الأخبار
لماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسطشهيد وثلاثة جرحى بغارة إسرائيلية استهدفت مركبة جنوب بيروت
2025/7/4
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية عاصور للكاتب الفلسطيني زهير مبارك

تاريخ النشر : 2022-10-31
رواية عاصور للكاتب الفلسطيني زهير مبارك

بقلم: أ. باسمة صواف

لا نستطيع أن ننكر بأن هناك روايات حينما نقرأها تؤثر فينا، وتضعنا أمام احتمالات النص، والأصوات المتعددة فيها، تحيلنا إلى عالمها، إلى فضاء المكان والزمان، وإلى سؤال الوعي الذي لطالما ارتبط بهويتنا وقضيتنا الوطنية، فالسؤال الذي طرحه الكاتب، وإن جاء مضمرا، متى سيفتح القفل؟! مشيرا بذلك إلى المفتاح عنوانا في بداية الرواية، وإلى القفل في نهايتها. ولكل قفل مفتاحه الخاص، أو كما قال الكاتب "لكل مفتاح قفل"، ربما تبدو العبارتين متشابهتين، ولكن كل منها يحمل أبعادا مختلفة، وهي تشير إلى فلسفة الكاتب في رؤيته للأوضاع، إن كنا نملك المفتاح فعملية فتح القفل أسرع من البحث عن المفتاح الذي يفتح القفل، ومن هنا يأتي السؤال!!

والسؤال مرتبط بتفاصيل المكان، وإلى فعل الكتابة بآفاقها المنفتحة على الواقعية، فهي تتناول الواقع الفلسطيني على الصعيد العام والشخصي، مما يعطيها انطباعا صادقا عن جوهر التجارب والأحداث، فيضفَى عليها التشويق والتنوع. وهذا ما يظهر من العنوان "عاصور"، فالاسم يدهش القارئ، ويرتبط بجبل يطل على قرى شرق رام الله، ويعدّ امتدادا لجبال القدس، وبسبب ارتفاعه فإنه يكشف الساحل الفلسطيني، وعاصور يعني تل حاصور والذي يعني قرية البعل وهي الأرض المرتفعة التي لا يسقيها إلا المطر. وهذا الجبل المتحصن بموقعه وارتفاعه ومميزاته جعل العدو يقيم فيه معسكرا، وجعل الكاتب يذكر عاصور في سردية حكائية تحمل دلالات القوة والأنفة، فقد وصفه بقوله: "هل كل الجبال كذلك؟ أم أن عاصور استثناء يقاوم الخنوع و الركوع، يرفض الانحناء والتقزم متحديا المعسكر الاحتلال الذي يقبع فوقه منذ سنين" ص189.

فمن العنوان يتحدد الخطاب الروائي، ولمن يوجه؟ يرى فوكو أن الخطاب "شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطرة في الوقت ذاته"، فالكاتب تناول خطابات سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية وما يتعلق بالوضع الصحي العام، بسرد يتسم بالموضوعية وحسب تودورف فإن "الموضوعية بالسرد وظيفتها الإخبار عن الأحداث عن طريق سردها بواسطة الراوي الذي يهتم بتقديم أحداث القصة"، وهذا يعني أنه يعرف الأحداث بتفاصيلها ويسردها بطريقة فيها البعد الفلسفي من خلال تناوله العميق للشخصيات من الناحية النفسية والاجتماعية، وطرحه للأحداث بطريقة جريئة بإظهار المسكوت عنه معتمدا التنوع في الترتيب الزمني ما يعطي الرواية طابع التشويق كما ذكرت.

ويأتي الخطاب الزمني في الرواية باستخدام الكاتب تقنية التسلسل الزمني والاسترجاع ليجمع بين حوادث متعلقة بحكايته وحكايات شعبه وليضيء فترات زمنية مضت. كما استطاع أن يدمج ما بين الزمن النفسي، والزمن التاريخي في الرواية.

ظهر الخطاب في الزمن النفسي حينما تناول الكاتب موت والديه وابنه، وأصدقائه، والوضع العام الذي آل إليه الوطن، فالزمن "الداخلي (النفسي) هو الزمن الذي يكشف عن أعماق الشخصية ومستواها الفكري"، وهذا الصراع الذي عاشه السارد لم يرتبط فقط بما يعانيه من ألم، بل ارتبط بالأحداث السياسية والاجتماعية التي رافقت الشخوص بطريقة نقدية واعية،".. خرج جمال ليسحبه للداخل فأصيب برصاصة في قدمه ولم يستطع النهوض فبدأ الجنود بإطلاق وابل من الرصاص على كل شبر من جسده، بقي تحت وابل الرصاص إلى أن استشهد في مكانه .. سقطت رام الله بدون أية مواجهة حقيقية تذكر، رغم كل المظاهر المسلحة التي كانت قبل الاجتياح اختفى السلاح كله لحظة المواجهة الحقيقية .. جمال هو الاسم الذي أطلقته على ابني تيمنا باسم جمال صديقي ..استشهد صديقي جمال فأسميت ابني باسمه، فمات في حادث سير. ولم أجرؤ بعدها أن أكرر هذا الاسم على أحد أولادي الذين أنجبتهم بعد موته ص81-85".

أما الخطاب في الزمن التاريخي فظهر حينما تناول الكاتب أهم مفاصل القضية الفلسطينية من الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة)، وانتفاضة الأقصى، واجتياح رام الله، وغزة، وقضية الشيخ جراح في القدس، والمقاومة في غزة، فالزمن الخارجي مرآة وشاهدا على أهم التغييرات في سير القضية الفلسطينية. "فثمة نوع من التثبيت للماضي في الصورة تؤطرها في لحظة استعادة واستغراق تأملي"، وهذا ما فعله الكاتب حيث استطاع أن يقف على أهم الأحداث السياسية والاجتماعية التي رافقت تلك الفترات الزمنية بطريقة تأملية ليختار أهم الخطابات فيها "..فلم يتوقع أن المقاومة ستفي بوعدها وتنفذ تهديدها، فحين دقت الساعة السادسة مساء ولم يتراجع عن همجيته، نفذت المقاومة وعيدها، وقامت برشق المئات من الصواريخ الموجه لأماكن تواجد الكيات في "تل أبيب" وغيرها من المدن في الداخل الفلسطيني.. بقيت المقاومة الفلسطينية ثابتة حتى تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، الأمر الذي رفع من معنويات الفلسطينيين ص97-100".
 
أما الخطاب المكاني فهو مرتبط في الأماكن التي تناولها الكاتب، وللمكان أهمية في الرواية الفلسطينية حيث "يحل بطلا بارزا يتفوق في حضوره وتناميه على الشخصيات الروائية والملحمية الواقعي منها والخيالي" وهذا ما ظهر في الرواية حيث ظهر زقاق الدومي بطلا، هذا الزقاق الذي جعل دبابات العدو تقف عاجزة أمامه، فلم تستطع أن تدخله."دخلت البلدة مجموعة من دبابات ضخمة لا حدود لعرضها ولا لطول فوهتها ولضيقه علقت دبابة في وسطه، وبصعوبة كبيرة استطاع الجنود سحبها والتراجع ولم تكمل طريقها إلى داخل البلدة القديمة، كان ذلك قبل أن تقوم البلدية بهدم كل إرث وأثر وبناء محلات مكانها ص10". هنا أدرك الكاتب أن المكان تغير بفعل التطورات السياسية والاجتماعية التي مرّت عليه.

كما تناول عاصور حينما قال: "في الساعة السابعة من صباح كل يوم، يسمع إنذار ينطلق من المعسكر الإسرائيلي الذي أقيم عليه بعد عام 1967 إبان حرب الأيام الستة.. واتخذه مكانا استراتيجيا ومركزا إعلاميا سريا لا يعرف عنه الكثير بسبب السرية العالية التي تحيط فيه ص9". هذا المكان الذي قام الاحتلال بنشر صواريخ عليه في بداية تسعينيات القرن الماضي يأخذ مكانة مهمة للاحتلال، ودلالة على صمود أهالي القرى التي يطل عليها عاصور، فالسارد هنا كان صغيرا يعي كل ما يجري، مثله مثل الكثير من أطفالنا الذين يتشكل في مخيلتهم ألف سؤال وسؤال حول وجود معسكر على الجبل، دون الشعور بالخوف، ليس اعتيادا عليه، بل لإيمانهم بأن العاصور جبل فلسطيني شامخ.

ولأن الإنسان لا يستطيع التفكير خارج إطار اللغة، جاءت لغة الكاتب وصفيه واقعية، جميلة، محملة بدلالات فلسفية في باطنها، فباللغة تنطق الشخصيات كي نستطيع فهمها وتحليلها، وتنكشف الأحداث وتظهر للقارئ. "وانجذاب القارئ للرواية لا يعتمد على العناصر الفلسفية والاجتماعية فحسب، بل يعتمد أيضا على عبقرية اللغة التي تجعل من العمل قائما بذاته"، لذا نرى لغة السارد أو الكاتب مرتبطة بالهم الشخصي والوطني، مستخدما ضمير المتكلم بشكل كبير "وأهم ما يمتاز به هذا الضمير قدرته المدهشة في إذابة الفروق الزمنية والسردية بين السارد والشخصية، والزمن. كما يعمل على تعرية النفس البشرية من خلال الإيغال في أعماقها فتقدم الشخصية للقارئ كما هي لا كما يجب أن تكون".

وهذا ما ظهر في الرواية فقد كان ضمير المتكلم هو السارد العليم بجميع الأحداث، وهذا ما جعل العمل الروائي يعطي انطباعا أقرب إلى السيرة الذاتية المتداخلة مع الرواية، مع أن الكاتب استخدم ضمير الغائب، وسواء استخدم ضمير المتكلم أم الغائب أحيانا فقد ظهر السارد بأنه العليم بجميع الأحداث، وبجميع شخصياته.
وقد تعددت الشخصيات التي تناولها الكاتب، وكان لكل منها دور في نسج الحكاية التي بنيت عليها الرواية، وكان للمرأة حضور أيضا فهي الأم، والزوجة، والعمة، والجارة، وابنة القرية، والجدة. ومنها شخصية عمته رحاب والتي وصفها بدقة "عمتي رحاب عريضة الأكتاف، صوتها جهور وقلبها ميت، لم تكن محظوظة مع زوجها الذي هجرها معظم سنوات زواجها.. فتك المرض بزوجها وتوفي بعد ذلك بوقت قصير، وتركها وحيدة تواجه واقعها في أمريكا، كانت حنونة إلى أبعد حد ومقاتلة من الطرز الأول، لو أردنا تصنيفها على الطريقة العسكرية فهي تصلح لان تكون من قوات الصاعقة.. خلال زيارتها للفندق الذي نزل فيه أخوها العريس، نظرت حولها فرات على طاولات القاعة ضيافة العرس الفاخرة "قطين" ضحكت ضحكة مجلجلة تهز أركانها؛ كانت قبل سفرها تقطف التين وتصنع منه القطين بكميات كبيرة وتبيعه كمصدر رزق، أما اليوم بقدم لها كضيافة ص49" .

فالكاتب هنا لعب على التناقضات وتعدد السمات في شخصية عمته رحاب، حيث قال: ميتة القلب، وفي الوقت ذاته حنونة ومقاتلة من الطراز الأول، تبيع القطين وتأكله كضيافة، وهذه السمة هي السمة العامة للمرأة الفلسطينية بحكم ظروفها الخاصة والعامة التي فرضت عليها، سواء داخل البلاد أم خارجها.

حاول الكاتب أن يجمع بين دفتي روايته (190) صفحة، والصادرة حديثا عن دار الرقمية أبرز الأحداث منذ الانتفاضة الأولى حتى وقتنا الحاضر، بعلاقة متداخلة، ومتوازية مع الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية، والتي تحمل في طياتها التناقضات التي يعيشها الوطن.

ويبقى السؤال معلقا مرهونا بالمفتاح، ويبقى عاصور شامخا لا يقبل إلا بمياه المطر لا ينحني، وتبقى الحواجز وإن تغير اسمها مرتبطة بمشاهد لا زالت معلقة في الذاكرة، وتبقى زقاق الدومي شاهدا على الاحتلال وإن دُمرت ولم يبق منها شيئا، ويبقى نحن لا زلنا نعيش الألم المكبل بسلاسل تدمي عقولنا وأجسادنا، والسؤال يتأرجح "فمتى نصحو من غيبوبتنا التي ما زلنا فيها منذ أكثر من مئة عام؟.. لا أدري" لكننا حتما سندري.. وسيزول السواد.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف