قراءة قي قصيدة (مع من تكون )
( سحر المفردة والم القصيدة عندما تكون عن وطن)
- علي الشاعر
مـــــع من تكـــــون ؟!
مع من تكون ؟! .. وضد من ؟!
يا أيها الرجل المعلق كالكفن
بين الولادة والوطن
مع من تكون ...
ولن تكون إذا انكسرت
بل لن تكون إذا اعتذرت
إن تعتذر ستموت ذنبا
لا تلتفت شرقا وغربا
لا تلتفت إلا إليك
وامدد يديك إلى يديك
كل الجهات خيانة
والأرض خارجة عليك
....
مع من تقف
مع من تسير
وإذا دعاك السيف
هل تنسى ذراعك في السرير
أو سوف تحشر
عمرك المحموم
في حجر
وتحلم أن تطير
قف بين وجهك والجهات
ثم احترس مما تراه
أو فاحترس مما يراك
نصف الخيانة أن
تجيء إلى سواك
ليروز صوتك أو خطاك
لا تلتفت إلا إليك
لا تلتفت إلا إلى هذا الوطن
لا تلتفت إلا إليه وان بدا
يوما شبيها بالكفن.
الدخول إلى عالم أي شاعر عمل مستحيل، لا يضاهيه سوى الدخول من بوابة النص الى الشاعر، ولانهما من مصدر مادي واحد فقد يتناهى الى سمعنا ترديد اصداء تتباعد وتتقارب في تشكيلات من الصور او التداعيات الخاصة التي لا علاقة لها لا بالشاعر ولا بالنص وهذا بالضبط مايعرف بفرض ارادة القصيدة لتحفز بمهمازها جسد القارئ للوصول الى نثار خط النهاية مع مشاعر الصيد التي تصطدم بالقطع الأخير لنتنازل للشاعر عن جوادنا متناسين ركضنا في حقول الخيال للوصول معا الى كل الاتجاهات بوقت واحد.
( سحر المفردة والم القصيدة عندما تكون عن وطن)
- علي الشاعر
مـــــع من تكـــــون ؟!
مع من تكون ؟! .. وضد من ؟!
يا أيها الرجل المعلق كالكفن
بين الولادة والوطن
مع من تكون ...
ولن تكون إذا انكسرت
بل لن تكون إذا اعتذرت
إن تعتذر ستموت ذنبا
لا تلتفت شرقا وغربا
لا تلتفت إلا إليك
وامدد يديك إلى يديك
كل الجهات خيانة
والأرض خارجة عليك
....
مع من تقف
مع من تسير
وإذا دعاك السيف
هل تنسى ذراعك في السرير
أو سوف تحشر
عمرك المحموم
في حجر
وتحلم أن تطير
قف بين وجهك والجهات
ثم احترس مما تراه
أو فاحترس مما يراك
نصف الخيانة أن
تجيء إلى سواك
ليروز صوتك أو خطاك
لا تلتفت إلا إليك
لا تلتفت إلا إلى هذا الوطن
لا تلتفت إلا إليه وان بدا
يوما شبيها بالكفن.
الدخول إلى عالم أي شاعر عمل مستحيل، لا يضاهيه سوى الدخول من بوابة النص الى الشاعر، ولانهما من مصدر مادي واحد فقد يتناهى الى سمعنا ترديد اصداء تتباعد وتتقارب في تشكيلات من الصور او التداعيات الخاصة التي لا علاقة لها لا بالشاعر ولا بالنص وهذا بالضبط مايعرف بفرض ارادة القصيدة لتحفز بمهمازها جسد القارئ للوصول الى نثار خط النهاية مع مشاعر الصيد التي تصطدم بالقطع الأخير لنتنازل للشاعر عن جوادنا متناسين ركضنا في حقول الخيال للوصول معا الى كل الاتجاهات بوقت واحد.
والنص هنا في قصيدة الدكتور حامد الراوي قد يشي منذ الوهلة الأولى بطباع الهم الواسع لوقائع ارض تجتهد ان تكون لها فلسفتها الخاصة، تتعاطى مناسيب لا تبتعد عن مفهوم "الارض ما زالت على الارض" لتنطلق الحقائق فوقها لتؤسس الى فعل وكينونة تمتثل لاشتغال العقل والأمنيات في سعي حثيث وخلاق ليدفع الشاعر رؤيته امام النص، وهنا يبدأ عمل جامح تضيع فيه بعض البذور لكن المحصلة انطلاقة المزارع المجتهد الذي يدرك تماما ان الارض لن تفسد من بذوره ابدا حتى لو نبتت في غير مساحتها المحددة، لانه على دراية بنتائج المحصول في زمن حصاده عند اكتمال نضجه.
الدكتور حامد الراوي يعطيك النص كاملا دفعة واحدة منذ البدء ليمهد لك ان تنتقل معه بتسارع دون ان يترك مجالا لايقاعات متباينة وغير متدفقة، بالمشاركة في انقاذ السباق والمتسابقين في ملعب مفتوح للصراعات المتجهمة التي تتناوش الجميع بمثالب التردد او الانكفاء على الزمن اللآني بعيداً عن جوهر الحياة، حيث يترافع عنها الشاعر امام محكمة ارادته العليا، لانقاذ ما يمكن انقاذه، وليقدم نفسه اولاً كرمز رافض لتدجين حريته وتكوينه، مستشعرا مخاطر مهنة الضياع في الافاق، متجنبا الخوض في الظلام دون ان يهئ ادوات الضوء ليستل ذاته اولاً ثم ليتبعه الاخرون، وصناعة الدرب الخاص عملية شاقة افردت لها البشرية اثمن عقولها وشفافية رؤاهم لتخترق جاذبية الواقع المعتاد، وهي سلاسل تثبت العمل الابداعي وتركنه في صياغات لفظية مجردة لا تؤثر ولا تترك اثرا من بعدها، ليمضي عليه من لا دلالة لديه على طريق لن يؤدي الا الى اماكن معلومة.
وهذا شأن العمل الابداعي اضافة درب جديد يختزل المسافات ويقصر في زمن البحث عن الحل ويعطي صورة مختزلة للاوقات الضائعة القادمة، والشاعر يبدا باشتراطات الفراغ لما سيكون وفي حالة تقصي لهول الانتماء الذي يضع الكفن مقابل الولادة، ليكون الوطن هو مركز الاسئلة والتشظي في كل الاتجاهات، النص والشاعر معاً يقاتلان ويحاربان ذاتهما كي لا يلينا الى السكون وعندها يخاصمهم الجمود بالموت، فلا يترك لهما منفذا ويقطع عليهما محاولة التراجع، والشاعر بوضوح يدرك مساوئ الواقع، لكنه ينتصر على كفنه الذي يحدد رؤيته في كسر خيال او حاجز النهاية فيجتازه، لانه يراه ماثلا شاخصا في الحقيقة ، ولذا تولد قصيدة المعنى، تختار نقطة الضوء لتكون دلالة لسيرتها ونهجها منذ البداية، عابرة لاشواك الطريق محددة خطواتها بثقة وبكينونة خاصة لن تستعير صوتها او سيرتها او مجدها من شتات وفتات خارج هويتها.
وحقا لا ندري في قصيدة كهذه ان كنا نكتب عن الشاعر ام القصيدة ام الواقع الدامي ام الوطن الذي تكالبت عليه القوى المتعددة، لينهض المثقف الرافض للمهادنة فهو يقطع اوصاله التي تسئ للمفهوم الجامع لذاكرة الوطن وهويته، روح الهتاف الدامي تستعر في المضمون وتلخص لنا بمشهد عريض لنرى الاشياء المستعصية والمستترة ومن وقع في شرك المراوغة والتزييف والذين تسببوا بالمأساة العامة، نرى كل ذلك مقرباً من الادراك ، أي ان الراوي شاعرا يقلق منام الاشخاص، لكنه لا يهاجمهم انما يعتبر كيانهم بعضا من كيانه وجسده، لذا كان استخدامه لمفردة الذراع ابتكار لاسقاط النزوع الفردي او حتى للمجموعات ليوحي بحجم روح التسامح والقوة عندما نتفهم مصادر تفردها وتوحدها وازالة الاوهام وعوامل الانكسار، هو يقول لنا: ينبغي ان لا نفكر كثيرا في مصيرنا لانه يراه وينبهنا في كل القصيدة، القصيدة ليست مغالاة في حب الوطن بل يستشرف الاخطار المحدقة من رحلته اليومية ليثبت المعادلة السقراطية التي تتخذ العقل وسيلة للسعادة وهي تقترب من فضيلة الحب وعدم انكشاف البيت الداخلي للانسان لعواصف الاتجاهات، ومن طبيعة العواصف تدمير الثوابت والاستقرار وتحيل الاجواء الى التوجه نحو الموت، المهم ان ثبات البناء في القصيدة يحول كل تلك العواصف الى بدائل للتغيير نحو فضائل تجاوز المحن ليكون البناء الجديد راسخا للتعبير عن الجذور مع الانطلاق بالتجربة الجديدة على ارضه، ليعيد الحياة بمفاهيم الاستفادة من التجربة القاسية جدا، فالوطن في القصيدة او في ذات الشاعر لن يكون ميالا لهمجية العصور الوسطى ولن يكون بديلا للرموز الكبرى لكنه يصبح كذلك عندما يتهدد الوجود الكلي لانسان البلاد التي ينتمي اليها الشاعر، ونحن احيانا نختار الموت لاستمرار الحياة، وهكذا دائما كانت قبور من يدافع عن المثل العليل واهمها الوطن مرتفعة المعنى وخالدة في الضمائر وحافز كبير لليقظة والصبر الى ان تنجلي المحن..
فالسؤال مع من تكون أو ضد من؟ سؤال افتراضي والاجابة عليه تكون فوق الاسئلة لانه ياخذ شكلا تصاعديا مثل ارواح المضحين بحياتهم، ترتقي السماء بمجدها الخاص، مكللة هامات الوطن بالوضوح، وتزيل عنه اثار ما يتعرض له، انها طباع راقية تتميز عن سواها بتجارب حياة، تكرر تميزها ونضوجها لانها لا تخضع لحظر التفكير او النتاج السليم الذي يبتكر عبوره في الحياة، كما لوكان خالدا في الذكرى ، الشاعر الدكتور حامد الراوي يقتحم علينا بوابة النص الساكن ليقول لنا ان القوة تشترط عدم توريط الاخرين في الانتقام وان النزال الشريف مع النفس، حيث تستقر وتستقيم الأمور، عندها لن نلتفت الا اليه، الى وطن فيه الشعر منبت طفولته ومجده، وطن يتبادل وحدة الالم العظيم ويحث الخطى للحياة.