حركة الشعر إبان عهد النبوة.. أدب عصر صدر الإسلام
بقلم: حسين علي الهنداوي
لا شك أن نزول القرآن الكريم أحدث نشاطاً فكرياً وأدبياً منذ الإرهاصات الأولى لهذه الدعوة مع العلم أن الشعر العربي قد كان نشطاً عند الجاهلين وجاء القرآن الكريم ليفتح عيون العرب على رؤية جديدة للحياة تربط الدنيا بالآخرة . والمتتبع لحركة الشعر يجد أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفيل كان إيذاناً بذلك فقد قام عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ بحلقة باب الكعبة المشرفة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنفرونه على أبرهة وجنده عندما قدم هذا اللعين لهدم الكعبة.
وقد قال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لاهمّ إن الــعـــبـــد يــمـنع ... رحـــلـــه فــامـنع حلالك
لا يـــغـــلـــبــــنّ صـليبهم ... ومــحالهم غدواً محالك
إن كــــنــــت تــــاركـــهـــم ... وقبلتنا فأمر ما بدا لك
كذلك لما جاءت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل تخبره ما وقع مع النبي وميسرة في رحلتهم إلى بصرى وما كان يرى (أن ملكين يظلانه حيث تنبأ ببعثة النبي محمد) وقد قال في ذلك ورقة:
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لـــهــــمٍّ طـــالـــمـــا بــعــث الـنشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف .. فــقـــد طـــال انــتــظــاري يا خديجا
بـــبـــطـــن الــمــكتين على رجائي .. حـــديــثـــك أن أرى مـــنـــه خـروجا
بـــمـــا خـــبـــرتـــنا مـــن قـول قسٍ ... مـــن الــرهـــبـــان أكـــره أن يــعوجا
بــأن مــحـــمـــداً ســـيـــعـــود فــيــنا ... ويــخــصــم مــن يكون له حجيجا
فــيــا لــيــتــي إذا مــا كـــان ذاكــم ... شـــهــــدت فـــكـــنـــت أولـهم ولوجا
وفي مهاجرة المسلمين للحبشة قال جعفر بن أبي طالب :
يـــا راكــبـــاً بــلـــغـــن عـني مغلغلة ... مـــن كان يرجو بلاغ الله والدين
كل امرئٍ من عياء الله مضطهدٍ ... بــبــطـــن مــكـــة مــقهور ومفتون
إنــا تــبــعــنـــا رسول الله واطّرحوا ... قـــول الــنبي وعالوا في الموازين
أما أبو طالب فقد قال يخاطب النجاشي :
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر ...
وعـــمـــرو وأعــــداء الـــعـــدو الأقــــارب
تــعــــلــــم بــــــأن الله زادك بـــــســـــطــــــة ...
وأســــبـــــاب خـــيــــر كــــلـــها بــك لازب
وفي حصار الشعب شعب أبي طالب وما لاقاه المسلمون من العنت قال أبو طالب
ألـــم تـــعــــلـــموا أنا وجدنا مــحـمدا ...
نبـياً كموسى خط في أول الكتب
وأن عـــلـــيــــه فــــي الــعــباد محبة ...
ولا خـيــر ممن خصه الله بالحب
وأن الـــذي ألـــصــقــتم من كتابكم ...
لـــكــم كائن نحساً كراغية السقب
أفــيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى ...
ويصبح من لم يجن ذنباً كمذنب
وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سمع الناس صوتاً من أعلى مكة وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفــيــقــيــن حــلا خـيمتي أم معبد
هــمــا نــزلا بــالــبــر ثــم ّ تــــروحـا ... فــأفــلــح مـن أمسى رفيق محمد
لــيــهــن بــني كعب مكان فتاتهم ... ومــعــقـــدهـــا لــلــمــؤمـنين بمرصد
ولما اعتلّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبعض الصحابة في المدينة قال أبو بكر :
كــل امــرئ مـصبح في أهله ... والموت أوفى من شراك نعله
وفي خبر قتلى غزوة بدر وسماع الأسود بن المطلب امرأةً تبكي بعيرا ضاع لها وتذكر إصابة ثلاثة من ولدها ( زمعة –وعقيل- والحارث بن زمعة) قال :
أتــبــكي أن يــضــل لــهـا بعير ... ويــمــنــعـها من النوم السهود
فــلا تــبــكــي عــلى بـكر ولكن ... عــلــى بــدر تــقاصرت الحدود
على بدر سراة بني هصيص ... ومــخــزوم ورهــط أبـــي الوليد
وبــكّــي إن بــكيت على عقيل ... و بــكّــي حــارثــاً أســد الأسود
وبــكّــيــهــم ولا تـسـمـي جميعاً ... ومــا لأبــي حــكــيــمة من نديد
وقد قال أبو عزة عمرو بن جمح مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم في قلة ماله وكثرة عياله :
مــن بــلــغ عـــنـــــي الــنــبـــي مــحــمداً ...
بـــأنـــك حـــقٌ والـــمــــلــــيــــك حــــمــــيـــد
وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى ...
عــليــك مـــن الله الــعـــظـــيـــــم شـــهود
وأنـــت أمـــرؤ بــــوّئـــت فــيـــنــا مــباءة ...
لــهــا درجـــــات ســـهــــــلـــة وصـــــعــــود
فــإنــــك مـــــن حـــاربـــتــــه لــــمــــحـارب ...
شـــــقـــي ومــــن ســــالـــمـــتــــه لــسـعيد
وفي غزوة أُحد قامت هند بنت عتبه حين التقى الناس وضربت النساء بالدفوف خلف الرجال :
ويهاً بني عبد الدار ... ويــهـــاً حماة الأدبار
ضـــربـــاً بــكـــل بــتّار
إن تـــقـــبـــلوا نــعـانق ... ونــفــرش الــنــمــــارق
أو تـــدبــــروا نـــفارق ... فـــراق غــــيــــر وامــق
وفي غزوة حمراء الأسد التقى أبو سفيان مع معبد بن أبي معبد مُخّوفا معبد أبا سفيان من جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في ذلك معبد أبياتاً أسمعها أبا سفيان :
كــادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تــردى بــأســد كـــرام لا تـــنـــابـــلـة ... عـــنـــد الـــلـــقـــاء ولا مـيل معازيل
فــظــلت عدواً أظن الأرض مائلة ... لــمـــا ســموا برئيس غير مخذول
فــقـلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تــغــطــمــطـت البطحاء بالحيل
إنــي نــذيــر لأهـل السيل ضاحية ... لــكـــل ذي إربـــة مـــنــهم ومعقول
مـن جيش أحمد لا وحشٍ قنابله ... ولــيـس يوصف ما أنذرت بالقيل
وفي يوم الرجيع حين غدر أهل عُضل والقارة عن بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموهم الدين فقتلوا بعضهم فقال عاصم بن ثابت :
مــا عــلــتــي وأنـا جلد نابل ... والــقــوس فـيها وترٌ عُنابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الــمــوت حق والحياة باطل
وكــــل مـــا حــمّ الإلــه نازل ... بـــالــمــرءِ والــمــرءُ إلـيه آثل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
وقال خبيب بن عدي حين عرف أن القوم اجتمعوا لصلبه :
لــــقـــــد جــمـــع الأحـــزاب حـــولــي وألبوا ...
قـــبـــائـــلـــهـــم واسـتـجـمعوا الحل مجمعِ
وكـــلـــهــــم مــــبــــدي الـــعــــداوة جــــاهــــد ...
عــــلّــــي لأنــــي فــــي وثــــاق بــمــضــيــع
وقـــد جـــمــعــــوا أبـــنـــاءهــــم ونــســاءهم ...
وقـــربــــت مـــن جـــذع طـــويـــل مـــمــنــع
إلـــى الله أشــكـــو غـــربـــتـــي ثــم كـربتي ...
ومـــا أرصد الأحزاب لي عند مصـــرعي
وقـــد خـــيـــرونـــي بــالـكفر والموت دونه ...
وقـــد هـــمـــلــــت عـــيـــنـــــاي مـــن غـــيــــر
مجزع فو الله ما أرجو إذا مت مسلماً ...
عــلــى أي جــنــب كـان في الله مصرعي
فـــلـــســـت بـــمــبـــدٍ لـــلــعــــــدو تــخــشــــعـــاً ...
ولا جــــزعـــا إنــــي إلــــى الله مــــرجـــعـــي
وقد قال حسان بن ثابت يبكي خبيباً :
مـــا بــال عــيــنــيك لا ترقى مدامعها ...
سماً على الصدر مثل اللؤلؤ القلقِ
عــلى خــبيب فتى الفتيان قد عملوا ...
لا فـــشـــلٍ حـــيـــن تـــلـــقـــاه ولا نـزق
فـــاذهـــب خـــبــيـــب جــزاك الله طيبة ...
وجــنــة الـخلد عند الحور في الرفق
وقال معد ابن أبي معد الخزاعي حين مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي حين كان ينتظر أبا سفيان لقتال المشركين في غزوة بدر الآخرة :
قــد نــفــرت من رفقتي محمد ... وعــجــوة مــن يــثـرب كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد ... قــد جــعـلـت ماء قديد موعدي
وقال عبد الله بن رواحة في ذلك :
وعــدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد ... لـميعاده صدقاً و من كان وافيا
فــأقــســم لـــو وافــيــتــنــا فـلـقيتنا ... لأبــت ذمــيــماً وافتقدت المواليا
عــصيتم رسول الله أفٍ لدينكم ... وأمركم السوء الذي كان غاويا
وفي معركة الخندق رصد حسان بن ثابت هرب عكرمة بن أبي جهل وإلقاءه رمحه
فـــــــرَّ وألــــــقــــى رمــــحــــــه ... لــعـــلــــك عـــكـــرم لـم تفعل
ووليت تعدو كعدو الظليم ... مــا إن تــجور من المعدل
ولــم تـلو ظهرك مستأنساً ... كــأن قــفـــاك قـــفـــا فــــرعــل
وفي حادثة الإفك واتهام السيدة عائشة رضي الله عنها وتبرئة الله تعالى لها قال قائل من المسلمين في ضرب حسان بن ثابت وأصحابه في فريتهم على السيدة عائشة :
لــقــد ذاق حــســان الـذي كان أهله ...
وحـــمـــنــة إذ قــالـوا هجيراً ومسطح
تــعـــاطـــوا بــرجــم الغيب زوج نبيهم ...
وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا
وفي معركة فتح خيبر خرج مرحب اليهودي من حصنه قد جمع سلاحه يرتجز ويقول :
قـــد علمت خيبر أني مرحب ... شــاكــي السلاح بطل مجرب
أطــعــن أحــيانا وحيناً أضرب ... إذا الــلــيــوث أقبلت تحرسب
إن حماي للحمى لا يقرب
وقد أجابه كعب بن مالك :
قــد عــلــمــت خـــيبر أني كعب ... مــفــرج الـــغــــم جـــريء صـــلـبُ
إذ شــبـت الحرب تلتها الحرب ... معــي حــســام كالعقيق عضبُ
تــطــؤكــم حــتـــى يــذل الـصعب ... نعطي الجزاء أو يفيء النهبُ
بكف ماض ليس فيه عتب
وفي وداع الجيش الذاهب إلى مؤتة يقف عبدالله بن رواحة ويقول بعد أن حضر الرسول صلى الله عليه وسلم وداعهم :
خلف السلام على امرئ ودعته ... فــي الــنــخــل خير مشيع وخليل
وحمل الراية في مؤتة زيد بن حارثة ثم أخذها جعفر وقتل وهو يقول:
يـــا حــبــذا الـجنة واقترابها ... طــيـــبـــةً وبـــارداً شـــــرابــهـا
والروم روم قد دنا عذابها ... كـــافـــرة بــعــيــدة أنــســـابها
عليَّ إن لاقيتها ضرابها
ثم حمل الراية جعفر بن أبي طالب وهو يقول :
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... مـــالـــي أراك تــكــرهــيـن الجنة
قـــد طـال ما قد كنت مطمئنة ... هـــل أنــت إلا نــطفة في شنه
وقال أيضاً :
يـــا نــفـــس إلا تقتلي تموت ... هذا همام الموت قد صليت
ومــا تــمــنــيــت فـقد أعطيتِ ... إن تــفــعــلــي فـــعلهما هديت
وممن بكى شهداء مؤتة حسان بن ثابت حين قال :
تـــأوّبــنــي لــيــل بـــيــثــرب أعـسر ... وهـــمّ إذا ما نوم الناس مسهر
رأيــت خــيــار الــمـسلمين تواردوا ... شــعــوب وخــلــفــاً بــعدهم يتأخر
فــلا يــبــعــدن الله قــتــلـى تتابعوا ... جــمــيــعــاً وأســباب المنية تحظر
وزيـــد وعــبــد الله حــيــن تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وفي ذلك قال كعب بن مالك :
صــبــروا بـمؤتة للإله نفوسهم ... حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
إذ يــهــتــدون بــجــعــفــر ولوائه ... قــــدام أولـــهــــم فـــنـــعــــم الأول
قـــوم بــهــم عــصم الإله عباده ... وعــلــيــهـم نزل الكتاب المنزل
ومما هاج فتح مكة المكرمة تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة وقد وقف عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يــا رب إنــي نــاشـــد مــحـــمـدا ... حــلـــف أبــيـــه وأبــيــنـا الأنكدا
فانصر هداك الله نصراً أعتدا ... وادع عــبــاد الله يــأتــوا مــــددا
فــيــهــم رســـول الله قــد تجردا ... إن ســـيــم خـسفاً وجهه تريّدا
أما أبو سفيان أكبر أعداء الإسلام فقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه وقال :
لــعَـــمـــرُك إنــي حــيــن أحمل راية ... لـــتــغــلــب خـيل اللات خيل محمد
لــك الــمــدلــج الـحيران أظلم ليله ... فــهــذا أوانـي حين أهدى وأهتدي
أصـــد وأنـــأى جــاهـداً عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
وفي فتح مكة قال حسان قصيدته الهمزية :
عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلــى عــذراء مــنــزلــهــا خلاء
عــدمــنــا خـيلنا إن لم تروها ... تــثــيــر الــنــقـع موعدها كداء
تــظــل جــيـــادنــا مــتــمــطـراتٍ ... يــلــطــمــهــن بــالخمر النساء
وفي غزوة حُنين تجمع الناس وساروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع نسائهم وأبنائهم وأموالهم ونزلوا ( أوطاس ) وكان فيهم دريد ابن الصمة فقال هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ثم أنشد:
يـاليتني فيها جذع ... أخــبّ فــيـها وأضع
أقور وطناء الزمع ... كــأنــهــا شاة صدع
ومن الشعراء الذين ذكروا حُنين عباس بن مرداس :
يــا خــاتــم الأنــبياء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإلــه بــنــى عــلــيــك مـحبة ... فـــي خــلــقــه ومــحــمــداً سماكا
وحين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف قال كعب بن مالك
قضينا من تهامة كل ريب ... وخــيبر ثم أجمعنا السيوفا
نــخيرها و لو نطقت لقالت ... قــواطــعــهن دوساً أو ثقيفاً
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار قال بجير بن زهر بن أبي سلمي يذكر حُنيناً والطائف :
كانت علالة يوم بطن حنين ... وغــداة أوطــاس ويـوم الأبرق
جمعت بأغواء هوازن جمعها ... يــتــبــددوا كــالــطــائـر المتمزق
لــم يــمــنــعـوا منّا مقاماً واحداً ... إلا جـــدارهم وبــطـــن الــخــنــدق
وكذلك أدرك مالك بن عوف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأسلم بعد أن ردّ عليه أهله وماله وأعطاه مئة من الإبل ثم أنشد :
مــا إن رأيــت ولا ســمــعت بمثله ... فــي الــنــاس كــلــهـم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى ... ومــتــى تــشأ يخبرك عما في غد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ؛ وقصة كعب بن زهير وإسلامه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد توبته المشهورة بعد أن دعاه أخوه بجير للإسلام ومما قاله في رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنــبــئــت أن رســول الله أوعـــدني ...
والــعــهــد عــند رســول الله مأمول
إن الــنــبـــي لـــنـــور يــستضاء به ...
مــهــنــد مــن ســيــوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ...
بــبــطــن مــكــة لــمــا أسـلموا زولوا
زالــوا فــمـا زال أنــكاس ولا كشف ...
عــنــد الــلــقــاء ولا مــيـــل مــعــازيـل
ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه فقدم ( عطار بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف تميم منهم الأقرع بن حابس التميمي والزبرقان بن بدر التميمي أحد بني سعد وعمرو بن الأهتم والحبحاب بن زيد وفي وفد تميم نعيم بن يزيد وقيس بن الحارث وقيس بن عاصم أخو بني سعد وعبيد بن حصن الفزاري الذي شهد مع الأقرع فتح (مكة المكرمة وحنين والطائف) مع الرسول فقام الزبرقان وأنشد :
نــحــن الــكــرام فــلاحــي يــعــادلـنا ... مــنــا الـملوك وفينا تنصب البيع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا ... مــن الـشواء إذا لم يؤنس القزع
إنـــا أبــيــنــا ولا يــأبــى لــنـــا أحـــد ... إنـــا كــذلك عــنــد الــفــخــر نرتفع
فرد عليه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه :
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا ... على أنـف راض من معد وراغم
مــنــعــنــاه لــمــا حــلّ بين بيوتنا ... بــأســيــافــنــا مــن كــل باغ وظالم
ثم طلب الرسول من حسان أن يجيب الزبرقان :
إن الـــذوائـــب مــن فــهـــر وإخــوتـهم ...
قـــد بـــيـــنـــوا ســـنـــة لـــلـــديـــن تتبع
يــرضــى بــهم كل من كانت سريرته ...
تـــقـــوى الإلــه وكــل الخير تصطنع
قــوم إذا حــاربــوا ضــــروا عــــدوهـــــم ...
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
وكذلك مدح كعب بن مالك الأنصار فقال :
مـن سرهُ كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالي الأنصار
ورثوا المكارم كابراً عن كابر ... وعـــن الــخيـار هم بنو الأخيار
قـوم إذا حـزت النجوم فإنهم ... لــلــــطــارقــيــن الــنــازلين مقاري
ولما قدم فروه بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لهم أنشد :
لــمــا رأيــت مــلــوك كـندة أعرضت ...
كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قــربــت راحــلـــتـــــي أؤم مـــحــــمــــداً ...
أرجــــو فــــواضـــلـها وحـسن ثرائها
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق بربه بكاه الناس جميعاً وممن بكاه من الشعراء حسان بن ثابت وفي ذلك يقول :
بــطــيــبـــة رســـم للرسول ومعهد ...
مـــنــيـر وقد تعفو الرسوم وتهمدُ
لــقــد غــيبوا حلماً وعلماً ورحمة ...
عــشــيــة عــدوه الــثـرى لا يوسد
وهـــل عـــدلـــت يــومـاً رزية هالك ...
رزيـــة يـــومٍ مــات فـــيــه محمدُ
إمـــام لــهــم يهديهم الحق جاهداً ...
مــعــلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عـــفـــوّا عـــن الـزلات يقبل عذرهم ...
وإن يـــحــسـنوا فالله بالخير أجودُ
ومـــا فــقــد الـماضون مثل محـمد ...
ولا مـــثـلهُ حتى القيامة يُفـقد ُ
مــع الــمصطفى أرجو بدار جـواره ...
وفي نـيل ذاك اليوم أسعى وأجهدُ
بقلم: حسين علي الهنداوي
لا شك أن نزول القرآن الكريم أحدث نشاطاً فكرياً وأدبياً منذ الإرهاصات الأولى لهذه الدعوة مع العلم أن الشعر العربي قد كان نشطاً عند الجاهلين وجاء القرآن الكريم ليفتح عيون العرب على رؤية جديدة للحياة تربط الدنيا بالآخرة . والمتتبع لحركة الشعر يجد أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفيل كان إيذاناً بذلك فقد قام عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ بحلقة باب الكعبة المشرفة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنفرونه على أبرهة وجنده عندما قدم هذا اللعين لهدم الكعبة.
وقد قال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لاهمّ إن الــعـــبـــد يــمـنع ... رحـــلـــه فــامـنع حلالك
لا يـــغـــلـــبــــنّ صـليبهم ... ومــحالهم غدواً محالك
إن كــــنــــت تــــاركـــهـــم ... وقبلتنا فأمر ما بدا لك
كذلك لما جاءت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل تخبره ما وقع مع النبي وميسرة في رحلتهم إلى بصرى وما كان يرى (أن ملكين يظلانه حيث تنبأ ببعثة النبي محمد) وقد قال في ذلك ورقة:
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لـــهــــمٍّ طـــالـــمـــا بــعــث الـنشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف .. فــقـــد طـــال انــتــظــاري يا خديجا
بـــبـــطـــن الــمــكتين على رجائي .. حـــديــثـــك أن أرى مـــنـــه خـروجا
بـــمـــا خـــبـــرتـــنا مـــن قـول قسٍ ... مـــن الــرهـــبـــان أكـــره أن يــعوجا
بــأن مــحـــمـــداً ســـيـــعـــود فــيــنا ... ويــخــصــم مــن يكون له حجيجا
فــيــا لــيــتــي إذا مــا كـــان ذاكــم ... شـــهــــدت فـــكـــنـــت أولـهم ولوجا
وفي مهاجرة المسلمين للحبشة قال جعفر بن أبي طالب :
يـــا راكــبـــاً بــلـــغـــن عـني مغلغلة ... مـــن كان يرجو بلاغ الله والدين
كل امرئٍ من عياء الله مضطهدٍ ... بــبــطـــن مــكـــة مــقهور ومفتون
إنــا تــبــعــنـــا رسول الله واطّرحوا ... قـــول الــنبي وعالوا في الموازين
أما أبو طالب فقد قال يخاطب النجاشي :
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر ...
وعـــمـــرو وأعــــداء الـــعـــدو الأقــــارب
تــعــــلــــم بــــــأن الله زادك بـــــســـــطــــــة ...
وأســــبـــــاب خـــيــــر كــــلـــها بــك لازب
وفي حصار الشعب شعب أبي طالب وما لاقاه المسلمون من العنت قال أبو طالب
ألـــم تـــعــــلـــموا أنا وجدنا مــحـمدا ...
نبـياً كموسى خط في أول الكتب
وأن عـــلـــيــــه فــــي الــعــباد محبة ...
ولا خـيــر ممن خصه الله بالحب
وأن الـــذي ألـــصــقــتم من كتابكم ...
لـــكــم كائن نحساً كراغية السقب
أفــيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى ...
ويصبح من لم يجن ذنباً كمذنب
وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سمع الناس صوتاً من أعلى مكة وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفــيــقــيــن حــلا خـيمتي أم معبد
هــمــا نــزلا بــالــبــر ثــم ّ تــــروحـا ... فــأفــلــح مـن أمسى رفيق محمد
لــيــهــن بــني كعب مكان فتاتهم ... ومــعــقـــدهـــا لــلــمــؤمـنين بمرصد
ولما اعتلّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبعض الصحابة في المدينة قال أبو بكر :
كــل امــرئ مـصبح في أهله ... والموت أوفى من شراك نعله
وفي خبر قتلى غزوة بدر وسماع الأسود بن المطلب امرأةً تبكي بعيرا ضاع لها وتذكر إصابة ثلاثة من ولدها ( زمعة –وعقيل- والحارث بن زمعة) قال :
أتــبــكي أن يــضــل لــهـا بعير ... ويــمــنــعـها من النوم السهود
فــلا تــبــكــي عــلى بـكر ولكن ... عــلــى بــدر تــقاصرت الحدود
على بدر سراة بني هصيص ... ومــخــزوم ورهــط أبـــي الوليد
وبــكّــي إن بــكيت على عقيل ... و بــكّــي حــارثــاً أســد الأسود
وبــكّــيــهــم ولا تـسـمـي جميعاً ... ومــا لأبــي حــكــيــمة من نديد
وقد قال أبو عزة عمرو بن جمح مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم في قلة ماله وكثرة عياله :
مــن بــلــغ عـــنـــــي الــنــبـــي مــحــمداً ...
بـــأنـــك حـــقٌ والـــمــــلــــيــــك حــــمــــيـــد
وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى ...
عــليــك مـــن الله الــعـــظـــيـــــم شـــهود
وأنـــت أمـــرؤ بــــوّئـــت فــيـــنــا مــباءة ...
لــهــا درجـــــات ســـهــــــلـــة وصـــــعــــود
فــإنــــك مـــــن حـــاربـــتــــه لــــمــــحـارب ...
شـــــقـــي ومــــن ســــالـــمـــتــــه لــسـعيد
وفي غزوة أُحد قامت هند بنت عتبه حين التقى الناس وضربت النساء بالدفوف خلف الرجال :
ويهاً بني عبد الدار ... ويــهـــاً حماة الأدبار
ضـــربـــاً بــكـــل بــتّار
إن تـــقـــبـــلوا نــعـانق ... ونــفــرش الــنــمــــارق
أو تـــدبــــروا نـــفارق ... فـــراق غــــيــــر وامــق
وفي غزوة حمراء الأسد التقى أبو سفيان مع معبد بن أبي معبد مُخّوفا معبد أبا سفيان من جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في ذلك معبد أبياتاً أسمعها أبا سفيان :
كــادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تــردى بــأســد كـــرام لا تـــنـــابـــلـة ... عـــنـــد الـــلـــقـــاء ولا مـيل معازيل
فــظــلت عدواً أظن الأرض مائلة ... لــمـــا ســموا برئيس غير مخذول
فــقـلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تــغــطــمــطـت البطحاء بالحيل
إنــي نــذيــر لأهـل السيل ضاحية ... لــكـــل ذي إربـــة مـــنــهم ومعقول
مـن جيش أحمد لا وحشٍ قنابله ... ولــيـس يوصف ما أنذرت بالقيل
وفي يوم الرجيع حين غدر أهل عُضل والقارة عن بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموهم الدين فقتلوا بعضهم فقال عاصم بن ثابت :
مــا عــلــتــي وأنـا جلد نابل ... والــقــوس فـيها وترٌ عُنابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الــمــوت حق والحياة باطل
وكــــل مـــا حــمّ الإلــه نازل ... بـــالــمــرءِ والــمــرءُ إلـيه آثل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
وقال خبيب بن عدي حين عرف أن القوم اجتمعوا لصلبه :
لــــقـــــد جــمـــع الأحـــزاب حـــولــي وألبوا ...
قـــبـــائـــلـــهـــم واسـتـجـمعوا الحل مجمعِ
وكـــلـــهــــم مــــبــــدي الـــعــــداوة جــــاهــــد ...
عــــلّــــي لأنــــي فــــي وثــــاق بــمــضــيــع
وقـــد جـــمــعــــوا أبـــنـــاءهــــم ونــســاءهم ...
وقـــربــــت مـــن جـــذع طـــويـــل مـــمــنــع
إلـــى الله أشــكـــو غـــربـــتـــي ثــم كـربتي ...
ومـــا أرصد الأحزاب لي عند مصـــرعي
وقـــد خـــيـــرونـــي بــالـكفر والموت دونه ...
وقـــد هـــمـــلــــت عـــيـــنـــــاي مـــن غـــيــــر
مجزع فو الله ما أرجو إذا مت مسلماً ...
عــلــى أي جــنــب كـان في الله مصرعي
فـــلـــســـت بـــمــبـــدٍ لـــلــعــــــدو تــخــشــــعـــاً ...
ولا جــــزعـــا إنــــي إلــــى الله مــــرجـــعـــي
وقد قال حسان بن ثابت يبكي خبيباً :
مـــا بــال عــيــنــيك لا ترقى مدامعها ...
سماً على الصدر مثل اللؤلؤ القلقِ
عــلى خــبيب فتى الفتيان قد عملوا ...
لا فـــشـــلٍ حـــيـــن تـــلـــقـــاه ولا نـزق
فـــاذهـــب خـــبــيـــب جــزاك الله طيبة ...
وجــنــة الـخلد عند الحور في الرفق
وقال معد ابن أبي معد الخزاعي حين مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي حين كان ينتظر أبا سفيان لقتال المشركين في غزوة بدر الآخرة :
قــد نــفــرت من رفقتي محمد ... وعــجــوة مــن يــثـرب كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد ... قــد جــعـلـت ماء قديد موعدي
وقال عبد الله بن رواحة في ذلك :
وعــدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد ... لـميعاده صدقاً و من كان وافيا
فــأقــســم لـــو وافــيــتــنــا فـلـقيتنا ... لأبــت ذمــيــماً وافتقدت المواليا
عــصيتم رسول الله أفٍ لدينكم ... وأمركم السوء الذي كان غاويا
وفي معركة الخندق رصد حسان بن ثابت هرب عكرمة بن أبي جهل وإلقاءه رمحه
فـــــــرَّ وألــــــقــــى رمــــحــــــه ... لــعـــلــــك عـــكـــرم لـم تفعل
ووليت تعدو كعدو الظليم ... مــا إن تــجور من المعدل
ولــم تـلو ظهرك مستأنساً ... كــأن قــفـــاك قـــفـــا فــــرعــل
وفي حادثة الإفك واتهام السيدة عائشة رضي الله عنها وتبرئة الله تعالى لها قال قائل من المسلمين في ضرب حسان بن ثابت وأصحابه في فريتهم على السيدة عائشة :
لــقــد ذاق حــســان الـذي كان أهله ...
وحـــمـــنــة إذ قــالـوا هجيراً ومسطح
تــعـــاطـــوا بــرجــم الغيب زوج نبيهم ...
وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا
وفي معركة فتح خيبر خرج مرحب اليهودي من حصنه قد جمع سلاحه يرتجز ويقول :
قـــد علمت خيبر أني مرحب ... شــاكــي السلاح بطل مجرب
أطــعــن أحــيانا وحيناً أضرب ... إذا الــلــيــوث أقبلت تحرسب
إن حماي للحمى لا يقرب
وقد أجابه كعب بن مالك :
قــد عــلــمــت خـــيبر أني كعب ... مــفــرج الـــغــــم جـــريء صـــلـبُ
إذ شــبـت الحرب تلتها الحرب ... معــي حــســام كالعقيق عضبُ
تــطــؤكــم حــتـــى يــذل الـصعب ... نعطي الجزاء أو يفيء النهبُ
بكف ماض ليس فيه عتب
وفي وداع الجيش الذاهب إلى مؤتة يقف عبدالله بن رواحة ويقول بعد أن حضر الرسول صلى الله عليه وسلم وداعهم :
خلف السلام على امرئ ودعته ... فــي الــنــخــل خير مشيع وخليل
وحمل الراية في مؤتة زيد بن حارثة ثم أخذها جعفر وقتل وهو يقول:
يـــا حــبــذا الـجنة واقترابها ... طــيـــبـــةً وبـــارداً شـــــرابــهـا
والروم روم قد دنا عذابها ... كـــافـــرة بــعــيــدة أنــســـابها
عليَّ إن لاقيتها ضرابها
ثم حمل الراية جعفر بن أبي طالب وهو يقول :
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... مـــالـــي أراك تــكــرهــيـن الجنة
قـــد طـال ما قد كنت مطمئنة ... هـــل أنــت إلا نــطفة في شنه
وقال أيضاً :
يـــا نــفـــس إلا تقتلي تموت ... هذا همام الموت قد صليت
ومــا تــمــنــيــت فـقد أعطيتِ ... إن تــفــعــلــي فـــعلهما هديت
وممن بكى شهداء مؤتة حسان بن ثابت حين قال :
تـــأوّبــنــي لــيــل بـــيــثــرب أعـسر ... وهـــمّ إذا ما نوم الناس مسهر
رأيــت خــيــار الــمـسلمين تواردوا ... شــعــوب وخــلــفــاً بــعدهم يتأخر
فــلا يــبــعــدن الله قــتــلـى تتابعوا ... جــمــيــعــاً وأســباب المنية تحظر
وزيـــد وعــبــد الله حــيــن تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وفي ذلك قال كعب بن مالك :
صــبــروا بـمؤتة للإله نفوسهم ... حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
إذ يــهــتــدون بــجــعــفــر ولوائه ... قــــدام أولـــهــــم فـــنـــعــــم الأول
قـــوم بــهــم عــصم الإله عباده ... وعــلــيــهـم نزل الكتاب المنزل
ومما هاج فتح مكة المكرمة تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة وقد وقف عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يــا رب إنــي نــاشـــد مــحـــمـدا ... حــلـــف أبــيـــه وأبــيــنـا الأنكدا
فانصر هداك الله نصراً أعتدا ... وادع عــبــاد الله يــأتــوا مــــددا
فــيــهــم رســـول الله قــد تجردا ... إن ســـيــم خـسفاً وجهه تريّدا
أما أبو سفيان أكبر أعداء الإسلام فقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه وقال :
لــعَـــمـــرُك إنــي حــيــن أحمل راية ... لـــتــغــلــب خـيل اللات خيل محمد
لــك الــمــدلــج الـحيران أظلم ليله ... فــهــذا أوانـي حين أهدى وأهتدي
أصـــد وأنـــأى جــاهـداً عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
وفي فتح مكة قال حسان قصيدته الهمزية :
عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلــى عــذراء مــنــزلــهــا خلاء
عــدمــنــا خـيلنا إن لم تروها ... تــثــيــر الــنــقـع موعدها كداء
تــظــل جــيـــادنــا مــتــمــطـراتٍ ... يــلــطــمــهــن بــالخمر النساء
وفي غزوة حُنين تجمع الناس وساروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع نسائهم وأبنائهم وأموالهم ونزلوا ( أوطاس ) وكان فيهم دريد ابن الصمة فقال هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ثم أنشد:
يـاليتني فيها جذع ... أخــبّ فــيـها وأضع
أقور وطناء الزمع ... كــأنــهــا شاة صدع
ومن الشعراء الذين ذكروا حُنين عباس بن مرداس :
يــا خــاتــم الأنــبياء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإلــه بــنــى عــلــيــك مـحبة ... فـــي خــلــقــه ومــحــمــداً سماكا
وحين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف قال كعب بن مالك
قضينا من تهامة كل ريب ... وخــيبر ثم أجمعنا السيوفا
نــخيرها و لو نطقت لقالت ... قــواطــعــهن دوساً أو ثقيفاً
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار قال بجير بن زهر بن أبي سلمي يذكر حُنيناً والطائف :
كانت علالة يوم بطن حنين ... وغــداة أوطــاس ويـوم الأبرق
جمعت بأغواء هوازن جمعها ... يــتــبــددوا كــالــطــائـر المتمزق
لــم يــمــنــعـوا منّا مقاماً واحداً ... إلا جـــدارهم وبــطـــن الــخــنــدق
وكذلك أدرك مالك بن عوف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأسلم بعد أن ردّ عليه أهله وماله وأعطاه مئة من الإبل ثم أنشد :
مــا إن رأيــت ولا ســمــعت بمثله ... فــي الــنــاس كــلــهـم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى ... ومــتــى تــشأ يخبرك عما في غد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ؛ وقصة كعب بن زهير وإسلامه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد توبته المشهورة بعد أن دعاه أخوه بجير للإسلام ومما قاله في رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنــبــئــت أن رســول الله أوعـــدني ...
والــعــهــد عــند رســول الله مأمول
إن الــنــبـــي لـــنـــور يــستضاء به ...
مــهــنــد مــن ســيــوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ...
بــبــطــن مــكــة لــمــا أسـلموا زولوا
زالــوا فــمـا زال أنــكاس ولا كشف ...
عــنــد الــلــقــاء ولا مــيـــل مــعــازيـل
ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه فقدم ( عطار بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف تميم منهم الأقرع بن حابس التميمي والزبرقان بن بدر التميمي أحد بني سعد وعمرو بن الأهتم والحبحاب بن زيد وفي وفد تميم نعيم بن يزيد وقيس بن الحارث وقيس بن عاصم أخو بني سعد وعبيد بن حصن الفزاري الذي شهد مع الأقرع فتح (مكة المكرمة وحنين والطائف) مع الرسول فقام الزبرقان وأنشد :
نــحــن الــكــرام فــلاحــي يــعــادلـنا ... مــنــا الـملوك وفينا تنصب البيع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا ... مــن الـشواء إذا لم يؤنس القزع
إنـــا أبــيــنــا ولا يــأبــى لــنـــا أحـــد ... إنـــا كــذلك عــنــد الــفــخــر نرتفع
فرد عليه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه :
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا ... على أنـف راض من معد وراغم
مــنــعــنــاه لــمــا حــلّ بين بيوتنا ... بــأســيــافــنــا مــن كــل باغ وظالم
ثم طلب الرسول من حسان أن يجيب الزبرقان :
إن الـــذوائـــب مــن فــهـــر وإخــوتـهم ...
قـــد بـــيـــنـــوا ســـنـــة لـــلـــديـــن تتبع
يــرضــى بــهم كل من كانت سريرته ...
تـــقـــوى الإلــه وكــل الخير تصطنع
قــوم إذا حــاربــوا ضــــروا عــــدوهـــــم ...
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
وكذلك مدح كعب بن مالك الأنصار فقال :
مـن سرهُ كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالي الأنصار
ورثوا المكارم كابراً عن كابر ... وعـــن الــخيـار هم بنو الأخيار
قـوم إذا حـزت النجوم فإنهم ... لــلــــطــارقــيــن الــنــازلين مقاري
ولما قدم فروه بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لهم أنشد :
لــمــا رأيــت مــلــوك كـندة أعرضت ...
كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قــربــت راحــلـــتـــــي أؤم مـــحــــمــــداً ...
أرجــــو فــــواضـــلـها وحـسن ثرائها
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق بربه بكاه الناس جميعاً وممن بكاه من الشعراء حسان بن ثابت وفي ذلك يقول :
بــطــيــبـــة رســـم للرسول ومعهد ...
مـــنــيـر وقد تعفو الرسوم وتهمدُ
لــقــد غــيبوا حلماً وعلماً ورحمة ...
عــشــيــة عــدوه الــثـرى لا يوسد
وهـــل عـــدلـــت يــومـاً رزية هالك ...
رزيـــة يـــومٍ مــات فـــيــه محمدُ
إمـــام لــهــم يهديهم الحق جاهداً ...
مــعــلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عـــفـــوّا عـــن الـزلات يقبل عذرهم ...
وإن يـــحــسـنوا فالله بالخير أجودُ
ومـــا فــقــد الـماضون مثل محـمد ...
ولا مـــثـلهُ حتى القيامة يُفـقد ُ
مــع الــمصطفى أرجو بدار جـواره ...
وفي نـيل ذاك اليوم أسعى وأجهدُ