الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرَّهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة الحلبيَّة والبلديّة.. مدخلٌ إلى تاريخها من الدكتور جوزيف إلياس كحَّالة

تاريخ النشر : 2022-12-21
الرَّهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة الحلبيَّة والبلديّة.. مدخلٌ إلى تاريخها من الدكتور جوزيف إلياس كحَّالة
الرَّهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة الحلبيَّة والبلديّة.. مدخلٌ إلى تاريخها من الدكتور جوزيف إلياس كحَّالة

بقلم: البروفسور جوزيف أبو نهرا

تقرأ للدكتور جوزيف إلياس كحَّالة بشوقٍ وشغف فتستميلُكَ سلاسةُ الأسلوب واللغة، وتستهويكَ رحابة الآفاق الثقافيَّة. عَلمانيٌّ مُتنسِّكٌ للبحث الرصين والتأليف، متنوِّعُ الاختصاصات وغزيرُ الإنتاج باللغتَين، العربيَّة والفرنسيَّة. له في فلسفة التصوُّف الإسلاميّ وتاريخه وطرقه وأعلامه أربعة مؤلَّفات، وفي تاريخ الكنائس الشرقيَّة واللُّمَّع من أبنائها أربعة عشر مؤلَّفًا يختصّ أغلبُها بكنيسة أنطاكية للروم الملكيِّين الكاثوليك، وهو من مؤرِّخيها البارزين.

اهتمامات جوزيف كحَّالة الثقافيَّة غير محصورة بالتراث الدينيّ المسيحيّ والإسلاميّ، إذ تتجاوزه إلى الفكر الإنسانيّ، وله في الفلسفة والأدب أربعة مؤلَّفات: هيغل ومراحل فلسفة علم الجمال، جرجي زيدان مبتكر الرواية العربيَّة، إبراهيم الدلاَّل شاعر السحر الحلال، ومريانا المرَّاش: الفكر والشعر والوَتَر. في المؤلَّفَين الأخيرَين الصادرَين عن دار نعمان للثقافة، يتطرَّق الكاتب بإسهاب إلى النهضة الثقافيَّة في مدينة حلب في القرن التاسع عشر. كيف لا وهو أحد أبناء الشهباء البَرَرَة مولدًا ونشأةً وعشقًا متفلِّتًا من حدود المكان والزمان إذ يسمِّيها "الحبيبة حلب ملحمة التاريخ والأدب والطرب".

أصدر في باريس، العام 2002، كتابًا بالفرنسيَّة: "مدخل إلى تاريخ الرهبانيَّة الشويريَّة"، لاقى رواجًا وأُعيد نشره بعدَّة طبعات. بعد مرور عشرين عامًا على صدوره، واطِّلاع المؤلِّف على معلومات جديدة نتيجة توسُّع أبحاثه وتنوُّع مصادره ومراجعه، أعاد النظر بالنصّ الفرنسيّ فعدَّله ونقله إلى العربيَّة مع فصول ومقاطع إضافيَّة، وصدر عن دار نعمان للثقافة، في حزيران 2022، تحت عنوان: "مدخل إلى تاريخ الرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة الحلبيَّة البلديَّة، النشأة والبدايات".

تصدير الأرشمندريت بولُس نَزها فترجمة الطَّبعة الفرنسيَّة

في مطلع الكتاب تصدير للأرشمندريت بولس نزها، الرئيس العام الأسبق للرهبانيّة الباسيليَّة الشويريَّة، يشير فيه إلى عراقة الرهبانيَّة الشويريَّة في التاريخ، إذ تأسَّست منذ بدايات القرن الثامن عشر في دير مار يوحنَّا الصابغ التابع آنذاك لبلدة الشوَير، وقبل نشأة كنيسة الروم الملكيِّين الكاثوليك إثر إعادة شراكة البطريركيَّة الأنطاكيَّة الملكيَّة مع الكرسيّ الرومانيّ في العام 1724. 

يسلِّط الأرشمندريت نزها الضوء على دور الرهبانيَّة الأساسيّ في خدمة الكنيسة والحياة الروحيَّة في لبنان وسورية وسائر دور انتشار الروم الملكيِّين الكاثوليك في أوروبا وأميركا وأستراليا. بالإضافة إلى خدمة الرعايا في مختلف الأبرشيَّات، فقد أعطت الرهبانيَّة الكنيسة العديد من البطاركة والأساقفة عبر تاريخها الطويل على مدى ثلاثة قرون ونيِّف. كما كان للرهبانيَّة دور مميَّز في مختلف ميادين الفكر الروحيّ والإنسانيّ فبرز أبناؤها اللامعون في اللاهوت والليتورجيا والروحانيَّات، وفي اللغة والأدب والشعر والتاريخ، وفي فنون النحت والتصوير والموسيقى، وفي الطبّ والعلوم الطبيعيَّة.

يلي التصدير ترجمة لمقدِّمة الطبعة الفرنسيَّة الأولى للكتاب، بقلم الأرشمندريت بول ميشال باليزاريوس، وفيها إضاءة على دور الرهبان الشويريِّين الفاعل في تاريخ الكنيسة الملكيَّة الأنطاكيَّة وتراثها الروحيّ والليتورجيّ.

الدكتور كحَّالة وهمُّ التفتيش والتَّقميش والرُّجوع إلى الجذور

يسكن بال جوزيف كحَّالة همّ التفتيش والتقميش والرجوع إلى الجذور البعيدة للأحداث والوقائع التاريخيَّة بغية فهم أسبابها وأبعادها المباشرة وغير المباشرة لاستخلاص النتائج والعبَر. في تأريخه لنشأة الرهبانيَّة الشويريَّة وبداياتها، لا يكتفي بالانطلاق من مرحلة التأسيس في بدايات القرن الثامن عشر، بل يعطي في الفصل الأوَّل من الكتاب لمحة عن الانقسام بين روما والقسطنطينيَّة في العام 1054، ومحاولة العودة إلى الوَحدة بين الكنيستَين في مجمع فلورنسا (1439-1442) الذي أدَّى إلى تزايد إرسال البعثات والإرساليَّات اللاتينيَّة إلى الشرق بغية بثّ روح الكنيسة الرومانيَّة الكاثوليكيَّة وتعاليمها، فقدِم أوَّلاً الرهبان الفرنسيسكان والكبُّوشيُّون ثمَّ تبعهم الكرمليُّون واليسوعيُّون واللعازريُّون وغيرهم.

ويوضح الكاتب أنَّ كنيسة أنطاكية الملكيَّة لم تنفصل رسميًّا عن روما ككنيسة القسطنطينيَّة، بل انقطعت عنها بسبب العوامل السياسيَّة والجغرافيَّة. ولذلك فقد بقي العديد من البطاركة الأنطاكيِّين في القرن السابع عشر على انفتاح وتواصل مع روما، وساهم ذلك في تسهيل قيام رهبانيَّات قانونيَّة شرقيَّة على النمط الغربيّ مع الحفاظ على طابعها الشرقي في ما يخصّ القوانين والليتورجيا، فنشأت الرهبانيَّة المارونيَّة في جبل لبنان في أواخر القرن السابع عشر، وتبعتها الرهبانيَّة الباسيليَّة المخلِّصيَّة ثمَّ الرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة. وكان لمدينة حلب دور أساس في النهضة الكاثوليكيَّة الرهبانيَّة في جبل لبنان إذ إنَّ معظم المؤسِّسين الأوائل للرهبانيَّات المارونيَّة والملكيَّة جاؤوا منها بتشجيع من المرسلين الكاثوليك الغربيِّين. من الموارنة: جرمانوس فرحات، وجبرائيل حوَّا، وعبد الله قرا علي، ومن الملكيِّين: جراسيموس سمَّان، ونيكوفوريوس كرمه، وناوفيطوس نصري، وميخائيل حكيم، ونيقولاوس الصائغ.

كما يستعرض جوزيف كحَّالة بالتسلسل الزمني المراحل الثلاث التي نشأت فيها الرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة بدءًا من القرن السابع عشر حيث مال رهبان ملكيُّون في دير البلمند، في أواخر القرن، إلى تأسيس رهبانيَّة ملكيَّة كاثوليكيَّة على النمط الغربي وبحسب قوانين القديس باسيليوس، فكتبوا إلى روما سنة 1704 طالبين العطف والمساعدة. ولمَّا نفذ صبرهم بعد طول انتظار الردّ من الكرسيّ الرسوليّ، انتقلوا إلى المرحلة الثانية حيث راح بعضهم يفتِّش في جبل لبنان عن مكان آمن ووجدوا ضالَّتهم في دير مار يوحنَّا الشوير، فتركوا دير البلمند وبدأوا مرحلة التأسيس حيث كان عددهم في البداية خمسة رهبان. إنضمَّ إليهم سنة 1716 نيقولاوس الصائغ الذي يعود إليه الفضل الأكبر في توسيع الدير وتثبيت قوانين ودعائم الرهبانيَّة الجديدة التي انضمَّ إليها في العام 1722 دير سيِّدة الرأس في رأس بعلبك، وفي العام 1723 دير ما إشعيا في برمَّانا.

أبرزُ الرهبان المؤسِّسين، فسيرةُ عبد الله الزَّاخر

في الحقبة الأولى من حياة الرهبانيَّة يخصِّص المؤرِّخ الفصل الخامس من الكتاب لأبرز الرهبان المؤسِّسين: جراسيموس سمَّان الذي رسمه البطريرك أثناسيوس الثالث دبَّاس أسقفًا على أبرشيَّة حلب سنة 1721، ونيكوفوريوس كرمه أوَّل رئيس على دير مار يوحنَّا الصابغ، وناوفيطوس نصري الذي رسمه البطريرك دبَّاس أسقفًا على صيدنايا سنة 1722، وقد ساهم بانتخاب كيرلُّس السادس طاناس أوَّل بطريرك ملكيّ كاثوليكيّ، سنة 1724، ومكسيموس الثاني حكيم الذي انتخب بموافقة روما بطريركًا على الكنيسة الملكيَّة، سنة 1761 وذلك في دير مار يوحنَّا الصابغ، لكنَّه توفّي بعد خمسة أشهر فقط من حفل تنصيبه، فجرى انتخاب مطران بيروت أثناسيوس دهَّان بطريركًا، وهو في الأصل راهب شويريّ. ومن رجالات الرهبانيَّة البارزين في الحقبة الأولى من تاريخها البطريرك أغناطيوس صرُّوف الذي كان مطرانًا لأبرشيَّة
بيروت قبل اعتلائه السدَّة البطريركيَّة سنة 1812.

يتضمَّن الفصل الأخير من الكتاب: سيرة عبد الله الزاخر وثقافته الواسعة وعبقريَّته في صنع أوَّل مطبعة بالحرف العربيّ في لبنان وذلك في دير ما يوحنَّا الصابغ في الخنشارة، سنة 1734. ويوضح المؤلِّف انطلاقًا من مصادر موثوق بها، بعض المبهمات والتناقضات التي وردت في كتابات مؤرِّخين ونقَّاد سابقين حول أصل الزاخر الحلبي المولد والنشأة، وإيمانه الكاثوليكيّ، ودوره الرائد في نشأة الطباعة بالحرف العربيّ في الشرق. كما يورد لائحة بمجمل مؤلَّفاته المنشورة وتلك التي ما تزال مخطوطة، مع ذكر أماكن وجود نسخٍ منها في مكتبات لبنان وسورية.

ولمزيد من الإيضاح، تلي فصول الكتاب ملحقات تتضمَّن لوائح بأسماء البابوات والبطاركة الروم الملكيِّين (من 1400 إلى 1800)، والرؤساء العامِّين على الرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة (من 1724 إلى 1829).

***

يلفت مضمون الكتاب انتباهَ القارئ إلى سعة اطِّلاع كاتبه جوزيف كحَّالة ووفرة معلوماته حول مختلف الموضوعات بحيث يتداخل في كتاباته تاريخ المؤسَّسات الدينيَّة المسيحيَّة والإسلاميَّة مع الأدب والفكر الفلسفي. يتوخَّى الدقَّة والوضوح في أبحاثه، ويتميَّز بسداد الرأي في طروحاته. فالمعلومات التي يذكرها ترتكز على مصادر ومراجع موثوق بها، وترد في سياق لغة بسيطة شيِّقة، بعيدة عن التكلُّف وقريبة من فكر القارئ وقلبه. يتميَّز الكتاب بوفرة الحواشي الغنيَّة بالشروحات المسهبة، وهي ترفد القارئ بمعلومات وافية وكافية توفِّر عليه مهمَّة البحث عن المزيد في مراجع أخرى.

كل التقدير لجوزيف كحَّالة الذي جعل من "مدخل إلى تاريخ الرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة" بابًا واسعًا أدخلنا إلى متعة القراءة وفسيح الجنان وسعة الآفاق.



 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف