي" للكاتب رمضان الرواشدة

تاريخ النشر : 2022-12-28
السياسي في رواية  "جنوبي" للكاتب رمضان الرواشدة
السياسي في رواية "جنوبي" للكاتب رمضان الرواشدة 

بقلم: رائد الحواري

الجميل في الأدب تقديمه مواضع سياسية بطريقة سلسة وناعمة، فهو يقدم للمتلقي معلومات وأحداث يتم تجاهلها عن عمد وبقصد، ليبقى لا يعرف، ولا يعرف ما كان وما سيكون، في رواية "جنوبي" نجد مجموعة من الأحداث والمعلومات المفصلية في تاريخ الأردن، قدمها "جنوبي بن سمعان" ضمن إطار سردي متعدد، وهذه فنية تحسب للرواية.

العنوان "جنوبي"
غالبا ما جاء الجنوب على أنه مصدر الثورة، لما يعانيه من تهميش وظلم يمارسه (الشمال)، وبما أننا أمام شخص "جنوبي" فهذا يعني أن هناك مكان ثوري وشخص ثائر/متمرد، وهذا ما وجدناه في الرواية.

السياسي
محور الرواية الأساسي يتمثل في الهم السياسي عند بطل الرواية، الذي تعرف على المظاهرات منذ طفولته، ثم أخذ يعمل منفردا كسياسي، يصدر البيانات باسم تنظيم تقدمي دون أن يعي ما معنى التقدمية، إلى أن تعرف على العمل السياسي الحقيقي من خلال الناصريين، ثم الشيوعيين، لينتقل بعدها إلى العمل الثوري الحقيقي حينما قرر الذهاب إلى بيروت والتصدي للعدو الصهيوني، وبعد أن يعود إلى الأردن ويتم اعتقاله، تبدأ الأفكار السياسية بالنضوج أكثر، فيخرج بحكمة تقول: "إن كنت في الثلاثين ولم تكن ثوريا فأنت لا قلب لك، وإذا أنت أصبحت بعد الثلاثين وما زلت ثوريا فأنت لا عقل لك" ص22، يمكن الأخذ بهذه المقولة نظريا، لكن عمليا "الجنوبي بن سمعان" نفسه يؤنب نفسه كما أنب المثقفين الذين انخرطوا في السلطة بعد تخلوا عن مبادئهم وثوابتهم، أو بعد أن تم تدجينهم من قبل السلطة: "كل المثقفين يريدون سلوك طريق الدكتور خليل العلي الذي كان مناضلا في أيام القمع والعمل السري، وبعد الانفراج الديمقراطي إثر هبة نبسان 1989 أصبح وزيرا للإعلام! ..وقد استطاعت السلطة استيعاب المثقفين اليساريين والقوميين الذين أصبحوا وزراء ونوابا... ملعونة هي السلطة، فهي محرقة لكل الطيبين من الأنقياء مثلك...وأنت رغم أنك لم تحترق لأنك بقيت على مسافة مع كل الناس، إلا انك جزء من السلطة!.. هكذا هي نهاية المثقف من اليسار إلى الناصرية إلى الصوفية إلى حضن السلطة؟!!.

أتمنى عليك يا جنوبي أن تؤوب من رحلتك غير الممتعة في أحضان السلطة إلى وضعك الطبيعي، كمثقف مناهض لتغول السلطة على الناس.. أنت غير يا جنوبي، ولن يشفع لك أحد سوى كتاباتك!" ص91 -93، في هذا المقطع يتخلى "الجنوبي" عن حكمته السابقة، ويؤكد ثوريته ونهجه في مناهض الظلم والاستسلام ومنتقدا نهج السلطة في لترويض المعارضين وتدجينهم.

وبما أن هذا الكلام جاء في خاتمة الرواية، ومن لجنوبي نفسه وليس من خلال السارد الخارجي، نتأكد عدم حقيقة استنتاجه الذي تحدث به أمام ضابط المخابرات.

البدايات
ما يحسب للرواية أنها تقدم معلومات عن أحداث يتم تجاهلها من قبل السلطة ومن قبل عامة الناس أيضا، وكأنهم يخفون (جريمة شرف)، إلا أن الجنوبي يكشف لنا حقيقة ما كان في الماضي: " لم اكن اسمع بما يسمى المنشورات، وهي وريقات مكتوبة على آلة طباعة رديئة، توزع في المدرسة، إلا في الثالث الإعدادي، إذا أعطاني أحدهم منشورا عن يوم الأرض بتوقيع حركة (فتح) .. فأعجبني الأمر، في اليوم التالي كانت هناك حركة تظاهرات في مدرسة الفتح الواقعة على شارع الهاشمي بين الشمالي والجنوبي.

لم نجرؤ نحن أبناء الجنوب على الخروج في المظاهرة خشية أهلنا، فأغلبهم كان من العسكر أو الأمن والمخابرات، لكنني عرفت معنى المظاهرة من وقتها، دسست المنشور داخل أحد كتبي لسنوات طويلة، وكنت اشعر كأنني مراقب، إذ كان أهلي يقولون إن المخابرات "تعرفت اللي ببطن أمه" ص29، هكذا كان واقع الأردن الاجتماعي والسياسي، فهناك قسم يعمل في الدولة ويريد المحافظة على عمله، من خلال إبقاء الأبناء في عزلة عما يجري من أحداث، وقسم يتفاعل مع الأحداث ويريد تطويريها.

المنشورات السرية تركت أثرا في "الجنوبي" فاراد أن يكون مناضلا من خلال: "..وأقمت تنظيما سريا سميته "جمعية الأحرار التقدميين" لم يكن في عضويته سواي خوفا من "الانفضاح" وحفاظا على السرية" ص29، رغم بساطة الطرح، إلا أنه يأخذنا إلى تلك الفترة المظلمة من تاريخ الأردن، حيث كانت المراقبة والملاحقة تطال أي شخص، وأي شيء يمكن أن يشير إلى السياسي، فالسياسة كانت وما زالت تهمة لا تزول بتاتا، وتبقى عالقة بصاحبها وأبناء صاحبها إلى الممات، لهذا نجد أن كل من لم يدجن أو يروض، أو لم ينساق مع السلطة، ما زال من المغضوب عليهم هو أبناءه وحتى أحفاده.

يبدأ "الجنوبي" رحلته في العمل السياسي من نشاطه في مختلف المجالات منها: "في عام 1983 كنت على رأس مجموعة من طلبة الجامعة الذين اقتحموا مكتب رئيسها مطالبين بعودة الطلبة المفصولين وإلغاء ما يسمى بالعلامة المعادة.

منذ ذلك الوقت أخذت "إضبارتي" تكبر لدى الأجهزة الأمنية" وما كنت اشعر، فالحياة كانت تمور بالكثير من الأحداث" ص36.
أول ضريبة دفعها "الجنوبي" كانت عادية، فالسلطة الأردنية لا توظف إلا من كان موالي لها، قولا وفعلا، وبما أننا أمام شخصية متمردة، فقد تم رفضة للعمل في الوظيفة الحكومية رغم أنه كان من المتفوقين في الامتحان: "تقدمت لوكالة الأنباء الرسمية وحزت المرتبة الثانية على 200 متقدم في اللغة الإنجليزية والتحرير، لأفاجأ برفض تعييني لأسباب أمنية" ص40.

العمل السياسي يرافقه التعرف على شريحة منفتحة من المجتمع ومتنورة، تتعامل مع الإنسان بانفتاح واحترام، ينتسب "الجنوبي للحزب الناصري لأنه وجده فيه: ""مها" التي عرفتني على الرفاق في الحزب ومدحتني لهم" ص46، وهذا يأخذنا إلى أن الحزبي منفتح اجتماعيا ولا يتعامل مع المرأة على أنه كيان ناقص، إضافة إلى كونه سياسي يعمل على النهوض المجتمع سياسيا واجتماعيا.

بعد أن يشارك في مواجهة العدو في بيروت، يعود إلى وطنه، فيتم اعتقاله، يقدم لنا هذه الواقة قائلا: "عدت إلى السجن، حيث أمضيت عدة أسابيع قبل أن يفرجوا عنك، لصغر سنك، وتدخل الوسطاء من أبناء العشيرة وأهل القرية الجنوبية التي تنتمي إليها.. كان المحقق ينظر إليك ويقول: "أنت أردني، ما دخلك بالمنظمات الفلسطينية؟! هم أهل القضية وهم أولى بها؟! نسى المحقق أن من دافع عن القدس في 1948 هم الجنود الأردنيون وأن حابس المجالي قائد معركة باب الواد واللطرون هو "أردني قح"" ص52، اللافت في المشهد أن "الجنوبي" يشير إلى النظر المتخلفة عند رجال النظام، الذين يتنصلون من الوحدة الجامعة بين ضفتي النهر، فهم يريدون الفلسطيني لوحده أن واجهة أكبر قوة عسكرية في المنطقة، لكن الجنوبي المتمرد يرفض هذا المنطق ويؤكد على الوحدة الجامعة بين ضفتي النهر في أكثر من موضع في الرواية، وسنأتي على تناول هذه الوحدة لاحقا.

أثر القمع اجتماعيا
حجم المراقبة والملاحقة التي طالت كل من يعارض النظام، أو حتى يوجه نقدا لأي موظف فيه كان هائلا، ولم يكن يقدر على تجاوز هذا الواقع إلا من هو متمرد وثوري، فغالبية المجتمع فضلت الانعزال عن كل من هو السياسي خوفا من الملاحقة الأمنية والاقتصادية وحتى السفر، فناس عاشت في عزلة عن واقعها ومحيطها، يقدم "الجنوبي" صورة المواطن الأردني من خلال هذا المشهد: "...ليتبين لك أن سائق التكسي الذي تركب معه من العبدلي، مقر المخابرات، قبل انتقالها إلى شارع الشعب في حي دابوق، إلى وسط البلد، لا يعرف حتى معنى الديمقراطية والحرية، فكل ما يؤمن به هو كيف يوفر الخبز والطعام ورسوم المدارس والكتب لأولاده" ص77، هذا المشهد لم يتوقف، بل بقى مستمرا في المجتمع الأردني، لأن زمن القمع كان طويل وممتد ومتصل ومتواصل، بحيث لم يتح للمواطن معرفة أو الاطلاع على الأفكار خارج إطار الإعلام الرسمي للسلطة.

من هنا نجد المجتمع يرفض فكرة الحزبي، المثقف، لأنه بني على فكرة العشيرة والقبيلة: "ليس من السهل أن يترشح كاتب أو مثقف للانتخابات النيابية... أن الأكثر فقرا في مناطق كثيرة في الأردن انحازوا للأكثر غنى، وهي ظاهرة تستحق الدراسة وتؤشر على منحى جديد في السلوك الاجتماعي والسياسي " ص79و80، كان يمكن أخذ المشهد السائق على أنه مشهد فردي، لا يمثل المجتمع لكن بعد أن أضاف "الجنوبي" حالة الناس في الانتخابات أكد أن هناك هوة سحيقة بين الديمقراطية وبين مفهوم المجتمع لها.

التحولات العميقة والسريعة
أكبر تحول سياسي في الأردن كان بعد عام 1989، فهو لم يطل النظرة الرسمية للعمل السياسي فحسب بل طال أيضا التنظيمات السرية نفسها: "هؤلاء الرفاق تركوا أحزابهم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إثر البريسترويكا التي أطبقها غورباتشوف، كما أن خروج الأحزاب من السرية إلى العلنية في مرحلة الانفتاح الديمقراطي بعد العام 1990 أدى إلى مغادرة كثيرين لانتماءاتهم الحزبية وتحولهم إلى الإعمال الخاصة ومنهم من تدين وأصبح من رواد المساجد" ص56، وكأن "الجنوبي" يقول ان الحزبيين لم يكونوا مستعدين لهذه التحولات، وعلى أنهم كانوا يبنون ثقافة العضو بطريقة غير صحيحة، لهذا كانت التحولات بمثابة انتكاسات للأحزاب.

أما فيما يخص من هو رسمي، فقد جاءت التحولات على مفهوم الضباط والمحققين وعلى طريقة تعذيبهم وانتزاع المعلومات من السياسيين: "بعد ذلك بحوالي 25 عاما هاتفك الضابط المحقق "أبو علاء" الذي أشرف على التحقيق معك وعلى ضربك، قال لك: "أنا ذاهب إلى الحج!.. أريد منك أن تسامحني" ص57، بهذا المشهد يتم التلاقي بين الرسمي والساسي الشعبي، بمعنى أن (المعارض) والرسمي يتفقان على أن ما قامت به السلطة من قمع واضطهاد لم يكن صحيحا، وكان يمكن استيعاب (المعارضين) سلميا، من خلال محاورتهم ومناقشتهم، بما أنهم كانوا يريدون خدمة بلدهم ووطنهم وحماية شعبيهم، وما ندم هذا الضابط إلا تأكيدا على القمع والتعذيب ليس إنسانيا ولا وطنيا.

الفدائي
تم القضاء على مشروع التحرر القومي العربي الرسمي بعد مقتل عبد الناصر عام 1970 بالسم، وتم القضاء على المشروع التحرري الشعبي بعد خروج المقاومة من بيروت، حيث كانت الثورة الفلسطينية والمتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية تعد الحاضنة لكل المعارضات العربية، فكانت الأفكار النقدية والفلسفية والتحررية تخرج من لبنان، يشير "الجنوبي" إلى مكانة ودور الثورة الفلسطينية في بناء الوحدة العربية قائلا: "...وجدتم أبو خليل الزعبي ...وافق على تهريبك إلى سوريا، في البداية طلب مبلغا من المال وعندما عرف أنك ذاهب لتقاتل وافق بشهامة أن يهربك مجانا. وصلت إلى دمشق بعدما أوصلك أبو خليل إلى درعا، وأنت لا تحمل سوى عشرين دينارا أعطتك إياها أمك، لا تعرف في دمشق شيئا، لكنك كنت تعرف أسماء المنظمات، فسألت أحدهم عن مكتب الجبهة، ..بعدما عرفت على نفسك استقبلوك، ومن هناك إلى معسكر التل، ومنين، .. التقيت هناك بأردنيين وسوريين وتوانسة ومغاربة وغيرهم، كلهم ذاهبون للقتال دفاعا عن بيروت، أجمل العواصم العربية" ص51، نلاحظ أن المهرب ـ الخارج على القانون ـ يستعيد ذاته الوطنية والقومية بعد أن تخلى عن المال، وهذه إشارة غير مباشرة ـ إلى أن الهم الوطني/القومي يطهر حتى أولئك الخارجين على القانون، ويعيدهم إلى جادة الصواب، فما بالنا بالمواطن العادي، السوي!.

وعندما تحدث "الجنوبي" عن طريقة استقباله وجنسيات المتطوعين، أكد طهارة الأمة العربية وتفانيها في العطاء وتقديم حتى روحها مقابل الخلاص والتحرر من الغاصب المحتل، أليس هذا المشهد كاف لتأكد أن الثورة الفلسطينية كانت تمثل المخلص للأمة العربية مما علق بها من أنظمة فاسدة ؟.

الربط بين ضفتي النهر
أشار "الجنوبي" سابقا إلى أن هناك هوة عملت السلطات في الأردن على خلقها بين أبناء المجتمع الواحد، وهذا ظهر لنا من خلال ما قاله المحقق له بعد أن عاد من لبنان، لكنه كمتمرد وكثوري يعمل على تبيان أن المجتمع واحد موحد وهو كذلك: " ...الذي يجمع الناس في الهاشمي هو المحبة، خاصة أن الهاشمي لم تحدث به أية مواجهات خلال فترة أحداث السبعين، في الأعراس كانت الدبكة الجنوبية تختلط مع الدبكة الشمالية مع الفلسطينية فر فرح عارم" ص10، هذا على صعيد ما يجري في الأردن، أما في فلسطين فقد اكد على اللحمة الجامعة بين ضفتي النهر حينما تحدث عن الشهداء: "معان قدمت الشهداء من أجل فلسطين، وكل الناس يتذكرون منصور كريشان قائد كتيبة الحسين المدرعة الثانية "كتيبة أم الشهداء" في فلسطين، الذي استشهد في أم قيس في حرب الاستنزاف حين قصفته طائرة إسرائيلية، وقائد المدفعة المسمى ب "الحصان" الذي أرهف العدو الصهيوني بمدفعية في معركة الكرامة إلا أنه بقى صامدا.
صاحت معان: الله اكبر!
منصور استشهد والعمر قصر،
كل عشانك يا فلسطينا!" ص12،

نلاحظ أن طريقة سرد "جنوبي" للأحداث يتنقل بين ضفتي النهر، مرة شرقه ومرة غربه، وعندما تحدث عن أم قيس القريبة من النهر وعن معركة الكرامة التي جرت بالقرب من النهر، أراد القول: أن هذا النهر مقدس ومطهر بدماء الإنسان، بمن ضحوا من أجل محو الحاجز/الحدود بين أبنا الشعب الواحد، وإلا ما سقط الشهداء عليه وبالقرب منه، وعندما اختار شخصية القائدين "منصور والحصان" كشهيدين أراد القول: أن من ضحوا في هم النخبة المؤمنة، فلا يجوز لنا أن نخذلهم وننسى ما قاموا به، ولهذا علينا المحافظة على بناء وحدة أبناء الضفتين وعلى ترسيخها.
السرد

الجميل في رواية "جنوبي" أن هناك أكثر من شكل للسرد، فنجد السرد الخارجي: "الأزقة التي تملئ بها الحارات في الهاشمي أشبه ما تكون بقرية صغيرة من القرى الجنوبية التي هجر أهلها نصف بيوتهم" ص9.

وأنا السارد: ".. كنا نسكن في بيت أم عوض الهباهبة" ص9.
وتداعي ضمير المخاطب: "...يومها قصفوا مجتمع الباصات، وأصيب شقيقك الأكبر بشظية في راسه، فحلفت أمك برأس أبيها أن ترحلوا إلى معان" ص11، نلاحظ أن السارد لم يخصص فصولا أو أقساما من الرواية لكل نوع من السرد، فكان في القسم والواحد يستخدم اكثر من طريقة في السرد، وهذا التنوع/عدم الانضباط في السرد ساهم في إعطاء صورة عن شخصية "الجنوبي" المتمرد، الذي رفض أن يكون ضمن إطار العشيرة أو تحت وصاية النظام السياسي، وحتى تمرد على (نهج الأب) الذي خدم في الفرسان وشارك في الثورة الفلسطينية: "...فقد نالني من الضرب ما نال من كان يقول عنهم أبي "شيعيين"
من والد يعمل في سلاح الفرسان إلى ابن يبدأ حياته مع الثورة الفلسطينية، ويناله أكثر مما ناله المتظاهرين من ضرب وعصي بعض أثارها ما زال على جسدي حتى الآن" ص22.

إذن تنوع السرد وعدم توزيعه حسب فصول الرواية أو أقسامها، له علاقة وارتباط مع الشخصية المركزية، شخصية "الجنوبي" المتمرد والرافض الخضوع لأي سلطة.

البساطة وشعبية السرد
نلاحظ أن السارد يستخدم لغة شعبية بسيطة، حتى انه يبدو أحيانا وكأنه يتحدث مع أحد الناس العادين: "في يوم من الأيام تشاجرنا لأمر طفولي عند "الرواح"، أي بعد خروجنا من المدرسة، كان من عادة جدي أن يجلس عند باب دكان مقابل للمدرسة الابتدائية، فحملت حجرا كبيرا ورميته باتجاه خالي وأنا أقول له: "والله لألعن أبوك" .. وكان هو الآخر قد ضربني بحجر هو بقول: "والله لألعن أبو أمك" ..وهنا صاح جدي وهجم علينا ب"الباكورة" التي يحملها قائلا: "الله لا يعطيكو عافية، المسبة كلها وقعت على راسي" ص16و17 نجد أن السارد استخدم ألفاظا شعبية المتداولة، ولغة تتناسب مع مه هو شعبي، وكأنه يريد أن يًوصل ويصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء الذين سيجدون نصا ورائيا بسيطا لكنه يقدم أحداث مهمة وشخصية متمرد على واقعها.

ولم يقتصر التوع في السرد على النوع، بل طال أيضا الشكل، فهناك قصيدة طويلة من صحة 62- 74 يتناول فيها السارد فلسفته الصوفية ونظرته للحياة، وهذا أيضا له علاقة بطبيعة الجنوبي المتمرد.

من هنا نقول أن فكرة الرواية لا تقل جمالية عن الشكل الأدبي الذي قدمت به الرواية، وإذا علمنا أن الرواية اقل من مائة صفحة، ويمكن تناولها في جلسة واحد، وبزمن قصير، نتأكد أننا أمام عمل روائي، حداثي، متميز، على صعيد الفكرة والمضمون والسرد الروائي.
 
الرواية من منشورات دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، رام الله فلسطين، الطبعة الأولى2019.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف