الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في كتاب "تعليم الفتيات لا سفور المرأة" للعلامة محمد الحجوي

تاريخ النشر : 2022-12-22
قراءة في كتاب "تعليم الفتيات لا سفور المرأة" للعلامة محمد الحجوي

إعداد: د. حمزة الوسيني- طنجة - المغرب

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب الناس، وصلى الله وسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه، وبعد:
فهذه قراءة في كتاب: ' تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ ' لـمحمد بن الحسن الحجوي رحمه الله، حاولت أن أقدم قراءة للكتاب بإبراز قضاياه التي يعالجها، وأتباعها بنقاش وملاحظات أحيانا تكون مؤيدة، وأحينا أخرى تكون مخالفة ومعارضة وذلك حسب رأيي الشخصي. فأرجو أن أوفق في ذلك دونما إطالة أو نقصان أو تحريف فأقول وبالله أستعين:

• لمحة شكلية عن الكتاب:
الكتاب جاء مربعا أعلاه في الواجهة عنوان لافت على هذا الشكل: ' تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ ' وكتب تحته تأليف: العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (المتوفى سنة: 1376ه) رحمه الله تعالى،1 تحقيق الدكتور محمد بن عزوز، والنسخة الذي اعتمدت هي عن مركز التراث الثقافي المغربي دار ابن حزم الدار البيضاء، في طبعتها الأولى 2004 م، كما أن واجهة الكتاب جاءت بلون وردي يتراوح بين الانغلاق والانفتاح وتتوزعه ورود بيضاء يتوسطها الأصفر، وفي جانب منه وضعت كراسات ودفاتر، مما تعطينا هذه القراءة السيميولجية للواجهة من الوهلة الأولى قبل قراءة العنوان والكتاب، بأنه كتاب سيخص حديثه عن المرأة والتعليم.
 
والكتاب جاء في جزء واحد من الحجم المتوسط تصل صفحاته إلى 240 صفحة، بُدئ بمقدمة المحقق وترجمة للمؤلف، ثم عرض أبواب الكتاب، وفي الأخير يعرض ملحقا لمحاضرة كان ألقاها بمدينة الرباط. وعملنا نحن سيقتصر على الكتاب فقط بمعزل عن المحاضرة الملحقة به، فنقول وبالله نستعين:

• قراءة في مضمون الكتاب:
لقد عرفت الساحة العربية عامة والمغربية بالخصوص أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عدة محاولات إصلاحية، حاولت تقديم تفسيرات للحالة المتدهورة التي آلت إليها المجتمعات العربية الإسلامية في مقابل الغرب صاحب الحداثة، والتي أدى إلى خضوع هذه المجتمعات للاحتلال والتخلف والتمزق.
فالوضعية العامة للبلاد كانت من أهم بواعث الإصلاح لما كانت تتميز به من تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الأمية وتفشي الفساد الإداري، ومن أهم رواد الإصلاح في المغرب محمد بن الحسن الحجوي، هذا الرجل الذي شغله الإصلاح والتجديد في التيار السلفي، وشغلت أفكاره وآراؤه الناس وقتها مدة من الزمن، وعان ما عاناه في سبيل آرائه وأفكاره من جحود الناس وعدم تفهمهم له وتنكر العلماء وانفضاضهم حوله. ونظام التربية والتعليم من بين الموضوعات التي كانت تؤرق باله وتقلقه، وكان تعليم البنات على الخصوص قضية ملحة انشغل بها الحجوي وخاض فيها وحاضر حولها، وأعلن رأيه في الموضوع وكان رأيا رائدا آنذاك، خلف موجات من ردود الفعل المتباينة ما بين القبول والرفض. وفي كتابه هذا يعالج هذه القضية بالذات قضية تعليم وتحرير المرأة وفقا للشريعة الإسلامية. وانطلاقا من هذا يمكن عد قضايا الكتاب بشكل عام ترجع إلى نقطتين رئيستين:

- مسألة تعليم المرأة.
- مسألة تحرير المرأة وفقا للشريعة الإسلامية دونما سفورها وتبرج.

إذن كيف دلل على قضية تعليم المرأة؟ وماذا اقترح أن تتعلمه في ظل هذا التراكم المعرفي؟ وكيف يكون تعليمها تعليما موافقا للشريعة دونما يؤدي ذلك إلى سفور وتبرج؟

لقد كان الحجوي جريئا بتصنيفه هذا الكتاب وسط مجتمع تروج فيه فكرة ربط تعليم المرأة بسفورها، وأنها ما خلقت إلا لأن تكون زوجة في بيتها، لذلك كان منطلقه أولا بتأصيل فكرة تعليم الفتيات وفقا للشريعة الإسلامية، من ذكر حكمته وأدلته الشرعية والعقلية، فقد أكد على مسألة تعليم المرأة تعليما عربيا إسلاميا، على نحو تعليم السلف الصالح، من غير ما يؤدي ذلك للسفور والتبرج، لأنه مثير للشهوة مضاد للحياء والحشمة، وعرض لذلك أدلة عديدة منها:

- لا يوجد دليل واحد يحرم تعليم المرأة، بل هناك تحفيز على أن تكون المرأة مجتهدة مثل الإمام مالك والشافعي، كما كانت بعض الصحابيات عالمات بالطب وعالمات بالشعر والأدب...
- إن الإسلام يحض على تعليم المرأة بالدرجة الأول، لأنها نصف المتدينين بل ولو كانت أمَة، بلهى المرأة الحرة.
- حديث أنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قالَ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 2، وكلمة المسلم شاملة للجنسين في الشريعة الإسلامية.
- إن الأمة مجمعة على أن الله لا يعبد بجهل، بل بالعلم والمرأة داخلة في هذا الحكم، ويجب تعليمها على كل من وُكل بها.
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل للنساء يوما مخصوصا لتعليمهن في المسجد، وكان أيضا إذا ما خطب بالرجال تقدم إلى النساء ووعظن وخطب بهن وعلمهن، وهناك قصص ثابة في الصحاح تؤيد هذا.
- لقد شاركت النساء في أعمال عظيمة في تأسيس الإسلام كالبيعة والجهاد والتمريض...
- اكتشافه في القرآن الكريم مدرسة البنات، وذلك انطلاقا من آيات قرآنية تكون فيما بينها مدرسة البنات.

وبعد أن يعرض هذه الأدلة الشرعية والعقلية التي تدلل على أن للمرأة الحق في التعليم والتعلم3 يشير إلى ما ينبغي أن تتعلمه وتحصله من علوم ومواد. فبعدما كانت المرأة هي نواة العائلة، لأن عنها يأخذ الأولاد مخارج الحروف، ومعرفة اللغة وحسن النطق وفصاحة اللسان وغيرها، كالأخلاق والطباع، لم يكف في ذلك تعليمها الكتابة والقراءة على الطراز القديم الصعب القليل الجدوى –على حد تعبيره-، بل ينبغي تعليمها أيضا:

- القراءة والكتابة والخط والرسم بطريقة أسهل وأتقن.
- تعلم ضروريات الدين.
- تعلم الحساب والجغرافيا والتاريخ ومبادئ العلوم من الهندسة والأدب الثقافة.
- تعلم الأخلاق الإسلامية الرفيعة حتى تعامل زوجها وعائلتها ومعارفها بحسن معاملة ومعاشرة.
- تتعلم تدبير منزلها بمعناه الحقيقي.
- تتعلم تدبير الصحة والرياضة البدنية.
- تتعلم فن التربية.
- تتعلم صنعة أو أكثر استعدادا للطوارئ.

ثم يشير إلى أنه إذا حصلت على هذا القدر من التهذيب أمكنها تأدية وظيفتها، وإن بقيت جاهلة كانت عضوا أشل. 4
إلا أن ما يثير الجدل هنا في هذه الفقرة، جعله الغاية العظمى لتعليمها القيام بشؤون البيت وتربية الأولاد ومعاملة الزوج فقط، أي أن تعليمها لن يرتبط بالحياة بمعناها الواسع، بل سيظل حبيس البيت الموصد، جميل أن تفرغ المرأة تعالمها لأولادها لينبتوا نباتا حسنا، لكن أولسنا محتاجين إلى ممرضات ومعلمات ودكاترة نساء ومفسرات ومحدثات وغير ذلك؟.. بل أوليس للمرأة أدوار أخرى غير تلك؟ لذلك فأن تأخذ البنت مبادئ العلوم التي لا تعني إلا محاربة الأمية لن يسعفها حتى لتربية أولادها تربية سوية لأن تعليمها لم يرتبط بالحياة ولم يصل بها إلى مستوى التفطن والتطبيق. وسيتضح هذا الإشكال بوضوح أكثر حينما يحدد السن الذي ينبغي أن تغادر فيه البنت المدرسة.

فقد قضى بتعلم الفتيات التعليم الابتدائي إلى سن التاسعة وهو سن ارتداء الحجاب، بعدها إن شاءت أكملت دراستها داخل بيتها فعلت وإلا فلا، لأنه يرى أن في هذا السن تبدأ تجري في الفتاة دواعي الشهوة والتهيؤ للولادة. ويرى أنه ليس من الحق أن تطلب شهادة الثانوية والعليا، فليس المجتمع –في نظره- بحاجة إلى قاضية وكاتبة وطبية وغير ذلك. لأن هذه الوظائف ومثلها لا يجدها حتى الذكور الذين يجلسون في دولاب البطالة، وإشراك المرأة هو زيادة من عدد العاطلين واكتساح لمسيرة المطالبة بالعمل. وخلاصة قوله أن تترك فقط لتقوم بوظائف تدبير المنزل ورعاية أولادها وزوجها. 5

وفي هذه الفقرة عدة مؤاخذات أيضا نحصرها في ما يلي:
- أولا: حينما جعل الداعي من توقفها عن إتمام دروس الثانوية والعليا خوفا من الفاحشة. ومتى كان التعليم وكانت المدرسة مدعاة للفاحشة؟ بل على العكس من ذلك تماما فقد كانت الغاية دوما من المدرسة الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمعناه الواسع، وجلوسها في البيت بل وحبسها فيه ليس حلا لإيقاف الفاحشة بالمرة، أما إذا ما شغلت بالتعليم والقراءة وحصل لها أن حددت هدفا لم تغرها الشهوات وعدتها من القبحيات فعملت بكل ما استطاعت إلى اجتناب دواعي تلك الأمور سبيلا من الستر والعفة والحشمة، وطبعا فهذا لا يتأتى إلا بالمنظومة السياسة الإسلامية للدولة ككل، وليس في واقع اختلط فيه الحابل بالنابل كما نعايشه الآن.
 
- ثانيا: ربطه سن التاسعة بسن البلوغ والاستعداد للولادة، قياسا على زواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قياس فاسد أصلا، لأن مثل هذه الأمور تتغير من بيئة إلى بيئة بل ومن زمان إلى زمان، ومن شخص إلى شخص آخر، فتحديد سن التعليم بسن زواج السيدة عائشة رضي الله عنها يجعل الجامع بينهما سفسطة جلية.
 
- ثالثا: التناقض في عرض الأدلة، فمن الأمثلة التي يعرضها ليدلل على مسألة تعليم الفتيات وجود صحابيات عالمات مفتيات وطبيبات ومحاربات -وهذا لن يتأتى بالتعليم الابتدائي فحسب في الوقت الراهن، بل يحتاج إلى إتمام دروس الثانوية والدراسات العليا بكاملها ليحصل لها التخصص المطلوب- وهو حين يستشهد بالصحابيات المجاهدات والعالمات والمجتهدات والمحدثات والطبيبات في موضع ما يتجاهل ذلك حين يحصر تعليمها في الدروس الابتدائية وهذا تناقض واضح.

- رابعا: يجعل الداعي من عدم جواز اتمام دروس الثانوية والعليا هو مزاحمة الرجل في وظائف لا يكاد يجدها هو حتى، لأن خروجها للعمل سبب لكثرة البطالة وتضييق على الرجال في العمل وسبب للفقر والمجاعة. وهذا ليس معيارا للبطالة والفقر والمجاعة بالمرة فلم نشهد أن كانت المرأة حجر عثرة لعمل الرجل إلا في القليل الناذر من الوظائف التي تكون فيها المرأة أولى من الرجل بحسب سياسات العمل المتبعة في الشركة أو في المصنع، فالله تعالى يخلق لكل نفس رزقها المقدر فهو الرازق للطير في السماء والسمك في المياه والحيوان في البراري بدون فكرة المزاحمة، ولم يكن يوما سبب الفقر والبطالة كثرة النسمة حتى، وإنما السبب راجع لسوء تدبير الثروات كيف ما كانت.
 
- خامسا: الغريب في الأمر أنه يطالب بتهييء من البنات معلمات مدرسات، كي يعلمن البنات ويهذبنهن تهذيبا عربيا وإسلاميا فهو ينادي بوجود مدرسة المعلمات قبل مدرسة البنات، كي يهيئنهن ليدسوا هؤلاء البنات، وإلا سيلجأ لإدخال المعلمين الذكور لتعليم البنات وهذا فيه من الخطر ما فيه على حد تعبيره،6 فكيف يمنعها أن تتم الدروس الثاوية والعليا ثم يطالب بتكوين معلمات ومدراس هنا؟ وهو ما أشرنا إليه أعلام من تناقض في عرض الأدلة فهو حين يؤكد تأكيدا حاسما على أنه لا ينبغي للمرأة ان تتم الدروس الثانوية والعليا، وأنه لا ينبغي لها أن تلج الوظائف والمهن لكي لا تضيق على الرجال، يؤكد هنا على ضرورة تكوين معلمات ومدرسات ليعلمن البنات وهذا تناقض واضح أيضا .

- سادسا: هناك تناقض أيضا حينما جعل تدريس الرجل للفتيات ذريعة عظمى للفاحشة، ونسي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يعلم الصحابيات بل وتأتيه النساء إلى منزله فيفتيهن، دونما حرج، وهو القدوة في كل أمر.

وقد تطرق أيضا لتصحيح مصطلحي تحرير المرأة والتسوية في الإسلام على حد رأيه، فلقد أشار إلى أن الإسلام حرر النسوة مما كانوا فيه من الذل والهوان، واعتبرهن عضوا في المجتمع البشري واعترف لهن بحقوقهن التي هضمت، حتى إن بعض الأمم كان يعتبرهن حيوانا مفارقا للإنسان، لكن بمجيء الإسلام سواها بالرجل في الدين، وما منعت من شيء في الإسلام إلا والمنع شرف لها، فالرجل للأعمال الشاقة والمتعبة لما يمتاز به من قوة بدنية وعقلية، والمرأة لضعفها أسندت لها مهام تناسب فكرها وقوتها العقلية والبدنية، من الاهتمام بشؤون البيت وتربية الأولاد وحفظ السر والتنشئة الحسنة للعيال، ومن الأدلة القرآنية ما يدل على ذلك في سورة البقرة والنساء، لذلك شرع للرجل حقه في الإرث أكثر من الرجل في أغلب الحالات، وشرع له –إن كان على مقدرة- تعداد المرأة إلى أربع. كما أنه أعطى للمرأة حق النضال عن حقوقها كما حدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك أدلة ناطقة على حقها في النضال كبداية سورة المجادلة، وغيرها من الأحاديث المشهورة، لكن لم يثبن أن إحداهن انتقدت شيئا من التشريعات التي حصنتها أو تقززت منها، كما يحدث الآن.

ثم يشير إلى أن من يدعي التحرير بمعناه الغربي إنما يبتغي به السفور والتبرج حسدا وبغضا للإسلام والمسلمين من عند نفسه، ويضرب أمثلة من الواقع المعاش في دول الغرب اللامتدين على ما أصاب المرأة المتحررة من عهر وفجور، فالمساواة تتحول إلى تفوق المرأة على الرجل ثم تؤول إلى صيرورته في قبضتها، فتضيع قضية القوامة7 كما يحدث في أوروبا الآن، فالتمدن عندهم أن تخرج قائدة العائلة من يد من يغار ويدب إلى أيادي أخرى، عاصية لربها ونبيها وزوجها، وفي ذلك نبذ للشريعة وطمس للهوية وقلب للحقائق، وتسوية المرأة بالرجل ومشاركتها إياه في وظائفه يسبب شرورا كثيرة يصعب عدها على حد رأيه.

وبعدما أصل لمفهومي التسوية والحرية دلل على وجوب الحجاب الشرعي، والذي هو ستر سائر الجسم ما عدا الكفين والوجه للندب الوارد في تغطيتهما، لأنهما ليسا بعورة عند جمهور الأئمة، وقد يجب إذا خيف من ذلك الفتنة، ثم يتعجب ممن ينسب نفسه للإسلام ويدعي الغيرة عليه ويكتب ويدلل على أن الحجاب ليس من الإسلام في شيء ويتوارى عن بعض الآيات الصريحات والأحاديث الصحاح، وكذا بعض الآثار الدالة على ذلك، ثم يأتي هذا الشخص بشواذ القصص والآثار التي لا تصمد مع أدلة صحاح وحجج وبراهين شرعية وأصولية. 8
وما ما يثير العجب هنا عند الحجوي هو حينما ربط كل ما يحدث في الكون من أزمات بخروج النسوة من البيوت، التي هي حصون العائلات، فزاحمت الرجل في كل وظيفة وبقي الرجل واجما عاطلا، فجنى الإنسان من ذلك فساد نظام المجتمع بكثرة البطالة والجوع والتبرج وفساد الأخلاق. 9

لقد كان رحمه الله موفقا في هذه الفقرة التي يعالج فيها مفهومي التسوية والتحرر، إلا أن ما يعاب عليه دوما هو نضاله الشديد من أن لا تخرج المرأة للعمل خوفا من أمرين:

- السفور والتبرج المثير لشهوة الرجل والمؤدي لفساد الأخلاق.
- التضييق على الرجل في العمل مما يؤدي إلى الفقر والبطالة.

ولعله رحمه الله كان متشبعا بأصل الإمام مالك في التأصيل للمسائل وهو سد الذرائع10 خوفا من الفتنة، حيث أطلقه على عواهنه في كل مسألة كما يفعل العديدون، ولا يجعلون له حدودا مراعاة للمقاصد التي تفرض وجودها بقوة.
ثم ربط سبب تأخر المرأة بتأخر الإسلام واعتبر أن الذنب ليس على الإسلام نفسه وإنما على المسلمين، حيث أهملوا تعليم المرأة فظلت جاهلة أمية، وتجاهلوا المثل الأعلى في ذلك من الصحابيات والتابعيات المتفقهات والمجتهادات في علوم الدين والإفتاء والتفنن في البلاغة والخطابة والأدب ورواية الحديث وتولي بعض المهام الصعاب ، لكن كل ذلك مع الحجاب والوقوف مع آداب الشريعة الغراء، فحينما كان الإسلام متقدما زاهرا كانت المرأة كاتبة وشاعرة وهي متحجبة، ولما وقع التأخر وقع في الجميع وكان في النساء أكثر وأظهر. 11

إلا أننا نرى أنه صحيح جدا كون سبب تخلف المرأة هو جهل المسلمين بفهم دينهم حق فهم ومعرفة، فأهملوا شرائعه في عصور التخلف، وطفقوا بعدها يبحثون عن الحضارة عند الآخر فجلبوا معالمها طبقا لما هي عليه في الغرب وحاولوا تنزيلها في أرض المسلمين وصاروا يطمحون جهلا أو مكيدة في أن يصبحوا نسخة أصل من هذا الغرب بتقاليده وعاداته وفكره العلماني المغلوط، حينها تحولت المرأة في الوطن العربي المسلم تجارة لأهل الهوى في كل مجال، ووسلية لتحقيق أي هدف كيف كان.
ومع هذا وذك فلا ينبغي أن يكون موقف الإسلام موقفا متطرفا في قضية المرأة، بل ولم يكن يوما كذلك، بطمس لطاقاتها بتعليمها فقط مبادئ العلوم محاربة للأميتها فقط، وإعدادها لبيت الزوجية، وحرمانها من حقوق عدة شرعت لها، بل إن الإسلام دوما كان وسطا في كل قضية من قضاياه، وينبغي أن يكون للمرأة الحق في جل ميادن الحياة بالمعروف مراعاة لطبيعيتها التي فطرت عليها، وألا تحرم من مجال تكون قادرة على اقتحامه، بسبب الخوف من الفتنة، وأن يكون سد ذرائع الفتنة بطرق أخرى غير حرمانها من حقوقها هاته، والله أعلم.

خاتمة:
وهنا تنيخ قافلتنا رحالها في ساحة الختام فنقول: إن رؤية الحجوي لتعليم المرأة في كتابه هذا: 'تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ'، تأطرت في عمومها برؤية إسلامية، حاولت أن تستبعد كلما يوصل لمستهجن ومحرم من ممارسات وسلوكات لا يقرها الدين ولا الأخلاق، رؤية تستحضر تاريخا مجيدا للمرأة كانت فيه الفقيهة والمحدثة، الممرضة والمحتسبة وصاحبة المشورة، قبل التقهقر الذي حل بسماء دنيا العرب والمسلمين، فركنوا لفهم جامد يتغذى على الموروث الثقافي الذي احتضنته أزمنة التخلف والانحطاط، وينتعش بفتاوى أخلصت للخوف والهروب إلى الوراء ضمانا للحفاظ على ما هو كائن. لذلك لم يكن من سبيل لتجاوز كل هذا الخرف، إلا بإشاعة العلم والمعرفة، وتمكين المرأة من التعليم أملا في إنعاش ذاكرة استوطنها النسيان. ومنه كان إلحاح الحجوي على التعليم كمدخل للنهوض بالمرأة وإخراجها من دائرة التهميش. فقد كان جريئا في تلك الفترة بتأصيله لقضية تعليم الفتيات، في وقت كانت فيه مناقشة الفكرة شبه مستحيلة بلهى تطبيقها، لقد كان المجتمع المغربي شبه مقتنع بحرمة تعليم الفتيات، وبل وعدوها خلقت للزواج والنكاح فقط، ولا فائدة من تعليمهن وتربيتهن بالمرة، بل إن تعليمها سبب للفجور واستجلاب الفاحشة.
لذلك فأنا أراه معذورا على بعض الآراء التي أكد عليها طيلة صفحات الكتاب والمقيدة لحرية المرأة كما هي في الشريعة الإسلامية، والتي تجعل من قضية تعليم المرأة أمرا محدودا المدى. لأنه كان يتحرى الوقوع في انتقادات أكثر من لذن العلماء المتربصين آنذاك والمجمع والرأي العام، كما أنه معذور على بعض الآراء التي خاف منها الذرائع لغيرته الشديدة على الدين والمجتمع وخوفه من انتشار المثيرات للشهوات عند الشباب بسفور المرأة وتبرجها وتشويش أدهان الشباب كما وقع في الشرق وقته حينما حرروا المرأة. لذلك فهو مأجور على ما فعل حيث وضع الحجر الأساس لهذه القضية، ولا يتحقق الشيء إلا بالتدرج في التأسيس والتأني في تحقيقه.
 
ونحن نعلم أنه لا يمكن أن ننهض بالتعليم والمجتمع والتقدم بمثل هذه القيود التي لا تجعل من المرأة إلا متعلمة لمبادئ الكتابة والقراءة، ثم نعتبرها بعد ذلك نواة المجتمع ومربية الأجيال والأساس الذي تنبني عليه الحضارات، فإن صلح صلحت الأمة وإن فسد فسدت الأمة ومن معها، بل ولا بد أن نعطيها الحق في تعلم وتعليم ما شاءته ولنا في التاريخ الإسلامي العربي خير دليل على ذلك.

ومع هذا وذاك فالكتاب يبقى بذرة تأسيس لقضية تعليم المرأة والنهوض بها في المغرب على عهد الدولة العلوية بدون نزاع، كما لا ننكر أيضا أسلوبه السهل السلس والممنهج، وتسلسله المنطقي في العرض والتأصيل، وإن لاحظنا ذاك القلق اللافت في عدة من المواقف والتي كان مضطرا لأن يكون متناقضا في عرضه لأدلتها، تحريا من الانتقادات، أو فتح لباب الذرائع الذي طالما خاف منه.
هذا وأرجو في الأخير أن أكون قد وفقت في فهم الكتاب وعرضه عرضا يليق به لفهم بعض من مباحث الاتجاه السلفي المدروس في العهد العلوي.
وهذه خاتمة المطاف في هذا العرض المقتضب، علمنا منا أنه لا يخلو من عيب أو نقص أو خطأ، فمن وجد عيبا فليستره، ومن وجد نقصا فليتمه، ومن وجد خطأ فليصلحه.
ومن ذا الذي ترضّى سجاياه كلّها كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه 12

تم بحمد الله وبعونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
وعليكم من سلامي طيب سلام الله عليكم ولنا

الثبت البيبليوغرافي:
1. هو الإمام الفقيه المفسر العلامة المتفنِّن، ولد بفاس ونشأ في حضن جدته وكانت فقيهة جليلة، فما لبثت أن بثت فيه حب العلم والعلماء ،ولذلك حفظ القرآن الكريم بالكتاب وتعلم مبادئ العلوم في سن مبكر، ليلتحق بعد ذلك بجامع القرويين، وبعد أن تخرج منها وجمع من العلم أنواعاً، تصدى للتدريس به بعد أن أذن له شيوخه الكبار بذلك سنة (1316هـ). كما أنه تقلّد عدة وظائف منها: التوثيق لصوائر دار المخزن بمكناس، ثم رُقِّي إلى وظيفة أمين ديوانة مدينة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية، ثم سفير المغرب بالجزائر.لم يكتف الحجوي بالتدريس فحسب، بل ترك وراءه آثاراً علمية جـمّةً يرج إليه في مصادر الترجمة: (مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث).
2. رواه ابن ماجه ( 224 ) وحسَّنه بكثرة طرقه وشواهده : المزي والزركشي والسيوطي والسخاوي والذهبي والمناوي والزرقاني ، وهو في " صحيح ابن ماجه " للألباني .
3. ينظر كتاب: تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ، محمد بن الحسن الحجوي، تحقيق الدكتور محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 2004. من ص:31 إلى ص: 49.
4. نفسه من ص: 51 إلى ص: 68.
5. ينظر كتاب: تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ، محمد بن الحسن الحجوي، تحقيق الدكتور محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 2004. من ص: 69 إلى ص: 72.
6. نفسه، من ص: 73 إلى ص: 76.
7. القوامة هي: إثبات قوامة الرجل على المرأة، وولايته عليها، وهي مستفادة من قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، وقد ذكر الله تعالى لهذه القوامة سببين، أحدهما هبة من الله تعالى، وهو تفضيل الله الرجال على النساء، والآخر يناله الرجل بكسبه، وهو إنفاقه المال على زوجته، استفادا من الآية: ) بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.)
8. ينظر كتاب: تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ، محمد بن الحسن الحجوي، تحقيق الدكتور محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 2004. من ص: 77 إلى ص: 96.
9. نفسه، من ص: 97 إلى ص: 100.
10. الذرائع عند الأصوليين هي: الوسيلة أو الطريقة الموصلة إلى الشيء المراد أو المقصد، وهي جمع ذريعة، ومعنى سدها: حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع من ذلك الفعل، وهو مذهب مالك. ( الفروق ج 2 ص 32 )، والمشهور أن الإمام مالك يقول بسد الذرائع، بل أنه أكثر من العمل به، يقول الشاطبي في ذلك: "وهذا الأصل ينبني عليه قواعد، منها: قاعدة الذرائع التي حكمها مالك في أكثر أبواب الفقه". (الموافقات ج 4 ص 198)
هذا ما ذكره فقهاء المذهب المالكي بخصوص سد الذرائع، ويؤكده كثرة ذكرهم للذريعة في كثير من أبواب الفقه والمسائل الفرعية، كما تذكر كتب الأصول المالكية أن أصل الذرائع متفق عليه، وإنما الخلاف في التسمية ومجال التطبيق في الجزئيات أي أن الخلاق في تحقيق مناط هذه القاعدة في بعض الجزئيات. - سد الذرائع في الفقه المالكي، عبد السلام فيغو، مجلة دعوة الحق، العدد 285 محرم 1412/ غشت 1991-.
11. ينظر كتاب: تَعْلِيمُ الْفَتَيَاتِ لَا سُفُورُ الْمَرْأَةِ، محمد بن الحسن الحجوي، تحقيق الدكتور محمد بن عزوز، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 2004. من ص: 101 إلى ص: 118.
12. البيت لبشار بن برد من قصيدته عن الصديق


كانت نهاية تبييضه يوم: الأحد، الحادي عشر من رمضان، عام تسع وثلاثين وأربعمائة بعد الألف للهجرة(11 رمضان 1439ه) ؛ الموافق للسابع والعشرين من شهر مايو، سنة ثمان عشرة وألفين للميلاد (27 ماي 2018 م) بمدينة طنجة- المغرب.

حمزة الوسيني

والحمد لله أولا وآخرا..

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف