يَوْمِيَّات مُوَظَّفٍ عَرَبِيٍّ
بِقَلَمً: أ. خَالِدْ اَلزَّبُونِ - كَاتِبٌ فِلَسْطِينِيٌّ
مَعَ بِدَايَةِ كُلِّ شَهْرٍ يَقِفُ أَمَامَ اَلصَّرَّافِ اَلْآلِيِّ
لِيَأْخُذَ رَاتِبَهُ وَهُوَ يُتَمْتِمُ،
مَاذَاسَأَفِعَلْ بِهِ؟
اَلطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْكَهْرَبَاءُ وَالْمَاءُ وَالْقَائِمَةُ
تَطُولُ، ضَغْطٌ عَلَى قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، هَذِهِ اَلْوَظِيفَة اَلَّتِي
لَا تُغْنِي وَلَا تُسْمِنُ مِنْ جُوعٍ وَأَصْبَحَ أَسِيرًا لَهَا،
وَعِنْدَمَا أَرَادَ اَلْعَمَلُ بَعْدَ اَلدَّوَامِ أَصَابَهُ دُوَارٌ
وَتَعَبٌ نَفْسِيٌّ فَهُوَ لَمْ يَتَصَوَّرْ أَنْ يَأْمُرَهُ أَحَدٌ بِنَقْلِ
اَلْبِضَاعَةِ مِنْ هَذَا اَلْمَكَانِ إِلى آخَر وَأَنْ يحملَ أَغْرَاضَ
اَلزَّبَائِنِ إِلَى سَيَّارَاتِهِمْ ، يَا لَهُ مِنْ شُعُورٍ مَمْزُوج
بِالْأَلَمِ وَامْتِهَانِ اَلْكَرَامَةِ ، فَآثَرَ تَرْك اَلْعَمَلِ وَلَمْ
تُفْلِحْ اَلْأُمُورُ مَعَهُ فَالْوَظِيفَةُ جَعَلَتْهُ لَا يَتَقَبَّلُ سِوَى
مَا يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ مَبَادِئ تَحفظ لَهُ هَيْبَته اَلَّتِي تَجْعَلُهُ
دَائِمًا فَقِيرًا وَمَعْرُوفًا لَدَى أَصْحَابِ اَلْبِقَالَة وَالدَّوَاجِنِ
وَالْخُضَارِ، حِسَابٌ دَائِمٌ عَلَى اَلدِّينِ لَا يَكَادُ يَنْقَطِعُ ،
هَلْوَسَاتٌ كَثِيرَةٌ تَتَزَاحَمُ فِي عَيْنَيْهِ،
وَفِي طَرِيقِ اَلْعَوْدَةِ، كَثِيرٌ مِنْ اَلْمُتَسَوِّلِينَ فِي
اَلشَّارِعِ، نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ، وَدُعَاءْ لَا يَتَوَقَّفُ
لِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا يقدرُ عَلَيْهِ،
لَاحَقَهُ صَوْتٌ عَالٍ تَبَرَّعَ يَا أَخِي لِأَطْفَالٍ جِيَاعِ وَشِرَاءِ
اَلدَّوَاءِ لَهُمْ وَجَزَاكَ اَللَّهُ كُلَّ خَيْرٍ ، كَانَ يَشْعُرُ أَنَّهُ
بِحَاجَةِ أَنَّ يَتَبَرَّع لَهُ اَلنَّاسُ.. لَوْ يَعْلَمُ هَذَا
اَلْمُتَسَوِّل وَضْعهُ لَحَزِنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ شَيْئًا،
تَوَقَّفَ قَلِيلاً
وَقَالَ فِي نَفْسِهِ لَعَلَّ اَلتَّبَرُّعَ بِشَيْءٍ بَسِيطٍ سَيَجْلِبُ
اَلْخَيْر اَلْكَثِير وَلَنْ تفرقَ كَثِيرًا فِي حَيَاتِهِ
اَلِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَضع بِيَمِينِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لَا
تَخْجَلُ شَمَالَهُ مِمَّا وَضَعَهُ ، وَأَقْفَلَ عَائِدًا
وَإِذَا بِصَوْت ملِئ بِالْغَضَبِ
مَا هَذَا؟
رُبْع دِينَارِ
هَذَا مَا أُقَدِّرُ عَلَيْهِ
وَمَاذَا سَأَفْعَلُ بِهَا؟
إِنَّهَا لَا تَشْتَرِي شَيْئًا وَهَذَا أَوَّلُ اَلشَّهْرِ وَالرَّوَاتِب
مُتَوَفِّرَة وَنَسْتَحِقُّ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا إِلَّا إِذَا كُنْتُ بَخِيلاً
وَهَذَا طَبْعُكَ .
تَفَاجَأَ مِنْ هَذَا اَلْكَلَامِ اَلْقَاسِي ، رَاتِبٌ لَا يَكْفِي
وَمُتَسَوِّلٌ يَسْتَقْوِي عَلَيْهِ بِهَذَا اَلرَّفْضِ لِتَبَرُّعِهِ
اَلْبَسِيطِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَطِعْ يَوْمًا أَنْ يَتَبَرَّمَ أَوْ يُدَافِعُ
عَنْ حُقُوقِهِ ، فَجل همه اَلْوُصُول اَلسَّاعَةَ اَلثَّامِنَةَ
وَالْمُغَادَرَةَ عَلَى اَلثَّالِثَة وَكَأَنَّهُ مُبَرْمَجٌ عَلَى ذَلِكَ
كَرَجُلٍ آلِي،
مَا هَذَا اَلدَّرْسِ اَلَّذِي يَتَعَلَّمُهُ؟
أَخْذُهُ اَلْكَلَامُ بِانْدِفَاعِ يَا أَخِي هَذَا اَلرَّاتِبِ لَا يُغَطِّي
اِحْتِيَاجَاتِ اَلْعَائِلَةِ وَبَعْدَ مُنْتَصَفِ اَلشَّهْرِ تَبْدَأُ
اَلْمُعَانَاةُ وَلَا تُرِيدُ اَلرُّبْعَ دِينَار،
هَلْ أَتَبَرَّعُ لَكَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ؟
وَأَزِيدُ أَيَّامَ مُعَانَاتِي ، هَلْ أَقْسَمَ لَكَ بِأَنَّنِي أَكْرَهُ
أَول اَلشَّهْرِ لِأَنَّ اَلْجَمِيعَ يَنْتَظِرُونَنِي وَلَا أَسْتَطِيعُ
سِوَى أَنْ أَخْذلَهُمْ ، نَظَر اَلْمُتَسَوِّل لَهُ بِعَجَبٍ !!
وَقَالَ لَهُ ..
أَنْتَ اَلْمُوَظَّفُ وَتَلَبسُ مَلَابِسَ أَنِيقَة وَتَشْكُو مِنْ
اَلْحَيَاةِ وَعَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعِيشَ عَلَى
اَلرَّغمِ مِنْ جُلُوسِي سَاعَاتٍ طَوِيلَةً أَسْتَجْدِي اَلنَّاس إِلَّا
أَنَّنِي أَجِدُ قُوت يَوْمِي وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَضْمَنَ لِأَوْلَادِي
حَيَاةً سَعِيدَةً عِنْدَمَا أَعُودُ إِلَيْهِمْ بِابْتِسَامَةٍ تَكْفِيهِمْ
اَلشَّهْرَ دُونَ مُعَانَاتِهِمْ شَظَفَ اَلْحَيَاةِ، إِذَا كُنْتُ
مُحْتَاجًا يَا أَخِي فَخْذَ هَذِهِ اَلدَّنَانِيرِ وَنَحْنُ إِخْوَةٌ وَلَا
تَخْجَلُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلَّهِ،
لمْ يَدِر سَعِيدٌ مَاذَا يَقُولُ فَهَذِهِ أَوَّل مَرَّةٍ يُحَاوِلُ
أَحَدهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ مُسَاعَدَة،
وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُ وَهُوَ يُتَمْتِمُ
عَلَيْكَ أَنْ تَصْنَعَ حَيَاتَكَ لَا أَنْ تَنْتَظِرَ اَلظُّرُوف لِتَغَيّرِ
حَيَاتكَ..
بِقَلَمً: أ. خَالِدْ اَلزَّبُونِ - كَاتِبٌ فِلَسْطِينِيٌّ
مَعَ بِدَايَةِ كُلِّ شَهْرٍ يَقِفُ أَمَامَ اَلصَّرَّافِ اَلْآلِيِّ
لِيَأْخُذَ رَاتِبَهُ وَهُوَ يُتَمْتِمُ،
مَاذَاسَأَفِعَلْ بِهِ؟
اَلطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْكَهْرَبَاءُ وَالْمَاءُ وَالْقَائِمَةُ
تَطُولُ، ضَغْطٌ عَلَى قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، هَذِهِ اَلْوَظِيفَة اَلَّتِي
لَا تُغْنِي وَلَا تُسْمِنُ مِنْ جُوعٍ وَأَصْبَحَ أَسِيرًا لَهَا،
وَعِنْدَمَا أَرَادَ اَلْعَمَلُ بَعْدَ اَلدَّوَامِ أَصَابَهُ دُوَارٌ
وَتَعَبٌ نَفْسِيٌّ فَهُوَ لَمْ يَتَصَوَّرْ أَنْ يَأْمُرَهُ أَحَدٌ بِنَقْلِ
اَلْبِضَاعَةِ مِنْ هَذَا اَلْمَكَانِ إِلى آخَر وَأَنْ يحملَ أَغْرَاضَ
اَلزَّبَائِنِ إِلَى سَيَّارَاتِهِمْ ، يَا لَهُ مِنْ شُعُورٍ مَمْزُوج
بِالْأَلَمِ وَامْتِهَانِ اَلْكَرَامَةِ ، فَآثَرَ تَرْك اَلْعَمَلِ وَلَمْ
تُفْلِحْ اَلْأُمُورُ مَعَهُ فَالْوَظِيفَةُ جَعَلَتْهُ لَا يَتَقَبَّلُ سِوَى
مَا يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ مَبَادِئ تَحفظ لَهُ هَيْبَته اَلَّتِي تَجْعَلُهُ
دَائِمًا فَقِيرًا وَمَعْرُوفًا لَدَى أَصْحَابِ اَلْبِقَالَة وَالدَّوَاجِنِ
وَالْخُضَارِ، حِسَابٌ دَائِمٌ عَلَى اَلدِّينِ لَا يَكَادُ يَنْقَطِعُ ،
هَلْوَسَاتٌ كَثِيرَةٌ تَتَزَاحَمُ فِي عَيْنَيْهِ،
وَفِي طَرِيقِ اَلْعَوْدَةِ، كَثِيرٌ مِنْ اَلْمُتَسَوِّلِينَ فِي
اَلشَّارِعِ، نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ، وَدُعَاءْ لَا يَتَوَقَّفُ
لِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا يقدرُ عَلَيْهِ،
لَاحَقَهُ صَوْتٌ عَالٍ تَبَرَّعَ يَا أَخِي لِأَطْفَالٍ جِيَاعِ وَشِرَاءِ
اَلدَّوَاءِ لَهُمْ وَجَزَاكَ اَللَّهُ كُلَّ خَيْرٍ ، كَانَ يَشْعُرُ أَنَّهُ
بِحَاجَةِ أَنَّ يَتَبَرَّع لَهُ اَلنَّاسُ.. لَوْ يَعْلَمُ هَذَا
اَلْمُتَسَوِّل وَضْعهُ لَحَزِنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ شَيْئًا،
تَوَقَّفَ قَلِيلاً
وَقَالَ فِي نَفْسِهِ لَعَلَّ اَلتَّبَرُّعَ بِشَيْءٍ بَسِيطٍ سَيَجْلِبُ
اَلْخَيْر اَلْكَثِير وَلَنْ تفرقَ كَثِيرًا فِي حَيَاتِهِ
اَلِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَضع بِيَمِينِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لَا
تَخْجَلُ شَمَالَهُ مِمَّا وَضَعَهُ ، وَأَقْفَلَ عَائِدًا
وَإِذَا بِصَوْت ملِئ بِالْغَضَبِ
مَا هَذَا؟
رُبْع دِينَارِ
هَذَا مَا أُقَدِّرُ عَلَيْهِ
وَمَاذَا سَأَفْعَلُ بِهَا؟
إِنَّهَا لَا تَشْتَرِي شَيْئًا وَهَذَا أَوَّلُ اَلشَّهْرِ وَالرَّوَاتِب
مُتَوَفِّرَة وَنَسْتَحِقُّ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا إِلَّا إِذَا كُنْتُ بَخِيلاً
وَهَذَا طَبْعُكَ .
تَفَاجَأَ مِنْ هَذَا اَلْكَلَامِ اَلْقَاسِي ، رَاتِبٌ لَا يَكْفِي
وَمُتَسَوِّلٌ يَسْتَقْوِي عَلَيْهِ بِهَذَا اَلرَّفْضِ لِتَبَرُّعِهِ
اَلْبَسِيطِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَطِعْ يَوْمًا أَنْ يَتَبَرَّمَ أَوْ يُدَافِعُ
عَنْ حُقُوقِهِ ، فَجل همه اَلْوُصُول اَلسَّاعَةَ اَلثَّامِنَةَ
وَالْمُغَادَرَةَ عَلَى اَلثَّالِثَة وَكَأَنَّهُ مُبَرْمَجٌ عَلَى ذَلِكَ
كَرَجُلٍ آلِي،
مَا هَذَا اَلدَّرْسِ اَلَّذِي يَتَعَلَّمُهُ؟
أَخْذُهُ اَلْكَلَامُ بِانْدِفَاعِ يَا أَخِي هَذَا اَلرَّاتِبِ لَا يُغَطِّي
اِحْتِيَاجَاتِ اَلْعَائِلَةِ وَبَعْدَ مُنْتَصَفِ اَلشَّهْرِ تَبْدَأُ
اَلْمُعَانَاةُ وَلَا تُرِيدُ اَلرُّبْعَ دِينَار،
هَلْ أَتَبَرَّعُ لَكَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ؟
وَأَزِيدُ أَيَّامَ مُعَانَاتِي ، هَلْ أَقْسَمَ لَكَ بِأَنَّنِي أَكْرَهُ
أَول اَلشَّهْرِ لِأَنَّ اَلْجَمِيعَ يَنْتَظِرُونَنِي وَلَا أَسْتَطِيعُ
سِوَى أَنْ أَخْذلَهُمْ ، نَظَر اَلْمُتَسَوِّل لَهُ بِعَجَبٍ !!
وَقَالَ لَهُ ..
أَنْتَ اَلْمُوَظَّفُ وَتَلَبسُ مَلَابِسَ أَنِيقَة وَتَشْكُو مِنْ
اَلْحَيَاةِ وَعَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعِيشَ عَلَى
اَلرَّغمِ مِنْ جُلُوسِي سَاعَاتٍ طَوِيلَةً أَسْتَجْدِي اَلنَّاس إِلَّا
أَنَّنِي أَجِدُ قُوت يَوْمِي وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَضْمَنَ لِأَوْلَادِي
حَيَاةً سَعِيدَةً عِنْدَمَا أَعُودُ إِلَيْهِمْ بِابْتِسَامَةٍ تَكْفِيهِمْ
اَلشَّهْرَ دُونَ مُعَانَاتِهِمْ شَظَفَ اَلْحَيَاةِ، إِذَا كُنْتُ
مُحْتَاجًا يَا أَخِي فَخْذَ هَذِهِ اَلدَّنَانِيرِ وَنَحْنُ إِخْوَةٌ وَلَا
تَخْجَلُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلَّهِ،
لمْ يَدِر سَعِيدٌ مَاذَا يَقُولُ فَهَذِهِ أَوَّل مَرَّةٍ يُحَاوِلُ
أَحَدهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ مُسَاعَدَة،
وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُ وَهُوَ يُتَمْتِمُ
عَلَيْكَ أَنْ تَصْنَعَ حَيَاتَكَ لَا أَنْ تَنْتَظِرَ اَلظُّرُوف لِتَغَيّرِ
حَيَاتكَ..