الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ذاكرة الطفولة والأبعاد الدلالية في (طوباسيوز) للكاتبة سماح خليفة

تاريخ النشر : 2022-10-04
ذاكرة الطفولة والأبعاد الدّلالية في "طوباسيوز" للكاتبة سماح خليفة

بقلم: حسين حلمي شاكر - كاتب وقاص فلسطيني

طوباسيوز يوميات طفلة الانتفاضة، أو كما أسمتها في نهاية تقديمها للمجموعة (مرآة أسرة فلسطينية، سردتها طفلة، تذوقت حب الوطن والأسرة...)، صادرة عن دار الأعلام، وتقع في 103 صفحات من القطع المتوسط.

هي مجموعة تعكس إيماءات الكاتبة في ٣٥ نصا، كتبت، قبل قيامها بتقديم نصوصها، ثلاثة أبيات من الشعر، أكدت فيها على براءة الأطفال وعلى جمال شقاوتهم "وعلى شفتيها يزهو الحب"، وكذلك من أجل التحليق في شاعرية القصص. في التقديم طرحت الكاتبة تسعة أسئلة، وتركت القارئ يبحث عن الإجابات بين سطور نصوصها فاتضحت الرغبة للكشف عن العلاقة الجدلية بين الزمن والحاضر، وبين القارئ والكاتبة، وبين الخيال والواقع، وبين الرغبة والتمني... الخ من المتناقضات التي يجمعها الأمل، في التقديم أيضا أتساءل إذا كانت قد تعمدت أن تذكر باكورة أعمالها (يوميات أنثى حائرة) دون غيره؟ علما أنه يوجد أكثر من إصدار للكاتبة كما ذكرت هي في خواتم المجموعة، وكأنها تريد أن تنقل الحيرة التي ما زالت منذ أن كانت طفلة، ولكي تؤكد بأن الطفولة ما زالت تسكن قلبها.

طوباسيوز

القصة الأولى في المجموعة التي تدور فيها أحداث ويوميات الطفلة، لامست حنان الأب ورعايته وشغف الطفلة التي تتفتح مداركها، والأجمل بأن والدها أراد أن تبدأ في البحث من أوسع الأبواب عن تاريخ طوباس وماضيها؛ لتكتشف بنفسها الحقيقة وتقرأ التاريخ وتزيح الوهم الكرتوني. في القصة إشارة لهلامة المجتمع الكرتوني ودعوة لتوسيع المدارك.

معركة حامية الوطيس
بالرغم من قسوة المشهد إزاء ما ألمّ بالطالبة، إلا أنّ القصة التي حفرت بالذاكرة تعكس إيمان الكاتبة بأهمية التضامن مع زميلاتها ودعوة للتآخي والتعاضد، وما لفت انتباهي هو امتناع معلمة الفن عن دعوة الطالبات لصناعة العصفور وقيامها هي بذلك؛ لتؤكد على سلامة الصورة وأهمية التحليق، عدا عن النهاية التي تؤكد فيها الكاتبة عن أهمية التكاتف الأسري.

استشهدت سماح

قصة استشهدت سماح تميزت بموقعها، فقد جاءت مباشرة بعد أن نجح الأب في القصة الأولى من فتح باب الإدراك، وتمكنت المعلمة من رسم الأفق، في القصة الثالثة تقاطعت مسؤولية الوالد مع مسؤولية المعلمة واتضحت معالم الإدراك وبدأت الطفلة نحو صقل شخصيتها والاندماج فيما سيأتي.

تبّا لتلك الرصاصة

نعم تبا لتلك الرصاصة، التي أثقلت كاهل الشاب المصاب وأتعبته واستوطنت ألما في رأسه والمحيطين، الملفت في القصة المقارنة بين ثقل سنبلة القمح التي رسمت ملامح ذهبية في الحقل وتودي بمنتوجها الذي تعتمده طوباس ومناطقها الريفية المتطلعة إلى الحياة، وهي إشارة أيضا إلى أهمية القمح في حياتنا وموروثنا الشعبي، وبين الرصاصة التي أثقلت رأس الشاب، وتؤدي إلى الموت والموت البطيء، وكيف يجب استغلال وظيفة الأيدي فيما يرضي الله ويسهم في البناء والتنمية.

مالك زعلانة

قصة تحدي ونجاح، من يعرف الكاتبة قد يدرك من القصة الملامح الأولى للأسباب التي دعتها نحو التعليم، فقد أدركت منذ أن تفتحت أبواب الادراك لديها بأن المدرسة بالنسبة لها ليس فقط علاقة بين معلمة ومتلقي، ولربما أن المسافة بين مدرستها وبيتها قد سهلت من تبلور هذه القناعة التي كانت في حينها أمنية، وبسبب ما حفرته الذاكرة، (لقد اثبتت عدة دراسات أن اليوم الأول من المدرسة يبقى في الذاكرة ولا يزول) ولتزيل أيضا أي صورة قاتمة لأية معلمة أو مديرة، وهي مقارنة بين اهتمامات الوالد ورعايته للأبناء وبين المعلمين، ودق ناقوس الخطر في تجاهل أهمية التربية من قبل الهيئات التدريسية قبل الاهتمام بالتعليم.

توكل بنانا

نقلت مشاهد طقوس يوم الجمعة للأسرة الفلسطينية، وتكاد أن تؤكد أيضا أهمية الوحدة والالتفاف ولفت النظر إلى الخير في الجماعة وللجماعة وهي بذلك تصور البناء الاجتماعي الفلسطيني، قبل أن تلج إلى أحداث الصبية وصلف الجنود.

أعتقد بأن العنوان والمشهد الذي صور الموز ورفضه من قبل الجنود يرمز إلى المبدأ الفلسطيني في رفض تناول قضيته كقضية إنسانية أو حياتية وقد يكون عدم ذكر الفاكهة في وجبة الغداء بأن الفلسطيني يرفض حياة الكمال على حساب قضيته، أيضا لاحظت دعوة الكاتبة للأطفال من أجل الاعتياد على رفع شارة النصر وأعتقد بأن تلك الدعوة هي انعكاس لهذه المواقف من قبل أطفال اليوم حيث صارت عادة متبعة.

اشقيف

بدأت بشموخ جبل النار الذي لا زال يلتهب في وجه الاحتلال ورسخت بعنوانها ملحمة الصمود في قلعة الشقيف في جنوب لبنان إبان الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢، ما يميز القصة أسلوبها الذي امتزج بالتقريرية والمشهدية وكأنك تشاهد ريبورتاجا مصورا عن أحداث تتكاثف فيه الجهود من أجل قضية وطنية لم تستثني اهتمام الشبان بمن هم في مرحلة الطفولة وحرصهم عليهم.

حدارج بدارج

تعيد إلينا ما تكاد أن تخفيه من الذاكرة تفاصيل كثيرة من الألعاب في سن الطفولة ومرحلة ما قبل المراهقة وأثنائها بسبب ألعاب البوبجي وغيرها من الألعاب الإلكترونية التي تغيّب عن قصد وغير قصد الكثير من الحكايا والألعاب الشعبية التي يزخر بها موروثنا الشعبي، هذا جانب والجانب الآخر الذي هو بالأهمية ذاتها الرسالة التي تبعث بها ألعاب الكبار تجاه أولادهم فهم في القصة ليسوا في المقاهي التي يعتاد عليها الرجال في ألعابهم وكأنهم يعلمون أبنائهم لعبة الكبار أو أنهم يحذرونهم من لعب الكبار...

امسكي الخشب

دعوة لفك قيود الطفولة والخروج من الصورة النمطية التي يريدها غير الطفل للطفل، وهي دعوة جديرة بالاحترام والتقدير لأنها تسهم أيضا في رفض التقليد أو تقمص شخصية الكبير التي لا يعلم أسرارها إلا الله… ، لربما أنني قرأت دعوة الكاتبة أيضا في البحث عن طريقة أخرى يتم فيها استبدال مهمة أو وظيفة عريف الصف إن جاز التعبير لأن في ذلك تأهيل أعمى نحو أن يكون الفرد تابعا أو واشيا، وهذه من أخطر الأمور في مثل مجتمعنا، ومن الأمور الأخرى التي بين سطور القصة هي الاهتمام بمواهب الطفل أو الطالب منذ الصغر وجعلها مدار نقاش نحو البحث عن آلية تعليم عصرية ومنهاج يواكب التطورات وحاجة الأولاد.

محمد الحليب

بالرغم من أهمية الحليب كمادة غذائية للأطفال بهذا العمر، لم يتناوله محمد في ذلك اليوم، لقد تماسك ونما وتأهل من حليب أمه وهي من العادات الصحية التي تصرّ الكاتبة وهي أم الآن لأربعة بنات وطفل على الاستمرار بها وعدم العزوف عنها.
القصة لم تتجاهل تضامن أهل البلد مع ذوي المعتقل وهي من المظاهر التي يتسم بها المجتمع الفلسطيني وتظهر بجلاء في حوادث المداهمات والاعتقالات وحالات إطلاق النار وغيرها وهي كثيرة، الملفت في القصة أيضا الرسالة التي حملتها طريقة جري الكلاب وراء الفارين من قبضة المحتل نحو عزتهم وكأن القصة تحذر المواطنين من العملاء وتفضحهم وتشبههم باللاهثين وراء مصالحهم.

كم من قالب زجاجي بحاجة للكسر

بدأت القصة بالعنبر الذي لا تصنعه إلاّ أيد مجتهدة تجيد البحث عن العمل لتحقيق العيش الكريم، تساؤلات الكاتبة في عمرها الآن ليست بريئة كما كانت أثناء أحداث القصة، هنا تحذر من خطر التوجه للعمل في سن مبكرة وقد تجلّى ذلك أيضا في حديثها مع ابنة الجيران وتخوفها من خطر الاحتراق، وبذات الوقت تؤكد على أهمية الاعتماد على النفس والتشاور بشأن ما قد يستدعي التدخل؛ لتنشئة سليمة وفقا لاجتهاد مدروس.

الجميلة والوحش

لم أكن متابعا لمسلسل الجميلة والوحش لكنه ترك لدى الأطفال انطباعا يتعلق بروح المغامرة والوفاء ومن شأنه أن يشجع على القيام بأعمال تفوق قدرة الأطفال وامكانياتهم، وهذه واحدة من رسائل القصة التي تناشد فيها الكاتبة بطريقة ذكية بضرورة اعتماد قصص تحاكي الواقع، المسألة الثانية هي القيمة الشرائية لعدد من الأغورات في ذلك الوقت والتساؤلات التي أطلقتها الكاتبة بين السطور عن مصير تلك الأغورات وأسباب اختفائها من السوق وعدم تداولها علما أنها تشكل أجزاء من عملة الشيكل المتداولة بين الناس، وتتضح معالمها في فواتير البيع والشراء والمقاصات الضرائبية وكأنها دعوة للبحث عن مكانها.

وين خبيت الشباب

بدأت القصة بالصباح الذي اختلفت معالمه في عيون الأطفال الذين يحتفلون بعطلتهم المدرسية، فهو لدى كل الطلاب من الأيام المميزة والمحببة، ولكن سرعان ما انخطفت البهجة جراء ما قام به جنود الاحتلال، حاولت الكاتبة في القصة تسليط الضوء على أهمية الانخراط في أعمال المقاومة ودور النساء اللواتي يعتمرن البيوت في تلك الفترة وقيامهن بحماية الشباب الذين اتخذوا من البيوت ملاذا آمنا دون أن يكون ذلك بقرار، أدى إلى التضامن والتكافل وتعميق العلاقات، وهي من المظاهر التي تؤكد الكاتبة على أهمية بقائها في ظل عدم زوال الاحتلال وفي ظل تفشي المصالح الشخصية والبحث عن الذات.

اشعر بمن حولك

تعيد إلينا القصة مواقف أخصائية التغذية اللبنانية مريم نور وصداقتها مع الطبيعة وكمية الدعوات للعودة إليها، قد لا تحتاج الكاتبة وذويها بذلك الوقت على وجه الخصوص إلى مثل تلك النصائح، فهم يعيشون في مجتمع ريفي يتآخى مع الطبيعة، ولكن الملفت هو ما تملكه الكاتبة من خيال منذ أن كانت طفلة، فقد تمكنت من التحدث مع الأزهار ومع الجبل ولربما مع غيره من مظاهر الطبيعة التي صقلت لديها شخصية الكاتبة المبدعة.

رغم ذلك أحبك

قصة القصة إن جاز التعبير، هي عبور الطفلة مرحلة الكبار من خلال التقليد، (تهندمت وقامت بزيارة صديقتها) ولم تعجبها طريقة الاستقبال الفاترة أو حديث الأخت وتدخلها وكأنها تدعو الكبار إلى ترك الأطفال وشأنهم وإن احتاج الأمر لتدخل فليكن من أجل التوجيه السليم، بدلالة قفلة القصة بعبارة من كلمتين (أحبك صديقتي).

الأرض بتتكلم

القصة كما الكاتبة، ليست الأولى التي تتحدث عن الشهادة ولن تكون، فهي ظاهرة تكاد أن تكون متوارثة لدي الفلسطينيين، لكن الشيء المميز فيها هي تخيل الطفلة في ذلك الوقت بأن الأرض تتكلم، وأجزم بأنها حتى ذلك الوقت لم تكن تسمع بسيد مكاوي ولا بالشاعر فؤاد حداد الذي ألف القصيدة وأنشدتها الأجيال، أعتقد بأن القصد من وراء القصة هي التأكيد على عرى العلاقة بين الأرض وبين الشهيد.

متى يخرج أبي من الصورة

لا أدرى ما الذي تريده الكاتبة من العنوان، هل هو دعوة نحو تغيير الصورة النمطية التي هي في إطار العادات والتقاليد التي تجيز زواج أرملة الأخ مثلا؟ أو بعدم زوال صورة الأب أو الأم المتوفيين من ذاكرة أبنائهم والتفكير بهم؟ في التساؤل الأول دعوة حذرة من تجاوز ذلك وفي التساؤل الثاني ضرورة التسليم بالقضاء والقدر وفقا لإيمان واعٍ يخلد الذكرى ويحفز حب الحياة.

الصهاينة الأنذال..

"لماذا لم يعتقلوني؟" العنوان الذي بدأت فيه الكاتبة هذه القصة يوحي وكأنه الأنشودة التي رددها أطفال الحجارة في ذلك الوقت تجاه المعتقلين وتمجيدهم، وهنا امتزجت مواقف الطفولة تجاه المعتقلين الذين يتخيلهم الأطفال من أبرز الأبطال الذين يشاهدونهم في ألعابهم، وبين الرغبة في تقليدهم حتى في أسوأ المراحل، في القصة رسالة تقرأ في كل يوم عن أطفال تلك المرحلة الذين تم اعتقالهم لاحقا ولا يزال عدد منهم رهن الاعتقال، لا سيما الأسيرات اللواتي كن في عمر الكاتبة أو أصغر.

ما ظل فل عند أبو الناجي يا معلمتي

هنا تم التركيز على الفل في القصة فهو يعكس بياض قلوب الطفولة ويرمز أيضا إلى الكاتبة التي تؤكد بأن ديمومة العطاء والتقدم بالعمر يحيل ألوان الطفولة إلى اللون الوردي الذي تمتاز به أزهار الفل، وكأنها تقول لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.

النار فاكهة الشتاء

أول قصة في الكتاب تدور أحداثها في فصل الشتاء، تتحدث فيها الكاتبة عن الدفء وتصور مشاهد جبروت الفلاح الفلسطيني أمام مظاهر الطبيعة وحرصه على أسرته في أن تبقى دافئة، في الأحداث التي تدور أثناء شتاء ذلك العام تحدثت الكاتبة بشكل واضح عن صوت الشتاء الذي يتكون على ألواح الزينكو، تلك الألواح التي تغطي أسقف البيوت المتواضعة في مخيمات اللجوء الفلسطيني وهي إشارة إلى معاناة اللاجئين من ظروف الشتاء، ولكي لا تبقى القصة درامية صورت مشاهد لهو الأطفال في الثلج وتغير لون الطبيعة ولو لساعات في طوباس التي بالعادة لا تهطل عليها الثلوج، وكأنها تقول لا يوجد شيء مستحيل.

إن شاء الله النار تآكل نصف إسرائيل

تلي مباشرة القصة التي كانت فيها النار فاكهة للشتاء ومصدر دفء وونيس لأسرة تتحلق على كانون النار، لكن في هذه المرة تريدها الكاتبة نارا حارقة على اسرائيل التي تحتل الوطن ومنعت الأطفال من اللعب وأدخلتهم في غرف مغلقة، وفي معمعة وتشابك أحداثها آثرت الأسرة الخروج إلى السطح متناسية أو ناسية أو لا مبالية بخطر الغاز الذي كانت تخيف به اسرائيل الناس من العراق، وإيمانها بأنه لو حدث لا قدر الله ذلك لترحم الله في عباده الصابرين الراجعين إليه من غاشية جهنم.

جيبي الخوصة من العقد يا ستي

تعددت الآراء حول تسمية السكين بالخوصة وحتى مصادر تسميتها بذلك، وهي أداة تستعمل في تقطيع الخضار والفواكه، أكثر ما يتداولها بهذا الاسم هم سكان القرى الفلسطينية تحديدا كبار السن، الأحداث في القصة تكاد تكون اعتيادية وهي من مظاهر الحياة الاجتماعية الفلسطينية، حيث التزاور بين الأقارب واصطحاب الصغار، في هذه القصة تعمدت الكاتبة التركيز على الخوصة لكنها لم تنجح في أن تحصرها كمصطلح تتداوله الجدة فقط وإن نجحت في تداولها ضمن نطاق حياتها وظروفها ، ذلك بسبب أن القصة وغيرها من القصص السالفة لم تخلُ من بعض الكلمات العامية التي تتداولها الأسرة تحديدا الأب والأم الذين ينحدرون من بيئة فلاحية، إن إصرار الكاتبة على استعمال التسمية من قبل الجدة فقط وعدم معرفة معناها من قبل الطفلتين هي طريقة ذكية وأسلوب لجأت اليه الكاتبة لتؤكد بأن الكلمة كنعانية الأصل قديمة بقدم التاريخ وعراقة الأجداد بدلالة وجودها أيضا في العقد، وهو بناء من طراز قديم استعمله الفلسطينيون لإيوائهم.

أنا مسلمة وقلبي دليلي

عنوان يثير الدهشة ويثير التساؤل، بدأت أحداث القصة بين المعلمة والطالبات ولم تخرج عن نطاق السؤال والجواب وهذا ما لم ترضَه الطالبة التي هي كاتبة الآن وتؤمن بأهمية الحوار واحترام الرأي الآخر وتحذر من خطر التشتت في فهم العقيدة، ما يلفت الانتباه هو اختيار لعبة (اللص والحاكم والجلاد) في القصة دون غيرها، وكأنها تقول بأن على الحكام تصويب الأمور وفقا لمبادئ وقيم العقيدة، أو بقدرة اللص على سرق الطفرة التي خلقنا بها كبشر مؤمنين، واللص هنا غير كل اللصوص الذين يقتحمون البيوت لكنه أخطر فلربما قد يظهر بشكل فكرة أو أسلوب حديث أو استدراج أو نهج ضمن منهاج، وقد تركت دورا للحاكم في إمكانية ايقاع عقوبة، أو في جلد الذات.

وچّعتك العصا كثير؟

العنوان بدأ بصيغة سؤال، وهي محاولة دفع القارئ في البحث عن أسئلة أخرى في سياق النص لتشجيع القارئ في قول رأيه تحديدا في الموضوع المتعلق في الجدوى من ايقاع العقوبات الجسدية على الطلاب، ومن أجل البحث ايضا عن الاسئلة التي لم تنته بشارة التساؤل في النص، وهو أسلوب تشجيعي لدفع المتلقي لقراءة معمقة وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى عدم الامتناع عن ضرب الطلاب وفقا لتوجهات التربية الحديثة.
إن قيام الكاتبة بتصوير المشاهد التي أدت إلى إيقاع العقوبة في الطالبة هي دعوة لإجراء مقارنة بين المخالفة وشكل العقوبة التي رفضتها الكاتبة منذ أن كانت طالبة، ودعوة توجيه وارشاد حيال طالباتها الآن.

ما قلت لك بلاش تروحي

في هذه القصة تحلق الطفلة بأفق الكاتبة وخيالها، تكاد أن تتقاطع أحداثها مع قصة (اشعر بمن حولك) التي تحدثت بها الكاتبة مع الجبل وفتحت لديها الطريق نحو تطوير الموهبة نحو الكتابة، لا زالت تذكر الغابة، أفق أشجار السرو، ومظاهر طبيعية كثيرة وسعت من مداركها وحلقت بأفق الخيال تحددت معالمها لاحقا في كونها أديبة وشاعرة.

شو يا سماح مع السحور

تصور جانب من أجواء رمضان، تتضح فيها صور العلاقة بين الاهتمام بالأطفال ورعايتهم وبين القيام بالواجبات الدينية وهي تنم عن وعي الأسرة والأم على وجه الخصوص تجاه مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم تنشئة دينية ترضي بها الله عز وجل، من رسائل القصة أيضا هي أهمية التغذية بالنسبة للأطفال خصوصا في شهر رمضان وفي القدرة على التحمل ودعوة في مراقبة الموقف أو القرار الذي يتخذه الأطفال أحيانا لإعادة تقييمه بما يسهم وصقل الشخصية.

صافي يا لبن

من الأمثال الشعبية التي عنونت به الكاتبة قصتها هذه، وهو يختزل النهاية في القصة لأنه يضرب للدلالة على حالة التسامح والرضا والمودة بين المتخاصمين بعد حل الخصام بالتراضي بين المتخاصمين، تعمدت الكاتبة أن تكون القصة بهذه النهاية الطيبة التي تكونت بينها وبين الطفلة في أجواء المدرسة، بعيدا عن أعين الكبار الذي تتساءل فيه القصة عن السبب وراء التحريض أو عدم الاكتراث وكأنها تقول: اتركوا الأمور لأصحابها وافتحوا المجال للأجيال الأخرى.

في بيتنا ملوخية..تبا

قد تبدو الإشارة إلى أنه يوجد في بيتها ملوخية كغيرها من البيوت الأخرى التي يكثر فيها هذا النوع من الخضروات في موسم الصيف على وجه التحديد وتنهمك الأسرة فيه إما لغايات الطبخ أو للتخزين، القصة تصور العادات الفلسطينية المتبعة في طريقة التحضير وهي في الغالب تعتمد على تجهيزها داخل البيوت بعكس بعض سكان المدن الذين يبتاعونها جاهزة على الأقل مقطعة، وهو الأمر الذي أدى ببعض النسوة إلى إقامة مشاريع بيتية لتحضيرها، انطلاقا من كونها أكلة محببة وموسمية لا يكاد أي بيت يخلو منها، وهذا ما تناولته رسالة القصة وهي تشجيع النساء على إقامة مثل هذه المشاريع.

أرطغرل يعود من الموت

هو والد السلطان الأول للدولة العثمانية ومعناه ايضا الرجل العقاب أو الجندي العقاب أو الطير الجارح. ذاع صيته بين القبائل بذلك الوقت لشدة جبروته ومقاومته للمغول وأعداء الإسلام، وذاع صيته بين الناس أكثر بانتشار الفضائيات وعرضه ضمن حلقات بمسلسل تلفزيوني طويل من انتاج تركي وقد تابعه الكثيرون وشحذ من همم الكثيرين، القصة خيالية برغم من وجود المدرسة والطالبات والمعلمات ولربما الخطر الذي أحاط بالطالبة أيضا، لكنها تحاكي التاريخ والواقع وتزيل الستار عن أحداث ترى الكاتبة ضرورة دراستها وأخذ العبر.

يعني سندباد بشو أحسن مني؟

سؤال وجهته لنفسها وتوجهه الآن إلى صديقتها التي كبرت وإلى أمها وغيرهن الكثير، جوهر القصة في صدى الصوت الذي ارتد، هو فكرة للقصة أيضا، كأنه صيحات استغاثة من القيود التي يفرضها المجتمع والعناية العمياء تجاه الأبناء، ومن أجل عدم التقليل من أهمية صوت الطفل ورأي المرأة ودعوة للإصغاء واستجابة للمظلوم والاستماع إلى رأي الآخرين.
وأخيرا سأسافر إلى الفضاء

بدا جليا أن الطفلة بدأت تتململ، بعد تجربة زاخرة من حياتها المدرسية ورحلاتها وعلاقتها بالأسرة وبصديقاتها، توسعت مداركها وأصبحت تتخيل البحر الذي لم تشاهده حتى اللحظة تلك، بحثت في سلوك المزارع عن عمق تمثل في البحر الزاخر بالمرجان والكنوز وعن أفق غير محدود، لكنها واقعية، فقد لجأت إلى والدها الذي يتضح للقارئ بأنه يشكل لها مرجعية وموسوعة من المعرفة وهي تدرك بأنه يختلف عن كتب التاريخ التي لا تتناول تفاصيل الأمور في حينها، ولم يمل من الإجابة على أي سؤال بعكس المعلمات اللواتي لا يخرجن عن نطاق المادة أو التكليف.

رائحة التوت

العنوان يلائم كل أحداث القصة وحتى أنه قريب من شخوص القصة. بعد قراءة القصة بعنوانها الواضح يتضح ذكاء الكاتبة بعدم إغفال هذا النوع من الشجر لأنه لغاية اللحظة لم تخرج الكاتبة من نطاق القرية ومن الظروف التي تحيط حياة اهلها الذين بغالبتهم من المزارعين أو الفلاحين، وذلك بسبب أن شجرة التوت تعتبر في بيئة الفلاحين وجزء مهم من مرافق البيت الفلسطيني، كانت تقوم نساء البيت أو الحي بإنجاز الكثير من الأعمال تحت ظلالها ويستخدمها الرجال مكانا للتسامر وعقد اللقاءات وقد سميت (بتوتة الدار) وقد تشابهت مع الجدة من حيث عمرها وعطائها، وتشابهت إلى حد كبير أيضا مع الطفلات اللواتي يسدلن شعورهن كالحرير وهي إشارة إلى وجه التشابه بين منافع شجرة التوت في تغذية دودة القز التي كانت تصنع الحرير. أكثر ما يحزن المرء في القصة هو ما قالته الجدة عن موت الشجرة (سيقتلها أبناؤها يا ستي قبل أن تموت) وهي دعوة للرفق بالوالدين وبكبار السن.

القهوة بوش

عند قراءتي العنوان ثم النص أدركت أهميتها في الكتاب، وكأنها استراحة في مكان يعبق برائحتها، ولأنها من المشروب المضل الذي اعتادت عليه الناس في مجتمعنا، في المناسبات وفي البيوت، هو عادة لتعديل المزاج، تذكرت في استراحتها ما قاله الشاعر محمود درويش عن القهوة (أريد هدنة لمدة خمسة دقائق من أجل القهوة) ولربما بأنها باستراحتها هذه قد أعطت المجال للشاربين والقارئين في سبر غور تعدد وجوهها، وكأنها تومئ إلى تعدد الوجوه والتباين بالمواقف وانطلاقا من كون فنجان القهوة قد يعزز من بعض المظاهر السلبية التي تتخذها بغض المجالس.

شو أجيب لك معي يا سماح

اهتمام الأب وعنايته بأبنائه، وانحيازه لأولاده البنات كما ذكرت الكاتبة ذلك في إحدى قصصها، جعلها بتقديري أن تخصص هذا العنوان إلى الأب، ولأنها من المؤمنين أيضا بحنان الأم، وتقاطع مهمتها مع مهمات الأب تطرقت متعمدة إلى ذكر مسلسل (ماما رتيبة) لتؤكد على مستوى التطابق بين الرتيبتين بالنسبة للتنشئة إزاء الأبناء، وهي دعوة ايضا للاستفادة من البرامج والمسلسلات التلفزيونية المنتشرة بكثرة هذه الأيام على حساب البرامج والمسلسلات والأفلام المفيدة.

هالمرة سماح

وهي القصة الأخيرة من يوميات الطفلة التي تحدثت فيها عن نفسها وعن ذويها و زميلاتها ومعلماتها وعن شخصيات أخري تحيط في مكان الأحداث، من الملاحظ بأن القصة قد تلت مباشرة القصة المعنونة (شو أجبلك معي يا سماح) التي تحدثت فيها عن الأم المثالية وكأنها تستخطئ نفسها في القصة الأخيرة بسبب استغلال عاطفة أمها وإصرارها على القيام بزيارة صديقتها وكيف أنها لم تعد إلى البيت مسرورة كما كانت ترغب؛ بسبب تصرف حتى وإن كان بريئا، استحضار القصة لكأس القهوة يشير بأن الأمر لم يكن طبيعيا، أرادت الكاتبة لفت الانتباه وعدم الاستهانة من أية ملاحظة مهما بدت.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف