الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المؤرخون و"إرث عباس"

تاريخ النشر : 2022-10-04
المؤرخون و"إرث عباس"

عريب الرنتاوي

المؤرخون و"إرث عباس"

بقلم: عريب الرنتاوي - مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية

ثمة ما يشبه الإجماع، بين خصوم الرئيس الفلسطيني ومعارضيه، بأن شيئاً لن يتغير طالما ظل متربعاً على عرش القيادة الفلسطينية، لا على المستوى الداخلي (البيْني) ولا على مستوى إدارة العلاقة مع إسرائيل... ولقد تعززت هذه القناعة لدى الفلسطينيين، بعد الخطاب الذي ألقاه محمود عباس من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي وإن جاء متميزاً في لغته ونبرته و"منسوب" يأسه وإحباطه و"عصبيته"، إلا أنه خلا تماماً من أي فكرة للمستقبل، وأبقى الفلسطينيين نهباً للتيه وانعدام اليقين.

لا شيء سيتغير تحت قيادة عباس، حتى أن الرجل المُسنّ (87 عاماً) لم يعد لديه الرغبة ولا القدرة على إطلاق مبادرات جديدة، إن على مستوى إعادة بناء النظام الفلسطيني وترميم التصدعات والتشققات في الجسد الفلسطيني، أو على مستوى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي... كل شيء قيد الحفظ في "ثلاجة"، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

بعض المعلقين اقترح أن خطاب عباس في الجمعية العامة، هو خطاب الوداع، واستبعد أن يقف الرئيس ثانية على المنبر الأشهر على الساحة الدولية... هذه فرضية تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب، فالأعمار بيد الله، وصحة عباس اليوم، أفضل من صحة الملكة اليزابيت قبل عشر سنوات، وقد يظل الجمود سيد الموقف، لفترة لا يعملها أحد، لكن المؤكد أن "تقطيع الوقت" سيكون السمة العامة للمشهد الفلسطيني طالما ظل الرئيس قادراً على أداء الحد الأدنى من مهام منصبه، ولو على مستوى توقيع المراسيم، التي لا تحتاج منه إلى ما هو أكثر من "خاتم الشرعية"، تماماً مثلما هو حال قلّة من القادة العرب اليوم، ومثلما كان عليه حالهم طوال سنوات وعقود.

يعني ذلك، أن ليس في الحديث عن "إرث عباس" أي قدر من المجازفة، فما يمكن أن يفعله الرجل، قد فعله من قبل، وإن بقيت فسحة من الوقت، فلن تكون إلا للمزيد من الشيء ذاته... وفي ظني أن جميع الأفرقاء، وفي مقدمتهم الفلسطينيين أنفسهم، ينتظرون بقدر من القلق وانعدام اليقين، مرحلة "ما بعد عباس"، ولعل كثرة من الأطراف تجري حساباتها على هذا الأساس.

ما الذي يمكن أن يكتبه المؤرخون عن "إرث عباس"؟

سؤال لا يشغل بال القادة العرب عادة، ومن ضمنهم القائد الفلسطيني، طالما أن أولويتهم الأولى تظل محصورة في البقاء في سدة الحكم، طالما بقوا حيّاً، وتأمين عوائلهم من بعد رحيلهم، وهذا ما يفعله الرئيس عباس في السنوات الأخيرة.

سيرتبط اتفاق أوسلو باسم الرئيس عباس على وجه الخصوص، رغم أنه أبرم في عهد سلفه، ياسر عرفات، القائد التاريخي للشعب الفلسطيني، فالرئيس عباس، وإن لم يحظ بجائزة نوبل لهذا العمل، أسوة بالثلاثة الآخرين الذين ظهروا في حديقة البيت الأبيض: رابين، بيريز وعرفات، لم يكن دوره أقل من دور أي منهم، بل ويمكن القول، أن أوسلو وما بعده، كانا بمثابة الانطلاق الثانية لعباس في مشوار حياته السياسية، فما قبل أوسلو ليس كما بعده، على صعيد مكانة الرجل في المنظومة الفلسطينية.

اتفاق أوسلو، الذي يحتضر اليوم، انتهى إلى قيام السلطة الفلسطينية، وأخفق في الوصول إلى الدولة، التي تبدو أبعد منالاً أكثر من أي وقت مضى، فيما القدس تخضع لأوسع وأسرع عمليات التهويد والأسرلة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي أخرجوا منها، تبدو حلماً عصي على التحقيق... أوسلو أبقى الفلسطينيين وحركتهم الوطنية في منزلة بين منزلتين: فلا هي حركة تحرر الوطني، كتلك التي عرفناه في مرحلة تصفية الاستعمار، ولا هي دولة بالمعايير المعروفة للدول... وضعية كهذه تبدو نموذجية للإسرائيليين، فلا هم مرغمين على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، في إطار "حل الدولتين"، ولا هم مرغمين على الذهاب لسيناريو الدولة الواحدة ثنائية القومية.

حتى الذي تحمسوا لاتفاق أوسلو في البدء، وعادوا لانتقاده وتفنيده بعد تعثر مساراته، سيلقون باللائمة على الرئيس عباس فيما ذهب إليه، أولاً لأنه تحمس للاتفاق أكثر من غيره، وقاد المفاوضات بشأنه، ولم يتوقف لحظة أمام نواقصه وأفخاخه، وثانياً، لأنه أظهر ضعفاً في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية والمستمرة للاتفاق، وسيظل على رهاناته الساذجة حتى آخر يوم في حياته... أما خصوم الاتفاق، فليسوا بحاجة لحوافز جديدة، تدفعهم لنقد الرئيس، وأحياناً تجريمه.

عباس والحق يقال، كان العراب الأكثر حماسة لأوسلو، اتفاقاً وفلسفة ومساراً ورهانات، إلا أنه ليس وحده من تقع أعباء الاتفاق وأوزاره على كاهله، فالتركيبة القيادية الفلسطينية برمتها، تتحمل المسؤولية عنه، حتى وأن أدركت متأخرة بؤس رهانات الاتفاق وخياراته، وحتى إن دفعت حياتها ثمناً لمحاولة تصحيح المسار، كما حصل باغتيال ياسر عرفات.

لكن أوسلو، على أهميته وخطورته "الاستراتيجية"، ليس الشيء الوحيد الذي سيعلق في أذهان المؤرخين والباحثين، وهم يتصدون لمهمة كتابة "إرث عباس"، فخلال السنوات الـ"17" التي أعقبت انتخابه رئيس للسلطة، جرت مياه كثيرة في أنهار فلسطين وجداولها، وهو المسؤول عنها أكثر من غيره، أقله، بحكم موقعه ومكانته في النظام السياسي الفلسطيني.

استلم الرئيس عباس السلطة خراباً صفصفا، بعد عملية "السور الواقي" وإعادة احتلال الضفة الغربية بكاملها، ومحاصرة الرئيس عرفات في مقره، حتى تسميمه واغتياله، وعمل بعلاقة تعاون وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، على إعادة بناء مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية، وفقاً لمقتضيات التنسيق الأمني، وعلى قاعدة "الانسان الفلسطيني الجديد" التي تحدث عنها الجنرال كيت دايتون أمام الكونغرس، وبمشورة "غير خالصة" من قبل ممثل الرباعية الدولية في حينه، طوني بلير.

لكن ذلك كله، لم يشفع له عند إسرائيل، التي كانت تطالبه بالمزيد في كل مرة، ولا تتوانى عن إطلاق حملات "الشيطنة" ضده إن توانى أو تردد، ولا عند الولايات المتحدة، التي راوحت سياساتها ما بين خطين: الترامبية، بما هي تبن كامل لرواية اليمين الإسرائيلي ورؤيته للحل، والرؤية التقليدية، التي تضبط حركة واشنطن وأولوياتها وفقاً للإيقاع الإسرائيلي، فلا تتقدم بما لا ترغب به إسرائيل، ولا تتأخر عن ممارسة الضغوط على الفلسطينيين نيابة عنها.

أخفق عباس، في ترجمة رؤيته وبرنامجه اللذان نهضا على قاعدة" لا بديل عن المفاوضات سوى المزيد منها، وقاد فتح والسلطة والمنظمة بعيداً عن مؤسساتها، إلى أن ذوت وتآكلت، لتحل محلها قيادة متفردة، مسنودة بحفنة قليلة من المستشارين والمساعدين المنتقين بعناية شخصية فائقة.

تسلم الرئيس عباس سلطاته، والمنظمة في لحظة ضعف تاريخية، فزادها ضعفاً وتهالكاً... تسلم السلطة في لحظة تفكك وانهيار، فأطلق العنان لبلير ودايتون لإعادة بنائها وفقاً للمقاييس الإسرائيلية، قبل أن تخضعها إسرائيل لعملية تهميش منهجي ومنظم... تسلم الرئيس عباس حركة فتح، وهي وحدة واحدة "بالمعنى النسبي للكلمة، وكما هو حال فتح دوماً"، لكن الحركة تحت قيادته، ستشهد ضعفاً غير مسبوق، وانقسامات لا تنتهي، وعمليات ترك وفصل لا تتوقف، لكـأنها كانت عرضة لمؤامرة تخليصها من دورها القيادي وموقعها التاريخي لصالح حفنة من المؤلفة قلوبهم وجيوبهم.

تسلم عباس رئاسة الشعب الفلسطيني وهو موحداً، وها هو الانقسام الأخطر والأطول والأعمق في تاريخ الفلسطينيين، ينخر في عروق مجتمعهم وجغرافيتهم ومؤسساتهم وحركتهم الوطنية، والمؤكد أنه سيغادر موقعه (وربما الحياة الدنيا) والانقسام يزداد عمقاً واستطالة.. فما الذي سيكتبه المؤرخون تحت عنوان "إرث عباس"، غير ذلك؟... هي دعوة للحوار في "إرث عباس" وليست محاولة لتقييم تجربة الرجل وإطلاق الأحكام عليه وعليها.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف