الأخبار
(حماس): قدمنا رداً إيجابياً وجاهزون للدخول فوراً في مفاوضات حول آلية التنفيذلماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسط
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

جماليات الخطاب السردي بين الواقع والمتخيل في رواية فتاة الياقة الزرقاء

تاريخ النشر : 2022-10-29
جماليات الخطاب السردي بين الواقع والمتخيل في رواية فتاة الياقة الزرقاء

أنفال كاظم

جماليات الخطاب السردي بين الواقع والمتخيل في رواية فتاة الياقة الزرقاء!

بقلم: أنفال كاظم

في رواية فتاة الياقة الزرقاء للروائي عمرو عبد الحميد والصادرة عن دار عصير الكتب للطباعة والنشر ٢٠٢١، تكمن جماليات الخطاب السردي في العلاقة المتميزة والمتينة التي نسجها الروائي بين الواقع والمتخيل بشكل محكم ، فقد استقى فكرته من الواقع وحولها إلى متخيل روائي استثنائي تشوبه شيء من الغرائبية، وبطريقة تنقل المتلقي من عالمه الى عالم آخر، عالم جديد رسخ الروائي اسسه المتينة وركائزه الأساسية و أثثه من كل الجوانب بقوة وثبات وثقة عالية من ناحية بناء الاحداث ورسم الشخصيات وتصوير الأماكن وتحديد الزمان و الحوارات واللغة السلسة والمرنة، كل هذه العناصر ساهمت في اقناع المتلقي وفتحت له آفاق واسعة وناضجة وكافية لتخيل الأحداث وعيشها مع الشخصيات بكل صراعاتها الداخلية والخارجية وهواجسها ومخاوفها وقراراتها ومغامراتها، فهي تعد رواية اجتماعية واقعية صُبت في قالب خيالي يستند بالدرجة الأساس على (استشراف المستقبل) أو (الاستباق) كتقنية سردية منحت النص الروائي جمالية، على اعتبار أن المستقبل هو زمن الاحتمالات وعالم الغيبيات التي تقلق الانسان ويتطلع لها بشيء من الأمل وربما اليأس وبناء التوقعات الحثيثة والمستمرة التي تخص كل مجالات الحياة.

كذلك ساهمت هذه التقنية على استيضاح الفكرة الجوهرية التي بُنيت من اجلها الرواية ،وكما وصف غائب طعمة فرمان هذه التقنية على انها (تقنية زمنية تميز صراحة أو ضمنا عن أحداث سيشهدها السرد الروائي في وقت لاحق) واستناداً على ما جاء به (تودورف) بوصف (تقنية الاستشراف هي عقدة القدر المكتوب والشكل الروائي الذي يستطيع الراوي أن يشير إلى أحداث لاحقة يمكن أن تحدث) فاستشراف المستقبل تقنية زمنية تدل على حركة سردية تروي أو تذكر تغييراً سيحدث لاحقاً ويعد عنصر الزمن أساساً لها وأهم ركائزها وكما جاء في الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا (لا يعيش عنصر الزمن منفصلاً عن باقي عناصر السرد وإنما يدخل في علاقات متعددة مع المكونات الحكائية السردية كالشخصيات والأحداث والرؤيات السردية).

تدور أحداث الرواية في عام ٢٣٢٠ميلادي مع وجود جائحة خطيرة أصابت العالم بأسره واجتاحته كالشبح المخيف، إذ غيرت شكل الحياة كلياً على الأرض، بدأت هذه الجائحة عام ٢٠٧٠ميلادي في أفريقيا الوسطى ثم انتقلت كالوباء الى كل بلدان العالم، وذلك بوفاة كل المولودات الإناث بعد ولادتهن مباشرةً مالم يتم استئصال ارحامهن ويعزى السبب إلى انتشار خلايا سرطانية في جدار الرحم ومنها إلى كافة الجسم ومن ثم وفاتهن نتيجة لخلل جيني غريب! وضعت منظمة الصحة العالمية بعض الاحتمالات والنظريات التي تنص على ان السبب هو الطاقة النووية أو التعديلات الجينية على المحاصيل الزراعية لكن يبقى السبب مجهولا.

ولهذا وافقت على استأصال الارحام بعد اثبات اصابتها الجينية مع الإبقاء على المبيضين سليمين، حتى ظهرت أول خلية زرقاء عام ٢٠٧٩ميلادي وهي طفلة أثبت سلامة رحمها جينياً وسُميت بالخلية الزرقاء لانها كانت مرتدية سترة بيضاء ذات ياقة زرقاء كبيرة يحيط بها الأطباء من كل جانب، بعدها أخذن ذوات الياقة الزرقاء بالازدياد (ثلاثين فتاة كل ألف مولودة) لتمنح البشرية فرص اضافية للاستمرارية ومنح عوائلهن امتيازات من نوع خاص تكريماً لهن من بنك التخصيب المركزي مثل زيادة فرص الانجاب أو منح دراسية لافراد العائلة وتوفير معاش شهري ثابت، بعد أن تغادرهم الخلية الزرقاء في عمر الستة عشر عاماً إلى محميات خاصة للخلايا التابعة لبنك التخصيب لتأدية رسالتهن السامية اتجاه الجنس البشري في هذه الحياة والمحافظة عليه ولأن أرحامهن أصبحت ملكاً للدولة، فقد أجاد الروائي ترسيخ العالم المتخيل بشخوصه وأمكنته ومعطياته مستمداً ملامحه ومعالمه من خياله الخصب والناضج و تمكن من رسم صور خيالية عن ما سيكون عليه الحال في المستقبل وكيف أن إناث الأرض الحديثات سيولدن بلا ارحام! خصوصاً بعد فشل جميع المحاولات لزرع الاجنة البشرية في الارحام الصناعية او ارحام الحيوانات!

وكما يرى جابر عصفور (أن المتخيل عملية ايهام موجهة تهدف إلى اثارة المتلقي اثارة مقصودة سلفاً، والعملية تبدأ بالصور المتخيلة التي تنطوبي عليها القصدية والتي تنطوي هي ذاتها على معطيات بينها وبين الاثارة المرجوة علاقة الإشارة الموحية، وتحدث العملية فعلها عندما تستدعي خبرات المتلقي المختزنة والمتجانسة من معطيات الصور المتخيلة،وذلك الامر طبيعي مادام التخيل ينتج انفعالات تفضي إلى أذهان النفس فتنبسط لأمر من الأمور أو تنقبض عنه)، فقد تجسدت معالم المتخيل في الرواية من خلال؛ وزارة الانجاب وتوضيح مسؤلياتها وعملها اتجاه الناس من جهة واتجاه ذوات الياقة الزرقاء من جهة أخرى، والمؤقتات الأجهزة الالكترونية والمنظمات الحقيقية للانجاب وكيف يتم التحكم بها ومتى يزود به الناس وكيفية عملها بالتفصيل، الشريحة الالكترونية التي تحملها ذوات الياقة الزرقاء في اجسادهن ومدى أهميته وعلاقتهن بالنسبة لبنك التخصيب المركزي ووزارة الانجاب، وقطارات الخلايا الزرقاء التي تصل مع بداية كل شهر الى المدينة محملة بالخلايا الجديدة والمسؤولة عن حمايتها أفراد من (يتامى العلمين)الموكلة لهم المهمة العسكرية الأهم في هذا العصر.

يسلط الروائي الضوء على عائلة بسيطة تعيش في ظل هذه الجائحة في قرية صغيرة مكونة من الاب والام والشخصية الرئيسية (ليلى)،والتي ستنقلب حياتهم راساً على عقب بعد استلامهم لمولودة جديدة من ذوات الياقة الزرقاء(سوزان) من مخفر القرية القريب ،والتي بقدومها منحت العائلة امتيازات من ضمنها مولود إضافي اخ يدعى(يونس)،قدومها كان بمثابة القنبلة الموقوته التي تدمر كل شيء فلم يحفلوا بكل الامتيازات التي يتمناها الغير وانما اشعرتهم بالحزن لشدة تعلقهم بها، ولم يحتملوا فكرة مغادرتها لهم لاي سبب من الأسباب!

ومن هذا المنطلق تبدأ سلسلة من الاحداث المشوقة والمغامرات المحفوفة بالمخاطر والخطط السرية لتغيير مصير سوزان المحتوم! خصوصاً بعدما ادركت ليلى مدى الظلم المسلط على فتيات الياقة الزرقاء من خلال حرمانهن من التعليم والذهاب إلى المدرسة، ومعاملتهن معاملة خاصة غير طبيعية كالسجينات مسلوبات الإرادة والحياة ،وحرمانهن من عوائلهن في سن محدد، واستغلال اجسادهن بالولادات المتكررة مرغمات من اجل أن ينعم الاخرون بحياة طبيعية، ومن ثم نفيهن بابعادهن إلى محميات خاصة بعد انتهاء صلاحيتهن وواجباتهن اتجاه بنك التخصيب دون ارجاعهن الى عوائلهن، أخيراً اكتشاف الوجه القبيح لبنك التخصيب المركزي الذي يزود المزادات اللاقانونية بذوات الياقة الزرقاء (الخلايا الزرقاء) الحديثة المريضة والخلايا التي تصل الى عامها السادس والثلاثين بعد انتهاء الحاجة لهن اذ لا تتحمل اجسادهن الحمل مرة أخرى، ويباعن الى جهات إرهابية وسماسرة محصنين دولياً ولديهم قوة ونفوذ لحقن اجنتهم في ارحامهن لعلهن ينجبن لهم المزيد من الولادات، تقام المزادات على المواقع الالكترونية عالية السرية، تحاول ليلى فضح هذه المعلومات بمساعدة مجموعة من الشخصيات الثانوية الداعمة والساندة لها كما وصفها عبداللطيف محمد الحديدي (الشخصيات الثانوية تضيئ الجوانب الخفية للشخصية الرئيسية وتكون إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها وإما تبعٌ لها وتدور في فلكها).

وهذه الشخصيات الثانوية لا تقل أهمية عن الشخصيات الرئيسية مثل (السيد شاهين قائد مخفر الشرطة في القرية و رامي إسماعيل الصديق المقرب الى ليلى و الطبيب ريمون نشأت ، وطبيبة الطوارئ مريم،والسيد حسان السائق المحترف ،والسيد مراد الحداد الماهر ، والسيدة فريدة التي كانت تعمل في محمية الخلايا وتحمل معلومات سرية خطيرة، و شريف بهجت محقق في هيئة امن المؤقتات) كل هؤلاء من الشخصيات يربطهم هدف واحد الا وهو فضح بنك التخصيب بطريقة او أخرى! ،وقد تجسدت ملامح الواقعية في الرواية بشكل واضح، كما وصفه محمد كامل الخطيب (هو الراهن الاجتماعي المعطى والحاضر او المجتمع الذي نعيش فيه بأبعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية والصحية فهو كل ما يحيط بالانسان وما يحمله من قيم وأفكار وعادات وتقاليد) اذ كان له دور بارز عمل عليه الروائي الا وهوالجزء المتعلق بالنفس البشرية التي لا تتغير عبر الازمان!

فمثلما هنالك جانب من الفقر والضعف والعوز والخير هناك جانب اخر نقيضاً له متمثلا بالثراء الفاحش والقوة والشر المتأصل في نفوس الكثيرين اللذين يحاولون جاهدين استغلال البشرية بأكملها لاشباع رغباتهم وتحقيق مصالحهم القذرة ، فقد كان بيع الخلايا الزرقاء في المزادات السرية وبمساعدة بنك التخصيب المركزي ذاته الذي من واجباته الاهتمام بهن وحمايتهن، تعتبر جريمة كبرى بحق الإنسانية بأكملها وبحق الخلايا الزرقاء واستنزاف اجهزتهن الحيوية وتعريضهن لانتهاك جسدي ونفسي وفكري وعاطفي وبحق اهاليهم الذين يحاولون اسكاتهم ببعض الميزات ثمناً لهن ،ينطوي الكتاب على عشرون فصل، اخذت الشخصية الرئيسية ليلى على عاتقها مسؤولية سرد الاحداث بالضمير المتكلم (أنا) طيلة الرواية عدا اخر فصل الذي تسرد احداثة عن لسان (رامي) وبلغة سلسة ومفهومة خالية من التعقيد والفلسفة!، وكما وصفها الروائي غائب طعمة فرمان ( تقوم هذه الشخصية بدور رئيس، تكُّون قوة الأحداث وحركة الصراع مركزة عليها فهي نقطة ارتكاز البنية الروائية ومنها تنطلق الفعاليات المختلفة إذ يتجلى دورها في إثراء الحدث ونمو الفكرة وتداعيها).

وهذا بدوره منح الشعور بالمصداقية للمتلقي كأنه يعيش الزمان والمكان ذاته جنباً الى جنب مع الشخصيات ويستمع للحوارات بوضوح وتشويق ، أما الحبكة فأتسمت بكونها حبكة تصاعدية شديدة التوتر ،تجذب المتلقي وتتلاعب بمشاعره ثم ترمي به في خانة الايهام بالنسبة للاحداث اكثر من مره خلال السرد، فتخيب اماله لوهلة ويشعر بالضياع ومن ثم يستعيد تركيزه وتشويقه ومتابعته الحثيثة للشخصية الرئيسية ومغامراتها ما ان يكتشف الحقيقة! واخيراً ان رواية فتاة الياقة الزوقاء رواية تشويقية بإمتياز وهي ثمرة مزيج سحري بين الواقع والخيال بعنوانها الملفت المستمد من صميم جوهرها ومضمونها الرائع.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف