الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللُّغة والأشكال الشعرية في فكر د. عدنان قاسم النقدي

تاريخ النشر : 2022-12-05
اللُّغة والأشكال الشعرية في فكر د. عدنان قاسم النقدي

- يحيى أحمد غبن

الشعر ضرب من التصوير، مادته الأصلية هي اللغة بوصفها أداةُ الشاعر الأديب في بناء النسيج النصي، وهي أهم وسائلِ التعبير عن الخطاب الخاص للمبدع.

تناول د. عدنان قاسم هذه القضية، وقدّم درسًا نقديًا متميزًا ربط بين اللغة والشكل الشعري، وعَبرَ تحليلاته الأدبية المتفننة استطاع أن يقدم، صورة المتلقي المثالي مؤكدًا على أن المتلقي ليس جهازُ استقبال سلبي، بل إيجابي؛ لأنه يبحث بطريقة دينامية عن أرض يلتقي فيها مع المعطيات الدلالية والجمالية للنص المُبدَع.

ومهما تعددت الأشكال الشعرية بتعدد عددها , أو اغتربت آفاقُها فإنَّ المبدع مجبرٌ بأن يُبقِي التصالح قائما بين آفاق النص , وآفاق المتلقي.

ويرى د. عدنان أن المبدع يبقى باثًا للنص، في منطقة التهيُّؤ قبل البث، وحين ينتهي من عملية الإفراغ يموت كما يحدث مع النحلة حين تضع بيضها.

ومن هنا يتبين أننا لا ننكر على الشاعر تجربته في خصوصيتها، وتفردها في عمقها وقوانينها الخاصة، لكن إذا جاءت مبعثرةً متناثرةً تمنع المتلقي من الالتحام بها فإننا نحكم عليها بالهبوط في قيمها الجمالية.

وبهذا يكون نجاح الشاعر على قدر دفعه المتلقي للتواشج والتعمق مع تجربته من خلال ابتداع آلياتٍ جمالية تَكفَل توصيل تلك التجارب مع الاحتفاظ بعمقها.

يعقب د. عدنان قاسم على مقطوعة درويش التي يقول فيها:

لن تفهموني دون معجزة

لأن لغاتَكم مفهومة

إنَّ الوُضوح جريمة

حطم درويش قوانين الزمان والمكان , وعلى الرغم من هذا التشكيل اللغوي الغريب ، فإن براعته تكمن في قدرته على فتح أبواب هذه العوالم للمتلقين كي يدخلوها بسلام.

وإذا طالبنا الشاعرَ أن يبني جسرًا بينه وبين المتلقين فإننا لا ندعو إلى تقديم الطعام الفنِّي ممضوغًا ... لأنَّ النَّاقد منتجٌ في عملية الإبداع الفنِّي عن طريق مَلْءِ الفجوات التي يتركها المبدع.

وإن افترضنا امتلاك المتلقي ثروةً فكريةً وثقافيةً عاليةً قادرةً على التحليلِ فإنَّه لا غِنى له عن الذوق السليم ، لأن تربية الذوق السليم هدف من الأهداف الكبرى للأمة.

هذه خلاصة رؤية د. عدنان قاسم في قضية التلقي، غير أنه ينحى نحو اتجاه نقدي قديم ، يرى من خلاله أنَّ للظروفِ التاريخية والوقائعِ الحيوية دورًا مهمًا في تقبل الظاهرة الجمالية أو رفضِها، فليس من المعقولِ أن تستطيبَ الأمةُ غزلًا إباحيًا ماجنًا ، ونحن نكتوي بنار الفجيعةِ إبان حرب يونيو 1967 ، ولكن يبدو الأمر مقبولاً ويبدو أكثر التحامًا إذا اتخذ الشاعرُ تكنيكًا جماليًا يمزج بمقتضاه بين الحبيبةِ والوطن:

عيونُكِ شوكة في القلب

توجعني .. وأعبدها

وأحميها من الريح

وأُغمدها وراء الليلِ والأوجاعِ أُغمدها

فيُشعِلَ جرحَها ضوءُ المصابيح

ونلاحظ مما سبق أن الأشكالَ الشعريةَ بنياتٌ فيزيقيةٌ ذاتُ طابعٍ جماليٍ خالصٍ ، لكن لها ارتباطات قوية بظروفها الخاصة وبعوامل خارجيةٍ أدت إلى إنتاجها.

وفي بيان علاقةِ اللغةِ المنتجةِ للشكل الشعري يمكن تقسيم الأشكال الشعرية، فاللغة هي أصل الأشكال الشعرية، وهي المادة الخام التي يصنع منها الشاعر أشكاله الشعرية.

الشكل الأول: اللغة ذات الدلالات المحدودة.

يرى د. عدنان أنَّ اللغة في هذا التشكيل أقرب ما تكون إلى التماثيل الرخامية الفخمة، أبدعتها عبقريات الحضارات الإنسانية القديمة، فإذا نظرنا إليها بعيدًا عن بهرجِها وزينتِها وجدناها لا تحمل معطيات إيحائية تجاوز مناطقها التعبيرية.

فقد كان البارودي وشوقي والجواهري مراكز ضوء جاذبة لهذه النمط من التشكيل الشعري يقول شوقي:

مِن  أَيِّ عَهدٍ  في  القُرى تَتَدَفَّقُ       وَبِأَيِّ  كَفٍّ في  المَدائِنِ  تُغدِقُ

وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِن       عَليا  الجِنانِ  جَداوِلاً    تَتَرَقرَقُ

وَبِأَيِّ   عَينٍ   أَم   بِأَيَّةِ   مُزنَةٍ        أَم أَيِّ  طوفانٍ  تَفيضُ وَتَفهَقُ

وَبِأَيِّ   نَولٍ  أَنتَ  ناسِجُ  بُردَةٍ        لِلضِفَّتَينِ   جَديدُها  لا   يُخلَقُ

خَلَقَ شوقي بنية فيزيقية خاصة لمجموعة من المعاني المطروحة على قارعة الطريق فاختار دقيقَ الألفاظِ في المستوى الرأسي، واختار تراكيبَ نُسِجَت فيها هذه الألفاظ على نحو جماليٍ متقنٍ على المستوى الأفقي.

يطرح الدكتور عدنان تساؤلاً مضمونه إذا كان الموضوع هو النيل بكل تاريخه وعطاءاته فإن الشاعر لم تبرز مضامينُه على نحوٍ متفردٍ في إطار هذه التعميمات التي تجعل من الصوغ الجمالي قوالب صالحة للتعبير.

لذا فقد بقي الشعر القديم مثل هذا التشكيل الأعلى، وبقيت معهم جماهيرهم من المتلقين والناقدين تنزع نفوسهم إلى هذه النماذج أو ينظِّرون لاستحسانها وإن تصدت لهم قطاعات المجددين، وتجلى ذلك في موقف د. عدنان قاسم: من قصيدة يا نائح الطلح أشباه عوادينا...

إذ يقول: التجربة الشعرية في جوهرها تفجير لإمكانات اللغة، ألقت التجربة الشعورية ظلالاها على النسيج الفني، فكانت النبرة الموسيقية أعظم ما يميز هذه القصيدة، ولكنها الموسيقى المرتبطة بالقيم الشعورية التي أفرزتها تلك التجربة.

ولستُ مع الذين يركزون على نوع الشكل كثيرًا، لأن العبرة  ليست بقدم الشكل أو حداثته، بل بالقدرة على التعامل معه واستدل بقول أحمد الصافي في قصيدته ( الساعة ).

أرى عقاربها اللاتي تدور بها    عقاربا كل حين تلدغ العمرا

فعلى الرغم من الموضوع وبساطته، لك استطاع الشاعر أن يحوله إلى قيمة جمالية ذات طابع رمزي.

ورأى أن الشكل التراثي قدم وأنتج أعظم النصوص الشعرية، ويقدم تقانات فنية توائم بين اللغة الشعرية وبين الطاقة النغمية المتفقة مع طبيعة اللوحة المرسومة.

ثانيا: لغة الدلالة غير المحدودة ( لغة التركيز الوجداني )

توقف د. عدنان قاسم مع هذا الشكل الشعري فهو شكل اتسع فيه مستوى التلقي وتمدد أفقيا؛ ليشمل القطاع الأكبر من جمهور المثقفين في ساحات الشعر العربي، وأضحت السيطرةُ للغةِ التركيزِ الوجدانيِّ في أحيازِ المُبْدَعاتِ الرومانسية.

فاللغة في هذا الشكل غيرُ خاضعةٍ للتحجيم الدلالي إذ هي كائن حيٌّ يحمل نغمَ التجربةِ وغُنَتَها من خلال الطاقات الموسيقية التي تُوَقِّعَهَا يَدُ الفَنَّانِ.

تعد الطبيعة مُلهمًا للشعراءِ يَقُدُّون من نثرياتها صورَهم ، يقول أبو ماضي

أنا ذلك الولد الذي            دنياه كانت ها هنا

ويقول الشابي :

أَقبَلَ  الصبحُ  يغنِّي  للحياة  الناعسة

والرُّبَى تَحلُمُ  في  ظلِّ الغصون المائسة

والصَّبا  تُرْقِصُ  أوراق الزهورِ  اليابسة

وتَهَادَى النُّورُ في تلك الفجاج الدامسة

ويتضح المزج بين الحقول الدلالية المتباينة فتحولت المُحَسَّاتِ إلى مجَرَّدَاتٍ، مشخصًا عناصر الطبيعة في صور مكثفة مركبة، تنتقل بسلاسة من مجال إلى آخر.

يرى د. عدنان قاسم أن الشعراء الذين انتهجوا هذا النهج وسلكوا ذلك السبيل إنما بقيت في محاولاتهم إمكانية الالتحام قائمةً مع النِّتاج الشعري والانفعال به على نحو ما، ودعى إلى المزج بين الرمز الجزئي الذي يفيض بدلالات خبيئة وراء الواجهات المحسة، وبين الرمز الكلي الذي يبعث على إرفاد النص بدماء جديدة يحس بها المتلقي تقول فدوى طوقان في قصيدة الطاعون:

يوم فشا الطاعون في مدينتي

خرجتُ للعراء

مفتوحةَ الصدر للسماء

أهتف قرارة الأحزان بالرياح

هُبِّي وسوقي نحونا السحابَ يا رياحُ

وأَنزِلي الأمطار

( الرياح – الأمطار) أضحت متناصرة مع عنوان ( الطاعون)؛ لتصنع ضفيرةً قادرةً على البث الإيحائي المؤثر في نفوس المتلقين.

وقد يساهم الرمزُ الأسطوريُّ في بث دلالات عميقة، كما في قصيدة عبد الوهاب البياتي المعنونة بـ ( أغنية إلى يافا).

لذا فقد تبتعد مع هذا التشكيل لغةُ التركيز الوجداني عن أناقتها وتراكيبها المجازية وتنحو إلى البساطة، ولكنها تظل محتفظة في إطارها الكلي بقوة التأثير على المتلقين، وعلى الفنان أن يتفنن مستخدماً البساطة في التعبير الشعري، وإلا فإنه سيقع في وهدة النثرية التي تُفْقِدُ حرارةَ البثِّ والإيحاء.

الشكل الشعري الثالث:  لغة اللا دلالة ( التفجير)

إن ثمة فاصلا هائلا وهوة متسعة بين هذا الشعر وبين المتلقين الذين عجزوا في كثير من الاحيان عن فك طلاسمه واقتحام عوالمه الغريبة، وقف النقد الحديث موقفا أكثر غرابة وأوغل في استخدام لغة أشدُّ غرابة.

هذه الهوة أدت إلى تحويل عالم الشعر خاصًا بالشعراءِ لا يدخلها غيرَهم.

يقول درويش

آه يا أشياء كوني مبهمة

لنكون أوضح منك

أفلست الحواس وأصبحت قيدا على أحلامنا

يعلق د. عدنان قاسم بقوله: هذا الشعر الحداثي انقلاب على القيم الجمالية والتقاليد الفنية السائدة، ونكثٌ للبنيات التقليدية للجمل الشعرية ، وتمردٌ على الواقع الخارجي وقوانينه العامة، ودعوةٌ إلى الخصوصية والتفرد بل إلى استقاء الصور من عالم الأحلام الذي لا يخضع للمنطق العقلي.

وهو هنا يتواشج في أفكاره مع زمرة القائلين بأنَّ الشعر عند الحداثيين اقتحامٌ لأرضِ المجاهيلِ ، أرضُ الغرابةِ، تلك الأرض التي يتحقق فوقها ما لم نعهده في عالمنا الواقعي...

وعليه يقرر الدكتور أن القطاع الأكبر من الجمهور بقي في عزلة عن هذه النماذج الحداثية، وبقيت محصورة في بيئة بعض المثقفين الذين يرون فيها تمردًا على سلطة ثقافية ارتبطت في  أذهانهم بالجمود بل التخلف، وينظرون للحداثة باعتبارها رفضًا وهدمًا لتلك الأبنية التراثية.

وخلاصة القول بعد هذا العرض لرؤية ناقدنا لدور اللغة في صناعة التشكيلات الشعرية ( أنَّ الإقبال والعزوف عن تلقي الشعر مسؤولية مشتركة بين المبدع والناقد ).
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف